الجمعة 6 ربيع الأول 1431

أسباب انتشار التنصير في الجزائر (الحلقة الثانية )

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

6-العداء للعرب ونشر النزعات "الجهوية" والعرقية

   من الآثار السيئة للاستعمار الفرنسي في بلادنا نشر النزعات "الجهوية" والعرقية، وقد ظل يرعى ما يسمى بـ"النزعة البربرية" حتى بعد طرده ودحره من أرضنا، وكان من أثر ذلك أن انتشرت في بلاد القبائل – على وجه الخصوص- فكرة استعمار الجنس العربي لبلاد "البربر" أو "الأمازيغ"، تلك الفكرة بثها المستشرقون وآمن بها بعض الأميين وأنصاف المثقفين، وهي فكرة مدسوسة لم يكن لها وجود في تاريخنا، فإن عظماء التاريخ الإسلامي في هذه البلاد من الفاتحين والعلماء والملوك والزهاد وغيرهم كان أكثرهم من "البربر"، بل الجيوش التي خاضت الفتوحات غربا وشمالا إلى صقلية والأندلس أو جنوبا كلها كانت جيوشا أمازيغية بربرية في أغلبها، فالإسلام إنما انتشر وعمَّ الشمال الإفريقي كله على يد "البربر"، ثم كيف يتخيل هؤلاء القاصرين أن كتيبة من الفاتحين أو قبيلة بني هلال أو أفرادا من المهاجرين يصبحون أغلبية في هذا البلد، إن الجزائريين بأغلبيتهم الساحقة "أمازيغ" من "القبائل" و"أهل الأوراس" و"الشمال القسنطيني" و"الغرب الجزائري" والصحراء، وتوجد بينهم قلة قليلة من العرب والأتراك والزنوج، ولكن الذي حدث في أكثر المناطق هو التعريب واعتناق لغة الإسلام العالمية.

أسباب انتشار التنصير في الجزائر (الحلقة الثانية )

 

   إن هذه الفكرة لا توجد عند "النمامشة" ولا "الشاوية" ولا "الصنهاجيين" ولا "الشلحيين" ولا "الشنويين" في الشمال ولا عند "المزابيين" ولا "الطوارق" ولا "الزناتيين" في الصحراء مع أنهم لا ينكرون نسبهم "البربري" وكثير منهم يتكلمون بلهجات محلية منحدرة من "الأمازيغية"، مما يدل على أن هذه الفكرة لم يعتنقها إلا بعض الشواذ ممن رضع من ثدي الاستعمار، ومما تجدر الإشارة إليه أنه ليس كل من تكلم بالقبائلية فهو أمازيغي عرقا، كما أنه ليس كل من تكلم اللغة العربية فعرقه عربي، فمما هو معلوم في منطقة القبائل أنهم منقسمون من حيث العرق إلى ثلاثة طبقات متباينة كلها تتكلم القبائلية:

الطبقة الأولى طبقة "المرابطين" وهم العرب أو أشراف العرب

والثانية طبقة "القبائل" وهم ذوو العرق البربري

والثالثة طبقة "الأكلان" جمع "أكلي" والمراد بهم العبيد، وكما هو معلوم وملاحظ أن القبائل الأمازيغ كانوا يخدمون العرب المرابطين ويعظمونهم، بل بلغ بهم الأمر في بعض الأحيان إلى الغلو فيهم وعبادتهم من دون الله تعالى- ومنهم من يزال يفعل ذلك-، لم يقولوا في يوم من الأيام إنهم استعمرونا واغتصبوا أرضنا.

إن المنصرين يقولون لهم اليوم :"إن محمدا صلى الله عليه وسلم عربي وأنتم لستم عربا"، ولا أعجب ولا أتفه من هذا الكلام الفارغ وكأن عيسى عليه السلام ولد في وادي الصومام أو جبال جرجرة أو غابة أكفادو!!

7- نشر الشبهات

  إن النصرانية قد أفلست في العصر الحاضر ، لأنه قد تبين لأهلها وللعالم أجمع أن عقائدها منافية للعقل، ونصوصها متناقضة ولا ثقة في ثبوتها، لذلك فإن المنصرين لا يجدون شيئا يقنعون به العقلاء بدينهم لذلك صاروا يستعملون في دعوتهم أسلوب الهجوم على الإسلام ببث الشبهات حوله، شبهات حول النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وحول القرآن وشرائعه في النكاح والحدود والديات، وفي الصحابة وطريق انتشار الإسلام، يستعلمون هذا الأسلوب ليشككوا الناس في عقيدتهم، ومن ثم يسهل عليهم عرض الدين البديل، وكأنهم يقولون للناس:" إنه ليس ثمة إلا النصرانية أو الإسلام، فإذا شككتم في الإسلام فإنهم يلزمكم قبول النصرانية بلا حجة أو برهان".

