لثلاثاء 13 صفر 1432

(16) الوسائل المعينة على التربية: الشارع وأثره في التربية

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

المبحث الرابع : الشارع وأثره في التربية

    من الأمور التي لها أثر واضح في تربية الأولاد: "الشارع" أو ما يسمى بالمحيط، ونقصد به في هذا الموضع ما عدا البيت والمسجد والمدرسة، وهو في الغالب الأعم من العوامل المعيقة في التربية لا من العوامل المعينة ، وذلك لكثرة المفاسد الموجودة فيه، من فجور وعري وظلم وسرقة وشرب للخمور إلى غير ذلك من الانحرافات الخلقية والآفات الاجتماعية.

    وإذا كان الشارع كذلك، فهل معنى هذا أننا نمسك أطفالنا في البيوت ونمنعهم من الخروج إليه والبقاء فيه، أم أن الأمر فيه تفصيل ويحتاج إلى ضبط ليس إلا؟

 

(16) الوسائل المعينة على التربية: الشارع وأثره في التربية

 

  إن الشارع وإن كان مليئا بالأخطار والأشرار، فإنه لا يمكن للمربي أن يعزل أولاده عنه، وإذا تمكن من ذلك لم صنيعه في مصلحتهم من الناحية النفسية والاجتماعية، ومما ينبغي أن يعلم أنه إذا قام المربي بدوره كاملا في البيت واستغلت الوسائل المعينة على التربية-كالمدرسة والمسجد- أحسن استغلال، واتُّبِعت الأساليب التربوية التي ذكرنا من قبل، لما استطاع الشارع ومن فيه أن يُفسد خلق الولد وتربيته، لأنه يفترض في الأولاد أن يمضوا أكثر أوقاتهم في البيوت والمدرسة والمسجد، فكيف يؤثر عليهم الشارع الذي لا يبقون فيه إلا سويعات معدودات في الأسبوع؟

   ومنه فإنه كما لا يطلق العنان للأولاد لا ينبغي منعهم من النزول إلى الشارع من أجل الأخطار المتوقعة، لأن المربي مهما حرص على المنع المطلق فلن يقدر عليه، ونزول الابن الذكر إلى الشارع أمر ضروري لتكوين شخصيته حيث يتعرف الناس وعلى الواقع المحيط به، وفي خارج البيت يجد الأولاد المكان الفسيح للهو واللعب والترويح على النفس، فالسلامة من أخطار الشارع  لا تتحقق بمنعهم منه، ولكن بأن يكون نزولهم إليه تحت رقابة المربي ورعايته، لذلك فإنه من واجب الآباء أن يقيدوا أولادهم بضوابط عند خروجهم إلى الشارع من جهة الأوقات التي يخرجون فيها، ومن جهة الألعاب التي يمارسونها، وجهة الأماكن التي يرتادونها، وأيضا من جهة الأصحاب الذين يخالطونهم، وينبغي أن يُعلَّم الطفل كذلك جملة من الآداب المتعلقة بالتعامل مع الكبار والجيران والمخالطة ونحو ذلك.

   وإن من الآباء من يبتغي السلامة فيضيق على أولاده الذكور ويمنعهم من اللعب في الشارع ومن مخالطة أقرانهم بإطلاق، وهو بذلك يسيء إليهم من حيث يريد الإحسان إليهم، لأن في هذا التصرف أخطار كثيرة على نفسية الولد وعلى شخصيته، وربما أدى هذا التضييق الذي يكون غالبا في المراحل الأولى للطفولة إلى الانفلات في مراحل المراهقة؛ خاصة عندما يصبح الطفل يدرس في مدرسة بعيدة عن مكان الإقامة.

   ومن يزعم أنه يحمي أولاده بهذه الطريقة من أخطار الشارع، فهل سيحميهم بها أيضا من الأخطار التي تواجههم في المدرسة وفي الطريق إليها؟ والذي لا يشك فيه عاقل أن خروج الطفل إلى الشارع مع والده وتحت رقابة والده وتوجيهه خير من خروجه لوحده وبعيدا عن توجيهات مربيه.

   وهذا الكلام الذي ذكرنا أكثره يتعلق بالأولاد الذكور، أما البنت فلا بد أن نعلمها أن مكانها الطبيعي هو البيت ولا بد أن نربيها على ذلك، وهذا لا يمنع أن تخرج في صغرها للعب مع بنات الجيران أو رفقة مربيها إلى بعض الأماكن المحترمة للترويح على النفس واللهو المباح.

