الخميس 26 ربيع الثاني 1445

من وحي طوفان الأقصى (2): الترتيب السياسي لما بعد الطوفان: زوال السلطة لا زوال حماس

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

من وحي طوفان الأقصى (2): الترتيب السياسي لما بعد الطوفان: زوال السلطة لا زوال حماس
    مع بدء المعارك العسكرية البرية على أرض غزة الأبية-التي يصفها الاحتلال بالمناورة تحقيرا لجند الله العظام فيها الذين لا تصغرهم الكلمات ولا تنقص من قدرهم مثل العبارات- بدأ الحديث هنا وهناك عن مصير أهل غزة بعد زوال حماس؛ من يحكمهم ومن يسير شؤونهم؟ فتطايرت شطايا الرؤى ووجهات النظر والاقتراحات من هنا وهناك تحملها عناوين المقالات وتحليلات المحللين عبر الفضائيات، وذلك في إطار حرب نفسية إعلامية موجهة ضد المسلمين في فلسطين والعالم وضد قادتهم خصوصا، وكأنهم يقولون إن هذه المناورة مدتها لن تطول لذلك لابد من التفكير في الأمر من الآن وكأنهم يؤكدون على أن نتيجتها معلومة ولا شك فيها؛ فلا مجال أن تأملوا في النصر، ولا أن تحلموا حتى في إطالة أمد المعركة؛ بل تعالوا أيها العرب وأيتها السلطة لنفكر فيما بعد المناورة ولنتشاور في حكم غزة بعد زوال حماس.
    أما الفلسطينيون في غزة فلا أظن تلك الأخبار تؤثر فيهم أو أنها تنال حظا من اهتمامهم إلا بقدر معرفة شيء مما يدور في خلد العدو، ومراقبة تفاعل الخونة من أبناء يعرب مع تلك المقترحات، وإلا فهم مشغولون بما يعنيهم، وقادتهم السياسيين أنضج من أن تأسرهم الدعاية المعادية في مثل هذه الظروف وكذا الكتائب العسكرية أقوى وأمتن من أن تنال من معنوياتهم مثل هذه المناورات الكلامية؛ وذلك أنا نحسبهم رجالا رباهم القرآن وصقلتهم المحن والتجارب.
    ولن أخوض في هذا الأمر من منطق تكهنات محللين والخبراء الاستراتجيين فإني لست بالكاهن ولا أحب الكهانة، ولكنني سأتحدث عما ينبغي أن يكون مهما كانت النتائج، أعني مهما كانت درجات الانتصار ومهما مس العدو من ذل وانكسار، أتحدث عن الذي ينبغي أن يحدث في البيت الفلسطيني الصغير قبل الوطن العربي والإسلامي الكبير، فإن هذا الطوفان المبارك قبل انقضاء أيامه لابد أن يجعل الفلسطينيين قبل غيرهم يراجعون أنفسهم وترتيب أوراقهم ، لا أعنى أهل غزة فإن جمهور أهلها قد حزموا أمرهم وعرفوا مصيرهم واختاروا خندقهم، ولكن أعني أهل الصفة الغربية وغيرهم من الفلسطينيين في مختلف بلاد العالم، وأعنى المنضوين تحت لواء حركة فتح على وجه الخصوص والمنتمين إلى كتائبها ككتائب شهداء الأقصى، فلا خيار أمام أهل الجناح السياسي إلا أن يعلنوا خلع محمود عباس وأن يلوحوا بالتراجع عن معاهدة السلام وأن يستعدوا فعلا لذلك، ولا خيار لتلك الكتائب -إن كان فيها بقية باقية من الرجال ذوي المروءة والشرف- إلا أن يعلنوا العودة إلى "الحرب الثورية طويلة الأمد أسلوباً، وإلى الكفاح المسلّح وسيلة، وأن يجعلوا شعارهم "حتى تحرير فلسطين كل فلسطين".
    أقول إن هذا هو الواجب زوال ما يسمى بالسلطة الفلسطينية لا زوال حماس، زوال السلطة لا الحلم بإعادة بسط نفوذها على قطاع غزة، هذا هو الواجب حدوثه الآن، لأن اليهود لم يدعوا شكا لدى كل العقلاء أنهم لا يؤمنون بالسلام، ولا يقرون باتفاقيات أوسلوا ومدريد ولا بقرارات الأمم المتحدة، ولا بحدود 67 ولا بمشروع غزة أريحة، ولا بأي خرافة أخرى، إنهم يؤمنون بشيء واحد هو وطنهم القومي من النيل إلى الفرات وفقط.
   فلابد أن يعترف بقايا الجيل الذي قبل بإقامة دولة اليهود على نصف أرض فلسطين بخطئهم، وأن يعلنوا ذلك جهرة للأجيال التي نشأت بعدهم، وأن يعلنوا ندمهم وتوبتهم، وإلا فإن كل الأرواح التي أزهقت وتزهق في الضفة والقطاع منذ 1992 ستكون في رقابهم، ولن يفارقهم وصم الخيانة إلى الأبد.
    يتعجل بعضنا ويفترض أنه ينبغي على الدول العربية والإسلامية المطبعة مع اليهود قديما وحديثا أن تستحي من سوء صنيعها وأن تقطع علاقاتها مع اليهود وترجع إلى سابق عهدها، فنقول إن ذلك سابق لأوانه وإنه لن يكون ما دام في الفلسطينيين من يجلس إلى الصهاينة ويتقاضى راتبه عبر بنوكهم، نعم إذا حدث هذا الواجب المأمول حينها فقط يتجدد الأمل في أن يتوقف زحف التطبيع، وحينها يمكن الحديث عن التراجع عن التطبيع، وحينها نتوقع من الدول العربية الرافضة للتطبيع أن ترفع من مستوى مواقفها السياسية ومن مستوى الدعم المادي العلني والسري للمقاومة، وحينها نأمل ونرجو ونأمل ونرجو .
   ولا يخفى أن المطبعين والمهادنين والراضين بتقسيم أرض فلسطين كلهم يقولون إننا لا يمكن أن نكون أكثر فلسطينيةً -أي وطنيةً- من الفلسطينيين أنفسهم؛ فإذا رضوا هم بالتطبيع والتقسيم فلمَ نوصف نحن بالخيانة؟ وإنما الخائن من خان صاحب القضية لا من أيده في موقفه، وهذه حجة داحضة لأن الخيانة هي الخيانة لا يختلف من سبق إليها عمن تأخر، فضلا عن تضمنها مغالطة الفصل بين الفلسطينيين وبقية الشعوب في واجب الدفاع عن أرضهم الإسلامية، ولكننا مع ذلك نؤكد أن نقض التطبيع لابد أن يبدأ من الداخل الفلسطيني قبل أي جهة أخرى، وإننا لنتمنى ذلك، بل إننا لنراه قريبا بإذن الله تعالى.          

تم قراءة المقال 30 مرة