منهج الإمام أبي بكر ابن العربي (ت:543) في كتابه نكت المحصول في علم الأصول
منشور في مجلة المشكاة الصادرة عن جامعة الزيتونة العدد 17 لسنة 2019 ص197-232
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين، أمّا بعد فإنّ من أهمّ القضايا الجديرة بالدّراسة في ميدان علم أصول الفقه، قضايا المنهج والاتّجاه الأصولي، فأمّا قضايا المنهج فإنّ التحقيق فيها هو الذي يرسم خطوات التجديد المنشود، عند من يرمي إلى الحفاظ على أصالة موضوع علم أصول الفقه، ويحصر مفهوم التجديد في منهج المعالجة لمسائله حتى تكون فاعلة أكثر ومُنتجة في جميع المجالات الفقهية المتعددة. وأمّا البحث في الاتجاهات الأصولية فقد دعا إلى تجديد البحث فيها نشرُ مؤلفات أصولية كثيرة التي لم تكن مطبوعةً من قبل؛ حيث أعاد كثير من الباحثين النظر في تحديد الاتجاهات الأصولية لأصحابها، بل ودعا إلى إعادة النظر في أصل تقسيم المدارس الأصولية، فظهور العدة لأبي يعلى الحنبلي ومقدمة ابن القصار المالكي لفت الأنظار إلى وجود من سلك طريقة الفقهاء من غير الحنفية في توثيق آراء الأئمة المتبوعين، كما أن ظهور ميزان الأصول لعلاء الدين السمرقندي أثبت وجود اتجاه للمتكلمين قاده أئمة من الحنفية أوّلهم أبو منصور الماتريدي.
ومن المؤلفات التي طُبعت قبل أكثر من عقدين ولم يعتنَ بعدُ بدراسة التفاصيل المنهجية لمؤلفه، وكذا التحقيق في الاتجاه الأصولي لصاحبه كتاب "نكت المحصول في علم الأصول" لأبي بكر بن العربي المالكي رحمه الله تعالى، وهو كتاب عِشت معه سنوات تدريسا لمسائله ثم تحقيقا لنصوصه، فسطّرت عدّة قضايا منهجية عنَّت لي لأجعلها مقدمة له، وبعد فراغي من مقابلة النسخ الخطية، طبع الكتاب طبعة ثانية بتحقيق الدكتور حاتم باي وهي طبعة جيدة، وقدم له بمقدمة لم يتعرض فيها إلا لبعض القضايا المنهجية، ركز فيها على عقد مقارنة بين نكت المحصول والمنخول للغزالي والبرهان للجويني؛ فحصر مجال البحث والمقارنة دون نفوذ إلى ما أعتبره لب الاشكال، وهو هل ألّف ابن العربي وهو الفقيه المتكلم كتابه على طريقة الفقهاء أم على طريقة المتكلمين؟ أم أنه سلكا طريقا وسطا بين المدرستين؟ وما هي الخصائص المنهجية التي يمكن من خلالها تحديد اتجاهه الأصولي؟ فما أصبو إليه في هذا البحث بإذن الله تعالى؛ هو التحقيق في موقف ابن العربي من قضايا منهجية دقيقة؛ يمكن من خلالها تحديد اتجاهه الأصولي .
وقد حصرت القضايا التي قدرتها موصلة لهدف البحث في أربعة محاور أساسية، أولا: طبيعة المسائل الأصولية المطروقة في الكتاب، ثانيا: منهج ابن العربي في تصوير المسائل الأصولية، ثالثا: منهجه في التعامل مع الآراء والمذاهب، وأخيرا منهجه في الاستدلال على القضايا الأصولية، وكلُّ محور يتضمن قضايا جزئية دقيقة لعلّها هي التي تُمكننا من الإجابة عن الإشكال المطروح، ونسأل الإله العلي القدير التوفيق والسداد.
المبحث الأول : طبيعة المسائل المطروقة في النكت
أوّل شيء نتطرق إليه في هذا البحث مُحاولة استكشاف طبيعة المسائل المطروقة في كتاب نكت المحصول وتصنيفها، قبل الولوج إلى منهج معالجة هذه المسائل، ولعلّ هذا يكون أبرز العناصر الموضحة للاتجاه الأصولي لابن العربي رحمه الله، وقد تجنّبت ذكر المسائل الأصولية الأصيلة في العلم، واقتصرت على الدخيلة أو المتداخلة مع علوم أخرى؛ وهي المسائل الكلامية والمسائل الفقهية والمسائل اللغوية؛ وأخيرا المسائل النظرية والفرضية.
المطلب الأول: المسائل الكلامية
في كتاب ابن العربي مسائل لا يُختلف في كونها مسائل كلامية منها التي تتعلق بالتكليف؛ وقد ذكر منها خمسة في أول كتابه أولها مسألة التكليف بما لا يطاق وآخرها تكليف الكفار بفروع الشريعة(1)، وتطرّق لمسائل أخرى باعتبارها أصولا يُبنى عليها غيرها كالبحث في حقيقة الكلام والأمر وحقيقة العموم، وعصمة الأنبياء وجواز النسخ(2)، كما تطرَّق لمسائل كلامية محضة متفرِّعة على غيرها في ثنايا الكتاب؛ منها اشتراط العلم بالتمكن من الأمر قبل الفعل، واشتراط التمكن من الفعل في إلزام الأمر، ومسألة إنكار المباح، والمندوب هل هو مأمور به، وهل الأمر بالشيء يدل على إجزائه، وأشار إشارة إلى أمر المعدوم، ومسألة الاستواء(3)، وذكر مسائل أخرى أصيلة في علم الأصول لكن كانت للمتكلمين فيها اختيارات مخالفة للفقهاء كحقيقة الحكم الشرعي، وصيغة الأمر وصيغة العموم، وحقيقة النسخ، وتصويب المجتهدين وقد وافق المتكلمين في جلها(4).
المطلب الثاني : المسائل الفقهية والجدلية
إننا إذا افتتحنا كتاب العربي لم نشك أنّه سلك طريقة المتكلمين؛ حيث نجد مسائل كلامية صِرفة كما سبق وصفه، ولكنّنا في ثنايا الكتاب نجد أنفسنا ندرس فروعا فقهية مترجمة في مسائل مفردة، وإفراده المسائل بالدراسة يُخرجها عن كونها أمثلةً أو تفريعات، ومن ذلك مسائل التأويل التي أبلغها المصنف عشرين مسألة ستة عشرةَ منها كلها فقهية ناقشها على طريقة أهل الخلاف، وكان الجويني قد ذكر منها جملةً أمثلةً للتمييز بين التأويل الصحيح والتأويل الفاسد، ثم صارت في مصنفات من بعده كأنها مسائل أصولية، وقد انتَقد القرافيُ الغزاليَ وابن العربي والآمدي على متابعتهم للجويني في ذلك وقال:« وهذا لائق بعلم الخلاف لا بعلم الأصول»(5). وقد انتبه بعضهم لهذا فاعتذر لذكرها بما وصفنا كما صنع ابن السمعاني(6).
ثم إنّ العربي كرّر الأمر نفسه في مباحث المفهوم فذكر ثلاثة مسائل مفردة؛ ناقشها بطريقة أهل الخلاف(7) ، وختم مسائل الأمر بمسألة فقهية محضة؛ بحثُها في كتب القواعد الفقهية أليق وقد ختمها المصنف بقوله: «والمسألة كثيرة الفروع عظيمة التشعب والتركب، وقد استوفيناها في كتاب "الإنصاف" بيانا وتأصيلا، ومهدناها في كتاب "أمهات المسائل" تفريعا وتفصيلا»(8).
ونُلحق بمسائل الفقه مسائل الجدل الذي يُعرَّف بأنه أصول فقه خاص وهو علم الخلاف، وقد تواطأ الأصوليون على ذكر نبذ منه خاصة بالاعتراضات الواردة على القياس، حتى صار من الصّعب أن يُتصوّر كونها دخيلة على علم الأصول(9). وكان أوّل من اعترض على اقحامها الإمام الغزالي في المستصفى وعلل اعتراضه بأنها ليست من أصول الفقه(10) ، وذكر بدلا عنها فصلا عنْوَنه بأوجهِ تطرق الخطأ إلى القياس، وتبعه الرازي على ذلك لكنه أسرف في شرحها(11) ، ولم يلتفت أكثر الأصوليين إلى ما ذكره الغزالي، ومنهم من اعترض عليه كابن رشيق الذي قال: «وليس الأمر كما زعم، ونحن نذكر من ذلك ما تمس الحاجة إليه ويتدرب به الطالب»(12). وابن العربي أيضا قد جرى على مذهب الغزالي في المنخول لا في المستصفى، وجعل آخر فصول كتاب القياس في الاعتراضات (13).
المطلب الثالث : المسائل اللغوية
من المسائل الملحقة بكتب الأصول المسائل اللغوية المحضة، وقد دافع ابن العربي عن إقحامها في مصنفات الأصول لكنّه اعتبرها من سوابق العلم وليست منه(14) ، فتناولها دون توسيع القول فيها مقتديا بالجويني الذي حاول أن يكون مقتصدا في هذا الباب قدر الإمكان، كما اقتدى به ابن السمعاني في ذلك وقال:« ذكرنا منها قدر ما تمس إليه الحاجة»(15). وهذا المبدأ نفسه سار عليه ابن العربي حيث قال في ثنايا بحثه لمعاني الحروف: « والمقدار الذي يتعلَّق بالفقه في ابتناء الأحكام قد بينَّاه، وما تقدَّم من قول أبي عبد الله المغربي بحثٌ نحويٌ لسنا الآن له»(16).
ورُغم هذا الالتزام فإنّه قد ذكر مبادئ في النحو استغنى عنها أكثر الأصوليين، كأقسام الكَلِم وما يتألف منه الكلام وأنواع الفعل، ثم تقسيم الكلام إلى مستعمل ومهمل(17)، وعُذره في ذلك اجتهاده في الربط بين المسائل وبيان تسلسلها المنطقي.
