مختارات

ما هو الواجب تجاه أهل البدع الهجر أم المناقشة؟

من المسائل المنهجية المهمة والجديرة بالدراسة والتوضيح في زماننا؛ مسألة الموقف المطلوب من المسلم السني تجاه اقرأ المزيد

مقدمة كتاب شبهات الغلاة في التكفير حول العدر بالجهل

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، اقرأ المزيد

من أسباب انتشار التنصير : جهود المنفرين

   هذه المقالة جزء من محاضرة بعنوان أسباب انتشار التنصير، نعيد نشرها في قسم المقالات نظرا اقرأ المزيد

تعقبات على تحقيق كتاب المغني لابن قدامة (الحلقة الثانية)

   الحمد لله والصلاة على رسول الله أما بعد: فهذه الحلقة الثانية من التعليقات على تحقيق اقرأ المزيد
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
  • 6
  • 7

الأحد, 26 كانون1/ديسمبر 2010 19:47

 

 

 

الإبانة عن أخطاء الأشعري في المقالات والإبانة (4)



المبحث الرابع :
نقد شهادات من قال برجوع الأشعري إلى عقيدة السلف

بعد أن بينت الأخطاء الاعتقادية التي وردت في المقالات والإبانة، وفندت قول من رأى أن الأشعري مر بثلاث مراحل آخرها الاستقرار على عقيدة السلف ، أرجع في هذا المبحث إلى نقد الشهادات المعتمدة للقول برجوعه إلى عقيدة السلف، وقد جعلته في المطالب الآتية :
المطلب الأول : الاعتماد على ثناء الأشاعرة على الأشعري
المطلب الثاني : الاعتماد على كلمات مجملة وأخرى مصحفة
المطلب الثالث : الاعتماد على تزكية لمجهول فيها ما يردها
المطلب الرابع : إنصاف الإبانة ومفاد رسالة ابن درباس


المطلب الأول : الاعتماد على ثناء الأشاعرة على الأشعري

من الأمور التي تمسك بها من قال برجوع الأشعري إلى عقيدة السلف بعض الشهادات الصادرة من بعض الأعلام، التي إذا تأملناها وجدناها لا تعدو أن تكون من مدح أئمة المذهب الأشعري ومؤرخيه لشيخ مذهبهم وطريقتهم، والذي لا شك فيه أن مثل هذه التزكيات والشهادات لا ينبغي أن تعتمد في مثل موضوع بحثنا وهو رجوع الأشعري إلى عقيدة السلف، لأن مراد من تكلم بكلمة "السنة" و""أهل السنة" غير مراد من يستدل بها.
والأشاعرة الذين يراد إقامة الحجة عليهم أغلبهم يظن أن عقيدته هي عقيدة السلف وأهل السنة، إذ جميعهم يقول إن الأشعري بعد رجوعه عن الاعتزال نصر مذهب السلف وعقيدة أهل السنة بالطريقة الكلامية، وهم جميعا يسمون أنفسهم أهل السنة وأهل الحق، ويصفون السلفيين السنيين بحق "حشوية" و"مجسمة" و"مشبهة" و"كَتَبَة الحديث" وغير ذلك من الألقاب التي يراد بها الذم ليس إلا.
وهذا في تقديري خطأ واضح بيِّن لا يحتاج إلى شرح طويل، وإن كان قد وقع فيه شيوخ أفاضل وعلماء سنيين أجلاء، ولا عصمة لأحد من السهو والخطأ، وكلٌّ يؤخذ من قوله ويرد إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وفيما يأتي بيان لتلك الشهادات.

أولا : شهادة أبي بكر بن فورك (ت:406)
من هذه الشهادات المعتمدة قول أبي بكر بن فُورك :« رجع الأشعري عن الاعتزال إلى مذهب أهل السنة سنة ثلاثمائة »([1]).
وابن فورك من أشهر أعلام الأشاعرة والمتنصرين لآراء الأشعري، وهو صاحب كتاب مجرِّد مقالات الأشعري الذي جمع فيه آراء الأشعري الكلامية من مختلف كتبه، وهو صاحب كتاب مشكل الحديث الذي أول فيه الصفات الواردة في السنة ما صح منها وما لم يصح وضمنه الرد على كتاب التوحيد لابن خزيمة وكتاب الأسماء والصفات للصبغي أحد تلاميذ ابن خزيمة، وهو في التأويل قد تعدى مذهب الأشعري إلى تأويل الصفات الذاتية كلها، ومع ذلك يزعم أنه ألف كتابه للدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة وأهل الحق والسنة، ويصف المثبتين لتلك الصفات بالمبتدعين والمجسمين.
فشهادة من هذه حاله للأشعري بأنه كان على السنة لا تفيد شيئا، ثم إن المتامل للعبارة المنقولة يجده يجعل للأشعري مرحلتين لا ثالث لهما، إذ لم يذكر للأشعري بعد الاعتزال إلا مرحلة واحدة وصفها بأنها مذهب أهل السنة الذي يعتقد هو أنه مذهب أهل السنة، وهذا يجعلنا نعكس الاستدلال بهذا النص بأنه لا تعرف للأشعري مرحلة ثالثة لأن ابن فورك من أعلم الناس بالأشعري ومذهبه كما سبق.

ثانيا : شهادة القشيري (ت:465)
ومنها قول أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري:« واتفق أصحاب الحديث أن أبا الحسن كان إماما من أئمة أصحاب الحديث ومذهبه مذهب أصحاب الحديث، وتكلم في أصول الديانات على طريقة أهل السنة ورد على المخالفين من أهل الزيغ والبدعة»([2]).
ولا يخفى أمر القشيري عقيدة وعلما بمذاهب المحدثين، فهو أشعري صوفي مشهور، ولم يكن من أهل الحديث رواية ولا نقدا ولا عقيدة، قال الخطيب البغدادي:« وكان يعرف الأصول على مذهب الأشعري والفروع على مذهب الشافعي»([3]). ووصف أهل الحديث عنده وعند ابن فورك سابقه يشمل رواة الحديث الذين لا شأن لهم بفقهه أو تأويله ويشمل من سموهم أهل النظر والعقل الذين يفقهون معناه وتأويله ، وهم يعدون أنفسهم وأهل الكلام على طريقتهم من الصنف الثاني من أهل الحديث ، أما أهل الحديث بحق فهم عندهم المشبهة والمجسمة.
وهذا النص عبارة عن وثيقة كتبها القشيري بخطه، ثم وقع عليها جمع من الأشاعرة الذين كانوا في بغداد أيام حدوث الفتنة بينهم وبين أهل السنة.
والاتفاق المذكور غير مسلم فإن أهل السنة لم يرضوا عن الأشعري وطريقته ابتداء من معاصري الأشعري إلى من عاصر القشيري ومن بعده، فمن معاصري الأشعري ابن سريج (ت:306) الذي اشتهر عنه ذم الكلام وأهله وقد قد اعتبر مجدد القرن الثالث ([4])، ومنهم البربهاري (ت:329) الذي لم يقبل من الأشعري كتابه الإبانة ([5]).
وممن نقل عنهم إنكار مذهب الأشعري وابن خويز منداد (ت:390) الذي قال: « أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام ، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعريًا كان أو غير أشعرى، ولا تقبل لهم شهادة في الإسلام، ويهجر ويؤدًّب على بدعته، فإن تمادى عليها استتيب منها»([6]).
وممن اشتهر عنه ذلك أبو عبد الله ابن منده (ت:395) ومن أقواله:« ليتق الله امرؤ وليعتبر بمن تقدم ممن كان القول باللفظ مذهبه ومقالته، وكيف خرج من الدنيا مهجورًا مذمومًا مطرودًا من المجالس والبلدان؛ لاعتقاده القبيح وقوله الشنيع المخالف لدين الله مثل: الكرابيسي والشواط وابن كُلًّاب وابن الأشعري، وأمثالهم ممن كان الجدال والكلام طريقه في دين الله عز وجل» ([7]) ومنهم أبو حامد الإسفرائيني(ت:406) الذي كان يعلن براءته من الباقلاني الأشعري ومن قوله في القرآن كل يوم جمعة([8]).
ومنهم أبو نصر السجزي(ت:444) الذي صنف كتاب الرد على من أنكر الصوت والحرف، ومن أقواله :« ثم بُلِىَ أهلُ السنة بعد هؤلاء بقوم يدَّعون أنهم من أهل الإتباع، وضررهم أكثر من ضرر المعتزلة وغيرهم، وهم : أبو محمد بن كُلًّاب وأبو العباس القلانسي وأبوالحسن الأشعرى. وبعدهم محمد بن أبى تريد بسجستان، وأبو عبد الله بن مجاهد بالبصرة. وفى وقتنا: أبو بكر بن الباقلانى ببغداد، وأبو إسحاق الإسفرايينى، وأبو بكر بن فورك بخرسان فهؤلاء يردون على المعتزلة بعض أقاويلهم، ويردون على أهل الأثر أكثر مما ردُّوه على المعتزلة» ([9]).
ومن المعاصرين للقشيري أبو إسماعيل الهروي (ت:481) الذي صنف كتاب ذم الكلام وكان يبالغ في الرد على الأشعرية، وربما لعنهم ([10]).

ثالثا : شهادة ابن عساكر (ت:571)
وأما أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر فإنه وإن كان أحفظ أهل زمانه إلا أنه أشعري صرف، وكتابه تبيين كذب المفتري شاهد على ذلك، حيث لم يكتف فيه بالدفاع عن الأشعري بل زاد على ذلك أن ترجم لطبقات الأشعرية الناشرين لضلالات الأشعري، ومما مدح به الأشعري في مقدمة كتابه قوله:« أشد العلماء اهتماماً بعلم الكلام، وألدهم لمن حاول الإلحاد في أسماء الله وصفاته خصاماً، وأمدهم سناناً لمن عاند السنة، وأحدهم حساماً وأمضاهم جناناً عند وقوع المحنة وأصعبهم مراماً، ألزم الحجة لمن خالف السنة والمحجة إلزاماً، فلم يسرف في التعطيل، ولم يغل في التشبيه، وابتغى بين ذلك قواماً، وألهمه الله نصرة السنة بحجج العقول، حتى انتظم شمل أهلها به انتظاماً، وقسم الموجودات من المحدثات أعراضاً وجواهر وأجساماً، وأثبت لله سبحانه ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات إعظاماً، ونفى عنه ما لا يليق بجلاله من شبه خلقه إجلالاً له وإكراماً، ونزهه عن سمات الحدث تغيراً وانتقالاً وإدباراً وإقبالاً وأعضاء وأجراماً، وائتم به من وفقه الله لاتّباع الحق في التمسك بالسنة ائتماماً»([11]).
وفي هذا الدفاع إقرار بمخالفته لمنهج أهل السنة والجماعة في العقيدة بالخوض في الجواهر والأعراض، وبنفي الصفات الموهمة للحركة والانتقال والصفات الدالة على معنى الأعضاء كما هو تعبيره، وهذا مع عدم صحة نسبته بهذا الإطلاق للأشعري -كما سبق تحقيقة- يدل على فساد معتقد ابن عساكر في باب الصفات مما يبطل الاستدلال بما تضمنه كلامه من نصرة الأشعري للسنة والاعتماد عليه في القول برجوعه على عقيدة السلف في مرحلة ثالثة.

رابعا : شهادة ابن السبكي (ت:771)
والكلام نفسه يقال عن ابن السبكي الأشعري المشهور بتعصبه على أهل السنة والجماعة نصرته للأشعرية، وقوله في مدح الأشعري:« أبو الحسن الأشعري كبير أهل السنة بعد الإمام أحمد ابن حنبل وعقيدته وعقيدة الإمام أحمد رحمة الله واحدة لاشك في ذلك ولا ارتياب وبه صرح الأشعري في تصانيفه، وذكره غير ما مرة من أن عقيدتي هي عقيدة الإمام المبجل أحمد بن حنبل، هذه عبارة الشيخ أبي الحسن في غير موضع من كلامه».
وهذا لا يفيد شيئا لأن فائدة هذا النقل عنده أن كل ما يقوله الأشعري في كتبه هو عقيدة الإمام أحمد والسلف وأهل السنة، وهذا ما يقوله الأشاعرة يقولون إن الأشعري نصر عقيدة السلف بطريقة الكلام، وهذا الكلام كله باطل؛ فعقيدة الإمام أحمد تعرف بالنقل عنه وعن أصحابه لا بنقل الأشعري الذي لم يكن له علم بتفصيل عقائد السلف، والزعم بأنه نصر عقائد السلف بطريقة الكرم فرع التسليم بمعرفته لعقائد السلف ونحن لا نسلم معرفته بدقائقها إلا جمل المقالات التي يوافقها في الظاهر ويخالفها عند التفسير والاستدلال.
ويقول ابن السبكي بعد أن سرد جملة من عقائد الأشعري وفيها الكثير مما يخالف عقيدة أهل السنة:« وفى الجملة لا يجحد علم الكلام إلا أحد رجلين جاهل ركن إلى التقليد وشق عليه سلوك أهل التحصيل وخلا عن طريق أهل النظر والناس أعداء ما جهلوا فلما انتهى عن التحقق بهذا العلم نهى الناس ليضل غيره كما ضل، أو رجل يعتقد مذاهب فاسدة فينطوى على بدع خفية يلبس على الناس عوار مذهبه ويعمى عليهم فضائح طويته وعقيدته ويعلم أن أهل التحصيل من أهل النظر هم الذين يهتكون الستر عن بدعهم ويظهرون للناس قبح مقالتهم»([12]).
وهو يصف أهل السنة بحق بالحشوية ويذمهم بالبدعة، وذلك أشهر من أن يظهر يكفي أن ننقل قوله في أبي إسماعيل الأنصاري الهروي :« وللأنصاري أيضا كتاب الأربعين سمتها أهل البدعة الأربعون في السنة، يقول فيها باب إثبات القدم لله باب إثبات كذا وكذا، ... ومن مصنفاته التي فوقت نحوه سهام أهل الإسلام كتاب ذم الكلام وكتاب الفاروق في الصفات وكتاب الأربعين وهذه الكتب الثلاثة أبان فيها عن اعتقاد التشبيه وأفصح»([13]).
وهو يعد ابن تيمية رأسا في الضلالة، ومن أقواله :« واعلم أن هذه الرفقة أعني المزي والذهبي والبرزالي وكثيرا ما أتباعهم أضر بهم أبو العباس ابن تيمية إضرارا بينا، وحملهم على عظائم الأمور أمرا ليس هينا وجرهم إلى ما كان التباعد عنه أولى بهم وأوقفهم في دكادك من نار المرجو من الله أن يتجاوزها لهم ولأصحابهم»([14]).
وإذا علم هذا تبين أنه لا معنى لتصريح ابن السبكي برجوع الأشعري إلى السنة ولا بكونه على عقيدة أحمد بن حنبل.

خامسا : شهادة ابن خلكان (ت:681)
وكذلك يقال عن عبارة ابن خلكان: «كان أبو الحسن الأشعري معتزليا ثم تاب». فإنها بغض النظر عن معتقد قائلها لا تفيد سوى المعنى المتفق عليه وهو تركه الاعتزال وتمامه :« ثم تاب من القول بالعدل وخلق القرآن في المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة»، وقد قال في ترجمته أيضا:« هو صاحب الأصول والقائم بنصرة مذهب السنة، وإليه تنسب الطائفة الأشعرية، وشهرته تغني عن الإطالة في تعريفه، والقاضي أبو بكر الباقلاني ناصر مذهبه ومؤيد اعتقاده»([15]).
وهذا الكلام يؤكد أن ثناءه على الأشعري لا يختلف عن ثناءه عن الباقلاني وعن جميع المنتسبين إليه .

سادسا : ابن فرحون (ت:799)
وأما برهان الدين إبراهيم بن علي ابن فرحون الذي قال :« كان أبو الحسن الأشعري في ابتداء أمره معتزلياً، ثم رجع إلى هذا المذهب الحق، ومذهب أهل السنة ». فأمره لا يختلف عن سابقيه فهو أشعري على طريقة المتأخرين وليس في كلامه أكثر من الدلالة على الرجوع عن مذهب المعتزلة .

المطلب الثاني : الاعتماد على كلمات مجملة وأخرى مصحفة

وكذلك اعتمد من رأى خلاف ما ذكرنا على أقوال صدرت من أئمة سلفيين، لكن بعضها نقله مصحفا والبعض الآخر كلام مجمل ينبغي أن يرد إلى الكلام المبين المفصل.
أولا : النقول المصحفة

وأعني بالنقل المصحف نقلان أحدهما عن ابن تيمية والآخر عن الذهبي .
أما ابن تيمية فقد نُقل عنه أنه قال :« لما رجع الأشعري عن مذهب المعتزلة سلك طريق أهل السنة وانتسب إلى أحمد بن حنبل كما ذكر ذلك في كتبه كلها كالإبانة والموجز والمقالات وغيرها »([16]).
والنقل الصحيح كما في الدرء وعنه في اجتماع الجيوش الإسلامية :« لما رجع الأشعري عن مذهب المعتزلة سلك طريق [ابن كلاب ومال إلى] أهل السنة وانتسب إلى أحمد بن حنبل كما ذكر ذلك في كتبه كلها كالإبانة والموجز والمقالات وغيرها »([17]).
وهذا السقط مؤثر جدا في المعنى فالرجل مال إلى أهل السنة وانتسب إليهم، أما الطريق الذي سلك فهو طريق ابن كلاب والمقصود انه سلك طريقه في باب الأسماء والصفات.
وأما الذهبي فقد نقل عنه أنه قال في كتاب العلو:« كان أولا معتزليا أخذ عن أبي علي الجبائي ثم نابذه ورد عليه وصار متكلما للسنة ووافق أئمة الحديث، فلو انتهى أصحابنا المتكلمون إلى مقالة أبي الحسن الأشعري ولزموها لأحسنوا، ولكنهم خاضوا كخوض القدماء الأوائل في الأشياء ، ومشوا خلف المنطق فلا حول ولا قوة إلا بالله»([18]).
والنقل الصحيح المثبت في كتاب العلو :« كان أولا معتزليا أخذ عن أبي علي الجبائي ثم نابذه ورد عليه وصار متكلما للسنة ووافق أئمة الحديث [في جمهور ما يقولونه].... فلو انتهى أصحابنا المتكلمون إلى مقالة أبي الحسن الأشعري ولزموها لأحسنوا ، ولكنهم خاضوا كخوض القدماء الأوائل في الأشياء ، ومشوا خلف المنطق فلا حول ولا قوة إلا بالله ». كذا هو في مختصر العلو للعلي العظيم([19])، ولا شك أن ثمة فرقا بين قوله « وافق أهل الحديث » وقوله « وافق أهل الحديث في جمهور ما يقولونه ». على أن هذه الموافقة هي موافقة في الظاهر لا في الباطن كما سبق ذكره وبيانه.