[ينبغي على من أراد مناقشة المنصرين أن يطالبهم بالحجة على صحة النصرانية أولا]

   ولذلك ينبغي على من أراد مناقشة المنصرين أن يطالبهم بالحجة على صحة النصرانية أولا، لأن الإسلام دين قائم معلومة عقائده وشرائعه عنده فيطالبهم بتعليمه النصرانية ليقارن بينها وبين الإسلام، وعليه أن لا يقبل النقاش في دين الإسلام وذلك ليجعل الجدال في دينهم وفي كتابهم.

   وأما عموم المسلمين فالواجب عليهم أن لا يستمعوا إلى تلك الشبهات أصلا، لأن أكثرهم غير محصن ضدها وغير مؤهل للجواب عنها، بل يجب عليهم أن يتفقهوا في دينهم ويتعلموا عقيدتهم بدلائل الكتاب والسنة، ونحن نعلم أن شبهات النصارى واهية لا تكاد تقوم حتى تسقط –وبعضها أوهى من بعض- وهي لا تروج إلا على الأميين أمية دينية، وهذا مثال يظهر ذلك؛ بلغني أنهم يقولون لبعض المسلمين إن في القرآن دعوة إلى الشرك وعبادة النبي صلى الله عليه وسلم فكيف تنكرون علينا عبادة المسيح عليه السلام؟ وذلك في قولهصلى الله عليه وسلم :(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب:56) قالوا لهم:" إن معنى هذه الآية أن الله والملائكة يعبدون محمدا صلى الله عليه وسلم "، ولا أعلم أتفه من هذه الشبهة التي مع الأسف الشديد حيرت بعض الناس، إذ المعنى الصحيح للصلاة هنا معلوم بدهي عند من له أدنى ثقافة دينية وهو المباركة أو الرحمة والثناء من الله تعالى والدعاء من الملائكة، بالنسبة لأمر المؤمنين بالصلاة عليه فقد جاء في الصحيحين عن أبي حميد الساعدي أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ : (قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.)

  وأما القضايا التاريخية كقولهم: إن الإسلام انتشر بالسيف فنقول لهم هذا كذب بل أكثر المناطق انتشر فيها طوعا، يقال لهم اسألوا التاريخ كيف انتشر الإسلام في أسيا وغيرها، ثم يقال لهم دعونا من الإسلام وحدثونا عن النصرانية كيف بدأ انتشارها على يد الرومان؟ وكيف نشرت في أمريكا الشمالية والجنوبية وإفريقيا وآسيا؟ ومن هم قادة الحروب الصليبية؟ وكيف أرادت الدول الاستعمارية نشرها في بلاد الإسلام؟

[من شبهاتهم :أن الإسلام هو سبب التخلف]

   وأما ما يزعمونه من أن الإسلام هو سبب التخلف فجوابه بالنظر في التاريخ وشهادة مؤرخيهم، أما التاريخ فيبين أن المسلمين في القرون الوسطى يوم كانوا متمسكين بدينهم كانوا هم رواد الحضارة، بينما كانت أوروبا غارقة في الجهل والأمية حتى سمي ذلك العصر بعصر الظلمات، وهو عصر سيطرت فيه الكنيسة النصرانية التي كانت تحرم العلم وتعدم من يخالف أوامرها، وأما شهادات مؤرخيهم فننقل منها قول أناتول فرانس :"إن أفظع سنة في تاريخ فرنسا هي سنة 732 وهي السنة التي حدثت فيها معركة "بواتييه" والتي انهزمت فيها الحضارة العربية أمام البربرية الإنفرجية ، وقوله :"ليت شارل مارتل قطعت يده ولم ينتصر على القائد الإسلامي عبد الرحمن الغافقي إنَّ انتصاره أخَّر المدنية عدة قرون".

  ومنها قول هنري دي شاميون :"لولا انتصار جيش شارل مارتل الهمجي على العرب في فرنسا في معركة "تور" على القائد الإسلامي عبد الرحمن الغافقي لما وقعت في فرنسا في ظلمات العصور الوسطى، ولما أصيبت بفظائعها ولما كابدت المذابح الأهلية الناشئة عن التعصب الديني، ولولا ذلك الانتصار البربري لنجت إسبانيا من وصمة محاكم التفتيش، ولما تأخر سير المدنية ثمانية قرون. نحن مدينون للشعوب العربية بكل محامد حضارتنا، لقد كانت الشعوب الإسلامية مثال الكمال البشري مدة ثمانية قرون بينما كنا مثال الهمجية ".

