الجمعة 23 ذو الحجة 1443

2-مدخل في بيان معنى الإيمان

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)
مدخل في بيان معنى الإيمان
الإيمان في اللغة هو التصديق والاقرار، وأما في الشرع فله إطلاقان: أحدهما إطلاق خاص، والثاني إطلاق عام.
1-الإطلاق الخاص: وهو أصل الإيمان المتمثل في اعتقاد القلب، ولا تدخل فيه أعمال الجوارح، وهو المقصود في الآيات التي يعطف فيها على الأعمال، كقوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (التين:6)، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره»، فجعل مسمى الإيمان محصورا في أمور قلبية؛ وذلك لما قابله بالإسلام والذي حصره أيضا في العمل الظاهر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية (7/186) :« فإنّ الإيمان أصله الإيمانُ الذي في القلب، ولابد فيه من شيئين: تصديق القلب وإقراره ومعرفته، ولابد فيه من عمل القلب مثل حبّ الله ورسوله، وإخلاص العمل لله وحده، وتوكّل القلب على الله وحده، وغير ذلك من أعمال القلوب؛ التي أوجبها الله ورسوله وجعلها من أعمال الإيمان ».
2-الإطلاق العام: وهو الإيمان الكامل الذي يشمُل اعتقاد القلب وقول اللسان وأعمال الجوارح، ومنه قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (الأنفال:2-4)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «الإيمانُ بضعٌ وسبعون شعبةً، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان » متفق عليه، وهذا الإيمان هو الدين الواجب علينا الالتزام به، والذي يَدخلُ الجنةَ من حقّقه ويسلم من النار، أما الأول -أي الإيمان الخاص- فهو لا ينفي حصول الوعيد، إلا أنه يعصم من الخلود في النار.
ويقال في تعريف الإيمان العام، هو اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، أو هو قول وعمل أي قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح.
حكم من انقص شيئا من الإيمان
من أنقص شيئا من الإيمان الكامل لا يكفرُ ما دام الأصل موجودا، وإنّما يُعتبر ذلك نقصانا من إيمانه، ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أنّ الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ  (الفتح:4)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:« وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» متفق عليه، أي وهو كامل الإيمان، وقال صلى الله عليه وسلم:« لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ» (رواه ابن حبان)، أي لا إيمان كامل له.
ومن الأدلة على أن المقصود نقصان إيمانه لا كفره قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) (الحجرات:9)، فسماهم مؤمنين مع اقتتالهم لعدم فقدانهم أصل الإيمان بعصيانهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة:« ثم يقول أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فيخرجون وقد اسودوا» (متفق عليه)، وهذا في حق العصاة بلا شك؛ وليسوا كفارا لأن الكافر يخلد في جهنم، قال الله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (المائدة 72).
أما من نقضَ أصل الإيمان الذي في القلب فيكفرُ، ويُعلم كفر العبد بالنظر إلى أقواله وأعماله، ومن ذلك: التكذيب العام للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو لبعض ما جاء به، أو الشك في صدقه، وإهانة المصحف، والسجود والركوع للأصنام، ودعاء الجن والأموات، والاستهزاء بالله أو برسوله أو دينه، وقد قال تعالى : (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) (التوبة:65-66)، فهذه الأعمال والأقوال تدلّ على خلو القلب من الإيمان أو على إشراكه بالله تعالى.
تم قراءة المقال 202 مرة