ثانيا : الكلام المجمل

وأما الكلام المجمل فهو كلام شيخ الإسلام ابن تيمية :« وكان يحي بن عمار يقول: المعتزلة الجهمية الذكور والأشعرية الجهمية الإناث. ومرادهم الأشعرية الذين ينفون الصفات الخبرية، وأما قول من قال منهم بكتاب الإبانة الذي صنفه الأشعري في آخر عمره ولم يظهر مقالة تناقض ذلك فهذا يعد من أهل السنة، ولكن مجرد الانتساب إلى الأشعري بدعة ، لاسيما وأنه يوهم حسنا بكل من انتسب هذه النسبة وتنفتح بذلك أبواب الشر »([20]).
أقول إن هذا الكلام مجمل ولتحصيل الفهم الصحيح له لابد من وصله بكلام ابن تيمية في غير هذا الموضع، ولابد أيضا من ربطه بالسياق الذي ورد فيه .
1-أما كلام ابن تيمية في غير هذا الموضع فقد نقلت منه الشيء الكثير في المبحث السابق، وأزيد هنا كلاما آخر يجلي لنا موقف ابن تيمية من الأشعري . قال رحمه الله تعالى في منهاج السنة النبوية :« ثم إنه رجع وصنف في الرد عليهم ، ونصر في الصفات طريقة ابن كلاب لأنها أقرب إلى الحق والسنة من قولهم ( المعتزلة ) ولم يعرف غيرها، فإنه لم يكن خبيرا بالسنة والحديث »([21]). وقال أيضا :« فالقدر الذي يحمد عليه من مذهبه هو ما وافق فيه أهل السنة كالجمل ، وأما القدر الذي يذم من مذهبه فهو ما وافق فيه بعض المخالفين للسنة والحديث من المعتزلة والمرجئة والجهمية والقدرية ونحو ذلك»([22]). وقال كذلك :« وهو يحب الانتصار لأهل السنة والحديث وموافقتهم ، فأراد أن يجمع بين ما رآه هؤلاء وما نقل عن هؤلاء، ولهذا يقول فيه طائفة إنه خرج من التصريح إلى التمويه »([23]). فشيخ الإسلام شاهد على ضلال الأشعري في أبواب القدر والصفات الفعلية، ومنه لا يمكن ان يتصور أن يكون مقصوده أن من قال بقوله في الإبانة بالإطلاق مصيب ومن أهل السنة.
2- وأما السياق فإنه ومن دون أدنى شك عندي يدل على أنه أراد من قال بما في الإبانة في خصوص الصفات الخبرية الذاتية دون غيرها من المسائل التي خرج فيها الأشعري عن قول أهل السنة والجماعة ([24])، ودليل ذلك يأتي:
أولا : إن سياق كلامه هو الكلام عن الصفات وليس عن كل أبواب الاعتقاد ، بل وكان يتكلم عن الصفات الخبرية دون غيرها إذ قال قبل هذا الكلام :« وليس غرضنا الآن الكلام مع نفاة الصفات مطلقا؛ وإنما الكلام مع من يثبت بعض الصفات»([25]).
ثانيا : أنه لما رد على من وصف الأشعرية بأنهم جهمية قال :« مرادهم الأشعرية الذين ينفون الصفات الخبرية ». وحمل قولهم على المتأخرين دون المتقدمين، والخلاف بين المتقدمين من الأشاعرة ومتأخريهم، إنما هو في الصفات الخبرية الذاتية.

المطلب الثالث : الاعتماد على تزكية لمجهول فيها ما يردها


قال ابن كثير في طبقات الشافعية :« ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوال ، أولها حال الاعتزال التي رجع عنها لا محالة ، والحال الثاني إثبات الصفات العقلية السبعة وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام ، وتأويل الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك ، والحال الثالث إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جريا على منوال السلف وهي طريقته في الإبانة »([26]).
فهذا المجهول الذي قال هذا الكلام -أو المجهولون – في كلامه أخطاء واضحة سبق بيانها في المبحث الثالث :
أولا : أما المرحلة التي نسب فيها الأشعري إلى تأويل الصفات الخبرية فخطأ محض على الأشعري، إذ ليس له فيها بعد رجوعه عن الاعتزال إلا قول واحد هو الإثبات، وقد قال ابن تيمية إن من نسب له قولا بتأويلها فقد افترى عليه.
ثانيا : وكذلك من نسب إثبات الصفات العقلية دون ما سواها إلى ابن كلاب فقد أخطأ عليه وقد بينا أنه لم يكن يتأول إلا الصفات الفعلية ، فهذه المرحلة الثانية المزعومة فيها خطأ على الأشعري وابن كلاب كليهما.
ثالثا : الادعاء بأن الأشعري أثبت كل الصفات في كتاب الإبانة خطأ واضح قد بيناه وشرحناه مفصلا في المبحث الأول، حيث ظهر لنا أنه لم ثبت إلا الصفات الخبرية الذاتية كالوجه واليدين على طريقة أهل السنة أما الصفات الخبرية الفعلية فأثبتها على طريقة ابن كلاب.
والعمدة في الحكم الرجوع إلى الإبانة لا إلى ما قيل عن الإبانة .

المطلب الرابع : إنصاف الإبانة ومفاد رسالة ابن درباس

ومن باب الإنصاف أقول إن الإبانة مع ما فيها من الأخطاء الدالة على أن صاحبها لم يرجع إلى عقيدة السلف المحضة والصافية، إلا أنها خير من كتابه المقالات مع قلة كلامه فيه ، وخير من كتبه الأخرى، وذلك من جهة إعراضه عن الكلام عن بعض التفصيلات التي ضُلل بها، كالتصريح بإثبات الكلام النفسي ونفي الجسمية عن الذات الإلهية، واعتماد دليل الحدوث الباطل، وتفسير الكسب بما لا يعرفه العقلاء، زيادة على تصريحه في الإبانة بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
ولعل هذا ما جعل الذهبي يقول في كتابه العرش :« فله ثلاثة أحوال حال كان معتزليا وحال كان سنيا في بعض دون بعض، وحال كان في غالب الأصول سنيا وهو الذي علمناه من حاله»([27]). وكأنه يعني بالمرحلة الثانية ما دونه في كتبه المشهورة كاللمع وبالمرحلة الأخيرة ما سطره في كتابه الإبانة .
وفي كونه في غالب الأصول سنيا نظر، لأن ثمة أمور سكت عنها في الإبانة وصرح بها في اللمع فلا بد من التأكد من تراجعه عنها، بل ولو اعتبارنا ما سكت عنه في الإبانة قد تراجع عنه، وأضفنا إلى تلك الأصول في الوعيد والكرامات وعذاب القبر لم يصح أن نقول أنه في غالب الأصول سني، لأنه تبقى أمور عظيمة لابد من معرفة قوله فيها كتفسير التوحيد وطريق إثبات النبوة وتفسير المعجزة.

 

مفاد شهادة ابن درباس (ت:622)
ومن الشهادات المعتمدة التي لم نشر إليها فيما سبق شهادة ابن درباس صاحب رسالة الذب عن الأشعري ، وقد جاء في صدرها أن مؤلفها هو عبد الملك بن عيسى بن درباس (ت:605)([28])، ثم تبين أنها لابن أخيه أبي إسحاق إبراهيم بن عثمان بن عيسى بن درباس (ت:622)، ولعل الناسخ وجد في الأصل ابن درباس فانصرف ذهنه إلى أشهر آل درباس الذي كان قاضي صلاح الدين الأيوبي في مصر.
ومن دلائل نسبها لإبراهيم بن عثمان شيوخه الذي نقل عنهم في هذه الرسالة وأولهم عمه أبو القاسم عبد الملك بن عيسى والحافظ السلفي وعلي بن المفضل المقدسي (ت:611) والقاسم ابن عساكر (ت:600).
ويظهر أن أبا إسحاق كان على الجادة أو على الأقل كان على طريقة الأشعرية المتقدمين منكرا لما أدخله المتأخرون من الأشاعرة في المذهب من تأويلات الجهمية، وشهادته هذه لا تفيد أكثر مما يفيده كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى من صحة نسبة كتاب الإبانة للأشعري، وأن الأشعري لم يعرف عنه تأويل الصفات الخبرية بتأويلات الجهمية.
وقد نقل ابن تيمية عن ابن درباس هذا كلمة يفهم منها ذمه للكلام بإطلاق حيث قال:« وقد صنف أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن درباس الشافعي جزءًا سماه : تنزيه أئمة الشريعة عن الألقاب الشنيعة، ذكر فيه كلام السلف وغيرهم في معاني هذا الباب، وذكر أن أهل البدع كل صنف منهم يلقب أهل السنة بلقب افتراه ـ يزعم أنه صحيح على رأيه الفاسد ـ كما أن المشركين كانوا يلقبون النبي بألقاب افتروها .
فالروافض تسميهم نواصب، والقدرية يسمونهم مجبرة، والمرجئة تسميهم شكاكا، والجهمية تسميهم مشبهة، وأهل الكلام يسمونهم حشوية، ونَوَابت [النَّوابت: الأغمار من الأحداث]. وغثاء، وغُثْرًا [الغُثْر: سَفِلَة الناس]، إلى أمثال ذلك، كما كانت قريش تسمي النبي صلى الله عليه وسلم تارة مجنونًا، وتارة شاعرًا، وتارة كاهنًا، وتارة مفتريًا»([29]).
في آخر رسالته يؤكد على انحراف الأشعرية المتأخرين حيث يقول وهو يتحدث عن كتاب الإبانة:« ولقد عرضها بعض أصحابنا على عظيم من عظماء الجهمية المنتمين افتراءً إلى أبي الحسن الأشعري ببيت المقدس، فأنكرها وجحدها، وقال: ما سمعنا بها قط، ولاهي من تصنيفه، واجتهد آخرًا في إعمال روايته ليزيل الشبهة فطنته، فقال بعد التحريك - تحريك لحيته -: لعله ألفها لما كان حشويًا، فما دريت من أي أمريه أعجب؟ أمن جهله بالكتاب مع شهرته وكثرة من ذكره في التصانيف مع العلماء، أو من جهله لحال شيخه الذي يفتري عليه بانتمائه إليه واشتهاره قبل توبته بالاعتزال بين الأمة عالمها وجاهلها؟
.... فإذا كانوا بحال من ينتمون إليه بهذه المثابة يكونون بحال السلف الماضي وأئمة الدين من الصحابة والتابعين وأعلام الفقهاء والمحدثين، وهم لا يلوون على كتبهم ولا ينظرون في آثارهم، وهم والله بذلك أجهل وأجهل، كيف لا وقد قنع أحدهم بكتاب ألفه الجهمية بعض من ينتمي إلى أبي الحسن بمجرد دعواه، وهو في الحقيقة مخالفة لمقالة أبي الحسن التي رجع إليها واعتمد في تدينه عليها»([30]).
وقد نقل الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي ترجمة عزيزة للمؤلف من كتاب تاريخ إربل للمبارك بن أبي الفتوح أحمد المعروف بابن المستوفي (ت:637)، فقال:«وقال ابن المستوفي في تاريخ إربل (2/215): هو أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن عيسى بن درباس الماراني المصري المولد والمنشأ، من أهل الحديث الذين رحلوا في طلبه، وكتب الكثير، وسمع الكثير، شافعي المذهب، إلا أنه على ما قيل عنه، يطعن على أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه، ويقع فيه، سمعته من غير واحد»([31]). وهذا إن كان صحيحا فيفيد أنه كان على الجادة، وإن لم صحيحا فهو يفيد أن الأشعرية المتأخرين ألزموه ذلك لأنه خالفهم فيما يقولونه وفيما ينسبونه إلى الأشعري.

خاتمة
ولعل بعض الناس يرى فيما سطر في هذا البحث إضعافا لحجة من الحجج التي طالما تمسك به أهل السنة في هذا العصر في مواجهة الأشعرية، وأنه كان ينبغي السكوت عن هذه الأخطاء للمصلحة الراجحة، وجواب هذا الزعم الباطل أن المصلحة التي لا أرجح منها نصرة التوحيد وعقيدة أهل السنة، وكشف الأباطيل عن أن تنسب إلى عقيدة السلف، وإذا كانت الحجة التي يتمسك بها أهل المذهب ضعيفة، فمن واجب أهل الإنصاف بيان ضعفها والعدول إلى غيرها، وتصحيح الأدلة الضعيفة أو السكوت عنها إذا كانت تؤيد المذهب هذا شأن المتعصبة وليس ذلك من شأن أهل السنة، وإن مما نعتقده أن الاحتجاج بالأدلة الضعيفة مما يضعف الحق وأهله، ومما يشغل الناس في معارك جانبية لا تفيد الحقيقة شيئا.
وقد رأيت بعض الناس إذا بينت أخطاء الأشعري في كتبه وتجلى له أنه لم يكن على طريقة السلف أصيب بإحباط وكأن أهل السنة لم يكن من حجة على الأشاعرة سوى إثبات كتاب الإبانة والزعم بان الأشعري كان على عقيدة السلف، والواقع أن هذه الحجة التي جعلها بعضهم أصلا ما هي إلا نافلة من النوافل اعتمدها بعض أهل العلم على طريق الإلزام للمتأخرين من الأشاعرة الذين صاروا في باب الصفات إلى مذهب الجهمية والمعتزلة . لأنه لا حجة في قول أحد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما الحجة في هذا الباب في كتاب الله تعالى وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وفيما أجمع عليه سلف الأمة، وعلى ذلك اعتمد العلماء المحققون في هداية الأشعرية كما اعتمدوا على نقض الخيالات العقلية التي تشبثوا بها في رد النصوص، ولكن في عصرنا هذا قصرت الهمم عن تحصيل الحجج نقليها وعقليها، وقنعت بمثل هذه الحجة الإضافية على ضعفها، الأمر الذي جعل كثيرا من عوام أهل السنة يتجرأون على مناقشة أرباب الأشعرية في هذا الزمان ويظنون أنهم يقيمون عليهم الحجة بمجرد أن يقال لهم إن الأشعري رجع إلى عقيدة السلف.
مع أني اعتقد أن كتاب الإبانة يصلح لدفع تشنيع الأشعريين الذين سلكوا طرق الجهمية وأصبحوا يرمون أهل السنة والجماعة بالتجسيم والتشبيه لأجل إثباتهم للصفات الخبرية الذاتية ونفيهم لتأويلات المعطلة، وذلك بإلزامهم بتنزيل هذا الوصف على الأشعري الذي ينتسبون إليه، لأنه صرح بإثبات هذه الصفات كما صرح بالرد على من أول الاستواء بالاستيلاء من الجهمية ومن تبعهم.
هذا آخر ما أردنا تسطيره نسأل الله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، وأن ينفع به ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



[1]/ مقدمة الإبانة طبعة محمد بشير عيون (10) وتجد هناك جميع الشهادات الآتية حيث أثبت المحقق في مقدمته رسالة الشيخ حماد الأنصاري عن أبي الحسن الأشعري.
[2]/ تبيين كذب المفتري(ص:113) وقد نُقل هذا الكلام على أنه لابن عساكر في رسالة الشيخ حماد كما في مقدمة الإبانة (ص:9)، وقد قلد الشيخ حماد في هذا الخطأ غير واحد من الموافقين والمخالفين.
[3]/ وفيات الأعيان (3 /207).
[4]/ قال ابن سريج:« ما رأيت من المتفقهة من اشتغل بالكلام فأفلح، يفوته الفقه ولا يصل إلى معرفة الكلام» السير (14/203) تذكرة الحفاظ (3/23).
[5]/ طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (2/18).
[6]/ جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (رقم 1800).
[7]/ ذم الكلام للهروي (4/424).
[8]/ قال الشيخ أبو الحسن الكرجي (ت:532):« ومعروف شدة الشيخ أبي حامد على أهل الكلام حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول الأشعري وعلقه عنه الإمام أبو بكر الزادقاني وهو عندي وبه اقتدى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتابيه "اللمع" و" التبصرة " حتى لو وافق قول الأشعري وجها لأصحابنا ميز وقال: هو قول بعض أصحابنا وبه قالت الأشعرية ولم يعدهم من أصحاب الشافعي استنكفوا منهم ومِنْ مذهبهم في أصول الفقه فضلا عن أصول الدين» انظر الفتاوى الكبرى (4/284-285).
[9]/ الرد على من أنكر الصوت والحرف (222-223).
[10]/ انظر مجموع الفتاوى (14/354).
[11]/ تبيين كذب المفتري لابن عساكر (26).
[12]/ طبقات الشافعية الكبرى (3/421).
[13]/ طبقات الشافعية الكبرى (4/272).
[14]/ طبقات الشافعية الكبرى (10/400).
[15]/ وفيات الأعيان (3/284).
[16]/ مقدمة الإبانة (ص:19).
[17]/ درء تعارض العقل والنقل (2/16) اجتماع الجيوش الإسلامية (133).
[18]/ مقدمة الإبانة (ص:10).
[19]/العلو للعلي العظيم للذهبي (221-222).
[20]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/359).
[21]/ منهاج السنة النبوية لابن تيمية (5/277).
[22]/ منهاج السنة النبوية لابن تيمية (8/9).
[23]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (16/308).
[24]/ وقد رأيت الدكتور عبد الرحمن المحمود قد حمل كلام ابن تيمية على نفس المحمل الذي ذكرت، انظر موقف ابن تيمية من الأشاعرة (1/397) .
[25]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/357).
[26]/ طبقات الشافعية لابن كثير (1/210).
[27]/ كتاب العرش للذهبي (2/303).
[28]/ وفي النسخة التي طبعها على بن محمد بن ناصر الفقيهي نسبها لعبد الملك بن عيسى لكنه أثبت في الغلاف سنة وفاة ولده محمد (ت:659) وفي ص107 وعي أول الرسالة أثبت في الأصل ما جاء في المخطوط عبد الملك بن عيسى بن درباس وترجم في الهامش لولده محمد.
[29]/ مجموع الفتاوى (5/111).
[30]/ رسالة في الذب عن أبي الحسن الأشعري لابن درباس تحقيق الفقيهي (ص:131-132).
[31]/عن موقع مجلة مركز ودود للمخطوطات.

 

 

 

الأحد, 26 كانون1/ديسمبر 2010 19:47

 

 

 

الإبانة عن أخطاء الأشعري في المقالات والإبانة (3)


المبحث الثالث : موقف ابن تيمية من عقيدة الأشعري
بعد أن بينا في المبحثين السابقين الأخطاء التي تدل على بقاء الأشعري على المنهج الكلامي في إثبات العقائد، وعلى عدم رجوعه إلى عقيدة السلف ومنهجهم في التلقي، نأتي في هذا المبحث لنبين موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من قضية رجوع الأشعري إلى عقيدة السلف، ولنسجل شهادته من كتبه المتعددة أنه لم يعرفها ولم يرجع إليها، وأنه لما ترك الاعتزال انتقل إلى مذهب توسط فيه بين مذهب أهل السنة والمعتزلة في قضايا الصفات، وتطرف في مخالفتهم في قضايا أخرى.
وسأبين على لسان شيخ الإسلام أنه لم تكن له سوى مرحلتين، وذلك من خلال تفصيل عقيدة الأشعري في الصفات، ولما كان إثباته لبعض الصفات التي عطلها المنتسبون إلى نحلته من المتأخرين؛ قد جعل كثيرا من أهل السنة يحسنون الظن به ويقولون برجوعه في مرحلة ثالثة إلى عقيدة السلف، رأيت ضرورة تفصيل القول في مذهب الأشعري في صفات المولى عز وجل بجميع أنواعها وكذلك عقيدة ابن كلاب ليتبين موافقته له في أكثر الأنواع([1]). وقد جعلت هذا المبحث في تمهيد ومطلبين:


تمهيد في بيان أقسام الصفات عند الأشعرية
المطلب الأول : عقيدة الأشعري وابن كلاب في الصفات الخبرية
المطلب الثاني : من أوجه تخطئة من قال برجوع الأشعري إلى عقيدة السلف.
تمهيد في بيان أقسام الصفات عند المتكلمين


تنقسم صفات المولى عز وجل عند المتكلمين إلى قسمين صفات عقلية وصفات خبرية.
أولا : الصفات العقلية :
وهي التي دل عليها العقل مع ورود السمع بها كالوجود والكلام والإرادة.
وهي تنقسم إلى أقسام كثيرة، وهم يختلفون في إثبات بعضها ونحن نذكرها جميعا .
1-الصفات النفسية وهي التي تدل على الذات فقط دون معنى زائد عليها - في زعمهم - وهي صفة الوجود.
2-صفات المعاني وهي الصفات السبع المشهورة (الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام).
3-الصفات المعنوية أو الأحوال وهي متعلقة بالصفات السبع المشهورة ( كونه حيا، وكونه عليما، وكونه قادرا وكونه مريدا وكونه سميعا …) ويقولون الحال صفة لموجود لا يتصف بوجود ولا عدم!!.
4-الصفات السلبية (تطلق على الله ولا يراد بها إثبات معناها ولكن نفي ضدها) وهي عندهم خمسة: الوحدانية والقدم والبقاء والقيام بالنفس والمخالفة للحوادث.

ثانيا : الصفات الخبرية :
وهي الصفات التي دل عليها السمع وليس في العقل ما يدل عليها كالوجه واليدين. وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام يختلفون في التعامل معها إثباتا وتعطيلا وتفويضا.
1-الصفات الذاتية كالوجه واليدين والعينين، وقد تخص عند بعضهم باسم الصفات الخبرية .
2-صفات فعلية (وهي عند أهل السنة متعلقة بالمشيئة )
ومنها الصفات اللازمة للذات لا تتعلق بالمخلوقات كالاستواء والنزول والمجيء
ومنها الصفات المتعدية تتعلق بالمخلوقات كالخلق والرزق والإحياء والإماتة.

