الخميس 8 صفر 1432

52-كيف استفيد من كتاب المحلى لابن حزم؟

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

السؤال:

السلام عليكم :

  كيف أستطيع أن استفيد من المحلى لابن حزم، وهل هو كتاب يصلح للمبتدئ في طلب العلم لأنني أحب علم الفقه كثيرا وجزاكم الله خيرا ونفعنا بعلمكم؟

 

52-كيف استفيد من كتاب المحلى لابن حزم؟

 

الجواب:

   الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين أما بعد:

    فإن كتاب المحلى لابن حزم الظاهري رحمه الله تعالى من أعظم المصنفات الفقهية التي وصلت إلينا، وقد عدّه كثير من العلماء من الكتب التي ينبغي أن يطلع عليها الفقهاء، قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام:« ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل "المحلى" لابن حزم، وكتاب"المغني" للشيخ موفق الدين» هذا مع أن العز رحمه الله كان شافعيا مجتهدا، وقد علق الذهبي على ذلك في السير (18/193) فقال:« لقد صدق الشيخ عز الدين، وثالثهما "السنن الكبير" للبيهقي، ورابعها "التمهيد" لابن عبد البر، فمن حصَّل هذه الدواوين وكان من أذكياء المفتين وأدمن المطالعة فيها فهو العالم حقاً».

   وأما بالنسبة للمبتدئين الذين لم يسبق لهم دراسة مبادئ الفقه بأدلته والعقيدة وأصول الفقه على طريقة أهل السنة فلا ينبغي لهم النظر في كتب ابن حزم، كما أنهم لا يمكنهم الانتفاع بالكتب المطولة الموضوعة في الخلاف بين الفقهاء سواء المغنى لابن قدامة أو غيره.

    فلا ينصح المبتدئ بقراءة الكتب الموسعة عموما :

1-لأنه سيتيه في فروعها وتشعباتها بحكم عدم ضبطه لأصول العلم تصورا للمسائل وحفظا للدلائل.

2-ولأنه سيتحير في خلافاتها وتضارب أدلتها بحكم عدم إتقانه لعلم أصول الفقه، ولا يزال العلماء ينصحون بالتدرُّج في العلوم بتحصيل المبادئ أولا قبل الولوج في المطولات.

   وفي خصوص كتب ابن حزم عموما وكتاب المحلى على وجه الخصوص، فينهى الطالب الذي لم ترسخ قدمه في العلم عن مطالعتها للأسباب السابقة ويضاف إليها سببان آخران:

-أحدهما شدة ابن حزم المفرطة على العلماء السابقين خاصة المالكية والحنفية التي تصل إلى حد التهمة في الدين، الأمر الذي يشكل خطرا على تربية وخلق طالب العلم الذي هو في طور بناء شخصيته العلمية، وربما يجعله يسيء الظن بالأئمة المجتهدين الذين لا نشك أنهم مأجورون أصابوا أم أخطأوا.

-والسبب الثاني: أخطاؤه الاعتقادية في المحلى وغيره، وهي أخطاء منها العظيم جدا الظاهر كقوله في باب الصفات والأسماء والحكمة والتعليل والخروج على الحكام العصاة، ومنها ما قد يخفى في باب عذاب القبر وتفضيل الصحابة وكرامات الأولياء ونحو ذلك. والطالب الذي لم يحصل مبادئ العقيدة بأدلتها يخشى عليه أن تسبق هذه العقائد إلى قلبه فيتبناها، وخاصة أن نَفَسَ ابن حزم في كتبه نفس سُنِّي يُعظِّم الكتاب والسنة وأئمة السلف، ولكن زلَّت قدمه في بعض القضايا إما بحكم ظاهريته المفرطة، وإما بحكم خوضه في الفلسفة والمنطق.

    قال ابن تيمية في الدرء (5/249):« وكذلك أبو محمد بن حزم مع معرفته بالحديث، وانتصاره لطريقة داود، وأمثاله من نفاة القياس أصحاب الظاهر، قد بالغ في نفي الصفات، وردها إلى العلم مع أنه لا يثبت علما هو صفة، ويزعم أن أسماء الله كالعليم والقدير، ونحوهما لا تدل على العلم والقدرة، وينتسب إلى الإمام أحمد وأمثاله من أئمة السنة، ويدعي أن قوله هو: قول أهل السنة والحديث، ويذم الأشعري وأصحابه ذما عظيما، ويدعي أنهم خرجوا عن مذهب السنة والحديث في الصفات، ومن المعلوم الذي لا يمكن مدافعته أن مذهب الأشعري وأصحابه في مسائل الصفات أقرب إلى مذهب أهل السنة والحديث من مذهب ابن حزم وأمثاله في ذلك».

   نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ولجميع أئمة المسلمين وعامتهم وأن يرحمنا وإياهم، وينفع بصحيح آثرهم وأن يتجاوز عن عظيم خطئهم ويسيره والحمد لله رب العالمين.

تم قراءة المقال 5624 مرة