الأحد 21 ذو الحجة 1431

(9) أساليب التربية : التربية بالقدوة الحسنة

كتبه 
قيم الموضوع
(57 أصوات)

المبحث السادس : القدوة الحسنة 

    من أساليب التربية الإسلامية التي دل عليها القرآن والسنة القدوة الحسنة، وهو أسلوب مهم جدا وخطير في الوقت نفسه، لأنه يعني إيصال الخلق الحسن عن طريق السلوك الإيجابي، فإن كان السلوك سلبيا انقلبت القدوة إلى قدوة سيئة، لذلك وجب على المربي أن يراقب سلوكه وأقواله وأفعاله التي يقوم بها أمام الأولاد، كما عليه أن يهتم بتهذيب الوسط الذي يتربى فيه الأولاد لأنه كما يقتدون به يقتدون بغيره.

 

(9) أساليب التربية : التربية بالقدوة الحسنة

 

 أدلة أهمية اعتماد هذا الأسلوب 

   من الأدلة التي تبين أهمية أسلوب القدوة قوله عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21)، فالآية الكريمة بينت لنا المثال الأول الذي ينبغي أن نقتدي به وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه ولا شك كما كان هاديا بقوله كان أيضا هاديا بفعله، فنبغي على المسلم أن يقتدي به في أمر العبادة وقد قال صلى الله عليه وسلم:« صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»([1])، وعليه أن يقتدي به في سلوكه وأخلاقه، وقد قال له عز وجل : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4).

   ومن الأدلة المرشدة إلى أهمية هذه الوسيلة وخطورتها قوله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف:2-3) فإن من حِكَم النهي عن أن يخالف القول العمل إعطاء القدوة الحسنة واجتناب القدوة السيئة، وكذلك لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:« اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا»([2])، رمى إلى مقاصد أظهرها أن يقتدي الأولاد الصغار الذين لا يؤتى بهم إلى المسجد بآبائهم. وكذلك لما قال النبي صلى الله عليه وسلم:« مَنْ قَالَ لِصَبِيٍّ تَعَالَ هَاكَ ثُمَّ لَمْ يُعْطِهِ فَهِيَ كَذْبَةٌ»([3])، فقد عنى بالنهي أشياء منها التحذير من القدوة السيئة. 

    ولأهمية موضوع الاقتداء فقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم من هم أولى أن يقتدى به بعده فذكر خلفاءه وأفضل أصحابه أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. صلى الله عليه وسلم :« اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ»([4]).

آثار سلوك المربي في التربية

    وقد جاء في السنة النبوية ما بين تأثير القدوة في السلوك ، ومن ذلك قصة ابن عباس رضي الله عنهما لما قام الليل مع النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ ([5])، فهذا ابن عباس وهو غلام بمجرد أن رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وقام للصلاة قام هو أيضا من غير أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بشيء وتوضأ وصلى معه ، وفي قوله:" فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ" تأكيد على قضية الاقتداء.

   قد روى لنا جرير بن عبد الله رضي الله عنه قصة فيها توقيعٌ نبوي على صحة وأهمية هذا الأسلوب وترغيبٌ فيه ليس بعده ترغيب ، ذلك أن ممن هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من مضر، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم ما بهم من فاقة فخطب في الناس بعد صلاة من الصلوات وقرأ قوله تعالى : (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ) (الحشر:18) ثم قال :« تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ حَتَّى قَالَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ قَالَ جرير فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ قَالَ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ»([6]).

دواعي الاقتداء

   إن الإقتداء في الإنسان فطرة وجبلة، غذ إنه يولد جاهلا لا يعلم شيئا ثم يشرع في تعلُّم ما يراه وما يسمعه شيئا فشيئا، ومثله كمثل الأرض العطشى التي تريد الري، لذلك نجد الطفل يراقب سلوك الكبار ويكتشف ويقتدي بعد ذلك مباشرة، ومنه يعلم أن الإقتداء هو الطريق الأول والسابق للتلقي، ويؤكد ذلك سلوك الطفل الصغير حين يشرع في التكلم، فهو يكرِّر من الكلام ما يسمع سواء فهمه أو لم يفهمه، ويقلد والديه أو من يكبره من إخوته في أفعالهم وحركاتهم، وإذا مثلنا للإقتداء بالصغار جدا فلظهوره فيهم لا لأنه خاص بهم وإلا فهو عام للكبار أيضا، وقد قال العلماء منذ القديم:« إن الطبع لص »، وفرَّعوا على ذلك أن مجرَّد المخالطة داعية إلى الاقتداء ولو من غير قصد أو شعور.