المطلب الأول :عقيدة الأشعري وابن كلاب في الصفات الخبرية


إن أهل السنة والجماعة لا يقرون بأصل التقسيم المذكور في التمهيد، حيث جعل ضابطه حكم العقل، لأن العقل لا حكم له في الأصول ولا الفروع، ولكنه يفهم ويؤمن ويصدق ويسلم، لذلك هم يخالفون الأشاعرة في الصفات التي اعتبروها سلبية لا تدل على معاني ثبوتية كما يخالفونهم في الصفات المعنوية كالسمع والبصر والكلام التي جعلوها تدل على معان قائمة بالذات دون أن تكون متجددة ومتعلقة بالمشيئة، ولذلك سنبين في هذا المطلب عقيدة الأشعري وابن كلاب – سلف الأشعري فيما رآه وذهب إليه- في القسم الثاني الذي سموه صفات خبرية :

أولا : الصفات الخبرية الذاتية
أول شيء يبين خطأ من ظن رجوع الأشعري إلى عقيدة السلف في مرحلة ثالثة، هو بيان عقيدة ابن كلاب في الصفات، فابن كلاب لا يعرف عنه إثبات الصفات السبع دون غيرها، بل المعروف عنه إثبات الصفات الذاتية الخبرية قولا واحدا. هذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في غير موضع من كتبه، منها قوله:« ابن كلاب وأئمة أصحابه كالقاضي أبي بكر بن الطيب وأمثاله فإن هؤلاء متفقون على إثبات الصفات الخبرية كالوجه واليد والاستواء »([2]). وقال :« أهل الإثبات للصفات لهم فيما زاد على الثمانية([3]) ثلاثة أقوال معروفة، أحدها إثبات صفات أخرى كالرضا والغضب والوجه واليدين والاستواء وهذا قول ابن كلاب والحارث المحاسبي وأبي العباس القلانسي والأشعري وقدماء أصحابه كأبي عبد الله بن مجاهد وأبي الحسن بن مهدي الطبري والقاضي أبي بكر بن الطيب وأمثالهم وهو قول أبي بكر بن فورك وقد حكى إجماع أصحابه على إثبات الصفات الخبرية كالوجه واليد وهو قول أبي القاسم القشيري وأبي بكر البيهقي .... كما هو قول سائر المنتسبين إلى أهل السنة والحديث وليس للأشعري نفسه في إثبات صفة الوجه واليد والاستواء وتأويل نصوصها قولان، بل لم يختلف قوله أنه يثبتها ولا يقف فيها بل يبطل تأويلات من ينفيها ولكن أبو المعالي وأتباعه ينفونها»([4]).
فمذهب ابن كلاب والأشعري والمتقدمين من المنتسبين إلى مذهبه إثبات الصفات الخبرية في الجملة، وليس مذهبهم كمذهب المتأخرين فيها، الذي لا يختلف عن مذهب المعتزلة كثيرا.
وقولنا إنهم أثبتوا الصفات الخبرية في الجملة لأنهم مع إثباتهم لها وردِّهم تأويلات المعتزلة لها قد أخطأوا في تفسير الصفات الفعلية كما سيأتي، فإثباتهم الاستواء وردهم على من أوَّله بالاستيلاء، يُخرجهم عن دائرة الاعتزال ولا يدخلهم دائرة أهل السنة، لأنهم فسَّروه تفسيرا آخر غير صحيح سبقت الإشارة إليه في المبحث الأول.
أما الصفات الخبرية الذاتية كالوجه واليدين، فإنهم لم يتردَّدوا في إثباتها ولم تكن لهم شبهة فيها والله تعالى أعلم.

ثانيا : عقيدة ابن كلاب والأشعري في الصفات الفعلية اللازمة
أما الصفات الفعلية اللازمة فقد سبق بيانها ومعناها، ووجه الفرق بينها وبين الصفات الفعلية المتعدية في التمهيد، وقد اتفق ابن كلاب والأشعري وقدماء أصحابه على نفي الصفات المتعلقة بالمشيئة لشبهة قيام الحوادث بالذات الإلهية، وهذا من رواسب الاعتزال التي علقت بهم أو من قواعد الاعتزال التي سلموها لهم، فأثبتوا هذه الصفات ولكن على غير مراد الله تعالى فجعلوا أكثرها من الصفات الذاتية القديمة التي لا تتعلق بالمشيئة، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :« فأثبت ابن كلاب الصفات اللازمة به ونفي أن يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها ووافقه على ذلك أبو العباس القلانسي وأبو الحسن الأشعري وغيرهما»([5]). وقال أيضا:« وهؤلاء يقولون : النزول من صفات الذات، ومع هذا فهو عندهم أزلي كما يقولون مثل ذلك في الاستواء، والمجيء، والإتيان، والرضا، والغضب، والفرح، والضحك، وسائر ذلك: إن هذا جميعه صفات ذاتية للّه، وإنها قديمة أزلية، لا تتعلق بمشيئته واختياره؛ بناء على أصلهم الذي وافقوا فيه ابن كلاب، وهو أن الرب لا يقوم بذاته ما يتعلق بمشيئته واختياره»([6]).
فهم يقولون إن الله تعالى لم يزل رضيا على من علم خاتمته الحسنة ولم يزل غاضبا على من علم خاتمته السيئة، قال ابن تيمية :« وابن كلاب -ومن تبعه كالأشعري وأبي العباس القلانسي ومن تبعهم- أثبتوا الصفات، لكن لم يثبتوا الصفات الاختيارية مثل كونه يتكلم بمشيئته، ومثل كون فعله الاختياري يقوم بذاته، ومثل كونه يحب ويرضى عن المؤمنين بعد إيمانهم، ويغضب ويبغض الكافرين بعد كفرهم، ومثل كونه يرى أفعال العباد بعد أن يعملوها، كما قال تعالى : (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون َ) (التوبة:105)، فأثبت رؤية مستقبلة، وكذلك قوله تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (يونس:14) ومثل كونه نادى موسى حين أتى، لم يناده قبل ذلك بنداء قام بذاته، فإن المعتزلة والجهمية يقولون: خلق نداء في الهواء. والكلابية والسالمية يقولون: النداء قام بذاته وهو قديم، لكن سمعه موسى، فاستجدوا سماع موسى، وإلا فما زال عندهم مناديًا »([7]).

ثالثا : عقيدة ابن كلاب والأشعري في الصفات الفعلية المتعدية

وبعد اتفاق ابن كلاب والأشعري على نفي الصفات الفعلية وعلى جعل اللازمة منها ذاتية قديمة بقي النظر في القسم الثالث وهو الصفات الفعلية المتعدية، وقد وقع فيه الاختلاف بينهما.
فأثبت ابن كلاب الفعل المتعدي لله تعالى كالخلق والرزق والإحياء والإماتة على أنه صفة قائمة بالنفس قديمة غير متعلقة بالمشيئة، وسماه صفة التخليق أو التكوين التي اشتهر بها الماتريدية بعده .
وأما الأشعري فقال: الخلق هو المخلوق والفعل هو المفعول، فوافق الجهمية والمعتزلة في هذا القسم([8]).
ولعل الذي جره إلى هذا القول أنه جمع إلى شبهة قيام الحوادث التي اتفق هو وابن كلاب عليها، إضافة إلى قوله بالجبر ونفيه لكل فعل إلا فعل الخالق سبحانه.
قال ابن تيمية :«يقولون : معنى النزول والاستواء وغير ذلك : أفعال يفعلها الرب في المخلوقات، وهذا هو المنصوص عن أبي الحسن الأشعري وغيره، قالوا: الاستواء فعل فعله في العرش كان به مستويًا .. وهؤلاء يدعون أنهم وافقوا السلف، وليس الأمر كذلك»([9]).

المطلب الثاني : أدلة خطأ من قال برجوع الأشعري إلى عقيدة السلف

بعد أن بينا بشيء من الإيجاز عقيدة الأشعري وابن كلاب في الصفات الخبرية ومواطن اتفاقهما واختلافهما ومواطن موافقتهما للسلف وخلافهما لهم، نأتي إلى ذكر دلائل خطأ من ظن رجوع الأشعري إلى عقيدة السلف مع بعض الأسباب التي أوجبت له هذا الخطأ.

أولا : هل نفى الأشعري الصفات الخبرية الذاتية في غير الإبانة؟

إن الأشعري بعد أن رجع عن مذهب الاعتزال سار في باب الصفات على أصول الكلابية لا أصول أهل السنة، وهذه الأصول قضت بموافقته لأهل السنة في بعض القضايا ظاهرا وباطنا وموافقته لهم في أخرى ظاهرا فقط كما سبق شرحه، وموافقته لأصول ابن كلاب أمر قد قرره العارفون بمقالاته من أهل السنة والأشاعرة فلا ينبغي أن يشك فيه ، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : «وقد جمع أبو بكر بن فورك شيخ القشيري كلام ابن كلاب والأشعري وبين اتفقاهما في الأصول»([10]).
ومن الأشياء التي وافق فيها ابن كلاب وأهل السنة إثبات الصفات الذاتية كالوجه واليدين، وذلك فور رجوعه عن الاعتزال وبقي عليه إن مات وهو ما دونه في الإبانة والمقالات وغيرها من كتبه، ولم يثبت عنه القول بتأويلها قط، وابن تيمية يؤكد أن من نسب إليه فيها قولان قد افترى عليه ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وهكذا نقل عنه سائر الناس حتى المتأخرين كالرازي والآمدي ينقلون عنه إثبات الصفات الخبرية لا يحكون عنه قولين، فمن قال إن الأشعري كان ينفيها وأن له في تأويلها قولين فقد افترى عليه»([11]).
وليس معتمد شيخ الإسلام ابن تيمية النقل عن هؤلاء الأشاعرة، ولكنه قد وجد الأمر كذلك في كل كتب الأشعري التي اطلع عليها، بل قد وجد هذا القول وهو الإثبات قد قال به تلاميذ الأشعري والطبقة الثانية والثالثة من الأشاعرة، وفي هذت يقول رحمه الله تعالى: « أما الأشعري وأئمة أصحابه فلم يختلف قولهم في إثبات الصفات الخبرية والرد على من يتأولها كمن يتأول استوى بمعنى استولى، وهذا مذكور في كتبه كلها كالموجز الكبير والمقالات الصغير والكبير والإبانة وغيرها »([12]).
إذن ليس للأشعري قول بتأويل هذه الصفات الخبرية ومن ظن أنه كان يؤلها في المرحلة الثانية المزعومة فقد أخطأ عليه خطأ بينا.

التأويل مذهب الجويني وأتباعه
وبعد أن تجلت هذه الحقيقة يظهر تساؤل منطقي إذا لم يكن الاقتصار في الإثبات على الصفات السبع مذهب ابن كلاب والأشعري فمذهب من هو؟
الجواب أن مذهب إثبات الصفات السبع وتأويل الصفات الخبرية جملة تفصيلا بنحو تأويلات المعتزلة هو مذهب الجويني، وتبعه عليه أكثر المتأخرين من الأشاعرة، في هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:« لكن أبا المعالي وأتباعه لا يثبتون الصفات الخبرية»([13])، ويقول أيضا:« ولكن أبو المعالي وأتباعه ينفونها، ثم لهم في التأويل والتفويض قولان فأول قولي أبي المعالي التأويل كما ذكره في الإرشاد وآخرهما التفويض كما ذكره في الرسالة النظامية وذكر إجماع السلف على المنع من التأويل وأنه محرم»([14]).
ومن هنا نعلم أن الأشعري قد ضل عن مذهب السلف الذي انتسب إليه وادعى نصرته، وأن الأشعرية قد ضلوا عن مذهب الأشعري الذي انتسبوا إليه وزعموا نصرته.
ومما جعل الجويني وغيره يوافقون المعتزلة في الصفات الخبرية ويرجعون إلى قولهم أن الأشعري فارقهم في القول في الصفات وسلم لهم في الوقت نفسه مقدمات وقواعد تؤدي إلى القول بقولهم ، فكأنهم رأوا التناقض في أقوال الأشعري وعند الترجيح غلبوا الأصول على الفروع ، خاصة أن الجويني كان أقل معرفة بمذهب السلف والآثار من الأشعري فسهل عليه أن يقول بقول المعتزلة والله تعالى أعلم([15]). ويعلل ابن تيمية ذلك في موضع فيقول:« أما الجويني ومن سلك طريقه فمالوا إلى مذهب المعتزلة، فإن أبا المعالي كان كثير المطالعة لكتب أبي هاشم قليل المعرفة بالآثار فأثر فيه مجموع الأمرين»([16]).

ثانيا : هل يقصر النظر على باب دون سائر الأبواب؟

إن معتمد من قال برجوع الأشعري إلى عقيدة السلف، ما أظهره الأشعري في باب الصفات الخبرية الذاتية من إثباتٍ وردٍّ لتأويلات المعتزلة التي تبناها المتأخرون من المنتسبين إليه، ولا يخفى أن هذا المأخذ ضعف ، وأن هذا المنهج في الحكم غير سديد، لأننا لو سلمنا موافقة الأشعري لأهل السنة في كل أبواب الصفات لم يكن ذلك كافيا للدلالة على أنه سني سلفي، لأن في العقيدة أبواب أخرى غير الصفات ينبغي تأملها كالقدر والإيمان والوعيد والنبوات.
وإن من الفِرق الضالة بلا خلاف من أُثر عنهم موافقة أهل السنة في الصفات، ولم يقل أحد إنهم كانوا من جملة أهل السنة كمتقدمي الروافض والخوارج والقدرية الصرفة والمرجئة وغيرهم.
ولنستمع إلى قول شيخ الإسلام الذي يلخص لنا فيه ما توصل إليه في شأن عقيدة الأشعري في الصفات والقدر والإيمان:« وأقرب الأقوال إليه قول ابن كلاب، فأما ابن كلاب فقوله مشوب بقول الجهمية، وهو مركب من قول أهل السنة والجهمية، وكذلك مذهب الأشعري في الصفات، أما في القدر والإيمان فقوله قول جهم »([17]). وقال مجموع الفتاوى - الرقمية - (ج 3 / ص 103)
وأصحاب ابن كلاب كالحارث المحاسبى وأبى العباس القلانسي ونحوهما خير من الأشعرية في هذا وهذا فكلما كان الرجل إلى السلف والأئمة أقرب كان قوله أعلى وأفضل»([18]).
ومن أراد البرهان على صدق ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية فليرجع إلى ما سطر في المبحثين الأول والثاني، ويبقي تحقيق قول الأشعري في الإيمان، والذي شهد به ابن تيمية في هذا الموضع هو موافقته للجهم، وقد بيَّن في غيره أن ذلك هو المذكور في أكثر كتبه وهو المشهور عنه الذي أخذه عنه أكابر أصحابه، وذكر أن للأشعري قولا آخر موافق لأهل السنة في الظاهر ذكره في المقالات والإبانة([19]).

ثالثا : الاعتماد على نسبته نفسه إلى أهل السنة ومذهب أحمد

مما يُتمسك به للدلالة على رجوع الأشعري إلى العقيدة السلفية انتسابه إلى أهل الحديث وإلى الإمام أحمد بن حنبل في كتابيه المقالات والإبانة. وربما فرقوا بين هذين الكتابين وغيرهما من كتبه بقولهم هذان من آخر ما صنف.
وجواب هذا الاستدلال أن مجرد الانتساب إلى أهل السنة لا يدل على صحة المعتقد ولا على أنه منهم، وإذا اعتبرنا قول ابن تيمية في ابن حزم رحمه الله يتجلى لنا ذلك بوضوح، قال رحمه الله تعالى:« وقد بالغ في نفي الصفات وردها إلى العلم مع أنه لا يثبت علما هو صفة، ويزعم أن أسماء الله كالعليم والقدير ونحوها لا تدل على العلم والقدرة، وينسب نفسه إلى أحمد وأمثاله من أئمة السنة ، ويدعي أن قوله هو قول أهل السنة والحديث ، ويذم الأشعري وأصحابه ذما عظيما، ويدعي أنهم خرجوا عن مذهب أهل السنة والحديث في الصفات »([20]). فهل مجرد الانتساب مع ظهور المخالفة البينة ينفع ؟ الذي لا شك فيه أنه يبقى مجرد دعوى لا حقيقة لها، نعم من انتسب إلى أهل السنة ولم يظهر مقالة تخالفهم أو خالفهم في أشياء يسيرة لا تتعلق بأصول المسائل أو منهج التلقي فذلك هو السني السلفي.
زيادة على هذا فإن انتساب الأشعري إلى أهل السنة والحديث لم يكن سوى في هذين الكتابين فإنه بعد رجوعه عن الاعتزال ما كان ينتسب إلا إلى أهل الحديث([21]). وتقرير هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :« وأبو الحسن الأشعري لما رجع عن مذهب المعتزلة سلك طريق ابن كلاب ومال إلى أهل السنة والحديث وانتسب إلى الإمام أحمد كما ذكر في كتبه كلها كالإبانة والموجز والمقالات وغيرها»([22]). وهذه الحقيقة تنفي المرحلة الثانية المزعومة لأنه بين انتسابه إلى أحمد بن حنبل في جميع كتبه التي ألَّفها دون تفريق بين متقدم ومتأخر.

رابعا : من لم يعرف مذهب السلف كيف يرجع إليه؟

وآخر شيء أذكره على لسان شيخ الإسلام في بيان عدم رجوع الأشعري إلى عقيدة السلف، أن الأشعري نفسه لم يعرف عقيدة السلف إلا جملا وكلمات مجملة ذكرها في المقالات ومقدمة الإبانة، وهذه الجمل كان قد أخذها عن زكريا الساجي أو غيره من المحدثين، وقد أساء فهم بعضها وتصرف في البعض الآخر.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : «كتابه في اختلاف المصلين من أجمع الكتب وقد استقصى فيه أقاويل أهل البدع، ولما ذكر قول أهل السنة والحديث ذكره مجملا غير مفصل، وتصرف في بعضه فذكره بما اعتقده هو أنه قولهم من غير أن يكون ذلك منقولا عن أحد منهم، وأقرب الأقوال إليه قول ابن كلاب، فأما ابن كلاب فقوله مشوب بقول الجهمية، وهو مركب من قول أهل السنة وقول الجهمية، وكذلك مذهب الأشعري في الصفات، وأما في القدر و الإيمان فقوله قول جهم، وأما ما حكاه عن أهل السنة والحديث، وقال:" وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول و إليه نذهب"، فهو أقرب ما ذكره، وبعضه ذكره عنهم على وجهه، وبعضه تصرف فيه وخلطه بما هو من أقوال جهم في الصفات و القدر، إذ كان هو نفسه يعتقد صحة تلك الأصول، وهو يحب الانتصار لأهل السنة والحديث وموافقتهم فأراد أن يجمع بين ما رآه من رأى أولئك، وبين ما نقله عن هؤلاء؛ ولهذا يقول فيه طائفة : إنه خرج من التصريح إلى التمويه» ([23]).
وقال في موضع آخر :« ونفس مقالة أهل السنة لم يكن يعرفها ولا هو خبير بها»([24]). وقال عما ذكره في المقالات أنه ما اعتقد أنه مذهب أهل السنة أي وليس هو معتقدهم في الواقع وحقيقة الأمر ([25]). بل مثَّل شيخ الإسلام ابن تيمية معرفته بعقائد أهل السنة بمعرفة المسلمين بعقائد النصارى فقال رحمه الله :« وأين العلم المفصل من العلم المجمل وهو يشبه من بعض الوجوه علمنا بما جاء به محمد e تفصيلا وعلمنا بما في التوراة والإنجيل مجملا لما نقله الناس عن التوراة والإنجيل وبمنزلة علم الرجل الحنفي أو الشافعي أو المالكي أو الحنبلي بمذهبه الذي عرف أصوله وفروعه واختلاف أهله وأدلته بالنسبة إلى ما يذكرونه من خلاف المذهب الآخر فإنه إنما يعرفه معرفة مجملة» ([26]).
ولا شك أن من كانت هذه حاله لا يمكنه تبني الاعتقادات الصحيحة والدفاع عنها والتأليف في الانتصار لها، وإن حاول ذلك صدرت منه الأغلاط التي تبين حقيقة معتقده، وبُعده عن التأهل لهذه المهمة التي انبرى لها.

