الاثنين 2 صفر 1444

الشاذون جنسيا في انتظار بابا للفاتيكان أكثر انفتاحا!

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الشاذون جنسيا في انتظار بابا للفاتيكان أكثر انفتاحا!
 د. يزيد حمزاوي _ رحمه الله وغفر له_
  أجمع محبو البابا بولس الثاني وأتباعه وكثير من المتابعين لفترة بابويته، من المنتسبين للنصرانية، على أنه كان أفضل بابا تولى رئاسة الكنيسة الكاثوليكية منذ قرون، ورأوا جميعا أن كارول فويتوا، وهو اسم البابا قبل وصوله إلى الفاتيكان، كان يتمتع بشخصية كارزماتية أتاحت له ترك أثر عميق في كل أنحاء العالم، فإضافة إلى التسيير المثالي للكنيسة بفعالية، فهو رجل سلام، عمل بكل جهد -  حسب رأيهم - في ردم الهوة بين الأديان السماوية وفض النزاعات الدولية، كما اشتهر البابا بصلابة مواقفه ضد مشروعات تخريب الأسرة التقليدية وإحلال محلها الانحرافات الجنسية المريضة، التي يُسميها أصحابها تحررا جنسيا وحرية شخصية.
  ويرى بعض المراقبين أن البابا استفاد من الثورة الإعلامية، لنشر أفكاره حول الأسرة وضرورة احترام التقاليد الدينية، التي تمنع الإباحية الجنسية المتمثلة في كل أنواع الشذوذ.
  إلا أن كثيرا من الجمعيات النسوية ودعاة حقوق الإنسان المنحلين في العالم، انتقدوا البابا في مواقفه هذه، وذهب بعضهم إلى إبداء سروره بوفاة البابا، ووصفه أحدهم بصاحب الشخصية المتزمتة والمتطرفة في قضايا المرأة والأسرة والجنس، فهو في هذا المجال متمسك بالأفكار والمبادئ المتوارثة منذ ألفي سنة، و ذكر بعض دعاة التحرر أن بولس الثاني كان عدوا للحريات الشخصية، فهو لا يعترف بإرادة الإنسان وحقه الطبيعي في أن يختلف عن النموذج الذي رسمه (بولس الأول) قبل ألفي سنة في رسائله الإنجيلية.
  وتجدر الإشارة إلى أن البابا بولس الثاني كان من أشد المناهضين للإجهاض والممارسات الجنسية خارج إطار الزواج، وقاوم كل أشكال الشذوذ الجنسي، مما كلفه عداء العديد من الملاحدة والعلمانيين المنتظمين في جمعيات إباحية وتحررية، وتمنت هذه الجمعيات أن يكون البابا القادم أقل تزمتا وأكثر انفتاحا  في قضايا الأسرة والممارسات الجنسية خارج إطار الزواج التقليدي.
  وكانت التكهنات لخلافة الزعيم الكاثوليكي قد بدأت منذ مرض البابا، حيث تحاول تلك الجمعيات - من خلال تلك التكهنات - الضغط على الكرادلة المنتخبين للبابا، ليختاروا زعيما كاثوليكيا يتقبل التغيرات الجذرية في مفاهيم الأسرة والمرأة والحريات الطبيعية، وعدم الوقوف في وجه هذه التغيرات، وإلا فان الكنيسة الكاثوليكية ستفقد الملايين من أتباعها، وسيجعل منها التغيير مجرد مؤسسة مهمشة ومنبوذة في العالم.
  وكانت قد مورست ضغوط من طرف سياسيين وحقوقيين وإعلاميين وموظفين في الأمم المتحدة على البابا، للتنازل عن بعض المبادئ في قضية الأسرة والشذوذ الجنسي، ولكن بقي البابا مُصرا على مواقفه إلى آخر يوم من حياته، والآن بعد وفاته، وقبل أن يُدفن، انطلقت أصوات الدعاة إلى الحرية الجنسية تدعوا إلى رفع يد الكنيسة الكاثوليكية عن الموضوع، في مرحلة ما بعد بولس الثاني.