وإن من طبيعة البشر وفطرتهم التي فطرهم الله عليها: أن يتأثروا بالمحاكاة والقدوة، أكثر مما يتأثرون بالقراءة والسماع، ولاسيما في الأمور العملية، وهذا التأثير فطري لا شعوري في كثير من الأحيان ثم إنه ثمة دواع تقوي دافع الاقتداء في الناس لا بد من التنبه لها .

1-منها المحبة، وقد قال الله تعالى في آية الامتحان : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31).

2-ومنها اعتقاد الكمال والأفضلية في الشخص المقلَّد .

3-ومنها القهر والغلبة، وهذا قرره واضع علم الاجتماع ابن خلدون وجعله قاعدة مطردة بين الدول الغالبة والمغلوبة -والتاريخ والواقع يصدقانه-، وصدق هذا لا يختص بالدول والشعوب بل يتعدى إلى الأفراد.

4-ومنها الغبطة بمعنى المنافسة في الخير، وإلى هذا السبب جاءت الإشارة في حديث جرير السابق.

وهذه الدواعي كلها موجودة بين المتعلم ومعلمه أو الولد ووالده وإن كان أرجحها وأقواها هو الأول والثاني أي دافع المحبة واعتقاد الكمال والأفضلية.

"إذ يعتقد الطفل وخاصة في سنواته الأولى أن كل ما يفعله الكبار صحيح وأن آباءهم أكمل الناس وأفضلهم فهم يقلدونهم ويقتدون بهم، ويبدأ عند الطفل عادة منذ السنة الثانية تقريبا ويبلغ التقليد غايته في سن الخامسة أو السادسة ويستمر معتدلا حتى الطفولة المتأخرة"([7]).

منزلة التربية بالقدوة

   إن أسلوب التربية بالقدوة قد يكون أسلوبا أصليا مستقلا بذاته في إيصال كثير من الأخلاق ، وقد يكون مكملا للوسائل الأخرى ومؤيدا لها، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بالإفطار في رمضان يوم الفتح فتردد بعض الناس، فدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ([8])، فجمع بين القول والفعل، والجمع بين الأمرين مهم جدا، فهل يصلح يا ترى أن يأمر الوالد ابنه بالصلاة وهو يراه يتهاون في شأنها ويؤخرها عن وقتها، أو أن ينهاه عن التدخين وهو يراه ملازما له، وهل ينفع أن يأمره بالصدق وهو يراه يكذب، فلا بد للمربي إذا أمر بفضيلة أن يكون سباقا إلى التحلي بها وإذا نهى عن رذيلة فلا بد أن يحذر من اقترافها.

   والمرة واحدة من القدوة السيئة تكفي، لتقضي على الخلق الحسن والفضيلة ، فلو أن الطفل رأى أمه تكذب على أبيه، وأباه يكذب على أمه، أو أحدهما يكذب على الجيران مرة واحدة فذلك يكفي لتحطيم قيمة الصدق في نفسه، ولو تليت عليه المواعظ ليلا ونهارا في فضيلة الصدق.

   إن التربية بالقدوة قد تكون أبلغ من التعليم والترغيب والترهيب وغيرها من الوسائل ، لأن الأخذ بالشيء عمليًا والتمسك به أكثر إقناعًا للمتعلم من الحديث عنه والثناء عليه، فمجرد العمل بالخير، يحصل قناعة عند الولد بصلاحية هذا الخير، وهذا واقع مشاهد في حياة الناس، وقد أكد على هذا علماء الإسلام منذ القديم ونقلوا وصية عمرو بن عتبة لمؤدب أولاده: «ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت»([9]).

فالطفل ابتداء من السنة السادسة من عمره تقريبا يمكن أن يحدد مدى التزام أهله ومعلميه بالتوجيهات التي يأمرونه بها، فالتلقين لا يثمر مع الولد وإن استعملت معه جميع أنواع ووسائل التربية إن لم توجد القدوة الصالحة التي تكون بمثابة ترجمة عملية للمعاني المجردة([10]).

صفات القدوة الحسنة

    وبعد كل هذا أيها المربي يجب عليك أن تكون قدوة حسنة ، بأن تكون صالحا ومتخلقا يوافق قولك عملك، أن تكون صالحا بالإيمان الصحيح والدوام على العبادة وإخلاص العمل لله تعالى، وأن تكون متخلقا وأبواب حسن الخلق واسعة وأهمها الحلم وترك الغضب، الرفق والأناة، الرحمة والصبر، والصدق في الكلام والتواضع، وأهم المهم موافقة القول للعمل، فلا تنهى عن شيء ثم تأتيه، وتذكر أيها المربي قول النبي صلى الله عليه وسلم:« يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ»([11]).

