خواطر ناقم على نفاق النصارى (2)
د. يزيد حمزاوي _ رحمه الله _
قرر الإله الذي نزل من العلياء أن يصبح إنسانا، ولم يختر هذا الإله المتأنس أن يكون جزائريا أو استراليا أو صوماليا أو يابانيا أو بريطانيا أو برازيليا...، وإنما اختار أن يكون يهوديا، ولأننا نحن المسلمين لا نحسد أحدا من البشر ـ فضلا عن إله متجسد ـ على أن يختار الجنسية والسلالة البشرية التي يريد الانتماء إليها، فلن نعترض على خيار الإله أن يكون من بني اليهود، لكن ما نعترض عليه هو ما قاله هذا الإله اليهودي للمرأة الكنعانية أو السورية الفينيقية من أرض فلسطين، التي وردت قصتها مع يسوع المسيح الإله المتجسد في الكتاب المقدس، فقد ذُكر في إنجيل متى في الإصحاح 15: 21 - 27 (ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ. وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً: "ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا". فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: "اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!" فَأَجَابَ وَقَالَ: "لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ". فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً: "يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!" فَأَجَابَ وَقَالَ: "لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب". فَقَالَتْ: "نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!").
وقد كنت في إحدى المناظرات مع معمدانيين أمريكيين قد أشرت إلى هذا النص العنصري، الذي يجعل من البشرية جمعاء كلابا، باستثناء اليهود شعب الله المختار، فصرّحت بأنني شخصيا لست يهوديا وإنما من المسلمين الأمازيغ، وسألت باستغراب "هل نحن كلاب" “are we dogs?”، فلم يقم القساوسة ليجيبوا عن هذه المعضلة الإنجيلية، لأنهم لا يملكون إجابة عن ذلك، فتشجعت شابة مُنصرة أمريكية شقراء فقامت لتدفع شبهة العنصرية عن إلهها وربها المتجسد، فلم تزد في ردها علي أن قالت بكلمات انجليزية وصوت عاطفي حزين ونبرة رحيمة لطيفة: "إن الله لا يميز، إن الله يحبنا جميعا، إنه يحبك يا يزيد"، فتركتها تكمل فورتها العاطفية ثم أمسكتها خارج قاعة المناظرة في جلسة مطولة جعلتها تعيد النظر في دينها من ألفه إلى يائه، فانصرفت باكية نادمة على قدومها إلى أرض الإسلام لترتع فيه تنصيرا وتخريفا.
والحاصل أننا بنص الإنجيل وقولا واحدا: "نحن كلاب لا بشر"، والأمر بات مفروغا منه، "فلا تبديل لكلمات الله" على حد قول جيف هاينز رئيس تلك البعثة التنصيرية الذي يحب الاستدلال بهذا النص القرآني ليثبت أن الإنجيل لا تبديل ولا تزوير فيه.
لكن المختلف فيه الآن هو: أي نوع من الكلاب نحن!؟
هل نحن من نوع "البولدوغ الأسيوي" أو "البِرجي الألماني" أم من "الكانيش السويسري"....؟
وأيا كانت الفصيلة، فليس الأمر بهذا السوء، فالغربيون اليوم يحبون الكلاب ويحرصون على اقتنائها وتدليلها أكثر من أبنائهم، بل إن كلابهم تنام بصحبتهم، وتقضي وقتها في "صالوناتهم" تتابع برامج التلفزيون معهم، ولها من الحقوق ما لا يحصل عليه كثيرون من بني البشر في أوطانهم...، فلا عجب أن النص الإنجيلي العنصري لإله اليهود لا يفاجئ الغربيين ولا يصدمهم ولا يزعجهم، لأن في آخر المطاف الكلاب كائنات لطيفة ومحبوبة ومسلية....
ثم إن ما ننظر إليه على أنه عنصرية حقيرة تجاه الإنسانية لم يعد شديد الوطأة علينا، من حيث أن عدد البشر "الحقيقيين" من شعب الله المختار من اليهود اليوم لا يتجاوز عشرين مليونا فقط، بينما عدد الكلاب التي تمشي على قدمين قد ناهز السبع ملايير نسمة والمصيبة إذا عمت خفت!!