المطلب الأول : الأوقات

   ينبغي للمربي أن يُعلِّم الولد تعظيم نعمة الوقت، وأن يُعلِّمه الالتزام بالمواعيد، وأن يحذره من تضييع أوقاته وعمره في ما لا يفيد، فيلقنه أن الوقت من أعظم نعم الله تعالى عليه وأنه محاسب عليه، يُحاسب على عمره فيما أمضاه وعن صغره ووقت شبابه فيما أبلاه، أنه ثمة نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ كما ورد في الحديث الصحيح، ويقص عليه شيئا من أخبار السلف وحالهم مع الوقت، والآثار عنهم في ذلك كثيرة؛ منها قول ابن مسعود رضي الله عنه:« ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي »([1])، وقوله:« إني لأبغض الرجل أراه فارغا لا في أمر دنياه ولا في أمر آخرته»([2])، ومنها قول الحسن البصري:« أدركت أقواما كان أحدهم أشح على عمره منه على درهمه وديناره »([3])، وقوله:« إنَّما أنت أيامٌ مجموعة، كلّما مضى يومٌ مضى بعضُك »([4]). ومنها قول ابن القيم:«إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها »([5]). وإن لهذه الأقوال الحكيمة الأثر البالغ في تكوين شخصية الطفل لا سيما مع تكررها ، ومما يؤثر فيه أيضا إضافة إلى هذه المواعظ أخبارهم في شحهم بوقتهم كما يروى عن ابن عقيل الحنبلي أنه كان لشدة اهتمامه بالعلم يختار الأكل الخفيف الذي يسف سفا ولا يحتاج إلى مضغ ربحا للوقت، وكان من آثاره كتاب الفنون الذي وضعه في خمسمائة مجلد وقيل ثمانمائة مجلد، وكذلك كان تلميذه ابن الجوزي شديد الحرص على الوقت، ومما يروى عنه في هذا الباب أنه كان يبري الأقلام في وقت حديثه إلى الناس، هذا العالم الذي لما توفي عُدَّت مؤلفاته وقسمت على عدد الأيام التي عاشها فكان الناتج كراس لكل يوم، ومما ينفع في تربية الأولاد على تعظيم الوقت تلقينهم بعض الأمثال المتعلقة بهذا الباب كقولهم "الوقت من ذهب إن لم تحرصه ذهب"، و"الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك".

    ثم يسمح له بالخروج بقيود متعلقة بالوقت:

-أولها اجتناب أوقات الصلاة فلا يخرج حتى يؤديها، وإذا سمع المؤذن قطع لعبه وذهب إلى البيت أو المسجد ليصلي.

-ومنها اجتناب أوقات الدراسة في المدرسة أو المسجد، فلا يتغيب عنهما من أحل اللهو ولا يتأخر، وكذلك لا يسمح له بالخروج حتى يؤدي واجباته نحو نفسه ودراسته وأسرته.

-ومن الضوابط أن يجعل وقت لعبه وبقائه في الشارع حدا زمنيا معقولا لا إفراط فيه ولا تفريط.

-ومنها أن يمنعه في البقاء في الشارع عند اقتراب الغروب وبعده إذا كان صبيا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:« لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاء»([6]). "الفواشي" هي الماشية، و"الفحمة" الظلام الذي بين المغرب والعشاء، وعلة هذا النهي أنه وقت انتشار الشياطين.

أخطاء في الواقع

الأخطاء الموجودة في واقع الناس كثيرة:

-منها عدم تعليم الأولاد تنظيم الوقت، فتجدهم يغلبون جانبا على جانب، أو يركزون على جانب ويهملون جوانب أخرى، وفي تنظيم الوقت حفاظ عليه وتعليم للولد أن يحرص عليه.

-ومنها أن من الآباء من لا يبالي بأولاده أهم في البيت أم خارجه؟ ففي أي وقت تسأله أين ابنك؟ أين ابنتك؟ فجوابه لا أدري! هو لا يعلم أيضا كم ساعة أمضوا في اللعب، وهل ذهبوا على المدرسة أم تغيبوا؟ وهل أدَّوا واجباتهم أم لا؟ حتى إنك ربما ترى بعض الأولاد لا يدخلون إلى البيت إلا في أوقات الطعام والنوم.

-ومن الأبناء من يرجع من المدرسة فيبقى في الشارع إلى وقت متأخر، وإذا لم يُنادَى عليه لا يدخل البيت، بل منهم من يتأخر في الشارع عن الدراسة بل ويتغيب من أجل اللعب.