المطلب الرابع : المسائل النظرية والفرضية
قد ذكر ابن العربي في كتابه مسائل نظرية كثيرة لا يُبنى عليه فروع فقهية؛ كثير منها مسائل كلامية تُعتبر ممهدةً لمسائل الأصول، وأما المسائل الفرضية فهي قليلةٌ جدا في هذا المختصر؛ ومنها مسألة مبدأ اللغات التي قال في أوّل شرحها:« فإذا فهمت هذا فقد فَرَضَ علماؤنا رحمهم الله مسألةً؛ وهي أنّ اللغات هل هي توقيف من المعلّم الأعظم وهو الباري تعالى؟ أو هي متواضَعة متفق عليها بين الناس؟»(18) ، وذكر وجهة نظر الفريقين دون جزم في الترجيح، ولعلّه ذكرها مع عدم جدواها للتنبيه على كونها فرضية لكثرة من ذكرها، ومثلُها مسألة النسخ قبل الفعل التي ذكرها لخلاف المعتزلة فيها ولبيان فائدتها وقال:«على أنّا لا نسلّم أنه يلزم وقوف المكلّف على كل فائدة تتعلّق بالتكليف»(19) ، وقد لاحظ ابن حزم كون هذه الأخيرة لا ينبني عليها عمل، ومع ذلك بحثها واعتذر عن صنيعه بقوله:« أكثرَ المتقدمون في هذا الفصل، وما ندري أنّ لطالب الفقه فيه حاجة، ولكن لما تكلموا ألزمنا بيان الحق في ذلك»(20). ومن المسائل الفرضية مسائل كلامية فرعية كمسألة تكليف الكفار بفروع الشريعة التي تبنى على حقيقة الإيمان؛ وقد صرح غير واحد بأنه لا يبنى عليها عمل(21)، وقد ذكرها المصنف دون إشارة إلى ذلك(22) ، ومنها مسألة نسخ الأمر قبل الفعل؛ التي تبنى على مسألة الحكمة والحسن والقبح، وقد ذكر المتكلمون لها فرعا نازعهم ابن العربي في تعلُّقه بالمسألة ولم يشر إلى غيره(23).
المبحث الثاني: منهج ابن العربي في تصوير المسائل
بعد أن بينّا طبيعة المسائل المطروقة في الكتاب؛ ننتقل إلى بيان منهج ابن العربي في عرض المسائل خطوة خطوة، ونبدأ بما يتعلّق بتصوير المسائل قبل أن ننتقل إلى حكاية المذاهب والاستدلال، وتصويرُ المسائل يحصل بالتعريف والتمثيل والتقسيم، ويتعلق به لغة المصنف وأسلوبه ومصطلحاته.
المطلب الأول : منهج ابن العربي في التعريفات
اهتمّ ابن العربي في كتابه ببيان حقائق المسائل الأصول التي سيتعرّض لها بالدراسة، فنجده يضع في أوّل كل كتابٍ أو فصلٍ مسألة متعلقة بالحقيقة فيقول :"حقيقة الأمر"، و"حقيقة النهي"، و"حقيقة العموم"، و"حقيقة الخبر المتواتر"، و"حقيقة القياس" و"حقيقة النسخ".
لكنّه لم يلتزم بذلك في كل موضعٍ؛ فكأنّه بيَّن الحقائق بالتعريف حيث قدَّر ضرورة ذلك؛ إذ نجده لم يتعرّض لتعريف التأويل، وذكر أنّ حقيقته ستتضح مع آخر مسألة(24)، ولم يعرّف المطلق والمقيد وقد أوجز فيهما الكلام جدا(25)، ولم يعرِّف القراءة الشاذة(26)، وبدل التعرض لحقيقة الإجماع اكتفى بالحديث عن صُوَره(27).
وغالبا ما يكتفي بذكر تعريف واحد، دون مناقشة أو تحليل، ولا يتعرّض للتعريف للغوي(28) ، ولم يخرج عن هذا إلا في حالات نادرة، كتعريف الأحكام الشرعية وتعريف النسخ وتعريف التقليد حيث ذكر أكثر من حدٍّ وزيّف بعضها وصحّح البعض الآخر(29) ، ولعلّ من أسباب الإعراض عن إيراد التعاريف ومناقشتها كون كتابه مختصرا، وقد وجدته في موضعين يحيل استقصاء البحث في الحد إلى "الحدود" هو كتاب مفرد وعد بتأليفه، فيما يظهر(30).
هذا شأن ابن العربي رحمه الله في التعاريف، وبقي النظر في التزامه الحد المنطقي. وقد أشار إلى الخلاف بين العلماء في حقيقة الحد وقال:« فمنهم من يجعله القول المفسِّر، ومنهم من يجعله حقيقة الشيء وخاصيته التي تتميَّز بها من عن غيره»(31). والأول هو ما جرى عليه الفقهاء والأصوليون والمتكلمون قبل الجويني والغزالي، والثاني هو ما جرى عليه المناطقة ومن اتَّبعهم كالجويني والغزالي، واكتفى بحكاية القولين دون ترجيح لأحدهما.
لكن بمراجعة طريقته التي سلك في التعريف نجده متأثِّرا بطريقة المناطقة، غير ملتزم بها في كل موضع، ومن المواضع التي تدلُّنا على هذا التأثُّر قوله في تعريف العلم: «والصحيح أنّ العلم لا يقتنص بشبكة الحد وإنّما يُتوصَّل إليه على سبيل الرسم المقرب للمعنى»(32). وقوله ردًّا على من عرّف البيان بالظهور: «وهذا الحد وإن كان يحوم على الحقيقة؛ لكنّه مشترك بين الأجسام والمعاني»(33). وقوله في حقيقة القياس: «وقد اختلف الناس في حدّه اختلافا متباينا بينّاه في التمحيص، والصحيح أنَّه لا يأخذه الحد»(34). وهذه العبارات تدلّ على طلبه للحدّ المعبّر عن الحقيقة، وأنَّه لا يكتفي بالقول المفسّر المفيد للتمييز.
وقد زلّ ابن العربي حين ذكر في تعاريف القياس الشرعي قول من عرّفه أنّه : «أقوال مخصوصة ألّفت تأليفا مخصوصا ليتميز منها رأي هو مقصود الناظر»(35) ، وهو تعريف البرهان المنطقي أو القياس الأرسطي، وكأنّ ابن العربي أخذه عن شيخه الغزالي؛ فقد سمّى البرهان في كتابه المحك قياسا وعرّفه بهذا التعريف(36).
المطلب الثاني : منهج ابن العربي في التمثيل والتفريع
من وسائل تصوير الوسائل الأصولية ضرب المثال الفقهي الواقعي ومنهم من يضرب المثال الافتراضي، ويشبه التمثيل التفريع وهو مختلف عنه لأنه يتعلق ببناء الفروع على الخلاف في الأصول، وليس كذلك التمثيل.
الفرع الأول : منهجه في التمثيل للقواعد
لا تخلوا مؤلفات المتقدمين من الأصوليين من الأمثلة -وإن كانت مختصرة -، ولا سيما من كان المؤلِّف فقيها مشتغلا بالخلاف أو تفسير آيات الأحكام وأحاديثها؛ وابن العربي رحمه الله واحد من هؤلاء، حيث كان ضرْبُ المثال الفقهي الواقعي مِيزةً ظاهرة في كتابه النكت؛ والنماذج على ذلك كثيرة، نذكر منها تمثيله لتعارض الأفعال بصلاة الخوف، ولتعارض القول والفعل بحد الزاني المحصن حيث أسقط الرسول صلى الله عليه وسلم الجلد بفعله، وتمثيله للتقريرات بإمامة معاذ لقومه بعد صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم (37). وما من مسألة في باب القياس تحتاج إلى تمثيل إلا مثَّل لها، وكذا كل مسألة يحتاج فيها إلى تمثيل من أجل تحصيل التصوُّر الكامل، وقد ظهر لي أنه استفاد في هذا الباب من كتب الجدل؛ يُشعر بذلك طريقة عرضه لهذه الأمثلة(38).
الفرع الثاني : منهجه في التفريع الفقهي
إنَّ الأصوليين في مسألة الفروع الفقهية طرفان ووسط، فأما الطرف الأول فهم المتكلِّمون الذين عدُّوا ذلك عيبا وليس من صناعة الأصولي، وأما الطرف الثاني فهم الحنفية الذين استكثروا من الفروع وربما بنوا عليها الأصول، وأمّا الوسط فيمثّله الإمام الشافعي بالطريقة التي سار عليها في كتابه الرسالة، إذ لم يستغن عن التفريع حيث كانت الحاجة ماسة إليه، وتجنّب الإكثار الذي يُخلّ بتماسك الموضوعات وترابطها كما تجنّب الإيجاز الذي قد يصحبه الغموض(39) ، وقد سار على منهج مقارب لمنهج الشافعي كثير من المتقدمين من الشافعية والمالكية والحنفية.
وأبو بكر ابن العربي واحد من هؤلاء المتوسّطين، فكتابه نكت المحصول وإن كان مختصرا؛ فإنّه لم يخله من التفريع الفقهي، حيث قدَّر ذلك مفيدا، ومن ذلك المسائل الآتية :
ففي مسألة "صيغة النفي هل هي من المجمل أو من العموم"، قال:« والمسألة تُتصوَّر في كثير من الأدلة الشرعية، بيد أنّا نضرب منها مثالا واحدا فنقول، قال النبي :" لا صيام لمن لم يبيت من الليل " .. فتعلق بذلك علماؤنا رضي الله عنهم على أصحاب أبي حنيفة في قولهم أن صوم رمضان بنية من النهار جائز»(40).