[1]/ هذا أول مقال جمعت في هذه المسألة وبينت في مقدمته يوم نشرته: إني اعتمدت على ابن تيمية اعتمادا كليا لأنه رحمه الله من أعرف الناس بالمذاهب والفرق والملل، ولأن ما يذكره عنهم إنما ينقله من كتبهم مباشرة، ولأن من يدعي رجوعه ينسب هذا القول إلى ابن تيمية أيضا.
[2]/ درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (5/248) وانظر الدرء أيضا (4/107) (7/106).
[3]/ حصر الصفات في ثمانية جاء على لسان الشهرستاني في نهاية الإقدام ولعله أضاف على السبعة المعنوية الصفة النفسية وهي الوجود.
[4]/ درء تعارض العقل والنقل (3/380-381).
[5]/ درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (2/6).
[6]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (5/410) وانظر الدرء (2/17-18).
[7]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (13/131).
[8]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (8/19-20).
[9]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (5/401).
[10]/ الاستقامة لابن تيمية (1/105) وانظر المجموع (7/395، 509، 550) ومنهاج السنة (5/288) .
[11]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (12/203).
[12]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (12/203).
[13]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (13/203) وانظر الدرء (7/236).
[14]/ درء تعارض العقل والنقل (3/381).
[15]/ انظر منهاج السنة النبوية لابن تيمية (5/275-276).
[16]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/52) وانظر (13/139).
[17]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (16/308) وانظر المجموع (13/99) ومنهاج السنة (8/9).
[18]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (3/103).
[19]/ انظر مجموع الفتاوى (7/395-396، 509، 550) ومنهاج السنة (5/288).
[20]/ درء تعارض العقل والنقل (5/249).
[21]/ انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/53) .
[22]/ درء تعارض العقل والنقل (2/16) وانظر الدرء (2/308) ومنهاج السنة (8/9) .
[23]/ انظر مجموع الفتاوى (16/308-309).
[24]/ انظر النبوات لابن تيمية (346).
[25]/ انظر منهاج السنة النبوية لابن تيمية (8/9).
[26]/ انظر منهاج السنة (5/278-279) (8/9).

 

 

 

الأحد, 26 كانون1/ديسمبر 2010 19:47

 

 

 

الإبانة عن أخطاء الأشعري في المقالات والإبانة (2)

المبحث الثاني:
أخطاء الأشعري في مسائل القضاء والقدر

وأما أخطاء الأشعري في مسائل القدر فهي أظهر من أخطائه في الصفات، وهي كلها متفرعة عن القول بعقيدة الجبر، وهذا أمر متوقع منه، فإنهم قد ذكروا من أسباب رجوعه عن الاعتزال مناظرته لشيخه الجبائي في قضية من قضايا القدر، ومذهب المعتزلة النفي فلما فارقهم ناقضهم بالغ في الإثبات حتى قال بالجبر، وكلا القولين ضلال، ويمكن تنظيم أخطاء الأشعري في هذا الباب في المطلبين الآتيين:
المطلب الأول : الأخطاء الصريحة المرتبطة بالصفات
المطلب الثاني : المسائل المرتبطة بالحكمة والتعليل


المطلب الأول: الأخطاء الصريحة المرتبطة بالصفات


إنه مما لا يخفى أن قضايا الاعتقاد مرتبطة بعضها ببعض، وأن باب القدر مبني على باب الصفات، وما ضل فيه إلا من اشتبه عليه أمرها، وأن سلامة الاعتقاد فيه لا تحصل إلا بسلامة الاعتقاد في الله عز وجل وأسمائه وصفاته، وبالنسبة لمن جنح إلى القول بالجبر، فإنه أتي من جهة نفيه للصفات الفعلية الاختيارية كالإرادة والهداية والغضب والرضا، وجعلها معنى واحدا قائما بالنفس لا تتعدد أفراده ولا تختلف أحواله، وفيما يلي توضيح لهذا النوع من الأخطاء.


أولا : القول الصريح بالجبر
إن عقيدة الجبر فيما كتبه الأشعري في مقالات الإسلاميين والإبانة عن أصول الديانة أمر واضح جلي، وهو أول شيء أدخل في قلبي الريبة والتساؤل حول رجوعه إلى عقيدة السلف وأنا بعد في المراحل الأولى للطلب، ومن ذلك قول الأشعري في المقالات (ص:291-292) :« وإن الله تعالى وفق المؤمنين لطاعته وخذل الكافرين، ولطف بالمؤمنين ونظرهم وأصلحهم وهداهم، ولم يلطف بالكافرين ولا أصلحهم ولا هداهم، ولو أصلحهم لكانوا صالحين ولو هداهم لكانوا مهتدين، وأن الله سبحانه يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين، ولكنه أراد أن لا يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين، ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم وخذلهم وأضلهم وطبع على قلوبهم». والمقالة نفسها كررها في الإبانة (ص:46). وهذا إطلاق في نفي الهداية للكافرين وأنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم ، إطلاق فاسد مخالف لعقيدة أهل الحق، وحقيقته القول بعقيدة الجبر.
وعقيدة الجبر اشتهر بها الجهم بن صفوان كما عرف بها أيضا الأشعري وأتباعه، وهذا ما يقرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في غير موضع من مؤلفاته، ومن ذلك قوله:« والمقصود هنا أن جهما اشتهر عنه بدعتان إحداهما نفي الصفات، والثانية الغلو في القدر والإرجاء، فجعل الإيمان مجرد المعرفة ، وجعل العباد لا فعل لهم ولا قدرة، وهذان غلت المعتزلة في خلافه فيهما، أما الأشعري فوافقه على أصل قوله، ولكن قد ينازعه منازعات لفظية»([1]). أي وافقه في أصل قوله في القضايا الثلاث جميعا الصفات والقدر والإيمان.
وأصرح من هذا في تقرير موافقته للجهم في الجبر قوله رحمه الله:« وأقرب الأقوال إليه قول ابن كلاب، فأما ابن كلاب فقوله مشوب بقول الجهمية، وهو مركب من قول أهل السنة والجهمية ، وكذلك مذهب الأشعري في الصفات، أما في القدر والإيمان فقوله قول جهم »([2]).
فهذا كلام الأشعري في بيان عقيدته في القدر وشهادة ابن تيمية على أنه كان جبريا جهميا، وما يأتي من مسائل يدل على هذه الحقيقة ويؤكدها .


ثانيا : نفي الفعل عن الإنسان
إن الناس في قضية أفعال العباد -وهي قضية دقيقة جدا- طرفان ووسط.
فأما الطرف الأول فهم المعتزلة القائلون بأن الإنسان هو الذي يخلق أفعاله، وأنه قادر تام القدرة، ولا أثر لمشيئة الله تعالى في ذلك، إذ معنى مشيئة الله عز وجل عندهم هو الأمر والنهي فحسب.
وأما الطرف الثاني فهم الجهمية الذين يسلبون العبد اختياره وقدرته ويجعلونه مجبورا على حركاته وسكناته، ويجعلون أفعال العباد أفعالا لله عز وجل حقيقة، وأن العبد كسبها وفعلها مجازا، إذ لا يجوز عندهم أن يكون للفعل الواحد فاعلان، وهذا الفعل المجازي الذي يسمونه كسبا يعرفونه بأنه قدرة لا تأثير لها في الفعل؟
وأما أهل الوسط أهل السنة والجماعة فيقولون إن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وهي فعل العبد قائمة به وليست فعلا لله تعالى قائمة به، فالله تعالى خلق العباد وأفعالهم، وأعطى العباد قدرة واختيارا على فعلها وتركها، فإذا أراد العبد الشيء وكانت له قدرة عليه ففعله كان فاعلا له حقيقة([3]).
والأشعري اختار قول جهم في هذه القضية كسائر قضايا القدر الآتية، فقال في الإبانة (ص:46): « وأنه لا خالق إلا الله ، وأن أعمال العباد مخلوقة له مقدورة له». وهذا جزء من العقيدة الصحيحة وبه يفارق المرء عقيدة المعتزلة القدرية، ولكن لا يجوز الوقوف عنده بل لابد من أن يقال بعد ذلك:«وأن العباد فاعلون لها حقيقة ». حتى يفارق عقيدة الجهمية الجبرية.
ثم قال (ص:127): «وجواب آخر أنه لا يجوز أن يكون في سلطان الله عز وجل من اكتساب العباد ما لا يريده، كما لا يجوز أن يكون من فعله المجمع عليه على أنه فعله ما لا يريده، لأنه لو وقع من فعله ما لا يعلمه لكان في ذلك إثبات النقصان». وهذا كلام صريح في بيان عقيدته، فهو يقول إن للعبد كسبا الله تعالى يكسبه إياه، وأن العبد لو استقل بالكسب لخرج عن علم الله تعالى. وهذا تمويه واضح البطلان، لأنه لا يلزم من كون الإنسان كاسبا فعلا حقيقة أن يخرج عن علم الله تعالى ولا عن إرادته.
ثم إنه بناء على هذا الأصل تجرأ على تحريف كلام الله عز وجل فقال (ص:137): «وإن سألوا عن قول الله عز وجل : (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (النساء:79) فالجواب عن ذلك : قال الله عز وجل : (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (النساء 78) في قولهم: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) فحذف قولهم لأن ما تقدم من الكلام يدل عليه، لأن القرآن لا يتناقض …».
ومعنى الآية عند أهل السنة والجماعة أن ما أصاب العبد من النعم فهو بفضل الله ورحمته، وأن ما يصيبه من الشر فهو بذنوبه وتفريطه، فلا بد من إضافة السيئات إلى النفس مع العلم بأن الله خالقها كلها وموجدها، وهذا معنى قوله تعالى : (كل من عند الله)([4]).
والأشعري يسمي فعل الإنسان كسبا، وبين في مقالات الإسلاميين أن الكسب ليس فعلا حقيقيا لأنه يتم بقدرة محدثة، ولا يستحق أن يكون فاعلا إلا من وقع منه الفعل بقدرة قديمة، وليس ذلك إلا الله تعالى، وهذا نصه في (ص:538-539) إذ قال :« ومعنى الكسب أن يكون الفعل بقدرة محدثة، فكل من وقع معه الفعل بقدرة قديمة فهو فاعل خالق، ومن وقع منه بقدرة محدثة فهو مكتسب، وهذا هو قول أهل الحق».
والتفريق بين الفعل والكسب أمر اختص به الأشعري وعُرف به، ولا يقر به أحد من أهل السنة بل ولا من العقلاء حيث حده بأنه فعلا لا قدرة له على التأثير، مثله مثل صفات الأحوال التي قال إنها صفة لموجود لا يتصف بوجود ولا عدم!! وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:« ولما قيل لهؤلاء ما الكسب؟ قالوا : ما وجد بالفاعل وله عليه قدرة محدثة أو ما يوجد في محل القدرة المحدثة. فإذا قيل لهم : ما القدرة؟ قالوا: ما يحصل به الفرق بين المرتعش وحركة المختار. فقال لهم جمهور العقلاء: حركة المختار حاصلة بإرادته دون حركة المرتعش، وهي حاصلة بقدرة أيضا، فإن جعلتم الفرق مجرد الإرادة فالإنسان قد يريد فعل غيره ولا يكون فاعلا له، وإن أردتم أنه قادر عليه فقد عاد الأمر إلى معنى القدرة. والمعقول من القدرة معنى به يفعل الفاعل ولا تثبت القدرة لغير الفاعل، ولا قدرة يكون وجودها وعدمها بالنسبة للفاعل سواء، وهؤلاء المتبعون لجهم يقولون: إن العبد ليس بفاعل حقيقة وإنما هو كسب، ويثبتون الكسب قدرة لا تأثير لها في الكسب، بل وجودها وعدمها بالنسبة إليه سواء»([5]).


ثالثا : عدم التفريق بين الهداية العامة والهداية الخاصة
قلنا فيما مضى من أسباب الضلال في القدر الضلال في باب الصفات وخاصة صفة الهداية، والجبرية يقولون :« من هداه الله اهتدى ومن ضل فلأن الله لم يهده بل أضله». هكذا بإطلاق وفي هذا نسبة الإله سبحانه إلى الظلم، لأن هذا الضلال سيترتب عليه الإثم والعقاب يوم القيامة، وهم يقولون يضله ويعاقبه بالخلود في جهنم ولا ظلم في صنيعه، لأن الظالم في اصطلاحهم هو من تصرف في ملك غيره، والله تعالى لا يمكن أن يكون ظالما لأنه يتصرف في ملكه. وهذا تحريف ساقهم إليه القول بالجبر، وإلا فمعنى الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وشأن أهل الكلام اعتقاد البدعة ثم تفسير النصوص وألفاظ الشرع على وفق اعتقادهم، وهذا ما صنعه الأشعري أيضا في قضية الهداية التي نحن بصدد الحديث عن مذهبه فيها، فقد حرف معاني آيات ظهر له معارضتها الصريحة لمعتقده الفاسد.
ومن ذلك أنه قال في الإبانة (ص:153-154) :« فإن سأل سائل عن قول الله عز وجل: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) (فصلت:17) فقال : أليس ثمود كانوا كافرين وقد أخبر الله أنه هداهم . قيل له: ليس الأمر كما ظننت، والجواب في هذه الآية على وجهين :
أحدهما : أن ثمود فريقين كافرين ومؤمنين …فالذين عنى الله عز وجل من ثمود أنه هداهم هم المؤمنون دون الكافرين؛ لأن الله عز وجل قد بين لنا في القرآن أنه لا يهدي الكافرين …
الوجه الآخر : أن الله تعالى عنى قوما من ثمود كانوا مؤمنين ثم ارتدوا فأخبر أنه هداهم فاستحبوا بعد الهداية الكفر على الإيمان، وكانوا حال هداهم الله مؤمنين»([6]).
ومن ذلك أنه قال (ص:152) :« تقولون أليس قد قال الله عز وجل : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ) (البقرة:185) فما أنكرتم أن يكون القرآن هدى للكافرين والمؤمنين؟ قيل لهم: الآية خاصة، لأن الله عز وجل قد بين أنه هدى للمتقين، وأخبرنا أنه لا يهدي الكافرين، والقرآن لا يتناقض، فوجب أن يكون قوله: (هدى للناس) أراد به المؤمنين دون الكافرين ».
والذي عليه أهل السنة والجماعة إثبات الهداية العامة والهداية الخاصة، فأما العامة فهي هداية البيان والدلالة التي تقوم بها الحجة على العباد أو التي تبصرهم وترشدهم إلى الحق، وهذه الهداية عامة للمؤمنين والكافرين جميعا بما جعل فيهم من فطرة وركب فيهم من عقل، وبما أرسل إليهم من الرسل وأنزل من الكتب، فثمود كانوا في ضلال فهداهم بإرسال صالح عليه السلام الذي بين لهم الحق ودعاهم إليه، فاختاروا التمادي في الضلال والإعراض عن الحق.
وأما الهداية الخاصة فهي هداية التوفيق التي خص الله تعالى بها عباده المؤمنين الذين قبلوا الهداية العامة، قال تعالى: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) (التغابن 11) وقال سبحانه : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا) (العنكبوت: 69) أما الذين استكبروا عن الهداية الأولى فيضلهم الله تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (النحل:107) وقال سبحانه : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (القصص: 50) ([7]).
ومن هذا التقسيم يعلم أن لا تعارض أيضا بين كون القرآن هدى للناس جميعا وبين كونه هدى للمتقين على وجه الخصوص، فهو هدى للناس جميعا مؤمنهم وكافرهم وصالحهم وفاجرهم هداية البيان والدلالة، وهو هدى للمتقين هداية التوفيق والتثبيت والتزيين في القلوب.


رابعا : عدم التفريق بين المحبة والإرادة
من اللوازم الفاسدة التي التزمها الأشعري بناء على عقيدته في الصفات وفي القدر أنَّ كلَّ ما أراده الله تعالى أحبه بلا فرق بين الخير والشر وبين الكفر والإيمان، وفي بيان هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: « وجهم لا يثبت شيئا من الصفات لا الإرادة ولا غيرها، فإذا قيل إن الله يحب الطاعات ويبغض المعاصي فمعناه الثواب والعقاب، والأشعري يثبت الصفات كالإرادة فاحتاج إلى الكلام فيها، هل هي المحبة أم لا؟ فقال: المعاصي يحبها الله ويرضاها كما يريدها، وذكر أبو المعالي أنه أول من قال ذلك »([8]).
وقد صرح الأشعري بهذه المقالة الفاسدة في الإبانة فقال (ص:125):« ويقال لهم: إذا قلتم إنه يكون في سلطانه تعالى ما لا يريد فقد كان إذا في سلطانه ما كرهه، فلا بد من نعم. فيقال لهم: فإذا كان في سلطانه ما يكرهه، فما أنكرتم أن يكون في سلطانه ما يأبى كونه؟ فإن أجابوا إلى ذلك قيل لهم: فقد كانت المعاصي شاء الله أم أبى، وهذه صفة الضعف والفقر تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا». ومعنى كلامه أن كل ما كان في كونه فهو لا يكرهه أي يحبه وإلا لزم من ذلك عليه الضعف والحاجة وهما محال على الله تعالى.
ثم قال :« مسألة: ويقال لهم: أليس فعل العباد ما يسخطه تعالى ويغضبه عليهم إذا فعلوه، وإذا فعلوه فقد أغضبوه وأسخطوه؟ فلا بد من نعم. فيقال لهم : فلو فعل العباد ما لا يريده وما يكرهه لكانوا قد أكرهوه، وهذه صفة القهر تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا». فتأمل كيف قرن بين ما لا يريده وما يكرهه مما يقتضي أن يكون ما أراده قد أحبه!؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
والتفريق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية أمر متقرر عند أهل السنة والجماعة، فالإرادة الأولى مقتضية أن لا يكون في ملكه إلا ما يريد سبحانه وتعالى، والإرادة الثانية هي شرعه وأمره ونهيه، وبذلك يتعلق حبه وبغضه، فما أمر إلا بما يحبه وما نهي إلا عما يبغضه ، فليس كل ما أراده قدرا قد أحبه شرعا والله تعالى لا يرضى لعباده الكفر ولا يحب سبحانه الفساد([9]).
المطلب الثاني : المسائل المرتبطة بالحكمة والتعليل

إن من ألزم الأقوال لمن قال بعقيدة الجبر أن ينفي الحكمة والتعليل، لأن أول ما يرد عليهم من الأسئلة أن يقال إذا كنا مجبرين غير مخيرين فلِم التكليف إذن؟ ولماذا أمر الله الكفار بالإيمان والعصاة بالطاعة؟ فتخلصوا من هذا السؤال بقولهم إن الله يأمر وينهي لا لغاية، بل ويخلق من غير حكمة، فأركبوا الخطأ خطأ آخر ووصفوا الله تعالى بالعبث، لكنهم سبقوا وجعلوا تعطيلهم تنزيها، وقالوا نحن ننفي الحكمة والتعليل تنزيها لله تعالى عن الأهواء والأغراض.
وفيما يأتي بيان للأخطاء التي وقع فيها الأشعري في كتابيه مما له تعلق بهذه القضية المهمة.