وإن إهمال الوالدين لمسؤولية التربية وتركهما ولدهما في الشارع دون مراقبة سببا لفشله في الدراسة والفشل في الدراسة سيجعله يتفرغ للشارع بمن فيه، وذلك يؤدي إلى انحرافه عن جادة الصواب وتحوله إلى عنصر شرير مفسد في المجتمع، و"كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"، وذلك بطريق مباشر أو بطريق إهمال تربيتهم وتركهم عرضة للانحراف في الشارع.

المطلب الثاني : الألعاب

   مما لا شك فيه أن الطفل يطلب الخروج من البيت لحاجته إلى اللعب وللقاء أقرانه، ولا يستطيع أحد أن يمنع الطفل من اللعب ولا يجوز له، لأنه مجبول على ذلك وهو محتاج إليه أيضا، فهذه عائشة رضي الله عنها كانت لها ألعاب تلعب بها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسابقها، وكان يمر صلى الله عليه وسلم على صبي عنده عصفور يلعب به فأقره، وكان صلى الله عليه وسلم يلاعب الحسن والحسين رضي الله عنهما، وكان صلى الله عليه وسلم يقول : «ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا»([7]).

لكن ينبغي أن يَتنبه المربي ويُنبه الطفل بعد ذلك إلى ضوابط اللعب التي نذكر منها ما يأتي (وسيأتي مبحث خاص بذلك في فصل الحقوق المادية للطفل).

1-أن لا يكثر منه بحيث يغلب عليه، ويكونَ على حساب تعليمه وتكوينه فيكبر جسمه دون عقله.

2-أن يوجَّه إلى اختيار الألعاب الأنفع لجسمه وعقله.

3-أن يُنهى عن الألعاب المحرمة: كالتقاتل بالحديد والرمي بالحجارة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» ([8])، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْخَذْفِ وَقَالَ إِنَّهُ لَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ وَلَا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ وَإِنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ وَيَكْسِرُ السِّنَّ»([9]).

4-ويُنهى عن الألعاب التي فيها مخاطرة، ومما هو موجود في زماننا اللعب بالمفرقعات والمشي على الجدران العالية والقفز منها، والتعلق بالحافلات والتزحلق في المنحدرات والطرقات. 

5-وينهى عن القمار ولو بحقير وعن وسائله كالألعاب التي تستعمل في القمار كالورق ونحوها ، وقد قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم :« مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ» ([10])، وقَالَ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ »([11]).

المطلب الثالث : الأماكن

    ومما هو معلوم أنه ليس كل الأماكن تصلح للجلوس فيها ولا لممارسة أنواع الألعاب التي يهواها الصغار، وقد جاء في الشرع الأمر باجتناب الجلوس في بعض الأماكن، والإذن بالجلوس في أخرى بشروط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :«إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ قَالُوا وَمَا حَقُّهُ قَالَ غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ»([12])، فنهى أولا عن الجلوس نهيا عاما ثم إذن فيه بشروط تبين لنا علة النهي: وهي عدم التعدي على حقوق الناس بكف الأذى عنهم، وإعطاء حقوق الناس الواجبة ومنها رد السلام، وأداء حق الله تعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    ومن الأماكن التي لا ينبغي إكثار البقاء فيها إلا بقدر الحاجة الأسواق، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا» ([13])، لأن الأسواق فيها الاختلاط وفيها الغش ورفع الأصوات، وفيها يتمكن الشيطان من الإنسان لقلة ذكر الله تعالى.

   ومن الأماكن التي يحذر الابن من الجلوس فيها تحذيرا عاما:

1-المجالس التي يجاهر فيها بمعصية الله تعالى، كشرب الدخان ومعاكسة البنات، والاستهزاء بالدين ونحو ذلك ، لأنه إذا جلس هناك هانت في قلبه تلك المعاصي وتجرأ عليها، وقد قال تعالى : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) (النساء:140)

2-ومنها الأماكن التي ترمى فيها الأوساخ والقاذورات، لما في ذلك من الأثر على نظافته وصحته، ولأنها مواضع تجتمع فيها الشياطين، وتجتمع فيها الحشرات والجراثيم.

3-ومنها الأماكن الخطيرة كالطريق السريع والمنحدرات السحيقة والبيوت المتهدمة والأسوار المشقوقة، وخطورة هذه الأماكن على صحة الأولاد وأمنهم واضحة. 