من شرط المعلم أن يكون قدوة

    والكلام عن المربي القدوة لا ينحصر في الوالدين بل يتعدى إلى المعلمين في مختلف مراحل التعليم ، وقد نص علماؤنا على أن من شرط المعلم أن يكون قدوة حسنة لغيره بسلوكه وبأن يوافق قوله وعمله، واستدلوا على ذلك بأن الله تعالى لم يرسل النبي صلى الله عليه وسلم معلما وهاديا حتى أعدَّه لذلك، فكان قدوة في أخلاقه قبل البعثة إذ عرف بالصادق الأمين وكذلك كان بعدها إذ كان خلقه القرآن كما قالت عائشة رضي الله عنها.

    والرسول صلى الله عليه وسلم أيضا لما بعث البعوث واستناب من استناب راعى في مبعوثيه ونوابه إضافة إلى العلم أمورا أخرى تجعل قولهم مقبولا وخبرهم مصدقا عند من أرسل إليهم، قال الشافعي :« ولم يكن رسول الله ليبعث واحدا إلا والحجة قائمة بخبره على من بعثه إليه إن شاء الله »([12]).

    لذلك رأيت أن أخص المعلمين بهذه التذكرة في باب القدوة، وأول ما ننقلهم هذه النصيحة من العلامة الشيخ البشير الإبراهيمي في مرشدة المعلمين إذ يقول مخاطبا المعلمين :«كونوا لتلاميذكم قدوة صالحة في الأعمال والأحوال والأقوال ، لا يرون منكم إلا الصالح من الأعمال والأحوال ولا يسمعون منكم إلا الصادق من الأقوال ، وإن الكذب في الأحوال أضر على صاحبه وعلى الأمة به من الكذب في الأقوال، فالأقوال الكاذبة قد يحترز منها وأما الأحوال الكاذبة فلا يمكن منها الاحتراز»([13]).

   وبعد هذه الوصية النافعة نذكر ملخصا مما ورد في كتاب "أدب الإملاء والاستملاء" للإمام عبد الكريم بن محمد السمعاني المتوفى (562هـ) من آداب المعلمين ، وقد جعلها المصنف رحمه الله قسمين، الأول في الآداب الشكلية ( قواعد وتنظيمات). والثاني في قواعد التدريس (أو المنهج ).

   والذي يتعلق بالقدوة هو القسم الأول وهو يتضمن عدة نقط منها:

1-المظهر الخارجي للأستاذ من حسن الهندام أو المظهر اللائق، فاستحب أن يكون حال التدريس على أكمل هيئة وأفضل زينة، وذكر أشياء ترجع إلى النظافة كالسواك وتقليم الأظافر وغيرها من الأمور التي فصل ذكرها.

2-ومنها طريقه إلى التدريس، فذكر أنه من واجبه أن يقتصد في مشيه وأن يبتدئ بالسلام لمن لقيه من المسلمين، بل ويُطلب منه أن يعم السلام كافة المسلمين حتى الصبيان البالغين ، فذلك أفضل له ولسمعته، وذاك مما يزيد في مقامه ويُعِدُّ الناس للإقتداء به.

3-وذكر قواعد الدخول ووضعية الجلوس ، فإذا وصل إلى المجلس فليمنع من كان جالسا من القيام له لأن الفرح بذلك من آفات النفس، وأيد ذلك بحديثين ثابتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك يوصي ابن السمعاني المعلم بأن يصلي ركعتين قبل جلوسه وأن يجلس لدرسه وعليه الحشمة والوقار .

4-وذكر قواعد في التعامل مع الطلبة ، منها أن يستعمل لطيف الخطاب مع التلاميذ فيتجنب النهر أو الاستصغار، كما عليه أن يعين مواعيد الدرس وأن يكون أول من يلتزم بالحضور ([14]).

وقد ذكر ابن السمعاني أشياء أخرى تعليمنا اليوم قد ابتعد عنها بعد السماء عن الأرض، فلم أر كبير فائدة في ذكرها، إذ كل ما أقصده بهذا التلخيص بيان ضرورة أن يكون المعلم ذا أخلاق حسنة صالحا وأن يكون قدوة لغيره، ثم الدلالة إلى أن علماء الإسلام قد اهتموا منذ القديم بالمسائل التربوية وطرق التعليم ومناهجه([15]).

