طباعة
الأربعاء 12 رجب 1431

المنافسات الرياضية من المعوقات الفكرية

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

خطبة جمعة في مسجد السنة بباب الوادي يوم 20 جمادى الآخرة 1420هـ الموافق لـ 4 جوان 1999م

(صادفت مظاهرات نهاية البطولة) 

   إن الحمد لله محمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى قوله الحق ومن أصدق من الله قيلا: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)  [الكهف/29] وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وتركها على الواضحة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، ولم يترك شيئا يقرب من الجنة إلا بينه لها، ولم يترك شيئا يقرب من النار إلا نهاها عنه.

  

المنافسات الرياضية من المعوقات الفكرية

    أيها الإخوة في الله، تحدثنا في خطب سابقة عن نعمة العقل التي أنعم الله بها على عباده وكيف المحافظة عليها، وكيف صيانتها، وتحدثنا آخرا عن أحد المعوقات الفكرية المعطلة لهذه النعمة، وهي التقليد الأعمى ومنه تقليد الكفار والفجار في عاداتهم وأخلاقهم.

    والمعوقات الفكرية أو المخدرات التي تجعل الناس في غفلة في هذا الزمان كثيرة ، ومنها ما سمي كذا وزورا سياسة وفنا ورياضة.

    ولنتحدث اليوم عن أحدها وهو الرياضة، ولنتنبه إلى أن المقصود هو المنافسات الرسمية وما يصحبها من آثار على أيد من سمي بالأنصار والجماهير الرياضية وليس عن ممارسة الرياضة .

إن هذه الجماهير التي تسمى رياضية !!

-قبل أن يضيعوا دينهم قد أضاعوا عقولهم ، إنهم يفرحون ثم إنهم يحزنون ، يقولون ربحنا ثم يقولون خسرنا، وإذا قيل لأحدهم ما هو الشيء الذي لم يكن عندك ثم صار إليك حتى تقول ربحت، وما هو الشيء كان في حوزتك ثم افتقدته حتى تقول خسرت ، لا يجد ما يقول.

إن الفوز الحقيقي هو الفوز يوم القيامة (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور/52].

وإن الخسارة الحقيقية هي الخسارة يوم القيامة (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الزمر/15].

-إن هذه الجماهير تحتفل وكأنها حررت القدس الأسير أو استرجعت الأندلس السليب أو بشرت بالجنة، ولكن صدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ قال :" بلى أهل ذلك الزمان ليس لهم عقول"(رواه أحمد).

-إن هؤلاء الجماهير لا يعرفون النعمة ولا يشكرونها، وما أسرع النسيان على قلب الإنسان ، أولا يذكرون أياما كان أحدهم لا يستطيع أن يطل من شرفة بيته ، ألا يذكرون أياما استولى فيها الرعب والخوف على قلوبهم، إنه إذا كان الذي يحبسهم عن الفسوق والفجور الغناء هو الرعب والخوف فليس ذلك على الله بعزيز ، (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ  [النحل/112].

-إن هؤلاء الجماهير الآن أسرى؛ قد وقعوا في حبائل اليهود الذين خططوا لصرف الناس عن التفكير في واقعهم ومصالحهم وقضايا أمتهم وفي آخرتهم، كما جاء مصرحا به في بروتوكولات خبثائهم :"ولكي تبقى الجماهير في ضلال لا تدري ما وراءها ولا ما يراد بها ، فإننا نستعمل على زيادة صرف أذهانها بإنشاء وسائل المباهج والمسليات والألعاب الفكهة وضروب وأشكال الرياضة واللهو، ما به الغذاء لملذاتها وشهواتها ... والإكثار من القصور المزوقة والمباني المزركشة، ثم نجعل الصحف تدعوا إلى مباريات فنية رياضية من كل جنس فتتوجه أذهانها إلى هذه الأمور ن وتنصرف عما هيئناه، فنمضي به حيث نريد فيسلم موقفنا".

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

 

   الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين أما بعد:

   فإن الله تعالى كرم بني آدم بعقولهم والناس يأبون إلا التشبه بالحيوانات بالأشكال التي يضعونها على وجوههم ورؤوسهم وبرفعهم لأصواتهم بلا معنى، والله تعالى يقول : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان/19].

   وإن الله تعالى جعل لهم الليل سكنا وهم يجعلونهم للفوضى والفساد والعصيان وأذى المؤمنين والجيران، ونبينا صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن رفع الصوت بالقرآن إذا كان يؤذي غيرنا، فكيف بهذه الأصوات المنكرة والأبواق التي لا تقف طول الليل.

    الله تعالى كرمهم بالعقل وكرمهم بالإيمان لكنهم بسبب الكرة يضيعون الصلاة التي هي عمود الإسلام، والله تعالى أعزهم بالإسلام وهم يأبون إلا الذلة برفعهم لأعلام الدول الكافرة وتقليدهم لأنصار الأندية الكافرة.

    وإن الله تعالى قد أنعم علينا بنعمة العمر والوقت وسوف يحاسبنا عليها فيما يحاسبنا عليه من النعم، ولكننا نبذر هذه الأوقات فيما يضر ولا ينفع ، وقد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول :"نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس"، أعطوا وقتا كثيرا وعملوا فيه عملا قليلا فهم مغبونون يوم القيامة .

    وإن الله تعالى أنعم علينا بأموال واستخلفنا فيها ليحاسبنا عليها، والعقلاء لو كانوا لا يؤمنون بالله تعالى يحرصون عليه ولا يضيعونها فيما لا يدر عليهم نفعا ، ولكننا بلغنا في السفاهة حدا يوجب علينا الحجر نظرا للأموال التي تصرف على هذه المنافسات وما يتبعها من احتفالات.

    وقد تدرج الشيطان بالناس حتى صاروا يجعلون من مناسبات فوز فرقهم فرصة للمجاهرة بالمعاصي من غناء ورقص وتعري وشرب للمسكرات، وإن الناظر في حال هذه الجماهير ليتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم :"لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمْ اللَّهُ وَيَضَعُ الْعَلَمَ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (رواه البخاري).

   ألا يتذكر هؤلاء بخروجهم هذا خروجا آخر :

-يوم الخروج، يوم يقوم الناس لرب العالمين، يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا ذلك اليوم المشهود ، (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [آل عمران/25]

-يوم تزلزل الأرض زلزالها، فيصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم.

-يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.

-(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) [آل عمران/30].

-(يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) [الشعراء/88، 89]

-(يوم الحسرة إذ قضي الأمر، وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا )[الفرقان/27]

    فاللهم اهدنا فيما هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يعز من عاديت ولا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالين.

 

   

 

تم قراءة المقال 6086 مرة