8-التمكين من الشهوات

  ذكرنا فيما سبق أن هؤلاء الأميين المرتدين عن الإسلام من الصعب مناقشتهم وإرجاعهم إلى الدين، لأن المنصرين -وخاصة البروتستانت الإنجليين منهم- أصبحوا يستعملون وسائل خارجة عن مفهوم التدين كليا، فبعد الإغراء المادي بالأموال والتأشيرات أصبحوا يستعملون الدعاية للنصرانية عن طريق الزنا والعلاقات غير الشرعية، فإذا سمعتم أن بعض الناس قد فتح كنيسة بروتستانتية فلا يبعد أن يكون فيها جناح خاص للممارسات الجنسية غير الشرعية.

  ولا شك أن الشباب الذي لم يجد العمل ولا الزواج ولا السكن ولا الأمن والاستقرار يفعل أي شيء ليخرج من هذه البلاد، والشباب الذي خوت روحه من الإيمانيات وأصبح مفهوم الدين عنده غامضا يكون عرضة للوقوع في هذه الإغراءات.

   وقد يتعجب البعض من استعمال المنصرين لهذه الوسائل مع علمهم أنها تدفع الشباب إلى النفاق معهم بغية الحصول على مآربهم، وفي الحقيقة لا عجب فإن هدف المنصرين هو إخراج الناس من الإسلام وإن لم يدخلوا في النصرانية، وهذا ما صرح به صمؤيل زويمر سنة 1935 في مؤتمر القدس للمنصرين : «إن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست إدخال المسلمين في المسيحية ، فإن هذا هداية لهم وتكريما، وإن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله ، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها ……أخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية ، وبالتالي جاء النشء الإسلامي مطابقا لما أراده له الاستعمار ، لا يهتم بعظائم الأمور ، يحب الراحة والكسل ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب حتى أصبحت الشهوات هدفه في الحياة ، فهو يتعلم للحصول على الشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات، إنه يجوز بكل شيء في سبيل الشهوات، أيها المبشرون إن مهمتكم تتم على أكمل الوجوه».

   ولا عجب إذا علمنا أنهم يستغلون هؤلاء "المنافقين" في تضخيم قوائم المرتدين، التي يريدون بها الحصول على حقوق الأقليات في الجزائر، ولا بد أن نشير هنا أن كل من تظاهر بالنصرانية لأجل نيل هذه المآرب الدنيوية؛ فهو مرتد عن دين الإسلام كافر طاهرا وباطنا لا شك في ذلك ولا خلاف فيه بين العلماء.

9-الفقر واليأس من الحياة

   من أسباب انتشار التنصير فشو الفقر والبطالة وأزمة السكن وغير ذلك من الأمور التي أوصلت الشباب في بلادنا إلى اليأس من الحياة، ومما ينبغي أن يعلم أن شعار "الإنجيل والخبز" ما زال مرفوعا في بلادنا إلى اليوم، وهو السر في تنصير بعض العجائز الأميات في بلاد القبائل وغيرها، إن اليأس من الحياة التي لم ينالوا منها شيئا هو السر في تنصر بعض الشباب، ثم انتحارهم لينتقلوا إلى الحياة السعيدة مع المسيح عليه السلام!! إن هؤلاء الشباب من غير شك كانوا يفكرون في الانتحار، لكن منعهم الخوف من الله تعالى ومن دخول النار، فلما وجدوا الدين الذي يبيحه لهم بل ويبشرهم بالحياة السعيدة بعد الموت، بل ويبشرهم بالعودة إلى الدنيا مرة أخرى ليعيش فيها ألف سنة أخرى قبل القيامة سارعوا إلى الانتحار!!

[من أشهر وسائل المنصرين في بلادنا اليوم الوعد بالتأشيرة]

   إن من أشهر وسائل المنصرين في بلادنا اليوم الوعد بالتأشيرة، وقد رجع كثير من الشباب إلى دينهم بعد أن طال انتظارهم ويئسوا من الحصول عليها، وقد علمنا أن كثيرا من الشباب يدفعون ملفات إلى المنصرين بغرض الحصول على تأشيرة إلى بلاد الكفر، وهؤلاء يستغلون هذه الملفات لتضخيم عدد المرتدين للحصول على حق الأقليات، وقد علمنا أنهم يعطون المنح والأموال والرشاوى للناس حتى يحضروا معهم صلاة الأحد التي حولوها إلى يوم الجمعة، وكثير من هذه الرشاوي كانت فيما مضى – في التسعينيات- ترسل عشوائيا !! عبر الحساب الجاري !! ، حيث كانوا يرسلون رسائل إلى أشخاص - يظهر من ألقابهم انحدارهم من منطقة القبائل- يدعونهم فيها إلى توزيع أوراق تنصرية أو الإيمان ببعض خرافات النصارى لينالوا مبلغا ماليا يصلهم بعد أقل من شهر، وبعد مضي المدة يصلهم المبلغ الموعود به وإن لم ينفذوا المطلوب منهم ، وقد سألني يومها أكثر من واحد بعد أن وصله المال ماذا يفعل به؟!

تم قراءة المقال 3615 مرة