قيم الموضوع
(0 أصوات)

التوحيد إيمان لا شعار!
د.  يزيد حمزاوي _ رحمه الله وغفر له_
  إن المسلم الذي يكرس دقائق في اليوم ـ إذا كان متدينا ملتزما ـ لعلاقته بربه داخل المسجد، ثم يكرس باقي اليوم وساعات الليل الطويلة لدنياه بمؤسساتها العلمانية، لا يمكن أن ينطبق عليه قول الله تعالى:﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163]
  إن الشرخ الذي يضعه الناس بين دينهم ودنياهم هو العلمانية بذاتها، والإسلام لا يعرف تلك التفرقة القميئة المعيبة، لأن حياة الإنسان المسلم منذ التمييز والبلوغ إلى أن تفارقه روحه يجب أن تكون لله، حتى وهو يأتي شهواته المحضة، فإنه يؤجر عليها إذا أحسن النية وأخلص المقصد، وفي الحديث: "وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، أَيَأتي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكونُ له فِيهَا أَجْرٌ؟ قالَ: أَرَأَيْتُمْ لو وَضَعَهَا في حَرَامٍ، أَكانَ عليه فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذلكَ إذَا وَضَعَهَا في الحلال كان له أجر" ...، حتى النوم نفسه عبادة لمن كان غايته منه الراحة استعدادا ليوم جديد من العبادة والعمل والدعوة في سبيل مولاه.
  يقول البوطي: "المشكلة الكبرى أن أكثر المسلمين في العالم الإسلامي ضائعون عن هوياتهم غافلون عن مصيرهم، ولم يرسخ في ضمائرهم بعد معنى كونهم عبيدا لله عزّ وجلّ، وأنهم مجرد سلعة في بضاعة الرحمان، وأن في أعناقهم بيعة كبرى لمالكهم عزّ وجلّ، فتسلل سلطان الأهواء إلى نفوسهم، وران ظلام الشهوات على قلوبهم، فمهما غرست في ساحات هذه النفوس أحكاما وأنظمة إسلامية لابد أن يكون مصيرها الذبول والانمحاق".
  ما لم يدرك العبد أنه عبد، وما لم يعترف بأنه مألوه مربوب لخالقه، فلا يُنتظر منه أن يمشي بعيدا في التزامه بأوامر الدين واجتناب نواهيه، لأنه منذ البداية يضع نفسه ندا للخالق ومنافسا لصانعه...وإن هذا النوع من البشر لا يمكنه مهما فُرض عليه من تدابير وقوانين عملية فسيخونون عند أول وهلة، وينافقون كلما استطاعوا، ويغدرون كلما سنحت الفرصة، وهؤلاء في الحقيقة لا تبنى عليهم الآمال ولا ينفعون سندا للحق، فموقف الدعاة منهم هو إما أن يغسلوا أيديهم منهم، أو أن يضعوا أيدهم في طينتهم ليعجنوها بماء التوحيد والإيمان، فتقُذف الحياة فيهم بعد ممات، وتُنفخ الروح فيهم من جديد.

تم قراءة المقال 37 مرة
المزيد في هذه الفئة : « متى تسكت ؟؟