الجمعة 9 ربيع الأول 1443

(10) شرح منهج السالكين : باب التيمم

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

بَابُ التَيَمُّمِ


1-وَهُوَ اَلنَّوْعُ اَلثَّانِي مِنَ اَلطَّهَارَةِ.
2- وَهُوَ بَدَلٌ عَنِ اَلْمَاءِ
3- إِذَا تَعْذَّرَ اِسْتِعْمَالُ اَلْمَاءِ لِأَعْضَاءِ اَلطَّهَارَةِ، أَوْ بَعْضِهَا لِعَدَمِهِ،
4- أَوْ خَوْفِ ضَرَرٍ بِاسْتِعْمَالِهِ.
5- فَيَقُومُ اَلتُّرَابُ مَقَامَ اَلْمَاءِ
6-بِأَنْ: ينويَ رَفْعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ اَلْأَحْدَاثِ
7- ثم يقول: بِسْمِ اللَّهِ،
8- ثم يضرب التراب بيديه مَرَّةً وَاحِدَةً، يَمْسَحُ بِهِمَا جَمِيعَ وَجْهِهِ، وَجَمِيعَ كَفَّيْهِ.
9- فَإِنْ ضَرَبَ مَرَّتَيْنِ فَلَا بَأْسَ.
10- قَالَ تَعَالَى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة:6).
11-وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيّمَا رَجُل أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةَ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَومِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً" متفق عليه.