وقال في مسألة "الاستثناء عقب الجمل": «ويظهر ذلك في مسألتين » ثم ذكرهما(41). وفي مسألة مفهوم المخالفة ذكر عدّة فروع وقع فيها الاختلاف بين الفقهاء بناء على الخلاف في الأخذ بالمفهوم، وقد ميّزها بمسائل(42). وفي مسألة الزيادة على النّص ذكر فروعا كثيرة إلزاما للحنفية؛ حيث رآهم خالفوا فيها أصلهم الذي ناضلوا عنه في مصنّفاتهم الأصولية (43).
المطلب الثالث : عناية ابن العربي بالتقسيم والترتيب
من القضايا المنهجية التي لها ارتباط مباشر بتصوير المسائل وشرحها وتسهيل فهمها: قضية التقسيم والترتيب؛ أعني ترتيب أبواب الكتاب وفصوله، وتسلسل المعاني والأفكار، والاعتماد على طريقة التقسيم لشرح المسائل، وهذه أمور ظاهرة في هذا المصنف، وتفصيلها فيما يأتي :
الفرع الأول : الاعتناء بالترتيب وتسلسل الأفكار
لقد اعتنى ابن العربي بترتيب كتابه من أوّله إلى آخره؛ فبعْد أن افتتحه بتعريف أصول الفقه وعرَّج على تعريف التكليف فرَّع على الأخير خمسة مسائل، ثم قدَّم بين يدي مسائل الأصول، مسائل سماها بالسوابق وجعلها عشرة، وقسم السابقة العاشرة تقسيما بديعا تدرج فيه من تعريف الكلام وأنواعه؛ حتى وصل إلى بحث البيان الذي انطلق منه الشافعي في كتابه الرسالة وبنى عليه كتابه.
ثم عاد إلى ذكر أقسام الكتاب وهي موضوعات علم الأصول ففصّلها قبل أن يشرع فيها واحدا واحدا؛ وهي ثلاثة عشر كتابا أولها كتاب الأوامر وآخرها كتاب التقليد(44). ثم قسَّم كل كتاب إلى مسائل وربما قسمه إلى فصول، وقد يقسّم الفصل إلى مسائل، وأما كتاب النسخ فقسَّمه إلى أبواب.
ومما يدلنا على عنايته بالترتيب انتقاده لمن أدرج بحث "حمل المطلق على المقيد" في باب العموم، فقال : «وليس منه»(45). ورأى إدراجه في مسائل المفهوم ، وقد أصاب في ذلك.
وتبعا لعناية ابن العربي بالخطة العامة للكتاب فقد اعتنى بترتيب مسائله، حيث نجده يمهد بالسابق للاحق، وقد صرح بذلك في مواضع منها قوله: «وبعد نجاز هذه المسائل نخوض في التخصيص المنفصل وهو القول في الاستثناء»(46). وقوله: «وفِي هَذِه المسألة بعينها يدخل أصل آخر من أصول الفقه وهو حمل المطلق على المقيد وسيأتِي بعد نجاز هذا الباب»(47).
وكان حريصا على تسلسل الأفكار متجنّبا لقطعها بالاستطرادات؛ حريصا على اجتناب التكرار وتداخل الأفكار؛ لذلك نجده يكثر من الإحالة إلى ما سبق وما إلى ما يأتي، وإلى مؤلفاته الأخرى (48).
الفرع الثاني : الاعتناء بالتقسيمات
لم تكن عناية ابن العربي بالتقسيم خاصة بالمفاهيم الكبرى التي لها أثر في خطة الكتاب؛ بل شملت حتى تفاصيل المعاني المندرجة تحت المسألة الأصولية الواحدة، فكثيرا ما نجد عبارات التفصيل " إما" و"أو"، وعبارة "الأول والثاني"، وعبارة "وهو على ضربين"، وعبارة "على قسمين"(49).
وهذه التقسيمات بعضها قد سُبق إليه وهو ناقل لها ومعتمد عليها، والبعض الآخر هو مبتكر له مستبد به؛ ومن ذلك تقسيمه لمسألة حمل المطلق على المقيد، فقد عُدَّ من أحسن التقسيمات، حيث قال القرافي معلّقا على تقسيم آخر للرازي:« هذا التقسيم غير منضبط، بل المنضبط ما قاله ابن العربي في المحصول»(50).
المطلب الرابع : منهج ابن العربي في الاختصار ولغته ومصطلحاته
من القضايا التي تؤثّر على تصوير المسائل قضيّة الاختصار واللغة المستعملة، ولذلك أدرجناها هنا.
الفرع الأول : منهج ابن العربي في الاختصار
لقد ظهر الاختصار أوّلا في المصنفات الفقهية فوُجد في العلماء من عارضه وذمّه، وكان من أوائل من نُقل عنه ذلك ابن العربي، وقد علّل رحمه الله ذلك بأن الاشتغال بها يؤدي إلى ضعف ملكة في العلم، وأن كتب الأقدمين المبسوطة المعاني والواضحة الأدلة هي التي تحصل الملكة الكاملة بمطالعتها(51). وهذا الرأي قد أيّده غير واحد من العلماء عبر العصور(52). وليس المقصود بالنقدِ نقدُ الاختصار بإطلاق بدليل أنَّ ابن العربي نفسه قد اختصر كتابه التمحيص مرتين؛ اختصره في المحصول، ثم اختصر المحصول في النكت، وإنما المنتقد هي المختصرات التي استغلقت معانيها لشدة اختصارها وحُذفت منها الأدلة، كما هو واضح في التّعليل المنقول عن ابن العربي، وكتاب نكت المحصول قد سلم من الآفتين، فأمّا الأدلة فهي حاضرة في كلّ مسألة وهي متنوّعة كما سيأتي شرحه، ومصحوبة بالمناقشة في أكثر الأحيان، وأمّا العبارات فهي واضحة مفهومة، ولم أجد في الكتاب ما هو مُستغلق إلا في موضعين اثنين قدّرت أنّ الإشكال فيها راجع لخلل في النسخ جميعها(53).
الفرع الثاني : لغة ابن العربي ومصطلحاته
لغة ابن العربي في هذا الكتاب سهلة وأسلوبه متّسم بالوضوح، تظهر سهولته ووضوحه إذا ما قُورن بالمصادر التي اعتمدها المنخول للغزالي والبرهان للجويني، فأمّا المنخول فأسلوبه أعقد بسبب الاختصار، وأمّا البرهان فلغته أصعب وإن كان أكثر استرسالا، وأمّا مصطلحات ابن العربي في كتابه فجاءت متنوّعة تنوُّع مسائله المطروحة؛ فكما نجد المصطلحات الفقهية نجد المصطلحات النحوية والمصطلحات الكلامية، وهي أعقدها كحديثه عن "العبارة" في تعريف الحكم والكلام، والحديث عن القدرة المقترنة بالفعل، وقوله بأن الأمر يدل على الطلب الجازم لا الإيجاب، وحديثه عن العلم بالتمكن من الفعل(54). وفي المصطلحات المشتركة بين الفقه والكلام والتي تنازعها الفريقان نجد ابن العربي في بعضها جنح إلى المتكلمين كما في تفسيره للحكم، وفي بعضها جنح إلى الفقهاء كما في تفسيره للأصل في القياس(55).
المبحث الثالث : منهج ابن العربي في التعامل مع الآراء والمذاهب
بعد تصوير المسائل الأصولية ننتقل للنظر في منهج ابن العربي في التعامل مع آراء المتكلمين ومذاهب الفقهاء، من جهة العناية والحكاية، ومن جهة الاختيار والترجيح.
المطلب الأول: عناية ابن العربي بآراء المتكلمين
إنّ الإمام ابن العربي كان متكلما أشعريا نظَّارا، واشتهاره بالفقه والاجتهاد لم يشغله عن الاهتمام بآراء الأشاعرة دراسةً وتمحيصا ونُصرةً، ومن العبارات التي أكثر ابن العربي من استعمالها عبارة "علمائنا" أو "أصحابنا" وهي تحدّد انتماءه المذهبي والعقدي، فهو يقصد بها علماء المالكية في الغالب الأعم- كما هو اصطلاحه في كتبه الأخرى-، فقد استعملها في توثيق مذهب مالك في الأصول(56)، واستعملها توثيق الآراء الأصولية التي خالف فيها الحنفية(57)، وكذلك استعمالها في نقل آراء فقهية(58)، ولا شك أن المراد بها في هذه المواضع هم علماء المالكية، لكنه في بعض الأحيان يُشعرنا بأنه يقصد بها المتكلمين الأشاعرة وخاصة إذا كانت المسألة كلامية، كمسألة الكلام النفسي وتكليف المعدوم ونحوها (59)، وفي بحص صيغ العموم بعد أن ذكر العلماء خص الأصوليين منهم، وهو يقصد بالأصوليين علماء أصول الدين وهم الأشاعرة القائلين بنفيها(60)، ومثله قوله في تكليف ما لا يطاق: «وقد اختلف الناس فيه واختلف فيه علماؤنا كاختلافهم فمنهم من منعه ومنهم من جوزه»(61)، والمختلفون في هذه القضية هم متكلموا الأشاعرة لا فقهاء مذهب مالك، لأن المسألة كلامية محضة، والمخالفون للأشعري فيها هم الجويني وتلامذته كالغزالي وابن القشيري وهم شافعية.
وقد اهتم المصنف بخلاف المعتزلة في المسائل الكلامية سواء كان خلاف مع أكثرهم أو أفراد منهم كأبي هاشم والكعبي(62)، كما اهتم بآراء انفرد بها بعض الأشاعرة كالأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني، فقد ناقشه في جملة من آرائه كإنكاره للمجاز في القرآن وإثباته اللغة بالقياس وقوله بأن الأمر يفيد التكرار، وقوله أن الأمر بالشيء نهي عن ضده(63)، واهتم على وجه الخصوص بما خالف فيه الجويني والغزالي جمهور الأشاعرة كمسألة التكليف بما لا يطاق وما تفرّع عنها، ومسألة اشتراط العلم بالتمكُّن وإثبات صيغ العموم ونحوها.