أولا : التصريح بنفي الحكمة والتعليل
كما سبق فإن من لوازم عقيدة الجبر نفي الحكمة والتعليل في الخلق والأمر جميعا، فالجبرية يزعمون أن الله تعالى فعال لما يريد لا لسبب ولا لغاية، لذلك فالمعروف عنهم إنكار لام التعليل في كتاب الله تعالى وتأويلها إلى لام الصيرورة والعاقبة.
ومن أثر ذلك وأمثلته أنه من المتقرر عند أهل السنة والجماعة أن غاية إيجاد الخلق عبادة الله تعالى، وذلك لقوله سبحانه : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذريات:56)، والأشعري لا يرى ذلك كما صرح به في الإبانة (ص:137-138) حيث قال:« وإن سألوا عن قوله عز وجل : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذريات:56) فالجواب: أن الله عز وجل إنما عنى المؤمنين دون الكافرين، لأنه أخبر أنه ذرأ لجهنم كثيرا من خلقه، فالذين خلقهم لجهنم وأحصاهم وعدهم وكتبهم بأسمائهم وأسماء أمهاتهم([10]) غير الذين خلقهم لعبادته ». فمعنى الآية عنده أن الله تعالى خلق المؤمنين لعبادته وليس كل الخلق، وهذا يعني أنه لم يعتبر اللام في "ليعبدون" لام تعليل ولكن لام عاقبة وصيرورة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :« وأما نفاة الحكمة كالأشعري وأتباعه كالقاضي أبي بكر وأبي يعلى وغيرهم فهؤلاء أصلهم أن الله لا يخلق شيئا لشيء، فلم يخلق أحدا لعبادته ولا لغيرها، وعندهم ليس في القرآن لام كي، ولكن يقولون في القرآن لام العاقبة »([11]). وبيَّن رحمه الله أن أصل هذا هو عقيدة الجبر فقال :« وهذا القول في الأصل قول جهم بن صفوان ومن اتبعه من المجبرة »([12]). وليس للأشعري في هذه المسألة إلا هذا القول لذلك فابن تيمية لا ينسب إليه غيره . قال رحمه الله تعالى: «فالذي عليه جمهور المسلمين من السلف والخلف أن الله تعالى يخلق لحكمة ويأمر لحكمة …وذهب طائفة من أهل الكلام ونفاة القياس إلى نفي التعليل في خلقه وأمره وهو قول الأشعري ومن وافقه»([13]).


ثانيا : مسألة إيلام الأطفال
مسألة إيلام الأطفال من مسائل القضاء والقدر المرتبطة بالحكمة والتعليل وبمعنى العدل والظلم، والأشعرية لما قالوا إن الله تعالى يتصرف في ملكه كما يريد فلا يمكن أن يكون ظالما بحال، ونفوا الحكمة والتعليل جوَّزوا أن يُدخل الله تعالى العابد الطائع النار خالدا فيها، وأن يُدخل الكافر الفاسق الجنة خالدا فيها بمحض الإرادة، وليس في ذلك ظلم ما دام يتصرف في ملكه.
وقد ذكر الأشعري مسألة إيلام الأطفال المندرجة في هذا السياق والتي مفادها أن الله تعالى يجوز أن يُعذِّب الأطفال في الآخرة عذابا لا نهاية له من غير ذنب فعلوه، وإن لم يعقلوا ولم تبلغهم رسالة ([14])، فقال في الإبانة (ص:138-139) : «ويقال لهم: أليس قد آلم الله عز وجل الأطفال في الدنيا بآلام أوصلها إليهم؟ كنحو الجذام الذي يقطع أيديهم وأرجلهم وغير ذلك مما يؤلمهم، وكان ذلك سائغا؟ فإذا قالوا نعم. قيل لهم: فإذا كان عدلا فما أنكرتم أن يؤلمهم في الآخرة ويكون ذلك منه عدلا ».
وعقيدة أهل السنة والجماعة أن الله سبحانه لا يعذب أحدا بذنب إلا بعد مجيء الرسول أو قيام الحجة الرسالية عليه، لقوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء:15)، وأما مسألة إيلام الأطفال في الدنيا التي تعلق بها الأشعري فلا تخرج عن الحكمة الإلهية سواء أدركناها أم لم ندركها، وما ذكر الأشعري ما ذكر إلا إمعانا في مناقضة المعتزلة الذين قالوا : لا يكون الإيلام إلا بجرم سابق أو عوض لاحق، وأهل السنة قد أنكروا عليهم الحصر في ذلك ليس إلا، لأنه قياس لله تعالى على الواحد من الناس، وتمثيل لحكمة الله تعالى وعدله بحكمة الواحد من الناس وعدله([15]).


ثالثا : نفي الاستطاعة قبل الفعل
من اللوازم الباطلة لقول الجبرية أن المكلف لا يقدر على الفعل شيء حتى يفعله، لأن الله تعالى هو الذي يحدثه حينها أما قبل ذلك فليس للإنسان قدرة عليه، وقد صرح بهذا الأشعري في مقالات الإسلاميين(ص:291) ونسبه إلى أهل السنة إذ قال:« وقالوا : إن أحدا لا يستطيع أن يفعل شيئا قبل أن يفعله». وكذلك قال في الإبانة (ص:45): « وإن أحدا لا يستطيع أن يفعل شيئا قبل أن يفعله». ودلل على ذلك في موضع آخر فقال (ص:134):« ويقال لهم فإذا كان الكافرون قادرين على الإيمان فما أنكرتم أن يكونوا موفقين للإيمان؟ ولو كانوا موفقين مُسدَّدِين لكانوا ممدوحين، وإذا لم يجز أن يكونوا على الإيمان قادرين، ووجب أن يكون الله عز وجل اختص بالقدرة على الإيمان للمؤمنين».
ومذهب أهل السنة والجماعة أن الاستطاعة والقدرة على الفعل قسمان إحداهما تكون قبل الفعل وهي سبب التكليف ، والأخرى تكون مع الفعل وبها ينجز العمل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «أحدهما : القدرة الشرعية المصححة للفعل التي هي مناط الأمر والنهي ، الثاني : القدرة القدرية الموجبة للفعل التي هي مقارنة للمقدور ولا تتأخر عنه. فالأولى هي المذكورة في قوله عز وجل : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران:97) فإن هذه الاستطاعة لو كانت مقارنة للفعل لم يجب حج البيت إلا على من حج، فلا يكون من لم يحج عاصيا بترك الحج …»([16]). والله تعالى أمر الناس بالإيمان وجعل لهم قدرة على ذلك، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، والأشعري لم يثبت القدرة الشرعية المصححة للتكليف مناقضة للمعتزلة الذين لم يثبتوا غيرها ، لذلك فهو يقول لا قدرة على الإيمان وغيره إلا لمن آمن وقام بالفعل([17]).


رابعا : التكليف بما لا يطاق
مسألة التكليف بما لا يطاق من المسائل التي لها ارتباط بالحكمة والتعليل أيضا ، ولها تعلق بمسألة الاستطاعة السابقة، وعند الجبرية مادام الإله يأمر وينهى لا لحكمة فإنه يجوز أن يأمر الناس بما لا يطيقونه، لأن الطاعة والامتثال ليست مقصودة، وكذلك ما دامت الاستطاعة عندهم لا تكون إلا مع الفعل فالتكليف كله بما لا يطاق بهذا الاعتبار عندهم، وقد قرر الأشعري هذه العقيدة الفاسدة في الإبانة فقال (ص:138): « ويقال لهم: أليس قد كلف الله عز وجل الكافرين أن يستمعوا الحق ويقبلوه ويؤمنوا به…؟ فلابد من نعم. فيقال لهم: فقد قال عز وجل: (مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) (هود:20) وقال: (وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) (الكهف:101)، وقد كلفهم استماع الحق . ويقال لهم : أليس قد قال الله عز وجل : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) (القلم:42) وهذا تثبيت لما نقوله من أنه لا يجب لهم على الله إذا أمرهم أن يقدروا»([18]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :« وهؤلاء أطلقوا القول بتكليف ما لا يطاق، وليس في السلف والأئمة من أطلق القول بتكليف ما لا يطاق، كما أنه ليس فيهم من أطلق القول بالجبر، وإطلاق القول بأنه يُجبِر العباد كإطلاق القول بأنه يكلفهم ما لا يطيقون. وهذا سلب قدرتهم على ما أمروا، وذلك سلب كونهم فاعلين قادرين»([19]).
أما الشبهات التي ذكر الأشعري فجوابها أن السماع المنفي هو سماع الفهم، الذي لا يمكن أن يحصل مع الإعراض، وأما الأمر بالسجود فهو أمر تعجيز لا أمر تكليف فافترق الحال([20]).
(يتبع)

[1]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (8/229-230).
[2]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (16/308).
[3]/ انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (8/444،468).
[4]/ انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (8/64،442).
[5]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (8/467).
[6]/ وانظر الصفحات (141،146،149،151) من الإبانة.
[7]/ انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (8/205).
[8]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (8/230).
[9]/ انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (8/131،340،475 ).
[10]/ قال الذهبي في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الطبري الميزان (1/327) كان بصنعاء قال ابن عدي منكر الحديث، روي عن مروان بن معاوية عن حميد عن أنس مرفوعاً يدعى يوم القيامة بأسماء أمهاتهم ستراً من الله عليهم و هذا منكر ». ويعارضه حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ e قَالَ إِنَّ الْغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ رواه البخاري (6177) ومسلم (1735) أما حديث حديث هُشَيْمٌ (ثقة كثير التدليس والإرسال الخفي) عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَمْرٍو (صدوق يخطئ ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ فهو حديث ضعيف أخرجه أَبُو دَاوُد (4948) وقال ابْنُ أَبِى زَكَرِيَّا لَمْ يُدْرِكْ أَبَا الدَّرْدَاءِ.
[11]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (8/44).
[12]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (8/38).
[13]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (8/377).
[14]/ انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (11/677) (19/215).
[15]/ انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (5/125).
[16]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (8/129).
[17]/ انظر درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (1/60).
[18]/ وانظر صفحة (139) أيضا .
[19]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (8/469).
[20]/ انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (16/8-12).

 

 

 

السبت, 31 أيار 2014 08:00

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد فإن من الظواهر الخطيرة التي تنخر جسد أمتنا في هذه الأيام ظاهرة الرشوة، التي تعد من أسباب ضياع الأمن وفشو الفساد وتسلط الأعداء، تلك الظاهرة التي يعلم المسلمون كلهم تحريمها وأنها من كبائر الذنوب، لكن حب المال والركون إلى الدنيا أعمى بصائر كثير منهم، فتجرؤوا على دفعها وقبولها، وصار كثير منهم يسميها بغير اسمها، ففعلوامع الرشوة ما أخبر به النبي eأن طوائف من أمته تفعله معالخمر في آخر الزمان، والمقصود بهذه المقالة التذكير بخطرها على الأفراد والأمة وتوضيح حقيقتها الشرعية، وأشياء من معانيها قد غفل عنها بعض الناس، وكذلك الحديث عن سبيل مكافحتها.

السبت, 31 أيار 2014 00:00

السؤال:

   السلام عليكم ، في قريتنا –قرية تيفرة بسيدي عيش- مسجد بني على ضريح الولي الصالح بلقاسم أزلال الذي تعتقد فيه العامة اعتقادات شركية، وقد أضيف لهذا المسجد طابق علوي تقام فيه الصلاة، وبقي الطابق الأرضي خاصا بالضريح، وقد استفتي الشيخ .... في حكم الصلاة فيه فأجازها بحجة المحافظة على الجماعة، فوقع خلاف بيننا بسبب ذلك، مع العلم أننا نجد مشقة في الانتقال إلى أقرب مسجد إلى القرية، فنرجو بيان الصواب في هذه المسألة مع الدليل جزاكم الله خيرا.

الجمعة, 11 آذار/مارس 2011 21:45

الأصل السادس: طريق الإصلاح هو الدعوة والتعليم

 

    كما أننا ملتزمون بهدف دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فنحن ملتزمون بالطريق للوصول إليه، بينا -كما سبق ذكره- أن التوحيد هو هدف دعوة الرسل وأن كل شيء يهون أمامه، وأنه لا سبيل إلى نشره إلا سلوك طريق الأنبياء في تبليغه، وطريقُ نبينا صلى الله عليه وسلم قد علمناه مفصلا في سيرته العطرة، وهو قد بدأ بالتعليم ونشر مبادئ هذا الدين.

   وكما أنَّ أول ما أُمر نبينا صلى الله عليه وسلم بتبليغه هو العقائد المتعلقة بالله والرسول واليوم الآخر وهو الموضوع الغالب على أول ما أنزل من القرآن، فكذلك ينبغي أن يكون سير كل الدعوات التي تريد أن تستمر وتطمح أن تكلل بالنجاح.

 

الأربعاء, 12 كانون2/يناير 2011 16:52

الأصل الخامس: اعتقاد شمول الشريعة لجميع مناحي الحياة

 

    ومن أصول العقيدة الإسلامية المستصحبة في كل أبواب الدين اعتقاد شمولية الشريعة الإسلامية لكل ما يحتاج إليه الناس لصلاح دنياهم وأخراهم، فلا يوجد ميدان من ميادين الحياة يمكن فصله عن الشريعة، لا السياسة وقضايا الحكم ولا الاقتصاد والأمور التجارية، ولا قضايا التربية وعلم الاجتماع، ولا الطب ولا الصحافة ولا الرياضة الخ، وليس الدين مقصورا على العبادات فحسب أو العبادات وأحكام الأسرة كما يدعيه الملاحدة.

 

الثلاثاء, 12 تشرين1/أكتوير 2010 10:29
الأصل الرابع : اعتبار الدعوة إلى التوحيد أولى الأولويات

   ومما يتميز به أهل السنة عن غيرهم في العصر الحاضر، وفي كل زمان أنهم لا يقدمون شيئا في دعوتهم على التوحيد قولا ولا عملا، وهو أولى الأولويات عندهم، لأنهم يعتقدون أن التوحيد هو أصل الدين وهدف دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء والمرسلين، بل هو الغاية من خلق الإنس والجن كما أخبر به المولى عز وجل، ولأنهم يعتقدون أنه بالتوحيد (توحيد العبادة) تكون النجاة في الآخرة، وأن تحقيقه شرط للتمكين في الدنيا، خلافا للفرق الضالة التي حرفت معنى التوحيد حسب هواها، وخلافا لأهل المناهج الجديدة الأخرى التي ترجئ قضايا التوحيد وتراها من أسباب التفريق بين المسلمين، أو ترى قضايا الحكم والسياسة أولى منها قولا أو حالا، ومنهم من يصرح بأن قضايا التوحيد مفرقة للشمل وأنها أمور قديمة وخلافات تاريخية.

 

الثلاثاء, 06 تموز/يوليو 2010 12:49

الأصل الثالث: إتباع العلماء الذين بهم يحفظ الدين

    نتحدث اليوم عن أصل آخر من أصول الدعوة وهو إتباع العلماء، وهو في حقيقته متعلق بأحد فروع أصل حفظ الدين الذي سبق أن تطرقنا إليه، وهو حجية اتفاق العلماء ولزوم اتباع السلف، وضرورة الرجوع إلى العلماء في كل زمان، إلا أن هذه المسألة لأهميتها جديرة بأن تفرد ويتوسع في شرحها، فنقول: يجب علينا إتباع العلماء الربانيين، لأن الدين إنما يحفظ بهم، واقتضت حكمة الله تعالى أن يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها أمر دينها، ولا تزال طائفة على الحق إلى قيام الساعة، وهم أهل العلم وأهل الحديث وأهل السنة، فمن أراد الهداية في طريق الدعوة فعليه أن يلتزم بطريق العلماء خاصة في الأمور الكبار التي تهم الأمة ولاسيما في الحوادث النازلة والأمور المصيرية والقضايا الدعوية المنهجية، لأن طلبة العلم أو من يسمى دعاة لهم أن يتكلموا في قضايا التي يقدرون عليها وتأهلوا لها من وعظ وفتوى وتعليم، أما الفتوى في النوازل فليست إلا للعلماء الراسخين، ومن القواعد التي ينبغي أن تحفظ في هذا الباب أن المسائل الكبار للعلماء الكبار.

  

الثلاثاء, 08 حزيران/يونيو 2010 10:04

الأصل الثاني : اعتقاد بقاء الدين محفوظا في كل زمان

     من أهم الأصول المنهجية المرتبطة بقضايا الدين عموما والدعوة خصوصا اعتقاد بقاء المنهج والدين محفوظا في كل زمان يتوارثه العلماء الربانيون العاملون، فكما يعتقد المسلمون عموما أن القرآن محفوظ، فكذلك أهل السنة يعتقدون أن الفهم الصحيح للقرآن موجود في كل زمان لا يمكن أن يضيع، وقد تكفل بذلك رب العزة سبحانه حتى تبقى حجته قائمة على العباد وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ببقاء الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، وأخبر بأن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها، الأمر الذي يجعل أهل السنة لا يقبلون رأيا جديدا في قضايا الدعوة كما لا يقبلون في العقيدة والفقه أي قول محدث جديد، لأن القضايا المنهجية الكلية أولى بالحفظ من المسائل الجزئية . ومفهوم التجديد عندهم هو إحياء ما اندرس من معالم الدين والسنة، وليس هو الاختراع والابتداء للأشياء الجديدة البحتة.

 

السبت, 05 حزيران/يونيو 2010 10:14

 

(هذه الحلقات تفريغ وتهذيب لأشرطة مادة أصول الدعوة من الدورة العلمية لأصول العلوم الشرعية التي أقيمت صيف 2006 بمسجد عمر بن الخطاب بالرايس حميدو جزى الله من قام تفريغها خير الجزاء)

 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا له إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد: فإنه لما كانت الدعوة إلى الله تعالى من الواجبات المتحتمات على كل مسلم، وقد قال ربنا تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، وقال له أيضا : (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين)، فهذه الدعوة ليست وظيفة الأنبياء فقط ولا وظيفة العلماء فحسب، بل كل من كان من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وجب عليه أن يدعو إلى الله سبحانه وتعالى حسب القدرة والإمكان، أمر الله تعالى نبيه أن يقول :"أنا ومن اتبعني ".

 

الثلاثاء, 28 آب/أغسطس 2012 08:58

فصل [النجاسات وكيفية تطهيرها]

 

1-وَيَكْفِي فِي غَسْلِ جَمِيعِ النَّجَاسَات عَلَى البَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ أَوْ البُقْعَةِ أَوْ غَيْرِهَا أَنْ تَزُولَ عَيْنُهَا عَنْ المَحَلِّ، لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي جَمِيعِ غَسْلِ النَّجَاسَاتِ عَدَدًا.

2-إِلَّا فِي نَجَاسَةِ الكَلْبِ، فاشْتَرَطَ فِيها سَبْعَ غَسَلَاتٍ إِحْدَاهَا بِالتُّرَابِ فِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ.

3-وَالأَشْيَاءُ النَّجِسَةُ : بَوْلُ الآدَمِيِّ وَعَذِرَتُهُ.

4-وَالدَّمُ إِلَّا أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ الدَّمِ اليَسِيرِ، وَمِثْلُهُ الدَّمُ المَسْفُوحُ مِنْ الحَيَوَانِ المَأْكُولِ دُونَ الذِّي يَبْقَى فِي اللَّحْمِ والعُرُوقِ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ.

5-ومِنَ النَّجَاسَاتِ: بَوْلُ وَرَوْثُ كُلِّ حَيَوَانٍٍ مُحَرَّمٍ أَكْلُهُ.

6-وَالسِّبَاعُ كُلُّهَا نَجِسَةٌ.

7-وَكَذَلِكَ المَيْتَاتُ .

8-إِلَّا مَيْتَةُ الآدَمِيِّ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ وَالسَّمَكُ وَالجَرَادُ لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ . قال تعالى :] حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ [ الآية (المائدة:3)، وقَالَ النَّبِيُّ e:» المُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ حَيَّا وَلَا مَيِّتًا«([1])، وَقَالَ:»أُحِلَّ لَنَا مََيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ«(رواه أحمد وابن ماجة) ([2]).

9-أمَّا أرْوَاثُ الحَيَوَانَاتِ المَأْكُولَةِ وَأَبْوَالُهَا فَهِيَ طَاهِرَةٌ.

10-وَمَنِيُّ الآدَمِيِّ طَاهِرٌ، كَانَ النَّبِيُّ e يَغْسِلُ رَطْبَهُ وَيَفْرِكُ يَابِسَهُ.

11-وَبَوْلُ الغُلَامِ الصَّغِيرِ الذِّي لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ لِشَهْوَةٍ يَكْفِي فِيهِ النَّضْحُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّe:» يُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ« رواه أبو داود والنسائي([3]).

12-وَإِذَا زَالَتِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ طَهُرَ المَحَلُّ وَلَمْ يَضُرْ بَقَاءُ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ لِقَوْلِهِ e لِخَوْلَةَ فِي دَمِ الحَيْضِ:« يَكْفِيكِ المَاءُ وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ»([4]).

