الاثنين 8 جمادة الأول 1445

من وحي طوفان الأقصى (4) : الطوفان كاشفا

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

من وحي طوفان الأقصى (4) : الطوفان كاشفا
    سجل في ذاكرتك وإياك أن تنسى إن هذه الأحداث الأليمة الجارية لابد أن تحفظ وتستصحب مدى الحياة، هذه الأحداث التي تعجز الألسن والأقلام عن وصف وحشيتها وتصوير فظاعتها، بل إن العقول لتصاب بالشلل والذهول لمدة طويلة من هول ما ترى العين وتسمع الأذن فلا تقوى حتى على التفكير ولا تقوى بقية أعضاء الجسم عن الامتثال حتى لو أراد القلب ذلك.
    إن هذه المجازر البشعة الموثقة بالصوت والصورة في مكان الحدث قد كشفت للمسلمين ولبقايا البشر في العالم عدة حقائق، وإن الموقف الدولي الذي أيدها بالدعم المطلق أو ساندها بالصمت المطبق أو شجع مرتكبيها بالكلام المملول المرتبك والشجب الجبان أو الاستنكار بعد فوات الأوان قد أزال اللثام عن وجوه شيطانية طالما كانت متلفعة بوشاح الإنسانية وكشف للمخدوعين عن زيف مبادئ الغرب التي لا تزال تخدر بها الشعوب وخاصة الشعوب الإسلامية.
   لقد كشفت هذه الجرائم كذب دعاوى القيم الانسانية حيث خرس أهلها ومدعوها، وقد كانت الدول العربية الراعية للقيم الإنسانية -عجل الله سقوطها- أول المباركين للوحشية الإسرائيلية، ولم تستنكر إلا لما بلغ الطغيان منتهاه، لا لإنقاذ الفلسطينيين ولكن محاولة لانتشال نفسها من الورطة التي وقعت فيها، فلم يسمع ذلك الاستنكار وسط صراخ بقايا البشر في العالم، ولم يلتفت إليه مواقف أو مخالف لهوان صاحبه وافتضاحه، بل التفت الناس باهتمام إلى الصهيونيين الذين أدركوا الخطر وخافوا أن تمحى شماعة معاداة السامية وهابوا من مقدمات زوال دولتهم؛ فرفعوا أصواتهم عاليا بأن نتنياهو مجرم حرب، وقالوا نضحي برئيس وزراء لا محالة زائل ولا نضحي بالحلم الصهيوني.
    لقد كشفت لنا الأحداث في فلسطين زيف ما يسمى حقوق الإنسان وما يُدَّعى من حقوق الأطفال ويُمنَّى به من حقوق النساء، إن هذه الحقوق وما يلفها من إنسانية إنما يدعو إليها ويروج لها أناس انخلعوا من الإنسانية ذاتها؛ أجسادهم أجساد بشر لكن أرواحهم أرواح شيطانية؛ فما حقوق الإنسان عندهم إلا حقوق الإنسان المجرم والشاذ جنسيا والمنحرف المماثل لهم، وليست حقوق الطفل هي التي نعرفها؛ ولكنها حقهم في سرقة الأطفال من يد أوليائهم وتلقينهم الشذوذ وكل  انحراف عن الفطرة السوية، وحقوق المرأة إنما هي حقهم في تحريفها أيضا عن أنوثتها وطبيعتها وتصييرها سلعة يستمتع بها، أما حق الحياة وحق العلاج وحق التعليم وحق التعبير والحرية والأخوة والمساواة فما هي إلا شعارات خداعة وما هي إلا وسائل يغوى بها الناس لتحقيق الغايات المذكورة.
   لقد كشفت لنا الأحداث أن ما يسمى بالمجتمع الدولي إنما شخص كفيف أصم أبكم إذا تعلق الأمر بالمسلمين أو الفلسطينيين خصوصا ، وكشفت أن جمعية الأمم المتحدة إنما هي مؤسسة خاصة مملوكة لدول معدودة تخدم به أفكارها وسياستها في العالم ، وأن المنخرطين فيها منهم من هم في رتبة الأسياد والراشدين، ومنهم من هم في رتبة العبيد والسفهاء المحجور عليهم؛ الذين يتوجب عليهم دفع المستحقات ثم السمع الطاعة وتنفيذ ما يملى عليهم فقط، نعم يسمح لهم بالتعبير عما في أنفسهم وذلك يكفيهم.
    ولقد أكدت لنا الأحداث –ولم تكشف - حقيقة حكام العرب، الذين جعلوا من الوصول إلى الحكم هدفا وغاية يضحى من أجلها بالشعوب التي يحكمون فكيف الشعوب التي لا يحكمون، لقد بينت الأحداث أن العربي بات عربي النسب والعرق لا عربي الصفات والأخلاق، وبينت أن المسلم اسمه لم يعد مشتقا من الاستسلام لرب العزة جل جلاله الذي بيده الملك ، ولكنه مشتق من الاستسلام لعدو الله وعدوه، فجعل من إسلامه حجة على هوانه وخنوعه، ففي الوقت الذي تجلد فيه أمته وتهان كرامته يرفع هو عقيرته بالدعوة إلى السلام والعيش في وئام في صورة إليها المنتهى في القبح والذلة.
   لقد كشفت لنا هذه الأحداث أن الحرية الحقة لا يؤمن بها إلا آمن بالعبودية لله تعالى، وكان القرآن دليله والسنة منهاجه، وهذا حال أهل غزة الذين لم يتركوا ما أوجب عليهم دينهم ولم يتنازلوا عن حقهم في أرضهم؛ بخلاف من تهود منهم ورضي بمساكنة الغاصبين وحمل جنسيتهم والوقوفِ لعلمهم وقبل أن يحكم بقوانينهم، إنهم لم يتركوا دينهم وواجباته فقط ولا تنازلوا عن أرضهم فحسب، بل إنهم فيما يظهر قد ماتت فيهم كل الأحاسيس الفطرية؛ فتنكروا لروابط الدم ولم تتحرك فيهم الإنسانية التي تحركت في بقايا البشر في العالم، وحال من ألف العيش الرغيد والأمن الموهوم في أرض الشتات واللجوء لا يختلف حال أكثرهم عن حال هؤلاء.
   لقد كشفت الأحداث أقنعة كثيرة لكثيرين من الغافلين، وأكدت حقائق لطالما بينها المهتدون بهدي القرآن المكتفون به عما سواه وما أكثر ما كشفت وأكدت وحسبنا في هذا المقال ما ذكرنا، والله حسبنا ونعم الوكيل.           

تم قراءة المقال 21 مرة