نصيحة عزيزة للمعلمين

   ونختم هذا الحديث بهذه الوصية الجامعة من الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله إذ قال: «أعيذكم بالله يا أبنائي المعلمين أن تجعلوا كل اعتمادكم في تربية الصغار على البرامج والكتب ، فإن النظم الآلية لا تبني عالما ولا تكون أمة ولا تجدد حياة، وإنما هي ضوابط وأعلام ترشد إلى الغاية وتعين على الوصول إليها من طريق قاصد وعلى نهج سوي ، أما العمدة الحقيقية في الوصول إلى الغاية من التربية فهي ما يفيض من نفوسكم على نفوس تلاميذكم الناشئين من أخلاق طاهرة قويمة يحتذونكم فيها ويقتبسونها منكم ، وما تبثونه في أرواحهم من قوة وعزم، وفي أفكارهم من إصابة وتسديد وفي نزاعاتهم من إصلاح وتقويم وفي ألسنتهم من إفصاح وإبانة، وكل هذا مما لا تغني فيه البرامج غناء ، ولو كانت البرامج تكفي في التربية لكان كل عالم مربيا ولكن الواقع خلاف هذا»([16]).

واقـع مؤلـم

    إن واقع المسلمين اليوم يدعونا إلى البكاء والنحيب سواء في البيوت أو المدارس، فأما البيوت فقد نجد بعض العذر للأولياء من جهة فشو الجهل فيهم، ولكن أين عذر المعلمين (ولا أقصد كل المعلمين طبعا) وإننا نسمع كل مرة التساؤل عن أسباب فشل المدرسة، رغم أن الأمور عند المنصفين واضحة بينة، وإنه كلما أراد المصلحون القيام بخطوة نحو التعديل الإيجابي، تتدخل الأيادي الأثيمة بالتعليلات الباطلة والتأويلات المفضوحة بغية تمرير المشاريع التغريبية وضرب دين الإسلام ولغة القرآن، والمتأمل في الواقع قد يهتدي إلى أن من أهم أسباب الفشل الحقيقية ، ليست اللغة العربية أو مادة التربية الإسلامية، وإنما هم المعلمون ولا أتحدث في هذا الموضع عن المستوى العلمي أو الشعور بحجم الرسالة التي يتحملها المعلم، ولكن أتكلم عن الأخلاق والسلوك، إذ كيف يتعلم التلميذ ممن يراها كاسية عارية؟! كيف يتعلم ممن جعلت بتصرفاتها عرضها هدفا لكل قائل؟! كيف يتعلم التلميذ من أستاذ إذا غضب شتم وتلفظ بقبيح الكلام وربما سب دين الله تعالى؟! بل كيف يتعلم وماذا يتعلم من معلم مهمل مضيع للوقت مكثر من الكلام فيما لا ينفع، ويشاهد التلاميذ كل يوم مظاهر الانحراف في سلوكه؟! ولا أحب الاستطراد في وصف هذه الحال، ففيما ذكرت دليل على ما وراءه، وبناء على ما ذُكِر فإن من أول خطوات إصلاح قطاع التربية تطهير القطاع من أمثال من وصفت لا تسليمهم مقاليد الأمور وتكليفهم بالإصلاح وإعطاء الحلول!!!

 

 

 



[1]/ رواه البخاري (631).

[2]/ رواه البخاري (432) ومسلم (777).

[3]/ رواه أحمد (15/520) وصححه شعيب الأرناؤوط على شرط الشيخين.

[4]/ رواه الترمذي (3662) وصححه ابن حبان (6902) والألباني .

[5]/ رواه البخاري (138) ومسلم (763) واللفظ للبخاري.

[6]/ رواه مسلم (1017).

[7]/ مسؤولية الأب المسلم لعدنان حسن صالح (65).

[8]/ رواه مسلم (1114).

[9]/ مسؤولية الأب المسلم لعدنان حسن صالح (66).

[10]/ مسؤولية الأب المسلم لعدنان حسن صالح (67).

[11]/ رواه البخاري (3267) مسلم (2989).

[12]/ الرسالة للشافعي (415).

[13]/ الآثار (2/115).

[14]/ ملخص من دراسة الأستاذ شفيق زيعور في المنهج التربوي عند ابن السمعاني (22-26).

[15]/ ومن تلك المؤلفات النافعة في هذا الباب كتاب وتذكرة العالم والمتعلم لابن جماعة (723هـ) وقد جعل فصلا في أدب المعلم مع طلبته وقسمه إلى أربعة عشر نوعًا، ومنها أيضا رسالة آداب المعلمين لابن سحنون، والرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين لأبي الحسن القابسي ، والجامع لآداب الشيخ وأخلاق السامع للخطيب البغدادي.

[16]/ الآثار (2/111).

تم قراءة المقال 76930 مرة