4-ومنها الأماكن التي تجتمع فيها المعاصي والأوساخ والقاذورات والخطر على صحة الأولاد وأمنهم: كقاعات السنما والملاعب والشواطئ المختلطة، وكثير من الحدائق التي أصبحت محلا للفساد الأخلاقي.

5-وكذلك يحذر من جميع أماكن الشبه ومواطن الريب.

وهذا التحذير القولي لا بد أن يصحبه التحذير العملي، فلا بد أن لا يجلس الولد المربي حيث لا يحب أن يرى ولده، وليحذر من اصطحابه إلى بعض تلك الأماكن ليتنـزه أو يلعب لأنه سيظن أنه لا بأس من الذهاب إليها منفردا.

وهناك أماكن يُزجر الولد أن يلعب فيها لعبا مزعجا، وذلك حيث يكون في لعبه أذى للناس من الجيران وأصحاب الحوانيت، وكأن يكون في حي ما مَشفى وهكذا.

وينصح الأب بأن يوجه ولده إلى الأماكن المخصصة للعب الأطفال من ملاعب الأحياء وحدائق محترمة، والأماكن التي لا يؤذي فيها أحد ولا يؤذيه أحد.

المطلب الرابع : الأصحاب

   وأما موضوع الأصحاب فهو موضوع خطير، إذ للمخالطة والمصاحبة تأثير واضح على الأطفال الناشئين، بل إنها تؤثر حتى على الكهول والشيوخ، وقد قيل "إن الصحاب ساحب"، "ومن جالس دانس"، وقد جاء في كتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم التحذير من مصاحبة أهل السوء، فقال تعالى:(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً) (الفرقان:27-29) وفي الحديث:« الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ»([14])، وقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم:« مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً»([15])، وقال صلى الله عليه وسلم:« لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ»([16]).

   وقد نص على خطر المخالطة أيضا العلماء المتقدمون، فقال إبراهيم الحربي (من أهل القرن الثالث):« جنبوا أولادكم قرناء السوء قبل أن تصبغوهم في البلاء كما يصبغ الثوب»، وقال:«أول فساد الصبيان بعضهم من بعض»([17])، قال ابن حبان (من أهل القرن الرابع):« العاقل لا يصاحب الأشرار لأن صحبة السوء قطعة من النار، تُعقب الضغائن، لا يستقيم ودُّه ، ولا يفي بعهدِه »([18])، وقال أبو حامد الغزالي (من أهل القرن الخامس): «والطبع يسرق من الطبع الشر والخير جميعا»([19])، وقال ابن الجوزي (من أهل القرن السادس):« أما تدبير الأولاد، فحفظهم من مخالطة تفسد …وليحملهم على صحبة الأشراف والعلماء، وليحذر من مصاحبة الجهال والسفهاء فإن الطبع لص»([20]).

   وقال الشاعر : عن المرء لا تسل وسل عن قرينه     إن القرين بالقرين يقتدي

   والمخالطة السيئة تنسخ وتزيل عن الطفل كل ما يتلقاه من معلميه لاستئناسه بأقرانه ولطول مكثه معهم في الشارع والمدرسة، كما أن المخالطة الحسنة تزيد في علو همة الطفل وحسن أخلاقه، والناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض.

(وموضوع الصحبة وأثرها في التربية موضوع طويل لذلك سنفرده بالحديث في المبحث الآتي إن شاء الله تعالى)

 



[1]/ .

[2]/ الزهد لأبي داود (174) والزهد للبيهقي (ص294) (رقم 784).

[3]/ العمر والشيب لابن أبي الدنيا (91).

[4]/ حلية الأولياء (2/148).

[5]/ الفوائد لابن القيم (31).

[6]/ رواه مسلم (2013).

[7]/ رواه البخاري (2899).

[8]/ رواه البخاري (7072) ومسلم (2616) واللفظ له .

[9]/ رواه البخاري (6220) ومسلم (1954).

[10]/ رواه مسلم (2260).

[11]/ رواه أبو داود (4938) وابن ماجة (3762).

[12]/ رواه البخاري (2465) ومسلم (2121).

[13]/ رواه مسلم (671).

[14]/ رواه أبو داود (4833) والترمذي (2378) وفي سنده ضعف.

[15]/ رواه البخاري (2101) ومسلم (2628).

[16]/ رواه الترمذي (2318) وأبو داود (4192).

[17]/ ذم الهوى لابن الجوزي (1/116).

[18]/ روضة العقلاء لابن حبان (  ).

[19]/ إحياء علوم الدين (3/60).

[20]/ انظر مسؤولية الأب المسلم (226).

تم قراءة المقال 5987 مرة