 

الأربعاء, 28 كانون1/ديسمبر 2011 18:07

باب الاستنجاء وآداب قضاء الحاجة

 

1-يُسْتَحَبُّ إذا دَخَلَ الخَلاءَ أنْ يُقدِّمَ رِجْلَهُ اليُسْرَى.

 

2-وَيقول بسْمِ الله ، اللهمَّ إنِّي أعُوذُ بِك مِن الخُبُثِ والخَبَائِثِ.

 

3-وإذا خَرَجَ مِنه قدَّمَ اليُمْنَى، وقَال غُفْرَانَكَ ، الحمدُ لله الذِّي أذهَبَ عنِّي الأذَى وعَافَانِي.

 

4-ويَعْتمِدُ فِي جُلوسِه على رِجلِه اليُسْرى ويَنْصِبُ اليُمْنَى.

 

5-ويَسْتَتِرُ بِحَائِطٍ أو غَيْرِهِ، ويُبْعِدُ إنْ كان فِي الفَضَاء .

 

6-ولا يَحِلُّ لَه أنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ فِي:  طَرِيقٍ أو مَحَلِّ جُلوسِ النَّاسِ أو تَحْتَ الأشْجَارِ المُثْمِرَةِ أو فِي مَحَلٍّ يُؤْذِي بِهِ النَّاسَ.

 

7-وَلا يَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ أو يَسْتَدْبِرَهَا حَالَ قَضَاءِ الحَاجَةِ، لقوله صلى الله عليه وسلم :« إِذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا »([1]) متفق عليه.

 

8-فإذا قَضَى حَاجَتَهُ: اسْتَجْمَرَ بِثَلَاثَةِ أحْجَارٍ ونَحْوِها تُنْقِي المَحَلَّ، ثُمَّ اسْتَنْجَى بالمَاءِ، ويَكْفِي الاقْتِصَارُ علَى أحَدِهِمَا.

 

9-ولا يَسْتَجْمِرُ بالرَّوْثِ والعِظَامِ كمَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ  صلى الله عليه وسلم . وكَذَلك كُلُّ مَا لَهُ حُرْمَةٌ .

 

 

السبت, 24 كانون1/ديسمبر 2011 12:17

[باب أحكام الأواني ]

 

1-وجَميعُ الأوَانِي مُباحَةٌ.

 

2-إلا آنية الذهبِ والفضَّةِ.

 

3-وَمَا فيهِ شَيءٌ مِنهُما.

 

4-إلا اليَسِير مِن الفضَّة لِلحَاجَةِ.

 

5-لقوله صلى الله عليه وسلم :« لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، ولكم فِي الْآخِرَةِ »([1]) (متفق عليه).

 

 

الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2011 19:13

فصل [كتاب الطهارة]

 

1-أمَّا الصلاة : فلَهَا شُرُوطٌ تَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا :

 

2-فَمِنْهَا الطَّهَارَةُ : كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:« لا يقبل الله صلاة بغير طهورٍ» متفق عليه . فمن لم يتطهر مِن الحدث الأكبرِ والأصغرِ والنجاسةِ فلا صَلاة  لَهُ.

 

[باب أحكام المياه]

 

3-والطهارة نوعان :أحدهما طهارة بالماء وهي الأصل.

 

1-فكلُّ ماء نزل من السماء، أو نبع من الأرض فهو طَهور يطهِّر من الأحداث والأخباث.

 

2-ولو تغير لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن الماء طهور لا ينجسه شيء" (رواه أهل السنن وهو صحيح).

 

3-فإنْ تغيَّر أحد أوصافهِ بنجاسةٍ فهو نَجسٌ يجبُ اجتنابُه.

 

4-والأصل في الأشياء الطهارة والإباحة.

 

5-فإذا شكَّ المسلمُ في نجاسة ماءٍ أو ثوبٍ أو بقعةٍ أو غيرها فهو طاهر. أو تيقَّن الطهارة وشكَّ في الحدث فهو طاهر، لقوله صلى الله عليه وسلم في الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة :" لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " (متفق عليه).

 

 

الأربعاء, 19 تشرين1/أكتوير 2011 17:10

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين  

   الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد  أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم.

 

  بعد الحمد والثناء وضع المصنف مقدمة بين فيها مميزات هذا الكتاب ، ومعنى الفقه، والأحكام التكليفية، وحكم تعلم الفقه، ومعنى الشهادتين .

 

الأربعاء, 08 حزيران/يونيو 2011 18:22

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فإن من أهم العلوم التي ينبغي لطالب العلم الاعتناء بها علم الفقه الذي يتعلم فيه الأحكام الشرعية العملية المتعلقة بعباداته ومعاملاته، وهذا العلم أوسع العلوم الإسلامية على الإطلاق وأكثرها مسائل ودلائل، وقد ضعفت العناية به في كثير من الأقطار الإسلامية في العصور المتأخرة، وفي عصر النهضة العلمية لم يجد هذا العلم العناية التي وجدتها العلوم الشرعية الأخرى، ولذلك أسباب تتعدد وتختلف باختلاف الجهات والأقطار وأفكار الناس وتوجهاتهم، وليس هذا موضع تتبعها وتقصيها، ولكن حسبنا أن نشير إلى أن من أسباب ذلك عند الكثيرين هو النفور عن الكتب المذهبية الخالية عن الدليل والمعقدة الألفاظ، الذي صحبه قلة الكتب المصنفة على المنهجية المثلى التي تعتمد على الدليل مع التدرج في تلقين المسائل.

 

الخميس, 06 تشرين1/أكتوير 2011 14:45
 

   الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فهذا مقال مقتضب أحاول أن أتناول فيه تاريخ دخول بدعة التصوف إلى بلادنا، وأن أعرف بالطرق الصوفية التي انتشرت في الجزائر أثناء عصور الانحطاط، وقد قسمت هذا المقال إلى مرحلتين تاريخيتين : البدايات الأولى للتصوف في الجزائر، ثم مرحلة التصوف الشعبي وهي المرحلة التي ظهرت فيها الطرق الصوفية.

 

 

السبت, 05 آذار/مارس 2011 11:09

دور ملوك بني زيان في خدمة العلم في تلمسان

 

 

 

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد فإن مما لا ينبغي أن ينكر في تاريخ الإسلام أن للحكام دورا كبيرا في خدمة العلوم الشرعية، وغيرها من العلوم التي قامت عليها الحضارة الإسلامية، ولا شك أن قيام دولة إسلامية قوية يجد فيها الناس الأمن والاستقرار مما يساعد على نمو العلوم وازدهارها، وأن ضعف الدولة أو انهيارها يؤثر سلبا في جميع العلوم الدنيوية والدينية، وقد قرَّر ابن خلدون في مقدمته:« أن العلوم إنما تكثر حيث يكثر العمران وتعظم الحضارة، والسبب في ذلك أن تعليم العلم من جملة الصنائع، والصنائع إنما تكثر في الأمصار، وعلى نسبة عمرانها في الكثرة والقلة والحضارة والترف تكون نسبة الصنائع في الجودة والكثرة؛ لأنه أمر زائد على المعاش، فمتى فضلت أعمال أهل العمران عن معاشهم انصرفت إلى ما وراء المعاش من التصرف في خاصية الإنسان، وهي العلوم والصنائع»([1]).

 

   ويمكن التأكد من ذلك بالنظر في شكل التأليف في العلوم الشرعية عموما، كيف تحول ودخل في دور الانحطاط بعد سقوط بغداد في منتصف القرن السابع.

 

   وكما خدم بعض الحكام العلوم الإسلامية، فإن آخرين منهم قد أساؤوا إليها غاية الإساءة؛ وذلك من خلال إهمالها أو اضطهاد العلماء، أو من خلال تدخلهم في أمور العلم، وفرضهم للآراء التي اعتنقوها دون سواها، وقد كان الخلفاء من بني أمية وبعض العباسيين لا يتبنون مذهبا بعينه، فكانوا يعظمون أهل العلم وخاصة أهل الاجتهاد منهم، ويسندون القضاء والمناصب لمن برع في علم الكتاب والسنة، فانصرفت الهمم إلى تحصيل علم الكتاب والسنة والنبوغ فيهما، وأما في عصر التقليد –وابتداء من العصر العباسي- فإن الحكام في كل مصر وعصر قد تبنوا مذهبا من المذاهب الفقهية أو الفكرية ومكَّنوا له، وسَعوا في نشره على حساب المذاهب الأخرى، ومن أثر ذلك قصرهم مناصب القضاء والإفتاء عليه وكذا الأوقاف، الأمر الذي كان دافعا قويا من دوافع التقليد والجمود، ومن أسباب ضعف العلوم الإسلامية وتراجعها([2]).

 

السبت, 30 تشرين1/أكتوير 2010 22:42

من كرامات الجهاد في الجزائر

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين والعاقبة للمتقين أما بعد: فإن من معتقد أهل السنة والجماعة إثبات الكرامة التي هي أمر خارق للعادة، يجريه الله تعالى على يد ولي من أوليائه، معونة له أو لغيره على أمر ديني أو دنيوي، ولهذه الكرامات الربانية دواعيها وحِكمها كما أن لها أهلها ورجالها، وإن من أهلها المجاهدون الذين وهبوا أنفسهم لله عز وجل، وضحوا بأغلى ما لديهم في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى، وليس لهذه الكرامات زمان محدد بل هي مستمرة استمرار وجود المؤمنين المخلصين الذين يستحقونها، وإن من أزمنة ظهور هذه الكرامات وتجليها أيام جهاد الجزائريين ضد المستعمر الصليبي الحاقد، هذا الجهاد الذي قاده رجال صادقون أكرم الله تعالى جلهم بالشهادة، ووصفهم العقيد محمدي السعيد رحمه الله في بعض مقالاته بأنهم كانوا ساهرين على أمور الدين والشريعة، قائمين على الجهاد والتعليم وبالغ في وصف استقامتهم حتى شبههم بالملائكة([1]).

 

الخميس, 24 حزيران/يونيو 2010 23:30
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين ولا عدوان إلا على الظالمين ، أما بعد فإنه لما كان مما يعتمده الأعداء في هذه الأيام لتنفير المسلمين عن دينهم أن ألصقوا به صفة العنف والإرهاب، ولما رأينا أكثر المسلمين لما سلط عليهم اليهود سيف الذل والهوان اتخذت قلوبهم من ديار الغرب قبلة يعلقون عليها الآمال ويرجون منها الإنصاف ، ولما رأينا أن عقيدة الولاء والبراء عندنا قد ميعت وضيعت كان فرضا ولزاما علينا أن نقول للناس كلمة تكشف لهم حقيقة النصارى وتبين لهم من هم الإرهابيون حقا !! كلمة تحيي فيهم عقيدة البراء من أعداء الله تعالى التي أمرنا بها ربنا سبحانه فقال : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ) (الممتحنة:1) ، كلمة ترسخ عند من حَسُنَ ظنه فيهم قولَه تعالى : (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة: 120) وقد جعلنا هذه الكلمة كلمة تاريخية تحيي الذاكرة وتحرك الوجدان وتكشف لنا عن أنياب الحقد الصليبي على المسلمين وسميتها التنصير والإرهاب أو حقائق عن محاكم التفتيش في الأندلس.
 
 
السبت, 23 تشرين1/أكتوير 2010 10:38

حرب تحرير الجزائر جهاد إسلامي لا ثورة إشتراكية

 

   الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين والعاقبة للمتقين أما بعد: فإن من القضايا الجديرة بالاهتمام في تاريخ بلادنا البعد الإيماني لحربها التحريرية، والخلفية العقدية لنضالها ضد المستعمر الصليبي، وآثار التأييد الرباني للمجاهدين في أرض القتال، وهذا أمر قد تجلى في شهادات أكثر المجاهدين الصادقين وفي كتابات المؤرخين المنصفين، وإن لم يرض به بعض من أراد تحريف ذلك النضال والقتال عن مقاصده التي رمى إليها صانعوه الأولون.

الجهاد حقيقة يقررها المجاهدون المؤمنون والمؤرخون المأمونون

إن حرب التحرير كانت جهادا إسلاميا وحربا عقائدية هذه حقيقة يقررها المجاهدون المؤمنون والمؤرخون المأمونون، فمن شهادات المجاهدين الميدانيين قول أحد أبناء الأوراس الأشم:"إن الفرق بين الثورة الجزائرية وغيرها من ثورات العالم المعاصر أنها ثورة شعب مؤمن له مقوماته الدينية التي تميزه عن غيره من شعوب العالم الأخرى، إنها ثورة دينية روحية استهدفت أغراضا تخدم الدين والوطن في الحياة الدنيا،

السبت, 03 تموز/يوليو 2010 17:22

   الحمد لله أما بعد فإن التاريخ هو تجربة البشر، تستخلص منه الدروس والعبر، وهو ذاكرة جماعية هائلة تكبر وتمنوا كل يوم، قد حوت الدين والقيم والعادات والتجارب، وإن من لا يعرف تاريخ أمته هو كمن لا ذاكرة له، ومن لا ذاكرة له سيظل يراوح مكانه ولن يعرف الطريق إلى التقدم والرقي، لأنه لا يمتلك  شيئا يبنى عليه ويزيد فيه.

    وللتاريخ كما ذكرنا أثر في البناء الفكري لأولادنا، وقد شرحنا شيئا من ذلك في الحلقة الأولى، ونزيد الأمر بيانا في هذه الحلقة فنقول: إن للتاريخ ارتباطا وثيقا بالعقيدة والأخلاق وبالولاء والبراء وبالسياسة والدعوة ومحبة الأوطان.

 

الأربعاء, 30 حزيران/يونيو 2010 16:55

   الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، أما بعد فإن التاريخ يعتبر مرآة الأمم يعكس ماضيها ويترجم حاضرها، وتستلهم من خلاله مستقبلها، وإنه من الأهمية بمكان العناية به، وتدوينه ونقله إلى الأجيال نقلاً صحيحاً، بحيث يكون نبراساً وهادياً لها في حاضرها ومستقبلها، والأمم التي تعيش بدون تاريخ أمم تعيش بدون ذاكرة، وهي معرضة لإعادة إنتاجه مرة أخرى من غير استفادة منه وقد يكون ذلك في غير صالحها.

     وللتاريخ أثر عظيم في التربية الفكرية للأجيال وفي تكوين شخصية الأفراد وصناعة توجههم في الحياة، وإننا بتعليم تاريخنا للأطفال الناشئين نرسخ فيهم البعد الإسلامي والعربي لثقافتنا وحضارتنا، وتتكون لديهم معاني الوطنية الصحيحة، وهذا أمر بين لا ينكره إلا جاهل أو مغرض.

 

الثلاثاء, 11 أيار 2010 21:08

     

     إنه الخليفة الذي تمكن من القضاء على ظاهرة الفقر ، إنه عمر بن عبد العزيز الخليفة الأُموي الذي عم الرخاء في عهده ، حتى أنه لم يبق للفقر وجود في مملكته الممتدة الأطراف، وإنه لم يصل إلى تحقيق هذا الحلم الذي لا يصدق في عالمنا اليوم إلا بأمور وعوامل افتقدها الخلفاء والملوك بعده ، ومنها أنه ولي الخلافة وهو لها كاره ، والرسول صلى الله عليه وسلم قد قال :" لا تسأل الإمارة ، فإنك إن أعطيتها وكلت إليها ، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها " (متفق عليه)، فلما تولاها من غير مسألة أو رغبة أعانه الله تعالى عليها وقضى عنه حاجته وبلغه مراده.

 

الجمعة, 19 شباط/فبراير 2010 21:04

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين والعاقبة للمتقين، أما بعد: فهذه أضواء أردت نشرها على الجوانب التي أمكنني الوقوف عليها من ترجمة الشيخ عبد القادر بن محمد الراشدي السلفي، دفعني إلى تسطيرها كلمة الشيخ المبارك الميلي التي حكى فيها سبب انتشار الأشعرية في المغرب واندثار السلفية فيها، وقد سبق نشرها مع كتاب "عقيدة ابن باديس السلفية وبيان موقفه من الأشعرية " وقد نشرتها في موقع ملتقى أهل الحديث وأعيد نشرها في هذا الموقع المبارك إن شاء الله تعالى، ومن أعظم غايات نشر مثل هذه التراجم أن يبين تواصل حلقات المجددين عبر الأزمان في مختلف البلدان، وتصديق قول النبي e :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق " ، وأن يبين لأهل التقليد والابتداع والجمود أن أهل الإصلاح السلفيين لم يأتوا بدين جديد ولا فكر محدث.

 

الثلاثاء, 23 شباط/فبراير 2010 21:03

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : فإني لست مؤرخا ولا شاهدا على تاريخ من مضى ، ولكني قارئ له كسائر القراء المعتنين به، أحب مطالعة أسفاره، وأتشوف إلى معرفة حقائقه، وأتطلع إلى تفسير أحداثه وأخذ العبر منه، ولا يخفى أن تاريخ أمتنا تاريخ حافل بذكر سير الرجال الأبطال وتدوين جلائل الأعمال، وقد بدا لي أن أنقل في هذه الصفحات شيئا من مآثر أحد المجاهدين الكبار المنتمين إلى هذه الديار، أحد أعلام الجهاد الذي حررت به هذه البلاد، وهو الشهيد عميروش آيت حمودة رحمه الله، أنقلها من المصادر المعتمدة وعن الشهود العيان عليها، لنقربها إلى القراء ، ولعلها تكون حافزا لبعضهم أن يرجع إلى المصادر ويتعمق أكثر في تاريخ أمتنا المجيدة .