المطلب الثاني : عناية ابن العربي بمذاهب الفقهاء
مما اعتنى به ابن العربي بذكره مذاهب الفقهاء؛ ولذلك عدّة أنحاء نبيّنها كالآتي :
أولا : ذكر ابن العربي أقاويل الفقهاء وخلافهم تبعا لعنايته بالتفريع الفقهي وبسبب إقحامه للمسائل الفقهية في الكتاب، فكثيرا ما نجد فيه مناقشة آراء الحنفية والشافعية على ضوء القواعد الأصولية ومن وجهة نظر مالكية.
ثانيا : في مسائل الأصول قضايا شهيرة خالف فيها الحنفيةُ الجمهورَ، وأخرى اشتهر نقلها عن الشافعي وقد وثقها ابن العربي كما صنع المؤلفون قبله، ولم ينقل عن أحمد بن حنبل رأيه إلا في مسألتين اثنتين إحداهما كلامية والثانية أصولية محضة(64)، ومما يلاحظ أنه لا ذكر للظاهرية في هذا الكتاب، إلا في حجية القياس فقد تعرّض لرأيهم دون أن يسميهم مع تشنيعٍ واضحٍ عليهم(65)، وذلك أنّه قد صرّح أنهم ليسوا من أهل اجتهاد، ولا عبرة بهم في وفاق ولا خلاف(66)، وقد سبقه إلى نحو هذا الموقف الجصاص والباقلاني وأبو إسحاق الإسفرائيني والجويني والغزالي(67).
مع أنّ الأصوليين قد يذكرون خلاف أهل الملل الخارجة عن الإسلام، وقد ذكر ابن العربي مثل غيره من الأصوليين قول اليهود في النسخ وناقش حُججهم حجّة حجّة(68). ولم يؤثر إنكار ذكر اليهود في مسائل الأصول إلا عن ابن السبكي والشوكاني(69).
ثالثا: في مسائل الأصول قضايا خالف فيها المتكلمون جمهورَ الفقهاء أو انفردوا فيها بآراء لم تنقل عن الفقهاء المتقدمين، فكان ابن العربي يُبين ذلك(70).
رابعا : في مسائل قليلة اعتنى ابن العربي بتوثيق مذهب مالك وتحقيقه، وسنفصل القول فيها في المطلب التالي.
وهو في كلّ ذلك يعتمد على مصادر لا يسمّيها، المتيقن منها هو كتاب المنخول لشيخه الغزالي والبرهان للجويني، وقد وقع له بعض الغلط في بعض ما نقل كنقله عن الشافعي بأن العام نص(71)، ولما كان الكتاب المصنَّف مختصرا لم يعتن ابن العربي بالتحقيق في هذه المذاهب المنقولة، وقد كان اهتمامه منصبا على نقد الآراء وبيان الاختيار الصحيح؛ ومما يؤكد هذا الزعم إبهامه لأصحاب الأقوال في كثير من الأحيان، والغلط في نقل مذاهب الأئمة موجود حتى في تصانيف أتباعهم، فلا عجب أن ينقل ابن العربي رأيا غير دقيق عن الشافعي أو أبي حنيفة رحمهما الله، وإن كنا قد وجدناه اجتهد في تحقيق قولٍ منسوب لأبي حنيفة في موضع مع توضيحه لسبب الغلط عليه(72)، كما وجدناه في المسألة الكلامية المنقولة عن الإمام أحمد متحرّزا جدا فقال بعد نقله: «وقد فاوضت في ذلك علماءه» وسمى شيخين من الحنابلة أكدا له صحة النسبة(73).
المطلب الثالث: مدى عناية ابن العربي بمذهب مالك
رُغم انتساب ابن العربي إلى المذهب المالكي والتصاق هذه النسبة باسمه؛ فإنّه لم يجعل همّه في هذا الكتاب تحقيقَ رأي مالك في المسائل الأصولية، فضلا عن الاشتغال بالانتصار لمذهبه، وعدم ذكر آراء مالك أو المالكية في المسائل الكلامية والتي تبنى عليها أمر معقول إذ ليس لمالك فيها رأي منقول ولا لأصحابه، وفي بعض المسائل الخلافية بين الفقهاء والمتكلمين لا يذكرون؛ لأن ابن العربي إذا ذكر الفقهاء فمالك والمالكية من أفرادهم، وكذلك ما كان الخلاف فيه مع الحنفية؛ فكلمة علماؤنا أوّل من يدخل فيها هم المالكية.
ولم يذكر ابن العربي رأي الإمام مالك إلا في مواضع معدودة هي كالآتي:
الأولى: مسألة اقتضاء النهي الفساد، فبعدما ذكر أنّ المالكية نقلوا عن الإمام قولين؛ قال محققا مذهبه: «والصحيح من مذهبه أنّ النهي على قسمين : ... فإنْ كان لمعنى في المنهي عنه دلّ على فساده، وإنْ كان لمعنى في غير المنهي عنه فذلك يختلف، إلا أن الأغلب فيه أنّه لا يدلُّ على الفساد»(74).
الثانية: مسألة عمل الراوي بخلاف روايته، ذكَر للإمام مالك قولين أحدهما موافق لقول الحنفية وهو ترك الحديث، والثاني موافق لمذهب الشافعي وهو تقديم الحديث على الفتوى، وقال معبرًا عن اختياره دون تحقيق للصحيح في المذهب:«وهذا هو الصحيح»(75).
الثالثة: مسألة تعارض القول والفعل، وقد حقّق فيها رأي الإمام بناء على فروع مذهبه دون نظر فيما نقله الناقلون عنه فقال رحمه الله:« ومالك رحمه الله تختلف فتاويه، فتارة يقدِّم القول، وتارة يقدِّم الفعل، وذلك بحسب ما يُعطيه الدليل المغاير لهما؛ فدل على أن مذهبه يقتضي أنهما متعارضان تعارضا مستويا»(76). وهذا التخريج لأصل مالك لا يستلزم الترجيح فقد قال بعدها : « والصحيح في النظر أن القول أقوى ».
الرابعة : مسألة حجّية الاستحسان، وقد غلَّط فيها جميع أصحاب مالك ثم قال:« وقد تتبّعناه في مذهبنا وألفيناه أيضا مُنقسما أقساما، فمنه ترك الدليل للمصلحة، ومنه ترك الدليل للعرف، ومنه ترك الدليل لإجماع أهل المدينة، ومنه ترك الدليل للتيسير لرفع المشقة وإيثار التوسعة على الخلق»(77)، وأحال في تحقيق كلِّ صورة إلى كتاب التمحيص.
الخامسة: مسألة العبرة بعموم اللفظ، وقد نقل فيها ما استنبطه علماء المذهب من الفروع، وأقرهم على ذلك فقال:« وقال علماؤنا الذي يقتضيه مذهب مالك أنّ الألفاظ الواردة على الأسباب على ضربين: الأول أن يكون اللفظ مستقلا بنفسه لا يحتاج إلى معرفة المراد منه إلى سببه، الثاني لا يعرف المراد منه إلا بعد معرفة سببه، فأمّا الأوّل فيُحمل على عمومه وأمّا الثاني فيُقصر على سببه ولا يعم إلّا بدليل»(78).
السادسة: حجّية المفهوم، وقد نقل فيها مذهب مالك بعبارة تحمل كثيرا من الاحتياط حيث قال :«ونسب أهل المقالات إلى مالك أنّه يقول به»(79)، ولعلّه وجد حرجا في نسبة الحجّية إلى مالك مع مخالفته له، ولم يجد من نقل عنه غير ذلك.
المطلب الرابع اختيارات ابن العربي الأصولية
إنّ مما لا يجد قارئ النكت عناءً في استنتاجه استقلالية ابن العربي في الترجيح؛ حيث تكثر عبارة "الصحيح كذا"، فضلا عن عبارات تزييف الأدلة والأقوال التي يُفهم منها رجحان غيرها، ومتتبّع ترجيحات ابن العربي في كتابه هذا يجده غير متقيِّد بمذهبه الفقهي فهو متبعٌ للحجة والدليل، كما هو واضح فيما نُقل في المطلب السابق؛ إذ كثيرا ما يخالف المذهب موافقةً للمتكلمين أو بعضهم، فقد صرّح بنفي حجّية مفهوم المخالفة موافقةً للباقلاني مع نقله الحجية عن مالك، وصرّح بتجويز نسخ السنة للكتاب مع نقله المنع عن المالكية(80).
وكذلك لم يلتزم ابن العربي بآراء المدرسة الأشعرية في كلِّ القضايا الكلامية فقد خالفهم في جملةٍ منها، وهذا المنحى يذكّرنا بوصف ابن السبكي للجويني حيث قال: «والإِمام لا يتقَيَّد لا بالأشعري ولا بالشافعي لا سيمَا فِي الْبُرْهَان وإِنَّمَا يتكلَّم على حسب تأدية نظره واجتهاده»(81)، ومنه فلا غرابة أنْ نلمس نحوَ هذه الاستقلالية عند ابن العربي، وهو الفقيه المجتهد والمتكلّم الذي لا يخفى تأثُّره بمنهج الجويني في بحث مسائل الكلام، وإننا نجد في تاريخ أصول الفقهي المالكي تأثيرا واضحا للجويني والغزالي، ولعلّ ابن العربي كان أهمّ روافده؛ بما جلبه إلى الأندلس من كتبهما في الأصول والكلام، وحسب ابن السبكي فإنّ شراح البرهان المازري والأبياري قد تحاملا كثيرا على الجويني بسبب مخالفته للأشعري، وهذا ما لا نجده عند ابن العربي رحمه الله .