باب التيمم


1-وَهُوَ اَلنَّوْعُ اَلثَّانِي مِنَ اَلطَّهَارَةِ.
   النوع الأول هو طهارة الماء التي تشمل الوضوء والغسل، والنوع الثاني هو طهارة التيمم وهو مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.
    فأما الكتاب فمنه قوله تعالى: ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) (المائدة:6).
   وأما السنة فمنها حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا فَأَدْرَكَتْهُمْ الصَّلَاةُ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَلَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ -متفق عليه-.
   وأما الإجماع على مشروعيته فنقله غير واحد من العلماء، وبعد إجماعهم على مشروعيته اختلفوا في قضايا فرعية يأتي ذكر بعضها  
2- وَهُوَ بَدَلٌ عَنِ اَلْمَاءِ
   التيمم مشروع بدلا عن طهارة الماء أي الوضوء والغسل ولا فرق بينهما، دل على ذلك الآية الكريمة المذكورة أعلاه حيث ذكر فيها الحدث الأصغر في قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ) والحدث الأكبر  في قوله (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ) إذ الملامسة كناية عن الجماع كما سبق، وفي الصحيحين أنه جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبْ الْمَاءَ فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ وَنَفَخَ فِيهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ-متفق عليه-.
3- إِذَا تَعْذَّرَ اِسْتِعْمَالُ اَلْمَاءِ لِأَعْضَاءِ اَلطَّهَارَةِ، أَوْ بَعْضِهَا لِعَدَمِهِ،
   أول سبب مبيح للتيمم هو عدم الماء أو عدم كفايته لجميع أعضاء الطهارة.
-سواء كان في سفر أو في حضر، وإن كان في الحضر ففيه خلاف فإن من الفقهاء من قال لا يصلي حتى يجد الماء، ومنهم قال يصلي بالتيمم ويعيد، والصحيح ما ذكرنا وهو قول مالك وأحمد في رواية، ولكن الغالب أن الماء موجود في الحضر والناس قد تقصر في طلبه، وأما المدن الواقعة على ساحل البحر وتحيط بها الأنهار فلا يتصور فيها عدم الماء.
-قوله ( أو بعضها ) إشارة إلى عدم كفاية الماء ، فمن علم أن الماء لا يكفيه لا يلزمه استعماله ويعدل مباشرة إلى التيمم، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي في القديم .
-قوله (لعدمه) احتراز عن الجبيرة أو إصابة العضو بجرح وقد سبق أن ذلك موجب للمسح على الموضع، لا يسقطه ولا يوجب التيمم.
4- أَوْ خَوْفِ ضَرَرٍ بِاسْتِعْمَالِهِ.
   والسبب الثاني المبيح للتيمم هو المرض أو خوفه، وقد عبر عنه المصنف بخوف الضرر باستعمال الماء، وذلك أن المرض ثلاثة أقسام:
الأول : مرض يسير لا يتأثر بالماء إطلاقا لا يجوز معه التيمم.
والثاني : مرض خطير يخشى معه الهلاك إذا استعمل الماء، فهذا مبيح للتيمم.
والثالث : مرض يخاف معه زيادة المرض أو إطالة مدة العلاج وهذا يبيح التيمم أيضا.
ويضاف إلى حالة المرض حالة الصحة لكن يخشى صاحبها المرض أو الهلاك باستعمال الماء، وقد صح عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟» فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الِاغْتِسَالِ وَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا رواه أبو داود.
    وحصر الأسباب المبيحة للتيمم في هذين الأمرين يفيد أن الخوف خروج الوقت أو خوف فوات الصلاة سواء كانت فرضا أو جنازة أو عيدا ليس من أسباب إباحة التيمم .
5- فَيَقُومُ اَلتُّرَابُ مَقَامَ اَلْمَاءِ
  وفي هذه العبارة توهم اشتراط كون الصعيد ترابا ذا غبار كما هو مذهب الشافعي وأحمد، لكن المصنف صرح في المختارات الجلية : بجواز التيمم بكل ما صعد على الأرض، من تراب له غبار أو لا غبار له، أو رمل، أو حجر، أو غير ذلك، وهذا هو الصحيح لأنه لا دليل صحيح على هذا التخصيص وقد أجمعوا على إجزاء الرمل ولا تراب فيه، ثم إنه لا يجب إيصال التراب إلى الوجه بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم نفخ في يديه وفي رواية نفضها، وأما ما يحتجون به من قول ابن عباس :« الصعيد تراب الحرث» فجوابه أن الرواية الثابتة في كتب الحديث والتفسير المسندة :« أطيب الصعيد تراب الحرث» فيصبح حجة لمن لم يشترط كونه ترابا ذا غبار.
6- بِأَنْ: ينويَ رَفْعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ اَلْأَحْدَاثِ
في هذه الفقرة مسألتان:
الأولى : أن النية شرط لصحة التيمم لأنه عبادة ، والعبادات لا تتميز عن العادة إلا بالنية.
الثانية : أن التيمم يرفع الحدث أي رفعا مؤقتا إلى زوال العذر وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية، ومن الفقهاء من قال يبيح الصلاة ولا يرفع الحدث.
   ويبني على ما اختاره المصنف فروع :
-أن من تيمم لصلاة لا يجب عليه تجديد التيمم حتى ينتقض تيممه.
-وأنه لا يشترط دخول الوقت لصحة التيمم.
-وأن من تيمم للجنابة لمانع لا يمنعه من الوضوء، فإنه يجب عليه الوضوء إذا أحدث ولا يعيد التيمم مرة أخرى.
     ولم يقيد المصنف رفع الحدث بكونه رفعا مؤقتا؛ لأن زوال العذر هو المرض وخوفه أو عدم الماء ناقض للتيمم بإجماع الفقهاء لحديث عمران:« وَكَانَ آخِرُ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ قَالَ اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ» متفق عليه، ولكن تقييده بذلك أضحى مهما لظهور الخلاف عند بعض الفقهاء في المتأخرين ، حيث صار يحكى في المسألة ثلاثة أقوال.
7- ثم يقول: بِسْمِ اللَّهِ،
    تستحب التسمية في أول الوضوء قياسا على الوضوء.
8- ثم يضرب التراب بيديه مَرَّةً وَاحِدَةً، يَمْسَحُ بِهِمَا جَمِيعَ وَجْهِهِ، وَجَمِيعَ كَفَّيْهِ.
    هذه المذكورة للتيمم هي الصفة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها :
-أنه يضرب التراب مرة واحدة (وهو مذهب أحمد).
-ويمسح جميع وجهه ويستوعبه (خلافا لأبي حنيفة في رواية).
-ويمسح الكفين ولا يزيد عليها الذراعين لا إيجابا ولا استحبابا (وهو مذهب أحمد).
-وأيضا يقدم الوجه على الكفين وجوبا (وهو قول الجمهور) والمصنف اكتفى بالترتيب في الذكر دون تنصيص على ذلك.
   وقوله ( التراب) الأولى أن يقال الصعيد كما سبق ليعم كل ما صعد على الأرض مما هو من جنسها.
9- فَإِنْ ضَرَبَ مَرَّتَيْنِ فَلَا بَأْسَ.
    قوله (فلا بأس) يعني أنه يجزئه ولا خلاف في ذلك وإن كان خلاف السنة الثابتة، وقد ثبت فعل ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم.
10- قَالَ الله تَعَالَى: ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة:6).
ختم المصنف الباب بذكر بعض أدلة المسائل فذكر أولا الآية الكريم من سورة المائدة وفيها :
-دليل على مشروعية التيمم بدلا عن الوضوء والغسل كما سبق.
-ودليل إجزاء كل ما أطلق عليه اسم الصعيد وهو وجه الأرض، وربما استدل الشافعية والحنابلة على وجوب إيصال التراب إلى الوجه بقوله في الآية "منه" أن من تبعيضية، والصواب أن المراد بذلك التأكيد على ملامسة بعضه وأنه لا يكفي الإشارة إليه.
-نص على الحكمة من تشريع التيمم وهو رفع الحرج عن المكلفين في أهم عبادة كلفوا بها وهي الصلاة.
11- وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيّمَا رَجُل أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةَ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَومِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً" متفق عليه.
   وبعد الآية الكريمة ذكر حديث جابر رضي الله عنه في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه
-دليل على مشروعية التيمم
-وتفسير لمعنى الصعيد بأنه وجه الأرض ، وقد جاء في بعض الأحاديث "وتربتها طهور" فتمسك به الشافعية والحنابلة وأجيب عن هذا الحديث بأنه من باب التنصيص على بعض أفراد العام كقوله تعالى : (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ) (البقرة/98) ومنهم من أجاب بأنه ثمة فرقا بين التراب والتربة لأن التربة تطلق على ظاهر الأرض وهو التراب وغيره كما جاء في الحديث :"خلق التربة يوم السبت".

تم قراءة المقال 306 مرة