 

 

الأربعاء, 21 نيسان/أبريل 2010 15:53

   االجذور التاريخية للأزمة البربرية في الجزائر
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فإن الأزمة البربرية من ضمن القضايا العويصة التي تشغل الرأي العام في الجزائر والمغرب العربي، وقد اتخذت أبعادا خطيرة لا تزال تتفاقم يوما بعد يوم، وإن صانعي هذه الأزمة ومفتعليها لن يهنأ لهم بال حتى ترتمي الجزائر في أحضان الاستعمار من جديد أو يقسموها إلى دويلات متناحرة، وليس هذا بالأمر بالجديد لمن يقرأ قول المولى عز وجل : (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة/120] وقوله سبحانه : (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)  [النساء/88، 89]، ولكن من المفيد جدا أن ننقل للأجيال بعض الحقائق التاريخية التي تكشف لهم خيوط المؤامرة التي حيكت ضد الإسلام والعربية باسم العرق والثقافة في بلاد لم تعرف الوحدة الدينية والثقافية إلا في ظل الإسلام.
الارهاصات الأولى للمخطط الاستعماري
   إن الاستعمار الفرنسي لبلادنا لم تكن له أبعاد سياسية واقتصادية فحسب بل قد كانت له أبعاد دينية حيث اعتبر امتدادا للحروب الصليبية ، ولذلك فإن الجيش الفرنسي المسلح بالبنادق والمدافع قد صحبه جيش آخر من المنصرين مسلح بالأناجيل والأموال، ولقد اعتمدت فرنسا لبثّ الفرقة في البلاد والتمكين للفرنسة والتنصير برامج كثيرة خبيثة، وكان من أخبثها غرس النزعة العنصرية والتفرقة بين المسلمين في الجزائر، باسم الثقافة البربرية المعتمدة على اللغة الأمازيغية والديانة النصرانية، وقد بدأت فور حط رحالها في البلاد بإنجاز دراسات حول اللهجات المستعملة في الجزائر، دراسات كان الهدف منها إداري فيما يبدو، قام بها مجموعة من المستشرقين والضباط والإداريين، لكنها لم تكن بريئة، فإن المستشرقين كانوا ولا يزالون خداما للمخططات الاستعمارية، ففي سنة 1856م أعطى وزير الحرب الفرنسي أمرا لجيسلان (Geslin) بإعداد تقرير مفصل عن اللهجات المحلية المستعملة في الجزائر، وقد تمت قراءة التقرير ومناقشته من طرف لجنة من المستشرقين بأكاديمية الفنون والآداب في بباريس تحت إشراف المستشرق رينو (Reinaud)، ولا شك أن أمرا كهذا لا يتعلق بمجرد إدارة مستعمرة جديدة.
   ولما جاءت سنة 1880 كان الفرنسيون قد ألفوا دراسات في أغلب اللهجات المستعملة في الجزائر فألف الجنرال "هانوتو" قاموسا سماه "نحو اللغة التمشقية" (لهجة الطوارق) وألف هو و"دوماس" في لهجة قبائل زواوة، وألف "إيميل ماسكري" في اللهجة الشاوية، وألف "موتيلانسكي" في الميزابية، وغيرهم في غيرها.
لماذا التركيز على منطقة القبائل (زواوة)
   ثم بدأت السياسات التطبيقية لتلك الدراسات تظهر على أرض الواقع شيئا فشيئا، وتجلت نوايا فرنسا من وراء اهتمامها بدراسة لهجات أهل الجزائر وعادات أهلها وأصولهم وأعراقهم، فقد أنشأت في عام 1880م المدرسة العليا للآداب بالجزائر، تلك المدرسة التي كان هدفها استشراقيا محضا وتخرج منها دعاة النزعة البربرية الأوائل وعلى رأسهم سعيد بوليفة (1865-1931) ومحمد معمري (ليس هو مولود وقد يكون من أعمامه لأنه من بني يني أيضا).
    وقد جهرت فرنسا بضرورة تكثيف الجهود لتمكين الاستعمار الثقافي في منطقة قبائل زواوة على وجه الخصوص ولفصلها عن سائر بلاد الجزائر، وذلك يرجع في نظري لما رأته من صلابة أهل المنطقة في الدفاع عن دينهم وأرضهم وحريتهم حيث أنها لم تحكم سيطرتها على كامل منطقة زواوة إلا عام 1857م والثورات لم تتوقف بعد ذلك، فإن فرنسا تخوفت من هذه المنطقة أكثر من غيرها، فقد رأت أهلها قد استجابوا لنداء الداي حسين ودافعوا عن الجزائر العاصمة، كما ساندوا الأمير عبد القادر في جهاده ابتداء من عام 1837م إلى غاية 1846م، وساندوا جميع الثورات المحلية كثورة الشريف سي محمد الهاشمي (ت 1849) وثورة الشريف بو بغلة (ت1854) وثورة محمد التطراوي (ت 1855) وفاطمة نسومر (أسرت عام 1857)، وثورة المقراني (ت1871).
    وهذا خلافا لتحليلات الفرنسيين المعلنة التي تزعم أنهم لاحظوا في أهل المنطقة سهولة الاندماج وضعف التدين، لذلك طمعوا في فرنستهم وسلخهم عن هويتهم الإسلامية والعربية أكثر من غيرهم.
   ولقد كان من آثار هذا التخوف تركيز حملات التنصير على منطقة زواوة حيث انتشر فيها جنود لافيجري "الآباء البيض" بكثافة وكان لهم نشاط واسع من خلال تقديم الخدمات الصحية والتعليمية وإقامة الكنائس، كما قررت الحكومة الفرنسية فتح مدارس في بعض قراها مع إجبار الأطفال على دخولها. كما حاربت زوايا العلم والقرآن وخاصة زوايا الطريقة الرحمانية التي ساندت الثورات الشعبية ضد الاحتلال.
    ونقل عن الكاردينال لافيجري أنه قال في مؤتمر للتنصير في بلاد القبائل عام (1867) :« إن رسالتنا تتمثل في أن ندمج البربر في حضارتنا التي كانت هي حضارة آبائهم، ينبغي وضع حد لإقامة هؤلاء البربر في قرآنهم، لا بد أن تعطيهم فرنسا الإنجيل، أو ترسلهم إلى الصحراء القاحلة بعيدا عن العالم المتمدن».
    وقد لاحظ الدكتور أبو القاسم سعد الله أن الفرنسيين قد غيروا حتى المصطلحات بعد مجاهرتهم بتسييس القضية وعزمهم على نشر التفرقة بين أهل الجزائر، فأصبحوا يستعلمون لفظ القبائل بدل زواوة، ولفظ القبائلية بدل البربرية.
    ولقد كانت سياسة التفرقة بين العرب والقبائل جزءا لا يتجزأ من سياسة الحرب على الإسلام والعربية في الجزائر، تلك الحرب التي قادها المنصرون والمستشرقون والإعلاميون، وقد رأيت من سموم التفرقة والعنصرية ما كان يبث في الكتب المدرسية التي كانت تدرس اللغة الدارجة العامية آنذاك، كحكايات العربي والزواوي، وحتى جحا لم يسلم من تلك النعرة حتى قسم إلى جحا العربي وجحا القبايلي وفي بعض النوادر يظهر جحا الفرنسي أيضا!!
من اللغة والثقافة إلى الجنس والعرق
   ولم يكف الفرنسيين أنهم شحنوا من تكوَّن بين أيديهم بفكرة التميز اللغوي والثقافي للمنطقة عن الثقافة العربية الإسلامية، حتى راحوا يشككون حتى في الأصول العرقية لأهل زواوة، فبعد أن كان المؤرخون مختلفين في الجملة على قولين في أصول البربر هل هي حميرية يمنية أو كنعانية فلسطينية؟ وذلك باعتبار أن منطقة الشرق هي مهد الحضارات كلها، جاء الفرنسيون بقول جديد يخص أهل زواوة -وهم من قبيلة كتامة البربرية – يزعم أن أصولهم آرية جرمانية بحجة تضحك الثكالى وهي وجود من له بشرة شقراء وأعين زرقاء!! وكأنهم بذلك يزعمون أن أهل زواوة ليسوا من البربر وأن أصلهم هم الوندال الذين غزو بلاد البربر في القرن الخامس الميلادي!! نزلاء مثلهم مثل العرب والأتراك القادمين من الشرق والفرنسيين والإسبان القادمين من أوروبا.
   ولا بأس أن نذكر هنا بأمر مهم وهو أن المجلة الإفريقية الفرنسية الصادرة سنة 1859 نشرت مقالا للمترجم العسكري "ألفونس مايير" تحت عنوان "أصل سكان بلاد القبائل حسب العرف المحلي" اعتمد فيه على شهادات شيوخ المنطقة وقد بين أنهم يعتقدون أن أصلهم من العرب، ما عدا ثلاثة قبائل قال شيوخها إن أصلهم فارسي !
  ولما أعلنت فرنسا عن استراتجيتها وأطلقت دعاويها وجدت-مع الأسف الشديد-من أبناء الجزائر من يصدقها، بل ومن يتحمس لنشرها والدعوة إليها ونصرتها، وخاصة من الشيوعيين الذين كانوا يؤمنون بأن الأمة الجزائرية أمة في طريق التكوين، وهي تتألف من عناصر قبائلية وميزابية وشاوية وعربية وتركية وفرنسية وإيطالية وإسبانية ومالطية.
وكما وجد من العملاء والضحايا من تبنى هذه الأفكار العنصرية المعادية للإسلام والعروبة، فقد وجد من الجزائريين من يصد هذا الفكر وهذه الردة، ومن أولهم أبو يعلى الزواوي (ت1952) الذي ألف كتاب تاريخ الزواوة عام 1918 وطبعه عام 1924م بدمشق وكان من أهم أغراضه بيان أصل البربر ودفع الفرية الفرنسية التي تزعم أن أصلهم آري جرماني، ومما وهو مشهور أيضا ذلك الخطاب الذي ألقاه يحيى بن عبد الله حمودي الورثيلاني (ت1972) عام 1936 في أحد اجتماعات جمعية العلماء باللهجة القبائلية في الرد على الدعاوي الفرنسية في حق البربر التي شهرها الإعلام في تلك الأيام، وقد تبعه عبد الحميد بن باديس بخطاب جعل عنوانه "ما جمعته يد الله لا تفرقه يد الشيطان" وقد نشر فحواه ومعناه في البصائر بتاريخ 17 جانفي 1936م بإمضاء ابن باديس الصنهاجي.
الانفجار الأول في حزب الشعب
    ومن المحطات المهمة في تاريخ الأزمة البربرية أزمة حزب الشعب القبائلي داخل حزب الشعب الجزائري، التي تكشف لنا حقيقة دعاة النزعة العرقية الأوائل في هذه البلاد، وكانت بوادر ظهور هذه النزعة داخل حزب الشعب في عام 1945 وذلك في وسط المغتربين في فرنسا، حيث طلب المناضل بناي واعلي لجنة تنظيم حزب الشعب الجزائري بتوحيد كل منطقة زواوة التي تتكلم لغة البربر في إقليم واحد، ودعم اقتراحه بالإشارة إلى الروابط البشرية واللغوية القائمة بين السكان إلا أن قيادة الحزب رفضت اقتراحه.
    وفي سنة 1947 طرحت الأطراف التي تبنت النزعة العرقية على مؤتمر الحزب مسألة الهوية فرفضت لأنها أمور قد حسمها الحزب الذي كان يتبنى الهوية العربية الإسلامية، ونتيجة لذلك أعلنت فيدرالية فرنسا بعد عام رفضها لفكرة الجزائر العربية الإسلامية، وذلك بعدما تزعمها علي يحيى المدعو رشيد، وأعلنوا أطروحة الجزائر جزائرية. ولما فتح حزب الشعب الجزائري اكتتابا من أجل فلسطين، أظهر علي يحيى المذكور رفضه بل وعداءه لكل ما هو عربي.
     وفي وقت لاحق وقفت القيادة على رسالة أرسلها عمر أوصديق من السجن إلى بناي فاكتشفت تنظيما سريا يسمى "حزب الشعب القبائلي" مما أدى بقيادة الحزب عام 1949م إلى حل فدرالية فرنسا ، وفصل جماعة من المتورطين في المؤامرة من الحزب وكان من المفصولين : علي يحيى رشيد، وبناي واعلي، وعمار ولد حمودة، وعمر أوصديق، والصادق هجريس، وعلي عيمش ومبروك بن الحسن، ويحيى هنين، والسعيد أوبوزار، وبلعيد آيت مدري.
    وقد بين المؤرخ محمد حربي!! أن نشأة هؤلاء كان لها دور في توجههم الفكري فعلي يحيى رشيد وآخرون ينحدرون من عائلات متجنسة بالجنسية الفرنسية ويجري عليها القانون الفرنسي، وولد حمودة وعمر أوصديق متخرجان من دار المعلمين ببوزريعة ومتأثران جدا بالأفكار العلمانية، ومنهم من كان يعلن عداءه ورفضه للإسلام صراحة، وليست الأفكار العلمانية أو الشيوعية هي فقط ما أدى بهم إلى هذا الانشقاق، بل ذلك أيضا ثمرة الأفكار التي بثها الآباء البيض والمدرسة الفرنسية من أن العرب غزاة فرضوا على القبائل لغتهم ودينهم بقوة الحديد والنار.
   وقد نجا حسين آيت أحمد الذي كان رئيسا للمنظمة الخاصة وعضوا في اللجنة المركزية من قرار الطرد بعد أن أنكر علمه بالمؤامرة، ثم تبرأ من الجماعة بعدما تبين من صدق ما اتهموا به!! ونظرا لِحوم الشبهات حوله ولكونِه من المطلوبين لدى الشرطة الفرنسية بعد اكتشاف المنظمة الخاصة أرسل إلى القاهرة ليرافق محمد خيضر والشاذلي المكي هناك. وقد علل أيت أحمد في مذكراته (ص211)عدم موافقته لتلك الجماعة بقوله:"لأننا نقبل أن تكون الجزائر عربية بدل أن تكون فرنسية ، ولاحظت في المقابل، أن هناك من يفضل الجزائر الفرنسية على الجزائر البربرية"..
   ولقد كانت تلك الشرارة الأولى للفرقة وقد كانت متمركزة في فرنسا فيما يبدوا أما في الجزائر فلم يكن في قاعدة الحزب من يتحمس لهذه الفكرة إلا بعض العناصر في قسمة عين الحمام –وكان في منطقة القبائل 12 قسمة يومها-ولقد كان "كريم بلقاسم" و"عمار أوعمران" -المجاهدان المعروفان من منطقة ذراع الميزان- ممن وقف مع القيادة في هذه القضية، بل ثبت أن كريم بلقاسم أطلق النار على بعض من كان يحمل هذه الفكرة-هو علي فرحات- وأصابه بجروح بليغة، وهكذا بقيت منطقة القبائل وفية لمبادئ حزب الشعب، بل ولمصالي الحاج حتى ضد خصومه من المركزيين إلى غاية صيف 1954م.
    ولما طرد هؤلاء المذكورين من حزب الشعب انضموا إلى الأحزاب التي تناسب أفكارهم الملحدة وشعاراتهم المعادية للعربية والإسلام فانخرطوا في الحزب الشيوعي الجزائري (كالصادق هجريس الذي أصبح رئيسا له فيما بعد) أو إلى الحزب الشيوعي الفرنسي.
     ومما ينبغي الوقوف عنده أيضا أن المناضل القديم في حزب الشعب الدكتور عثمان السعدي ذكر أن قيادة الحزب اكتشفت دخلاء يعلمون لحساب والي الجزائر "شاتنيون" أسهموا في بث تلك النزعة في مناضلي الحزب وخططوا لشق الصف، فقامت قيادة الحزب بتصفيتهم جسديا.
حرب التحرير ووحدة الشعب الجزائري
    أما أثناء الحرب التحريرية فلم يكن ثمة أي حديث عن القضية البربرية أو نقاش حول الهوية، لأنها أمور كانت محسومة ابتداء من بيان أول نوفمبر الذي نص على "تحقيق وحدة شمال إفريقيا في داخل إطارها الطبيعي العربي والإسلامي"، وانتهاء بتبني المجلس الوطني للثورة الجزائرية عشية الاستقلال مسألة التعريب في برنامج طرابلس، حيث أكد على ضرورة تمكين اللغة العربية من استعادة مكانتها كلغة ثقافة وحضارة وعمل، وذلك لأن عملاء فرنسا الكبار لم يكن لهم أي دور في الحرب التحريرية، بعدما انصهروا في الحزب الشيوعي الذي بقي معاديا لجبهة التحرير وجيش التحرير، إلا أننا نجد أفرادا منهم ربما رجعوا إلى عقولهم أو رجحوا المصلحة العليا للبلاد مثل عمر أو صديق، ومنهم من جاهر بعداء الثورة فتمت تصفيته بعد محاكمته نحو واعلي بناي وولد حمودة، وما حاكمهم ونفذ فيهم الحكم إلا قادة هذه المنطقة وأبطالها كريم بلقاسم وأعمر أوعمران.
    كما أننا نجد في تاريخ الثورة في منطقة القبائل تعليمات العقيد عميروش التي نصّت على إجبارية إقامة الصلاة في صفوف جيش التحرير الوطني، ونصت على تعليم اللغة العربية للأميين من المقاتلين التي تلقاها المجاهدون بصدر رحب ووجدت استجابة واسعة، وقد كتبت في ذلك قبل مدة بحثا موثقا بعنوان "العقيد عميروش المجاهد وخادم العلم والعربية"، فليراجعه من شاء.
     وبعد الاستقلال حدثت عوامل استغلت لصالح النزعة العنصرية بقوة، ففتنة صيف 1962 التي يقال أن أحمد بن بلا ابتدأها لما نزل في تونس قادما من فرنسا حيث قال "نحن عرب" –قالها باللغة الفرنسية وهو المعروف أن أصوله بربرية-وهي كلمة كان يريد بها إرضاء جمال عبد الناصر السند الخارجي لتمرده على الحكومة المؤقتة، ومنهم من حملها محمل التعريض بوزير الدفاع في الحكومة "كريم بلقاسم" والقائد الفعلي لها، المنحدر من منطقة القبائل!! ولما انحصر المؤيدون للحكومة المؤقتة في تلك الأزمة في الولاية الثالثة والرابعة أصبحت القضية تظهر للأجيال التي لم تعايشها وكأنها فتنة جهوية، وهي ليست كذلك، ورغم أن أكثر المتقاتلين تصالحوا فيما بعد، إلا أن تلك الأزمة استغلت أبشع استغلال وفسّرت تفسيرات عنصرية لا تمت للحقيقة بأدنى صلة.
وما زال الدور الفرنسي قائما
   ومع أن الجزائر قد استقلت واسترجعت سيادتها وشرعت في ترسيخ عناصر هويتها إلا أن فرنسا لم تستسلم، وما زالت تحوك المؤامرة تلو المؤامرة ضد بلدنا الحبيب، ففي سنة 1967 أوحت إلى ضابط سابق في الجيش الفرنسي وصيدلي ومغني وصحفي كلهم يحمل الجنسية الفرنسية، أن يؤسسوا الأكاديمية البربرية في باريس، لتواصل مشروعها على لسانهم وتنفذه بأيديهم، ثم التحق بهم جزائريون آخرون منهم محند أعراب بسعود الذي صار رئيسا لها-كان متهما بالخيانة أثناء الثورة-، وكان من إصداراتها مجموعة من النشرات التحريضية المليئة بالكذب والتزوير والافتراء والحقد على العربية والإسلام.
    وفي فرنسا نشأت أيضا مؤسسات أخرى تتبنى الفكرة وتناضل من أجل الثقافة البربرية، ففي سنة 1973 انشق جماعة من الشبان عن الأكاديمية المذكورة، وأسسوا جماعة الدراسات البربرية في جامعة باريس عام1973، وقد اتهمهم يومها محند بسعود بالولاء للصين!! وفي عام 1978 تكوَّن اتحاد الشعب الأمازيغي الذي نشر مجلة سياسية تحت عنوان "الرابطة"، وكان من أهم مطالبه معارضة التعريب، والاعتراف باللهجة القبائلية لغة رسمية للجزائر، ثم أسس مولود معمري عام 1982مركز الدراسات والبحوث الأمازيغية بباريس ومجلة "أوال" (الكلمة).
    ومع كثرة هذه التنظيمات التي تزعم الدفاع عن الهوية والتاريخ والثقافة، إلا أنها لم تبذل أي جهد لجمع التراث البربري وتدوينه، وإنما اقتصرت فقط على محاربة العربية والإسلام، والمتاجرة بالهوية البربرية لأغراض سياسية بعيدة كل البعد عن الثقافة ومعانيها، وهي من غير شك لن تجرأ أبدا على إظهار التراث البربري المكتوب الشفهي بقصصه وأمثاله وأشعاره لأنه سوف يكون في غير صالحها بل سيفضحها ويعريها، لأنه تراث يمجد الإسلام والعربية، ولأنه تاريخ يؤكد اتحاد الثقافة العربية والبربرية وامتزاج الدماء العربي والبربري في نصرة الإسلام ونشر الإسلام والدفاع عن الإسلام.
    وهكذا نصل في آخر هذه الرحلة التاريخية إلى ملاحظة اقتران هذه النزعة العنصرية بالعداء للإسلام والعربية، وبموالاة الفرنسيين المستعمرين وتبني الشيوعية أو العلمانية، وهي لا تزال كذلك إلى يومنا هذا، نسأل الله تعالى أن يجعل كيد الخائنين في نحورهم وتدميرهم في تدبيرهم.

أهم المراجع
-أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر لأبي القاسم سعد الله الجزء الرابع والخامس
-فرنسا والأطروحة البربرية في الجزائر لأحمد بن نعمان
-جبهة التحرير الوطني الأسطورة والواقع لمحمد حربي
-جريدة البصائر

-روح الاستقلال لآيت أحمد حسين
-مقالات أخرى متفرقة في الشبكة العنكبوتية.


 

الأحد, 04 نيسان/أبريل 2010 12:54

   في يوم 2 أفريل 2005 هلك العلج يوحنا بولس الثاني، فتحدث الناس عنه كثيرا عن مناقبه ومثالبه، وعن الحكم عليه وتقويمه، فأثار موته جدلا كبيرا وأسال حبرا كثيرا، واليوم في ذكرى موته أحببت أن أقف مع هذا الرجل وقفة أميط فيها اللثام حقيقته وعن أهم انجازاته على الإطلاق، فأقول:

 

الإثنين, 29 آذار/مارس 2010 22:50

    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد : فالناس كلهم يعرفون العلامة الألباني  (1914-1999) رحمه الله تعالى محدث الشام ومفتي الأنام وأحد مجددي الدين في هذا القرن، وشيخ رافعي لواء الإصلاح والعودة إلى السنة في هذا الزمان، كل الناس يعرفه بمصنفاته الحديثية والفقهية، وبأشرطته العلمية التي ملأت الدنيا، كما يعرفونه بمواقفه الشرعية الشجاعة في قضايا الأمة المصيرية، ولكن ثمة جوانب منسية من حياة هذا العلم الشامخ، قد نُسيت أو لا يعرفها كثير من الناس، منها ما أردنا الإشادة به في هذه المقالة: وهو مشاركته في الكتابة على صفحات الجرائد والمجلات، التي تعتبر بداية بروزه إلى الأمة في نطاق واسع اخترق بلد إقامته الشام، ووسع بها دائرة دعوته وخاطب من خلالها مختلف فئات الناس وطبقاتهم.