  وفي الحقيقة فإن دعاة الشر هؤلاء لم ينتظروا وفاة البابا ليتحركوا، فقد توصلوا منذ سنوات إلى تحقيق بعض مطامحهم الشهوانية في العديد من الدول البروتستانتية، حيث يقل النفوذ الكاثوليكي الفاتيكاني، منها على سبيل المثال بعض الدول الاسكندنافية التي أباحت الشذوذ الجنسي واعتبرته حقا طبيعيا، كما طرحت السويد والدنمارك مشاريع لإباحة الزواج المثلي وكذلك الزواج بالمحارم، كما استطاعوا تشريع الزواج المثلي في بعض الولايات المتحدة، مثل كاليفورنيا، ولم يجرأ بعض المسؤولين الأمريكيين أن يتدخلوا لمنع ذلك، مع أنهم يُوصفون بأنهم أصوليون جدد، لما علموا أن ابنة نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني تزوجت فتاة مثلها، والأخطر من ذلك أن الجمعيات النسائية المنحرفة استطاعت أن تفرض تعريفها للأسرة في مؤتمر بكين للمرأة، حيث صارت الأسرة ( كل كائنين يعيشان سويا تحت سقف واحد) دون تحديد إن كانا رجلين أو امرأتين أو إنسان وحيوان ( العلاقة الجنسية بين الإنسان والحيوان منتشرة بين الغربيين، ويُدعى هذا النوع من العلاقة بالزوفيليا ).
  والهدف الذي يسعى إليه أنصار الشذوذ في المستقبل القريب، هو العمل على استصدار قانون من الأمم المتحدة يحمي حقوق الشواذ جنسيا، وكان بالفعل بدأ هذا المسعى منذ سنتين، حيث اقترحت دولة البرازيل سنة 2003 مشروع قرار " حقوق الشذوذ " للمرة الأولى على المفوضية العليا لحقوق الإنسان، المتواجد مقرها في جنيف، وهي هيئة رسمية دولية تُعد الذراع الحقوقية للأمم المتحدة.
  لكن وقوف الفاتيكان والدول الإسلامية ضد المشروع البرازيلي حينها جمد التصويت عليه إلى السنة التالية، وفي عام 2004 أعيد طرح القرار للنقاش، ودافعت عنه كثير من الدول الأوروبية والأمريكية الجنوبية، إلا أن ضغط  بعض المنظمات الرافضة لفكرة الشذوذ، دفع المفوضية العليا لحقوق الإنسان إلى سحب المشروع، مؤقتا لعدم وجود التأييد الكافي له بين أعضاء المفوضية، البالغ عددهم 53 دولة.
وفي بداية هذه السنة ناقشت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في دورتها الحادية والستين مشروع قرار يدعو إلى حماية الشذوذ الجنسي، وجاء في أحد بنود المشروع ( دعوة الدول إلى دعم وحماية حقوق الإنسان لجميع الأشخاص بغض النظر عن ميولهم الجنسي ).
  وأبدت إحدى المنظمات الأمريكية المحافظة تخوفها من تمرير هذا المشروع، وقالت بأن هذا البند لا يحدد تعريفا دقيقا للميل الجنسي، مما سيفتح الباب أمام إباحة ممارسة الجنس مع الأطفال والشذوذات الأخرى ، التي ستُعتبر حقا من حقوق الإنسان، وإذا ما اُعتبرت كذلك فلن يكون بإمكان أي دولة في العالم تجريمها، وسيتعين على كل الحكومات حمايتها.
  طبعا، ولن يستثني هذا المشروع البلدان الإسلامية، التي كان ولا يزال ينظر إليها دعاة التحرر بأنها جبهة العداء للحريات العامة بما فيه الشذوذ، والآن بعد وفاة البابا ووقوع أغلب الدول الإسلامية المحافظة تحت الوصاية الفكرية والسياسية والثقافية للغرب، هل سيجد أعداء الأسرة التقليدية وأنصار الشذوذ ضالتهم لشرعنة كل ما هو منحرف وخبيث وفاجر باسم حماية حقوق الإنسان؟
  لا شك أننا كمسلمين كنا نختلف في الكثير من المعتقدات الدينية والأفكار الفاتيكانية مع البابا،لكن نشهد بأنه كان أحد المعاقل الأخيرة لمقاومة الفسق والشذوذ في الغرب، فهل سيكون خليفته كمثله، أم أنه سيهوي على حلبة الضغوط الخبيثة بالضربة القاضية؟
( د.  يزيد حمزاوي، مقال يعود لسنة 2005م )

تم قراءة المقال 48 مرة