وإذا تأملنا اختيارات ابن العربي في هذا الكتاب؛ فإنّنا نجده وافق الأشاعرة في كثير من المسائل الأصولية التي اشتهروا بها، كإنكار صيغ الأمر والنهي تفريعا على حصر الكلام في المعنى القائم بالنفس(82)، ووافقهم في تجويز التكليف بما لا يطاق خلافا للجويني، وقد خرَّج ذلك على حصر القدرة في التي تكون مع الفعل(83)، ووافقهم قولهم في عصمة الأنبياء، وهي مسألة تردد فيها الجويني في البرهان وصرح بمخالفتهم في الغياثي(84). وقد خالف أقوال الباقلاني في مواضع كثيرة متابعة للجويني ولا سيما ما اختار فيه الوقف(85) ، وقد يخالفه ويعتذر عنه كما في مسألة صيغ العموم ومسألة حكم التقليد حيث ذهب الباقلاني إلى تحريمه في حق العوام(86).
وإذا تردّد ابن العربي في مسألة كلامية فالغالب أنّ سبب ذلك تجاذب أدلتها بين ما يقتضيه مذهب الأشعري وبين ما اختاره الجويني، يظهر ذلك جليا في مسألة اشتراط العلم بالتمكن من الأمر قبل الفعل، ومسألة وجوب الصلاة في أول الوقت، ومسألة الأمر بالشيء نهي عن ضده(87). ولابن العربي اختيار خالف فيه الجميع وهو جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة(88).
وأمّا في الخلاف بين الفقهاء والمتكلمين فإننا نجد ابن العربي مرّة يميل إلى المتكلمين متحاملا على الفقهاء، كما في مسألة صيغ الأمر ومسألة تخطئة المجتهدين(89) ، ونجده أحيانا متمسكا بطريقة الفقهاء متجاهلا لآراء بعض المتكلمين كما في حكم أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التي يظهر فيها القربة؛ إذ لم يذكر مذهب الوقف أصلا، ومنكرا على بعضهم كما نجده في حكم الأفعال الجبلية حيث وصف قول من قال "لا حكم لها" بالهفوة الشنعاء(90). ومما يندرج في موافقة الفقهاء دون المتكلمين؛ قوله إن النكرة في سياق النفي دلالتها ظاهرة يجوز التمسك بها، وإثباته لصيغ العموم، وقوله بالترجيح بين الظنون(91).
المبحث الرابع : منهج ابن العربي في الاستدلال على القضايا الأصولية
بعد بيان مدى عناية ابن العربي بمذاهب الفقهاء والمتكلمين ومنهجه في الاختيار، نأتي في هذا المبحث إلى النظر في منهجه في الاستدلال وطبيعة الأدلة والمستندات المعتمدة في تقرير القواعد الأصولية، وقد قسّمته إلى أربعة مطالب فيها تقييم احتجاجه بالأدلة النقلية، وبيان استناده إلى الأدلة العقلية، وبنائه مسائل الأصول على مسائل الكلام، وتنبيهه إلى بناء بعض المسائل الأصولية على الفروع الفقهية.
المطلب الأول : الاحتجاج بالأدلة النقلية
لا يخفى ارتباط قضايا الأصول بالأدلّة النّقلية الكتاب والسنة والاجماع واللغة، وهي كلها مستمدَّة منها لا من غيرها، فالقرآن أصل الأدلة وقد دلّنا على حجية السنة، والكتاب والسنة كلاهما دلَّا على حجية الإجماع، وكونهما عربيان اقتضى أنّ فهمهما لا يكون إلا على ضوء قواعد اللسان العربي.
الفرع الأول : الاحتجاج بالنصوص
أمّا اعتماد ابن العربي على أدلّة الكتاب والسنة فأبين مِن أنْ يدلّل عليه، وهذا مِن الفوارق الجليّة بين الاختصار الذي ذمّه ابن العربي والاختصار الذي ارتكبه، وحتى بعض القضايا الكلامية التي ظاهرها مصادم للنصوص؛ فقد انتزع من دلالة نصوص ذاتها ما يؤيدها؛ كما في مسألة تجويز التكليف بما لا يطاق المنافية لقوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة: 286) فقد عضَّده بظواهر فقال:« واحتج علماؤنا على ذلك بقول الله تعالى: (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) (البقرة: 286)، ولولا حُسن وقوعه ما سألوا دفعه»(92).
وكثيرا ما كان يورد استدلالات للمخالفين ثم يناقشها ويردها، بل نجده يناقش حتى الأدلة التي فيها نصرة لاختياره، ففي مسألة الأمر ودلالته على الإيجاب أورد أدلة نقلية للفقهاء وردّها كلها بما نقله عن المتكلمين(93). وفي مسألة تأخير البيان إلى وقت الحاجة: ذكر للقول المختار ثلاثة أدلّة نقلية، ثم أخبرنا أن المعتمد منها واحد فقط؛ وأن الأخرى معترضة(94). واعتماد المنهج الجدلي ومناقشة أدلّة الخصوم قاسم مشترك بين الفقهاء والمتكلمين، ولكننا وجدنا في مناقشة ابن العربي للأدلة النقلية ما يُدنيه من طريقة المتكلمين، وهو اشتراط القطع في أدلّة الأصول، حيث قال في مناقشة أدلّة مسألة اقتضاء الأمر للفور أم لا:« أن هذه المسألة وأمثالها لا يثبت إلا بالأدلة القطعية لا بالظواهر الشرعية»(95). وقال في دلائل إثبات صيغة الأمر:«ولو وُجد فيه الآحاد لم يستقل بإثباتها»(96).
الفرع الثاني: الاحتجاج بالإجماع
من الأدلّة النّقلية دليل الإجماع وقد اعتمده ابن العربي كثيرا في تحرير محل النزاع(97)، كما اعتمده في ردّ بعض الأقوال التي ظهر له خروجها عن مذاهب السلف، ومن ذلك ردُّه على من توقف في حجية الأفعال الجبلية بقوله:« وهذه هفوة شنعاء، فإن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا عن بكرة أبيهم على الاقتداء برسول الله في نومه وأكله ولباسه وشرابه ومشيه وجلوسه وجميع حركاته»(98).
ومما هو مستغربٌ منه أنّه في مسألة تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ بعد أنْ نقل اتفاق العلماء على عدم الجواز صرح بتجويزه(99). ويزيد في الاستغراب اختيار ابن العربي لمذهب جمهور الأصوليين من عدم إحداث الأقوال الجديدة فيما هو مختلف فيه(100) ، فكيف استجاز مخالفة الإجماع وهو لا يجيز إحداث الأقوال فيما فيه خلاف.
وتساهل الأصوليين المتكلمين في نقْل الإجماعات، وتساهلهم في ردها قد بُيّن في غير هذا الموضع(101) ، والظاهر أنّ ابن العربي لا يختلف حاله عنهم في هذه القضية، فقد لوحظ على كثير من الاتفاقات التي نقلها في النّكت أنه قد نقل خلافها في كتبه الأخرى، وقد عدَّ الدكتور حاتم باي منها خمسةَ إجماعات، ثم حمل الخلاف المحكي على الخلاف غير المعتد به(102) ، وانتقده في نقله الإجماع على رد القراءة الشاذة في بعض كتبه الأخرى؛ وقد حكى خلاف أبي حنيفة في النّكت، وقد سبق إلى ردّ دعواه الاجماع في هذه المسألة الزركشي وغيره، كما لاحظ ابن حجر على ابن العربي تساهله في نقل الاجماعات عموما، حيث قال في موضع: « وقد جرى على عادته في التهويل والإقدام على نقل الإجماع مع شهرة الاختلاف»(103).
المطلب الثاني: الاحتجاج بالمعقول
مما تميز به الأصوليون وخاصة من سلك طريق المتكلمين منهم الاعتماد على الحجج العقلية، وذلك أنهم زعموا أنّها هي الموصلة إلى القطع، وقد قيل في تعريف الدليل العقلي:"هو الدليل الذي يقتضي النظر التام فيه العلم بالمدلولات؛ وهي تدلّ لأنفسها وما هي عليه من صفاتها ولا يجوز تقديرها غير دالة"(104)، وزاد من حاجتهم إليها إدراجهم للمسائل الكلامية، ومسائل الجواز العقلي فيما هو أصولي بحت؛ كبحثهم في جواز الاحتجاج بالخبر والاجماع والقياس عقلا، قبل البحث في الحجية المستفادة من أدلة الشرع، وفي نكت ابن العربي حجج عقليةٌ متنوعة مندرجة في هذه المعاني جميعها أحصيت منها أربعة أنواع هي كالآتي.
الأول: دليل قياس التمثيل(105)، وقد اعتمده في مسألة التكليف بفروع الشريعة فقال: « فأما الجواز؛ فظاهر لأنه لا يمتنع أنْ يقال للكافر صلِّ، ويتضمّن الأمر بالصلاة الأمر بشرطها من الإيمان؛ إذ لا يتوصّل إلى فعلها إلا به، كما يؤمر المحدث العاري المدبر بالصلاة، ولا يتوصّل إليها إلا بعد هذه الشروط الثلاثة»(106).
الثاني: دليل عدم الدليل(107)، واستدل به على جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة فقال:«والدليل على جوازه أنّه لا استحالة في أن يقول السيد لعبده: خط لي هذا الثوب غدا، فإذا كان من الغد بين له الكيفية»(108).
الثالث: دليل الاستلزام (109) وقد أعمله في ردّه على منكري الكلام النفسي فقال: « والذي يهدُّ قاعدتهم أنه يَعلم المتكلم متكلمًا مَن لا يدري كونَه فاعلا للكلام، ولو كان حقيقة المتكلم من فَعَلَ الكلام ما علمه متكلما إلا من علمه فاعلا»(110)، ففساد الملزوم دليل على فساد اللازم.
الرابع: دليل السبر والتقسيم(111)، واستند إليه في الرد على من قال الأمر يفيد الوجوب:« وأما من تعلّق بالوجوب فلا يخلو أن يدعي ذلك نظرا أو خبرا، والنظر لا طريقة له في مسألتنا؛ لأن النظر العقلي لا مجال له فيه، والنظر الشرعي وهو القياس لا يسوغ إثباته به، وأما الخبر فلا يخلو أن يدَّعو ذلك لغة أو شرعا آحادا أو تواترا؛ وشيء من القسمين لم يوجد في واحد من القسمين، ولو وُجد فيه الآحاد لم يستقل بإثباتها فوجب التوقف»(112).