 

الأحد, 21 شباط/فبراير 2010 13:59

   إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد: فهذه ترجمة للشيخ أبي يعلى الزواوي رحمه الله تعالى كنت قد اختصرتها من بحث مطول حول شخصه وفكره الإصلاحي وعجَّلت بنشرتها في صفحات جريدة البصائر الأسبوعية ، وذلك بقصد التعريف به أولا ولتوجيه نداء لمن عرفه عن قرب أن يكتب عنه وأن يساهم في التعريف به ثانيا، خاصة أن جوانب كثيرة من حياته لا تزال غير معروفة، وأن مؤلفاته أكثرها يجهل مصيره والمطبوع منها قلَّ من يمتلكه، فوجهت فيه دعوة إلى إظهار آثاره وإعادة طبعها، ولا سيما تلك التي تعالج قضايا لا تزال مطروحة إلى يومنا هذا، ونقلت فيها قول أحد الفضلاء حيث قال :" وإننا ندعو أهل الشيخ أبي يعلى وذويه وأقربائه والمطلعين على آثاره أن لا يجمِّدوا هذا التراث العظيم الذي خلفه الفقيد الجليل ، لأنه تراث لا يقبل التحنيط، وللمكتبة العربية الحق في أن تمتلك هذه الأسفار وللناس الذين لا يعرفون المؤلف ألف حق في الإطلاع عليها …فهل من مجيب ؟". وقد اقترح علي من اطلع على تلك الترجمة المختصرة أن أنشرها بين الشباب خدمة للدعوة ونصرة للحق وأهله فلم أمانع في ذلك وهيئتها بعد تغيير مقدمتها وإضافة يسيرة في مضمونها، ونسأل الله تعالى أن ينفع بها وأن يوفقنا للإخلاص في القول والعمل.

 

الإثنين, 22 شباط/فبراير 2010 09:06

إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد: فإن الشيخ العقبي علم من أعلام الجزائر وواحد من أكبر علمائها وأشهر دعاتها، ورمز من رموز الدعوة السلفية فيها، وذلك بشهادة أنصاره ومحبيه وباعتراف أعدائه ومخالفيه، ومع كونه كذلك فإننا وجدناه قد أُخمد ذكره ولم يجد من يهتم بآثاره فيجمعها وبأفكاره فيجليها وينشرها، فما سأقوم به في هذه الأسطر ما هو إلا محاولةُ جمعٍ لما تفرق من أخباره، وتذكيرٌ ببعض فضله، وإشارةٌ إلى أهم أصول دعوته .

 

الثلاثاء, 23 شباط/فبراير 2010 00:00

خطبة جمعة ألقيت في 7 نوفمبر 2008 بمسجد عمر بن الخطاب بالرايس حميدو.الجزائر العاصمة

أما بعد : فحديثنا اليوم إليكم أيها المؤمنون السادة حديث على غير العادة، إنه حديث في السياسة والجهاد، وحديث عن النضال الذي به تحررت هذه البلاد، وإنها لفرصة لنفضح فيها الشيوعيين المفاليس والعلمانيين الذين لا تزال تسوقهم حكومة باريس، وهم من حين إلى آخر يكتبون ما يطعنون به في جمعية العلماء وابن باديس.

 

الأحد, 21 شباط/فبراير 2010 14:08

(نشر في البصائر خلال عام 2001)

ما الذي يجري في كشمير ؟ وما حقيقة الصراع هناك ؟ وإنّه من عجائب هذه الدنيا أن يُعَدَّ الجهاد من أجل العقيدة إرهابا ! ومن غرائبها أن يُجعل النضال من أجل الحرية تمردا ! ويزداد الأمر عجبا وغرابة إذا صدر من لسان مسلم وأن يخطه قلم عربي ، وربما زال كثير من العجب إذا تذكرنا أن المسلمين أصبحوا يجترون كل شيء آتٍ من الغرب فلم يكفهم الغزو الفكري، حتى أصبحوا يعيدون الأخبار الآتية من الغرب بمعانيها وبمصطلحاتها دون تبيُّن أو تمحيص

 

الأحد, 21 شباط/فبراير 2010 13:29

    إنّ علم التاريخ والسير من العلوم التي ينبغي لطالب العلم الاعتناء بها، العلم الذي فيه محصّلة تجارب الرجال، وخلاصة أعمال الفحول الأبطال، وقد كان بعض السلف يفضله على كثير من أنواع العلم، لأنه يوجد فيه من الفوائد ما لا يوجد في غيره، ومن ذلك أننا نجد فيه العقيدةَ مواقفَ عملية، ونرى فيها الأخلاقَ مناقبَ مثالية، وإن كانت للعلم الصحيح مصادره وللمنهج القويم مناهله، فإنه ليس لفقه الدعوة وتفسير الواقع مصدر أصفى وأصح من تاريخ الأمم وسير الأعلام، قال ابن الأثير وهو يعدد فوائد علم التاريخ: "ومنها ما يحصل للإنسان من التجارب والمعرفة بالحوادث وما تصير إليه عواقبها، فإنه لا يحدث أمر إلا قد تقدم هو أو نظيره، فيزداد بذلك عقلا، ويصبح لأن يقتدى به أهلا " فلا شك أن من شرط نجاح الدعوة إلى الله التسلح بالعلم الصحيح مع التزام المنهج النبوي، وإن مما يلزم أيضا للقيام بها على أكمل وجه قوة الشخصية والصلابة في المواقف مع فقه الدعوة، ولا طريق إلى تحصيل هذه الأخيرة إلا طريق مجالسة هؤلاء الصالحين المصلحين بمدارسة سِيَرهم والوقوف عند مآثرهم.

  وقد أحببت أن ألج هذا الباب بذكر بعض المواقف البطولية للعلامة ابن باديس رحمه الله تعالى مواقف كثيرة منها ما هو معروف ومشهور ومنها ما مجهول مغمور، وقد انتخبت منها خمسة مواقف نحسبها من أعظم مواقفه رحمه الله .

 

الأحد, 21 شباط/فبراير 2010 11:41

   إنه الحاج عمر وما أدراك من هو الحاج عمر؟ إنه الموسيو "ليون روش" صاحب كتاب "اثنان وثلاثون سنة في الإسلام" الصادر عام 1884م ، إنه الجاسوس البارع الذي دخل الجزائر سنة 1932م، وأرسله المارشال "بوجو" ليكون عينا له عند الأمير عبد القادر، إنه الرجل الذي ضرب الجهاد الإسلامي ضد المستعمر في الصميم، وكان من أعظم أسباب عدم نجاحه، إنه المنافق الذي ادعى الإسلام واندس في صفوف المسلمين، وصار بسرعة فائقة من المقربين من القائد الأعلى للقوات الإسلامية المدافعة عن حمى الجزائر الأمير عبد القادر.

الجمعة, 24 كانون2/يناير 2014 10:49

المبحث الثالث : علم الله تعالى وقدرته

   ومن الأسس الاعتقادية المهمة التي يجب تلقينها للطفل منذ نعومة أظفاره، والتي لها الأثر البالغ في سلوكه وأخلاقه، وفي إرشاده إلى توحيد الله وعبادته؛ صفات المولى عز وجل الدالة على جلاله وعظمته كصفة الإرادة والمحبة والقدرة والرحمة والعلم والحكمة ونحو ذلك.

   وسنتحدث في هذا المبحث عن صفتين عظيمتين من صفات المولى عز وجل، من الصفات التي لا يجوز للمسلم أن يجهلها وهي علم الله تعالى وقدرته، علمه الشامل لكل الموجودات بحيث لا يغيب عنه شيء، وقدرته التي شملت كل مقدور بحيث لا يعجزه شيء، وقد أشار إليهما لقمان المربي الحكيم في وصيته لابنه إذ قال: ] يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [ (لقمان:16) ففي هذه الآية دلالة على الصفتين؛ صفة العلم الشامل بحيث لا يغيب عن علم الله تعالى أدق الأمور حتى لو كان "حبة خردل"، وقد ختم الله تعالى باسمين يدلان على معنى العلم بالخفايا والدقائق وهما "اللطيف" و"الخبير"، وفي الآية أيضا دلالة على صفة القدرة وذلك في قوله تعالى :} يَأْتِ بِهَا اللَّهُ { بمعنى أنها لا تعجزه.

 

السبت, 18 كانون2/يناير 2014 17:27

المبحث الثاني : الإيمان بالله تعالى

إن أهم عناصر العقيدة الإسلامية هي أركان الإيمان الستة الواردة في حديث جبريل عليه السلام: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وأول هذه الأركان وأساسها وأولاها بالاهتمام الإيمان بالله تعالى، الذي يتضمن الإيمان بوجوده وتوحيده في صفاته وأفعاله وألوهيته، فهو سبحانه الخالق لا خالق غيره وهو مدبر الكون كله لا يشاركه في ذلك أحد، وهو المستحق للعبادات كلها ظاهرها وباطنها.

 

الإثنين, 14 تشرين1/أكتوير 2013 12:04

الفصل الرابع : التربية العقدية

   في هذا الفصل نتطرق إلى أهم موضوع في التربية الإسلامية من حيث مضمونها، وهو التربية العقائدية، لأنه من خلالها يرسم منهاج الولد في الحياة، وبفضلها يقوم سلوكه وأخلاقه، وبحسب تحققها تكون سعادته في الدنيا وفلاحه في الآخرة، وقد حمل النبي صلى الله عليه وسلمالآباء صراحة مسؤولية هذه التربية فقال:« مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ»([1])، بل نص القرآن قبل ذلك يشير إلى هذا إذا قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحريم:6)، فعلى الآباء أن يقوموا بواجب هذه الوقاية أحسن قيام وأن يورثوا أولادهم الإسلام الصحيح المبني على العقائد التي جاء بها القرآن والسنة، وأن يحذروا من الاكتفاء بما يسمى الإسلام الوراثي الذي لا يحمى الولد من الانحراف ولا يقيه من فقدان هويته.

الإثنين, 19 آب/أغسطس 2013 15:29

المبحث الثامن : التربية العاطفية

    تحتل العاطفة مساحة واسعة في نفس الطفل الناشئ، ولها دور كبير في تكوينه وبناء شخصيته، فإن روعيت هذه الناحية في مراحل نموها نشأ إنسانا سويا ومتزنا، وإن أخل المربون بها وبقواعدها زيادة ونقصانا أدى ذلك لا محالة إلى اختلال في سلوك الطفل وطريقة تفكيره، وربما كون له ما يسمى بالعقد النفسية ([1]).

   ومسؤولية هذه الرعاية تقع على الوالدين أساسا قبل غيرهما، ولابد للآباء أن يعلموا أن العلاقة بينهم وبين أولادهم ليست علاقة عسكرية، علاقة أوامر ونواهي جافة لا رحمة فيها ولا شفقة، ولابد أن يعلموا أن الطفل يحتاج إلى الحب والحنان في المراحل الأولى من ولادته، ويظل محتاجا إلى ذلك طول مدة طفولته.

الإثنين, 21 تشرين2/نوفمبر 2011 15:44

المبحث السادس : حق الكسوة

    من حقوق الطفل الواجبة على الآباء حق الكسوة، وقد قال تعالى : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (البقرة:233)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:« مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([1]). وللباس الأثر البالغ في تكوين شخصية الطفل ونفسيته، بل وفي توجيه أخلاقه وعقيدته، لذلك ينبغي يُولى من المربين عناية خاصة وأن تراعى فيه الضوابط الشرعية.

 

الأربعاء, 19 تشرين1/أكتوير 2011 14:30

المبحث الخامس : حق الرعاية الصحية

  

   من حقوق الأولاد المادية للطفل حق الرعاية الصحية، الذي تدخل بعض معانيه ضمن حق التغذية ، بل ضمن حقهم في الحياة، والرعاية الصحية تتضمن جانب الوقاية وجانب العلاج، وتتضمن جانب العلاج المادي البدني ، كما تتضمن جانب العلاج الروحي النفسي.

 

الأحد, 10 تموز/يوليو 2011 12:05

المبحث الرابع : حق التغذية

  من أهم حقوق الطفل المادية حق التغذية والإطعام، وهو من الحقوق الظاهرة البينة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ»([1])، أي كفى المرء إثما تضييعه لمن يلزمه قوته، سواء كان ذلك بأن يترك التسبب في طلب الرزق لهم، أو بأن يكون ذا مال فيشح عليهم ويقتر، أو بأن ينفق ويتصدق على الأبعدين ويترك الأقربين ممن تلزمه النفقة عليهم.

 
الإثنين, 16 أيار 2011 16:18

المبحث الثالث : حق الاسم الحسن

   رأينا فيما مضي أن من حقوق الطفل أن يسمى، وأن يسمى بالاسم الحسن الذي يجيزه الشرع ويرضى به الولد، ويدل على معاني صحيحة ونبيلة، وقد تَحدَّث العلماء عن التسمية وأحكامها، وبيَّنوا ما يجوز منها وما لا يجوز؛ كما شرحوا أثر الاسم على شخصية الولد وسلوكه وأخلاقه.

 

الخميس, 14 نيسان/أبريل 2011 19:01

المبحث الثاني : حقوق المولود إثر الولادة

   إن حقوق المولود كثيرة منها ما يكون قبل ولادته كما رأينا ، ومنها ما يكون إثر ولادته ، وفي الأيام الأولى منها ، وفي هذا المبحث حديث مختصر عن أهم هذه الحقوق .

المطلب الأول : الدعاء للمولود ورقيته

   من حقوق المولود المشروعة الدعاء له بالبركة والصلاح والحفظ من الشيطان، وكذا رقيته من العين ونحوها، من هذا الباب ما أثر عن عمر بن عبد العزيز أنه كان إذا ولد له مولود أذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى، كما أن لذلك فوائد أخرى بينها ابن القيم رحمه الله حين قال: « وسر التأذين والله أعلم أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام …وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثره به وإن لم يشعر، مع ما في ذلك من فائدة أخرى، وهي هروب الشيطان من كلمات الأذان، وهو كان يرصد حتى يولد فيقارنه للمحنة التي قدرها الله وشاءها فيسمع شيطانه ما يضعفه ويغيظه أول أوقات تعلقه به، وفيه معنى آخر وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان، كما كانت فطرة التي فطر الناس عليها سابقة على تغيير الشيطان لها ونقله عنها»([1]). وقد سبق أن رأينا أن الولد يتأثر بالقرآن وغيره وهو في بطن أمه فكيف بعد ولادته؟

  وقد ورد في هذا الباب حديث عن أَبِي رَافِعٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلَاةِ ([2])، ولكنه حديث ضعيف لا يعول عليه.

 

الثلاثاء, 29 آذار/مارس 2011 21:20

الفصل الثالث : الحقوق المادية للطفل

   بعد أن فرغنا من الحديث عن أساليب التربية والوسائل المعينة عليها، وقبل أن نتعرض إلى القضايا التربوية ذات الصلة بالعقيدة والأخلاق والفكر التي ينبغي التركيز عليها، نتعرض في هذا الفصل إلى الحقوق المادية للطفل الواجبة والمستحبة، والتي لا تخلو من ارتباط بالقضايا المشار إليها، والتي لا شك أنها عنصر مهم من عناصر التربية الإسلامية.

المبحث الأول : حقوق الطفل قبل الولادة

   إن للطفل حقوقا مادية كثيرة على والديه منها ما يكون بعد الولادة ومنها ما يكون قبلها، ومما يكون قبلها اختيار الأم الصالحة والمربية القدوة، وهذه قد سبق الحديث عنها، ومنها ما يتعلق بصحة الجنين وبحياته ونسبه، وهذا ما سنبينه في هذا المبحث.

 

الخميس, 17 آذار/مارس 2011 09:42

المبحث الثامن : الدعاء وأثره في التربية

 

   إن الدعاء وسيلة من أعظم وسائل التربية، وسيلة سهلة وفي متناول كل أحد وأكثر الناس عنها غافلون، دعاء الله تعالى بأن يصلح الأولاد ويهديهم ويوفقهم لما يحب ويرضى، فعلى الآباء والمربين أن لا يهملوا هذا الأمر مع اتباع الطرق التربوية المشروعة وبعد الاستعانة بكل الوسائل المعينة عليها، فإن القلوب كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء، والله تعالى هو الهادي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فلا بد أولا وقبل شيء من الاستعانة بالله والتوكل عليه في هذا الأمر الخطير "تربية الأولاد"، أقول أولا وقبل كل الوسائل الأخرى ومعها وبعدها، وليس كما هو شأن كثير من الناس لا يرجع إلى الله تعالى والاستعانة به إلا إذا فشل في عمله ومشروعه وتربيته، إذ حينها يتذكر الله تعالى وأن الأمر كله بيده.

 

الأحد, 20 شباط/فبراير 2011 10:00

المبحث السابع : وسائل الإعلام

     من الأمور التي لا مفر منها في الواقع ولا مناص من الحديث عنها: وسائل الإعلام التي أضحى أثرها في التربية جليا سواء من جهة الصلاح أو الفساد، هذه الوسائل التي قد تكون الموجه الأساسي لكثير من الأولاد اليوم؛ وذلك حيث يضيع الآباء والمعلمون واجبهم ويهملون دورهم.

    وقد كنا نود أن يكون تعرضنا إلى وسائل الإعلام باعتبارها من أهم العوامل المعينة على التربية، لكن الواقع يفرض علينا أن نحذر من آفاتها وأن نتحدث عن بعضها باعتبارها وسائل فساد للأخلاق وغزو فكري وعقدي.

   وهذه الوسائل منقسمة إلى وسائل مقروءة ووسائل مسموعة ووسائل سمعية بصرية، وسنتناولها على حسب هذا الترتيب.

 

الأحد, 06 شباط/فبراير 2011 10:44

المبحث السادس: دور المدرسة في التربية

   إن المدرسة تعتبر مقرا أساسيا من مقرات التربية([1])، ومن أهم العوامل المعينة عليها، وإن كانت اليوم-مع الأسف الشديد- لا تؤدي دورها الكبير المنوط بها، ولا تحقق الأهداف النبيلة المعلقة عليها إلا قليلا، ومهما يكن في المدرسة من آفات فإنها مكسب ينبغي للأب والمعلم أن يستغله لأداء واجبه وبث رسالته، وأن يحاول سد النقائص قدر المستطاع، فمن واجب الآباء أن يجتهدوا في تحصيل مصالحها وتكثيرها، وفي تحجيم مفاسدها وتقليلها، إذ لا غنى لأبناء الإسلام عنها، لأن البديل الشرعي عنها غير موجود، إذ الآباء لا يمكنهم -في أكثر الأحوال- أن يعلموا أبناءهم كل ما يحتاجون إليه، والمساجد في أغلبها عاطلة عن أداء دورها التعليمي والتكويني. وبناء على هذا نتحدث عن هذا الموضوع من خلال بيان واجب الآباء ثم واجب المعلمين في المدرسة.

 

السبت, 29 كانون2/يناير 2011 17:29

المبحث الخامس : الصحبة وأثرها في التربية

    اقتضت حكمة الله تعالى في خلقه أن جعل الإنسان ميالاً بطبعه إلى مخالطة الآخرين ومجالستهم والاجتماع بهم، ولهذه والمخالطة والمجالسة أثرها الواضح في فكر الإنسان ومنهجه وسلوكه، وربما كانت سبباً رئيسا في تحديد توجه الإنسان في الدنيا ومصيره في الآخرة، وقد دلَّ على هذا الشرع والعقل والتجربة.

    وقد أخبرنا ربنا عز وجل عن الظالم لنفسه أنه يندم يوم القيامة ويأسف أشد الأسف لمصاحبته من ضل وانحرف فكان سبباً في ضلاله وانحرافه، فقال سبحانه: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً) (الفرقان:27-29).

 

تربية الأولاد في الإسلام