وهذه الأدلّة العقلية أكثرها عند الجويني غير مفضٍ إلى اليقين، ولذلك ردّها وفتح الباب لنفسه ليخالف الباقلاني وغيره من متقدمي الأشاعرة(113)، ولم أجد في النّكت ما يُوحي سوى باعتمادها أُسوة بجمهور المتكلّمين، وهذا لا يمنع مِن انتقاد آحادها في مواضع ردّ فيها ابن العربي آراء الباقلاني أو أبي إسحاق الاسفرايئني، وردُّ آحاد الأدلّة لا يستلزم إنكارَ جنسها وردَّ حجيتها من أصلها.
المطلب الثالث :بناء أصول الفقه على الكلام
رُغم إنكار المتكلمين على الفقهاء بناءهم الأصول على الفروع فإنّهم في المقابل لم يجدوا حرجا في بناء الأصول على مسائل الكلام، وابن العربي قد سار على منهج المتكلمين في هذا الباب ويظهر ذلك في عدّة مسائل؛ منها قوله في مسألة صيغة الأمر التي بناها على حصر الكلام في المعنى القائم بالنفس:« فصار الفقهاء ممن تكلم فيها إلى أن له صيغة وإلى ذلك مالت المعتزلة بأسرها لاعتقادهم الفاسد، فأما الفقهاء فإنما قالوا ذلك عن جهل بحقيقة الأمر لا عن اقتحام البدعة»(114).
ومنها مسألة التّكليف بما لا يطاق، التي قال فيها ابن العربي:« والصحيح أنّ تكليف ما لا يطاق جائز عقلا واقع شرعا، فإنّ الله تعالى كلّف العباد العبادات والوظائف كلّها قبل أن يقدروا عليها، لأنّ القدرة مع الفعل»(115)، فبنى المسألة على قول الأشعرية بأن الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل لا قبله، وقد بناها غيره على الحسن والقبح العقليين، فمن قال به منع التكليف بما لا يطاق ومن لم يقل به أجاز التكليف بما لا يطاق(116)، وقد جعلها ابن العربي أصلا لمسائل أخرى، منها في اشتراط العلم بالتمكن من الأمر قبل الفعل(117).
ومنها مسألة تكليف المكره وقد بناها على مسألة التحسين والتقبيح(118). وصدر البحث في أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم بالقول بالعصمة ثم قال : «وقد بيّنا وجوب عصمتهم على الإطلاق من كلّ شيء وفي كلّ حال في موضعه، وعلى هذا الذي اخترناه يُبنى القول في مسائل الكتاب»(119).
ومما هو مشهور عن الأشاعرة إنكارهم لصيغ العموم، وقد نص ابن العربي على أنّ الذي جرَّهم إلى ذلك هو مسألة اعتقادية خالفوا فيها المعتزلة، وهي مسألة الوعيد، فقال:« وكان الذي مال بعلمائنا الأصوليين رحمهم الله إلى نفي القول بالعموم، وحَدَاهم إلى إنكار صيغته إلحاح الوعيدية عليهم بكل آية عامة وحديث مطلق يقضيان معاقبة العصاة وجزاء المذنبين»(120). وسبقه إلى هذا التخريج الجصاص ووافقه عليه الزركشي(121).
المطلب الرابع :بناء أصول الفقه على الفروع
من القضايا المنهجية التي نلمسها في كتاب النكت التنبيه على مسائل أصولية بُنيت على فروع فقهية؛ منها ما بناه الفقهاء، ومنها بناه المتكلمون ولا يستغرب هذا، فقد ثبت عنهم اللجوء إليه في بعض القضايا، ومن ذلك مسألة عموم المشترك فقد قال ابن العربي:«وقد بيّنا أنّ هذا الأصل إنّما أنشأه خلاف في فروع، كقول العلماء أنّ اللمس ينقض الطّهر كما ينقضه الجماع، لقول الله عز وجل (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ) (النساء:43)»(122).
ومنها مسألة إفادة الباء للتبعيض حيث قال:« والذي أوجب ذلك قوله سبحانه: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) (المائدة:6) فزعم بعضهم أنّها تفيد التّبعيض ها هنا»(123).
ومما خالف فيه بعض المتكلمين بناءً على الفروع مسألة دلالة الأمر على الإجزاء، قال ابن العربي: «وإنما الذي أوقعهم في ذلك وغرّهم به مسألة الحج الفاسد، فإنه لما أجمع العلماء على المضي فيه مع عدم الاعتداد به ركّبوا منها مسألة إجزاء المأمور به»(124). وقد سبقه إلى التنبيه على هذا التخريج ونقده الجويني(125).
ومراد ابن العربي في هذه المواضع المذكورة بيان أصل الخلاف، ويُفهم من ظاهر سياقه النقدُ وعدمُ الموافقة، وهذا جار على طريقة المتكلمين الذين يأبون نحو هذا التصرّف، وإن كان بعضهم قد يغفل فيقع فيما عيب على الفقهاء(126).
وابن العربي رحمه الله قد اعتمد على هذا المنهج في تخريج رأي الإمام مالك بغض النظر عن ترجيحه، وقد سبق نقل كلامه في مسألة اقتضاء النهي الفساد، والعام الوارد على سبب وتعارض الأقوال مع الأفعال والاستحسان وغيرها(127)، لكنّه لم يبنِ على ذلك ترجيحا، وقد بنى ترجيحه حيث رجّح على الأدلة، وأحال في مسألة الاستحسان إلى كتابه المطوّل، ويفهم من إحالته أن كل نوع من أنوع الاستحسان المذكور له حججه التي تخصه، وربما يكون لابن العربي ترجيح في بعضها يختلف عن الترجيح في البعض الآخر .
خاتمة في الاتجاه الأصولي لابن العربي
بعد هذه الجولة الطويلة مع القضايا المنهجية في نكت المحصول لابن العربي؛ نحاول النفوذ إلى استكشاف الاتجاه الأصولي الذي سلكه، ذلك من خلال عرض اختياراته المنهجية على مقارنة مفصّلة بين طريقة الفقهاء وطريقة المتكلمين في الأصول، لعلّنا على ضوء ذلك نخلص إلى نتيجة صائبة أو قريبة منها بإذن الله تعالى.
أولا : الفرق من حيث المضمون والمسائل المطروقة
تبعا لغرض التأليف في العلم فإنّ الفقهاء ذكروا المسائل التي يُحتاج إليها في الاستنباط الفقهي ونظرا لميلهم الفقهي ربما انتقلوا إلى مناقشة مسائل فقهية حقُّها أن تدرس في كتب الخلاف؛ وأما المتكلمون فإنهم زادوا على مسائل الأصول مسائل كلامية صرفة لا يحتاجها الفقهاء، بعضها جعلوه أصلا للمسائل الأصولية والبعض الآخر كان تفريعا على المسائل الكلامية؛ فكان وجودها في علم الأصول بلا فائدة، وبعد انتشار مؤلفات المتكلمين وجد في الفقهاء من أدرج قليلا من مسائل الكلام أو آراء المتكلمين دون أن يُخل بمنهجه العام كالشيرازي والباجي وأبي يعلى، والظاهر أنّ ابن العربي جار في هذا السّلك المتوسط فقد ذكر في أبواب عدّة عددا من مسائل الكلام التي بَنى عليها قضايا الأصول، كما ذكر مسائل فرضية لا تبنى عليها فروع فقهية فخالف بذلك اتجاه الفقهاء، لكنّه من جهة أخرى أفرَط في بعض الأبواب من ذكر مسائل الفقه الخلافية، وجعلها مفردة وكأنها مسائل أصولية، فخالف بذلك طريقة المتكلمين مخالفة صريحة.
ثانيا : الفروق المتعلقة بتصوير المسائل
لقد اعتنى الفقهاء والمتكلمون جميعا بالتعريفات الأصولية وكان منهجهما متحدا بادئ الأمر، ثم تحوّل منهج المتكلمين وجهة منطقية بَذَرها الجويني وأبرزها وشهّرها الغزالي في المستصفى وغيره من مصنفاته، وقد ظهر لنا أنّ ابن العربي قد تأثّر بطريقتهما، وهذا ينزع به إلى اتجاه المتكلمين.
وأمّا يتعلّق بالتمثيل والتفريع فقد وجدنا ابن العربي حريصا على ضرب المثال الفقهي الواقعي كما هو صنيع الفقهاء، لا النظري التجريدي كما حال أكثر المتكلمين، كما أنّه ذكر فروعا فقهية كثيرا للقواعد الأصولية وهذا يُعتبر مخالفة صريحة لما تفرضه مدرسة المتكلمين، حيث إنها تمنع ذكر الفروع إلا على سبيل المثال(128)، وفي هذه النقطة يقترب ابن العربي كثيرا من اتجاه الفقهاء.
ومن الأشياء التي توضّح لنا الاتجاه الأصولي المتّبع اللغةُ المستعملة والمصطلحات، وهذه قد ظهر لنا فيها التعادل حيث أنّ مسائل الكتاب كانت مُتنوّعة فيها المسائل الكلامية الصّرفة والمسائل الفقهية الصّرفة، وقد استعمل المصنّف في كل مسألة ما يناسبها، وفيما تنازعه الفريقان من مصطلحات وافق المتكلمين حينا والفقهاء حينا آخر.
ثالثا : الفروق المتعلقة بالآراء والمذاهب المنقولة والاختيارات
لقد اعتنى ابن العربي بآراء المتكلمين فيما هو كلامي من المسائل، كما اعتنى بآراء الفقهاء في الفقهي منها، وما كان مشتركا نقل فيه آراء الفريقين في الغالب، فأمّا المسائل الكلامية فإنّه في الأكثر موافقٌ للأشاعرة وقد خالفهم أحيانا ووافق الجويني والغزالي فيما اختاره في المنخول وجانب طريقة الواقفة في مسائل كثيرة، وفي مسألة من المسائل خالف الجميع وخرق الإجماع، وأمّا المسائل الفقهية فقد نصر فيها مذهب مالك، وفي المسائل الأصولية البحتة سلك أحيانا طريقة الفقهاء في تخريج آراء الإمام مالك وهو النظر في الفروع واستقراؤها، لكنّه لم يجعل تلك الفروع دليلا على صحّة المذهب، وفي المسائل التي اختلف فيها المتكلمون مع الفقهاء كان أحيانا يرجّح مذهب المتكلمين، وأحيانا يرجّح مذهب الفقهاء.
رابعا : الفروق المتعلقة طرائق الاستدلال
فأمّا الفقهاء فأدلتهم في تثبيت القواعد لا تخرج عن الأدلة الشرعية واللغوية، وقد تظهر الفروع المذكورة للتخريج وكأنها أدلّة إذا اكتفى بها الأصولي ولا سيما إذا كان مقلدا لا مجتهدا مطلقا، وأمّا المتكلمون فبحكم اختصاصهم ولأجل المسائل الكلامية المدرجة وكذا طلبا للقطع في القضايا المبحوثة؛ فقد استعملوا إلى جانب الأدلة الشرعية أدلّة المعقول المستعملة في علم الكلام، وغلّبوها على غيرها. وابن العربي كما بيناه في البحث قد أخذ من كلٍّ بطرف فاعتمد الأدلّة النقلية والأدلّة العقلية بأنواعها وهو في هذا سالك طريقة المتكلمين.
كما وجدناه يبني المسائل الأصولية على المسائل الكلامية بناء المتبني المستدل، ويُنبّه على بناء بعضها على فروع فقهية حكايةً لا تبنيا.
وفي النهاية نخلص أنّ منهج ابن العربي قد تنازعه الاتجاهان الكلامي والفقهي، فتوسّط بينهما، وأعانه على ذلك تمكّنه من فني الكلام والفقه؛ حيث لم يغلب عليه أحدهما دون الآخر، وساعده أيضا على سلوك هذا الاتجاه الوسط تأثره الكبير بطريقة الجويني في البرهان التي تلقاها عن أستاذه الغزالي وهي طريقته في المنخول. والجويني عند التحقيق لم يكن في أصول الفقه على طريقة المتكلمين الصّرفة؛ كما يشهد به مؤلَّفه البرهان الذي "وَضعه على أسلوب غَرِيب لم يقتد فِيهِ بِأحد" كما قال ابن السبكي(129)، وهو رأي ابن تيمية إذ قال عنه وهو يوازن بينه وبين طريقة الغزالي في المستصفى:« وشيخه في أصول الفقه يميل إلى مذهب الشافعي وطريقة الفقهاء التي هي أصوب من طريقة الواقفة»(130)، وطريقة الواقفة هي طريقة المتكلمين الأشاعرة. ولعلّنا نخلص من جهة أخرى أنّ الطريقة الموصوفة بالجامعة بين الاتجاهين الكلامي والفقهي قديمة جدا، ربما يرجع تأسيسها الحقيقي إلى الإمام الجويني رحمه الله، ومن المؤكد أنّ من أبرز روّادها الإمام أبو بكر ابن العربي المالكي رحمه الله.
الهوامش
1/ نكت المحصول لابن العربي (174-180).
2/ نكت المحصول لابن العربي (240، 294، 392، 502).
3/ نكت المحصول لابن العربي (250، 252، 281، 288، 335).
4/ نكت المحصول لابن العربي (167، 243، 295، 500، 523).
5/ نفائس الأصول للقرافي (5/2227).
6/ القواطع لابن السمعاني (1/414) .
7/ انظر: نكت المحصول لابن العربي (385-389).
8/ نكت المحصول لابن العربي (286).
9/ انظر: العدة لأبي يعلى (5/1442-1507) البرهان للجويني (2/627-711) التمهيد لأبي الخطاب (4/99-168) الإحكام للآمدي (4/69-117) رفع الحاجب لابن السبكي (4/476) أصول الفقه لابن مفلح (3/1352-1410) شرح الكوكب المنير لابن النجار (4/229-358) إرشاد الفحول للشوكاني (2/928).
10/ المستصفى للغزالي (2/377-378).
11/ المحصول للرازي (5/235-259).
12/ لباب المحصول لابن رشيق (2/701-702) شرح مختصر الروضة للطوفي (3/459) البحر المحيط للزركشي (5/260) إرشاد الفحول للشوكاني (2/928).
13/ نكت المحصول لابن العربي (480-498).
14/ نكت المحصول لابن العربي (182).
15/ البرهان للجويني (1/131) القواطع لابن السمعاني (1/48).
16/ نكت المحصول لابن العربي (226).
18/ نكت المحصول لابن العربي (206-207، 228).
18/ نكت المحصول لابن العربي (183).
19/ نكت المحصول لابن العربي (511).
20/ الإحكام لابن حزم (4/499).
21/ الموافقات للشاطبي (1/44-45).
22/ نكت المحصول لابن العربي (180).
23/ نكت المحصول لابن العربي (511).
24/ نكت المحصول لابن العربي (333).
25/ نكت المحصول لابن العربي (389).
26/ نكت المحصول لابن العربي (428).
27/ نكت المحصول لابن العربي (432).
28/ لم يذكر التعريف اللغوي إلا في تعريف البيان والترجيح، انظر: نكت المحصول لابن العربي (230، 514).
29/ نكت المحصول لابن العربي(166، 500-502، 526-527).
30/ في نكت المحصول لابن العربي (172):« وهذا المعنى يستقصى في الحدود إن شاء الله».
31/ نكت المحصول لابن العربي (168).
32/ نكت المحصول لابن العربي (172).
33/ نكت المحصول لابن العربي (230).
34/ نكت المحصول لابن العربي (439).
35/ نكت المحصول لابن العربي (440).
36/ محك النظر للغزالي (204-205).
37/ انظر: نكت المحصول لابن العربي (402، 404، 408).
38/ انظر: نكت المحصول (311-313) و(200-201) (447-450) و(453-457)و(466-470) و(474-479).
39/ الفكر الأصولي لعبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان (78، 85).
40/ نكت المحصول لابن العربي (197).
41/ نكت المحصول لابن العربي (329).
42/ نكت المحصول لابن العربي (385-389).
43/ نكت المحصول لابن العربي (346-347).
44/ نكت المحصول لابن العربي (283).
45/ نكت المحصول لابن العربي (389).
46/ نكت المحصول لابن العربي (318).
47/ نكت المحصول لابن العربي (347).
48/ انظر نكت المحصول لابن العربي (184، 190، 199، 201، 203، 291، 296، 368، 408، 427، 465، 466، 514).
49/ انظر نكت المحصول لابن العربي (178، 186، 191، 200، 202، 206، 228، 279، 291، 296، 312، 370، 380، 409، 414، 422، 433، 448، 458، 465، 473،478، 480، 482، 514).
50/ نفائس الأصول للقرافي (5/2254) وإن كان ابن العربي أسقط القسم الثاني في النكت باعتباره متفقا عليه.
51/ انظر الاختصار والمختصرات لعبد الكريم مقبول (67) المدرسة البغدادية للمذهب المالكي لمحمد العلمي (431).
52/ المقدمة لابن خلدون (1028) المعيار المعرب للونشريسي (2/480) (11/142) الفكر السامي للحجوي الفاسي (4/458-459) مزالق الأصوليين للصنعاني (33، 99) تاريخ التشريع الإسلامي للخضري بك (370).
53/ جاء في نكت المحصول لابن العربي (184):"مِن لقن الطفل عن أبويه ما لم يتواضعا معه عليه" فقدّرت أن الصواب"مِن لقن الطفل عن أبويه ما تواضعا معه عليه"، وفي (251):" والقاضي إنما صار إلى عدم اشتراطه " فقدّرت أن الصواب :"والقاضي إنما صار إلى اشتراطه".
55/ نكت المحصول لابن العربي (169، 174، 241، 250، 252).
55/ نكت المحصول لابن العربي (167، 441).
56/ نكت المحصول لابن العربي (312).
57/ نكت المحصول لابن العربي (197، 261، 344).
58/ نكت المحصول لابن العربي (354، 357، 358، 364، 367، 378، 387، 388).
59/ نكت المحصول لابن العربي (174، 179، 180، 183، 241، 267، 272، 288، 293، 511).
60/ نكت المحصول لابن العربي (295).
61/ نكت المحصول لابن العربي (174).
62/ نكت المحصول لابن العربي (234، 242، 243، 250، 317، 338، 500).
63/ نكت المحصول لابن العربي (189، 194، 254، 279).
64/ نكت المحصول لابن العربي (252، 402).
65/ نكت المحصول لابن العربي (442).
66/ العواصم لابن العربي (359 ،368).
67/ الفصول للجصاص (2/134) البرهان للجويني (2/515) فتاوى ابن الصلاح (1/205) البحر المحيط للزركشي (4/471-472)(5/21-22).
68/ نكت المحصول لابن العربي (502).
69/ الإبهاج لابن السبكي (5/1639) إرشاد الفحول للشوكاني (2/788).
70/ نكت المحصول لابن العربي (243، 276، 338، 523).
71/ نكت المحصول لابن العربي (297).
72/ نكت المحصول لابن العربي (314).
73/ نكت المحصول لابن العربي (252).
74/ نكت المحصول لابن العربي (291).
75/ نكت المحصول لابن العربي (341).
76/ نكت المحصول لابن العربي (405).
77/ المحصول لابن العربي (462-463).
78/ نكت المحصول لابن العربي (312).
79/ نكت المحصول لابن العربي (381).
80/ نكت المحصول لابن العربي (505-506).
81/ طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (5/ 192).
82/ نكت المحصول لابن العربي (243، 288).
83/ البرهان للجويني (1/ 88-90) نكت المحصول لابن العربي (174).
84/ البرهان للجويني (1/ 485) غياث الأمم للجويني (93) نكت المحصول لابن العربي (394).
85/ نكت المحصول لابن العربي (192، 198، 242، 246، 267، 296، 400).
86/ نكت المحصول لابن العربي (295-296، 528).
87/ نكت المحصول لابن العربي (250-251، 265، 273).
88/ نكت المحصول لابن العربي (234).
89/ نكت المحصول لابن العربي (243، 523).
90/ نكت المحصول لابن العربي (400-401).
91/ نكت المحصول لابن العربي (197، 296، 514).
92/ نكت المحصول لابن العربي (174).
93/ نكت المحصول لابن العربي (245-246).
94/ نكت المحصول لابن العربي (236).
95/ نكت المحصول لابن العربي (260).
96/ نكت المحصول لابن العربي (249).
97/ انظر: نكت المحصول لابن العربي (194، 200، 257، 276، 285، 293، 384، 390، 393، 396، 407، 480).
98/ نكت المحصول لابن العربي (400-401).
99/ نكت المحصول لابن العربي (233-234).
100/ نكت المحصول لابن العربي (437)، وانظر : المعتمد لأبي الحسين (2/44) العدة لأبي يعلى (4/1113) الإحكام لابن حزم (4/547) شرح اللمع للشيرازي (2/738) القواطع لابن السمعاني (1/488) البرهان للجويني (1/451) إحكام الفصول للباجي (1/502-503) المنخول للغزالي (320) الواضح لابن عقيل (5/164) التمهيد لأبي الخطاب (3/310) أصول السرخسي (1/310،318) المسودة لآل تيمية (326) البحر المحيط للزركشي (4/540) أصول الفقه لابن مفلح (2/437) شرح الكوكب المنير لابن النجار (2/264).
101/ منهجية البحث في علم أصول الفقه لمحمد حاج عيسى (ص: 472-475).
102/ انظر مقدمة تحقيق نكت المحصول لابن العربي (96-98).
103/ انظر البحر المحيط (1/387) فتح الباري لابن حجر (13/161) مقدمة المحقق للنكت (98-99).
104/ البرهان للجويني (1/121).
105/ البرهان للجويني (1/104-105) تقريب الوصول لابن جزي (59) طرق الاستدلال ومقدماتها للباحسين (285).
106/ نكت المحصول لابن العربي (180-181).
107/ الإحكام للآمدي (4/119) مدرسة المتكلمين لفلوسي (360).
108/ نكت المحصول لابن العربي (235).
109/ الإحكام للآمدي (4/118) مدرسة المتكلمين لمسعود فلوسي (358).
110/ نكت المحصول لابن العربي (242).
111/ الميزان للسمرقندي (572) مدرسة المتكلمين لمسعود فلوسي (358).
112/ نكت المحصول لابن العربي (249).
113/ البرهان للجويني (1/104) البحر المحيط للزركشي (1/37-38) انظر أبكار الأفكار للآمدي (1/208-214) نهاية العقول للرازي (1/124-154).
114/ نكت المحصول لابن العربي (243).
115/ نكت المحصول لابن العربي (174).
116/ الميزان للسمرقندي (167).
117/ نكت المحصول لابن العربي (251).
118/ نكت المحصول لابن العربي (177-178).
119/ نكت المحصول لابن العربي (394).
120/ نكت المحصول لابن العربي (295) قال ابن السبكي في رفع الحاجب (3/71):« والحق الأبلج إثبات الصيغ ».
121/ الفصول للجصاص (1/41) البحر المحيط للزركشي (3/23).
122/ نكت المحصول لابن العربي (306).
123/ نكت المحصول لابن العربي (291).
124/ نكت المحصول لابن العربي (289).
125/ البرهان للجويني (1/182).
126/ قال الإسفرائيني بأن الأمر بعد الحظر يفيد الوجوب فرد عليه الجويني في البرهان (1/189) بقوله:« ثم هو اعتبر الأصل بمسألة فرعية».
127/ نكت المحصول لابن العربي (291، 312، 405).
128/ المستصفى للغزالي (1/36).
129/ طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (5/ 192).
130/ بغية المرتاد لابن تيمية (ص: 448).
فهرس المراجع وبيانتها
1-أبكار الأفكار للآمدي، تحقيق أحمد المهدي، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، ط2-1424
2-الإبهاج لابن السبكي تحقيق أحمد الزمزمي ونور الدين صغيري، دار البحوث والدراسات الإسلامية وإحياء التراث دبي، ط1-1424
3-إحكام الفصول للباجي، تحقيق عبد المجيد تركي، دار الغرب الإسلامي بيروت، ط2-1415
4-الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم، دار الجيل بيروت، ط2-1407
5-الإحكام في أصول الأحكام للآمدي، تحقيق عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2-1402
6-الاختصار والمختصرات لعبد الكريم مقبول، دار الفجر الجزائر، ط1-1426
7-إرشاد الفحول للشوكاني، تحقيق سامي بن العربي الأثري مؤسسة الرسالة بيروت ط1-1421
8-أصول السرخسي، تحقيق أبي الوفاء الأفغاني، دار المعرفة بيروت، بدون
9-أصول الفقه لابن مفلح، تحقيق فهد بن محمد السدحان، مكتبة العبيكان ط1-1420
10-البحر المحيط للزركشي، دار الصفوة الكويت ط1-1401
11-البرهان في أصول الفقه للجويني، تحقيق عبد العظيم ديب ، مطابع الوفاء المنصورة 1991م
12-بغية المرتاد لابن تيمية، تحقيق موسى الدويش مكتبة العلوم والحكم، المدينة النبوية، ط3-1415
13-تاريخ التشريع الإسلامي للخضري بك دار أشريفة الجزائر بدون
14-تقريب الوصول لابن جزي تحقيق محمد علي فركوس، دار التراث الجزائر ، ط1-1410
15-التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب تحقيق محمد بن إبراهيم، دار المدني جدة ط1-1406
16-رفع الحاجب لابن السبكي تحقيق عادل عبد الموجود عالم الكتب بيروت ط1-1419
17-شرح الكوكب المنير لابن النجار تحقيق محمد الزحيلي ونزيه حماد، مكتبة العبيكان 1418
18-شرح اللمع للشيرازي تحقيق عبد المجيد تركي، دار الغرب الإسلامي ط1-1408
19-شرح مختصر الروضة للطوفي تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة ط2-1419
20-طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي تحقيق الطناحي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر ط2-1413
21-طرق الاستدلال ومقدماتها للباحسين مكتبة الرشد الرياض ط3-1426
22-العدة في أصول الفقه لأبي يعلى تحقيق أحمد بن علي المباركي من دون دار ط3-1414
23-العواصم من القواصم لابن العربي، تحقيق عمار طالبي ، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ط1-1981م
24-غياث الأمم في التياث الظلم للجويني تحقيق عبد العظيم الديب، مكتبة إمام الحرمين، ط2-1401هـ
25-فتاوى ابن الصلاح تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي دار المعرفة بيروت ط1-1406
26-فتح الباري لابن حجر، تحقيق محب الدين الخطيب، دار الفكر بيروت، بدون.
27-الفصول للجصاص تحقيق محمد محمد تامر، دار الكتب العلمية ط1-1420
28-الفكر الأصولي لعبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان دار الشروق جدة ط2-1404
29-الفكر السامي للحجوي الفاسي تحقيق أيمن صالح شعبان، دار الكتب العلمية ط1-1418
30-القواطع لابن السمعاني، تحقيق محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1-1418.
31-لباب المحصول لابن رشيق، تحقيق محمد غزالي عمر دار البحوث الإسلامية دبي ط1-1422
32-المحصول في علم الأصول للرازي، تحقيق جابر فياض العلواني، مؤسسة الرسالة بيروت، ط3-1418
33-محك النظر للغزالي، تحقيق أحمد فريدي المزيدي، دار الكتب العلمية، بدون.
34-المدرسة البغدادية للمذهب المالكي لمحمد العلمي، دار البحوث والدراسات دبي ط1-1424
35-مدرسة المتكلمين ومنهجها في دراسة الأصول لمسعود فلوسي، مكتبة الرشد ط1-1425
36-مزالق الأصوليين للصنعاني، تحقيق محمد مصباح المنصور غراس للنشر والتوزيع ط1-1425
37-المستصفى في أصول الفقه للغزالي، تحقيق محمد سليمان الأشقر، مؤسسة الرسالة ط1-1417
38-المسودة لآل تيمية ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد، دار الكتاب العربي بيروت بدون
39-المعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين ، تحقيق خليل الميس، دار الكتب العلمية ط1-1403
40-المعيار المعرب للونشريسي ، تحقيق محمد الحجي دار الغرب الإسلامي ط1-1401
41-المقدمة لابن خلدون دار الكتاب اللبناني ومكتبة المدرسة ، بدون
42-المنخول للغزالي، تحقيق محمد حسن هيتو، دار الفكر دمشق ط2-1400
43-منهجية البحث في علم أصول الفقه لمحمد حاج عيسى أطروحة دكتوراه جامعة الجزائر، 2010-2011.
44-الموافقات للشاطبي، تحقيق عبد الله دراز دار المعرفة بيروت بدون
45-الميزان في الأصول للسمرقندي تحقيق محمد زكي عبد البر، مطابع الدوحة الحديثة، ط1-1404
46-نفائس الأصول للقرافي، تحقيق عادل عبد الموجود مكتبة نزار الباز، مكة، ط1-1416.
48-نكت المحصول لابن العربي، تحقيق حاتم باي، دار ابن حزم بيروت، ط1-1438.
49-نهاية العقول في دراية الأصول للرازي، تحقيق سعيد فودة، دار الذخائر بيروت، ط1-1436
50-الواضح في أصول الفقه لابن عقيل، تحقيق التركي مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1-1420