طباعة
الأحد 17 ربيع الأول 1432

(19) الوسائل المعينة على التربية: وسائل الإعلام

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

المبحث السابع : وسائل الإعلام

     من الأمور التي لا مفر منها في الواقع ولا مناص من الحديث عنها: وسائل الإعلام التي أضحى أثرها في التربية جليا سواء من جهة الصلاح أو الفساد، هذه الوسائل التي قد تكون الموجه الأساسي لكثير من الأولاد اليوم؛ وذلك حيث يضيع الآباء والمعلمون واجبهم ويهملون دورهم.

    وقد كنا نود أن يكون تعرضنا إلى وسائل الإعلام باعتبارها من أهم العوامل المعينة على التربية، لكن الواقع يفرض علينا أن نحذر من آفاتها وأن نتحدث عن بعضها باعتبارها وسائل فساد للأخلاق وغزو فكري وعقدي.

   وهذه الوسائل منقسمة إلى وسائل مقروءة ووسائل مسموعة ووسائل سمعية بصرية، وسنتناولها على حسب هذا الترتيب.

 

(19) الوسائل المعينة على التربية: وسائل الإعلام

 

المطلب الأول : الوسائل المقروءة

   ينبغي على كل مسلم أن يكوِّن مكتبة منزلية، يجمع فيها بعض المراجع الدينية حسب قدرته واستطاعته لانتفاعه الشخصي ولتنتفع بها زوجته وأولاده ذكورا وإناثا، فلا بد أن يكون لديه في كل فن من الفنون الشرعية كتاب على الأقل، كتاب في التفسير كتفسير أبي بكر الجزائري، وكتاب في الحديث كرياض الصالحين للنووي، وآخر في السيرة كالرحيق المختوم للمباركفري وكتاب في الفقه كفقه السنة للسيد سابق، وكتاب في العقيدة والتوحيد، وكذلك كتاب فيه سير الصالحين والعلماء السابقين والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.

   ويجعل في مكتبته فرعا لكتب الأطفال؛ يجدون فيه رسائل تعليم الوضوء والصلاة وقصص الأبطال، والرسائل الميسرة في العقيدة والأخلاق، وكذلك المجلات الإسلامية، والمطويات الدعوية وغير ذلك من الطرق المقروءة التي توصل بها العقائد والأخلاق إلى الناشئين.

   وليحذر الآباء من السماح لأولادهم بشراء الجرائد والمجلات دون مراقبة أو توجيه، وليعلموا أنهم واجبهم أن ينتقوا لهم ما يقرؤون بحكم معرفتهم أو بسؤالهم لأهل العلم.

المطلب الثاني : الوسائل السمعية

   وكذلك ينبغي أن يكون في البيت مكتبة سمعية تحوي مصحفا مرتلا، وأشرطة المواعظ والرقائق إضافة إلى المواضيع التي أشرنا إليها في الكتب، ولا بأس أن تقتنى الأناشيد التربوية للأطفال؛ الأناشيد التي تحث على أعمال البر والخير وعلى الطاعة والعبادة وعلى الاقتداء بأهل الصلاح، وخاصة أن الصغار يميلون إلى ترديد الأناشيد وحفظها.

الأناشيد وضوابطها

   وقد أجاز كثير من العلماء الانتفاع بها في مجال التربية ووضعوا لذلك قيودا لا بد من مراعاتها منها: أن تكون المعاني التي تتضمنها صحيحة لا غلو فيها ولا انحراف، وأن تكون خالية تماما من آلات الطرب ولو الدف، وأن لا تكون بأصوات فاتنة تقلد فيها ألحان الأغاني.

   ومن فتاوى العلماء في هذا الباب قول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله:« إذا كانت هذه الأناشيد ذات معانٍ إسلامية، وليس معها شيء من المعازف وآلات الطرب كالدفوف والطبول ونحوِها، فهذا أمرٌ لا بأس به، ولكن لابد من بيان شرطٍ مهم لجوازها، وهو أن تكون خالية من المخالفات الشرعية؛ كالغلوّ، ونَحوِه، ثم شرط آخر، وهو عدم اتخاذها دَيدَناً، إذ ذلك يصرِفُ سامعيها عن قراءة القرآن الذي وَرَدَ الحضُّ عليه في السُنَّة النبوية المطهرة، وكذلك يصرِفُهُم عن طلب العلم النافع، والدعوة إلى الله سبحانه»([1]).

   وقال الشيخ عبد العزيز ابن باز:« الأناشيد الإسلامية تختلف فإذا كانت سليمة ليس فيها إلا الدعوة إلى الخير والتذكير بالخير وطاعة الله ورسوله، والدعوة إلى حماية الأوطان من كيد الأعداء والاستعداد للأعداء ونحو ذلك فليس فيها شيء، أما إذا كانت فيها غير ذلك من دعوة إلى المعاصي واختلاط النساء بالرجال، أو تكشف عندهم أو أي فساد فلا يجوز استماعها»([2]) .

   قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله:« الأناشيد الإسلامية كثُرَ الكلام حولها، و أنا لم أستمع إليها منذ مدة طويلةٍ، و هي أول ما ظهرت كانت لا بأس بها، ليس فيها دفوف، وتُؤدَّى تأديةً ليس فيها فتنة، وليست على نغمات الأغاني المحرمة، لكن تطورت و صارَ يُسمع منها قرع يُمكن أن يكون دُفاً، ويمكن أن يكون غيرَ دُفٍّ، كما تطورت باختيار ذوي الأصوات الجميلة الفاتنة، ثم تطورت أيضاً حتى أصبحت تؤدى على صفة الأغاني المحرمة، لذلك: أصبح في النفس منها شيء وقلق، ولا يمكن للإنسان أن يفتي بأنها جائزة على كل حال ولا بأنها ممنوعة على كل حال، لكن إن خلت من الأمور التي أشرت إليها فهي جائزة، أما إذا كانت مصحوبة بدُفٍ، أو كانت مختاراً لها ذوو الأصوات الجميلة التي تَفتِن، أو أُدِّيَت على نغمات الأغاني الهابطة ، فإنّه لا يجوز الاستماع إليها» ([3]).

الحذر من الغناء والموسيقى

    ومن جهة أخرى لا بد من تحذير الأولاد ومنعهم من سماع الأغاني الهابطة المخلة بالأدب والحياء، ومن سماع الموسيقى على وجه العموم، وأن يبين له حكمها ومفاسدها وأن تبغض إلى نفوسهم منذ نعومة أظفارهم، وتحريم الغناء المصحوب بآلات الطرب أمر واضح قد صرح به النبي صلى الله عليه وسلم لما قال : « لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمْ اللَّهُ وَيَضَعُ الْعَلَمَ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»([4]).

المطلب الثالث : الوسائل السمعية البصرية

   وأما الفيديو والقنوات التلفزيونية فهذه خطرها على التربية أعظم والرقابة على الأولاد لا بد أن يكون أشد (ويلحق بها الأنترنت التي تتضمن وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية، والسمعية البصرية) وإنها أخطارها كثيرة متنوعة وقد غلبت على ما يمكن أن يعد من المحاسنه، بل إننا نخاف من أثرها على الراشدين فكيف بالأولاد الصغار القصر.

   فينبغي على الآباء أن يختاروا لأولادهم البرامج التي يشاهدونها والمواقع التي ينظرون فيها وأن يكون استعمالهم لهذه الأجهزة تحت مراقبتهم لا بعيدا عنهم، وجهاز الحاسوب (الكومبيوتر) بديل مغنى عن هذه القنوات التي نخاف على أولادنا منها، فهو وسيلة علم وثقافة في أصله، ويمكن لممتلكه أن يتحكم فيه من جهة الوقت والبرامج، ويستطيع الأب أن يعرض فيه لأولاده الأشرطة العلمية والحصص الدينية وبرامج الأطفال التعليمية والترفيهية.

وأفلام الرسوم المتحركة (الكارتون) وإن كان في أصلها صورا ثابتة، فقد أجازها الشيخ العثيمين للمصلحة الراجحة، لأنه أضحى في هذا الزمان من المحال منع الأولاد عن هذه الرسوم، ولأن في الإسلامي منها إعانة على التربية، قال رحمه الله:« أما صور الكارتون التي ذكرتم أنها تخرج في التلفزيون، فإن كانت على شكل آدمي فحكم النظر إليها محل تردد هل يلحق بالصور الحقيقية أو لا؟ والأقرب أنه لا يلحق بها، وإن كانت على شكل غير آدمي فلا بأس بمشاهدتها إذا لم يصحبها أمر منكر»([5]).

   ومما نستطيع الإفادة به في هذا السياق تنبيه المربين إلى أهم الأخطار التي تحملها هذه الوسائل التي أكثر من يتحكم فيها أناس لا أخلاق لهم من يهود ونصارى، ننبه عليها لنتعامل مع هذه البرامج بيقظة تامة لا ببراءة حسن ظن.

أولا : أخطار على العقيدة

بث الإلحاد والنظريات الفاسدة كنظرية داروين وتناسخ الأرواح وذلك في كثير من الأشرطة العلمية الوثائقية، والإلحاد في صفات رب العالمين، وذلك في الأفلام التاريخية القديمة وفي الرسوم المتحركة، ومن الآثار السلبية إضعاف الولاء والبراء، ومنها تشويه صورة الإسلام والمسلمين وأعلام الإسلام من الصحابة والعلماء والمجاهدين.

ثانيا : الأثر الأخلاقي

   ومن الآثار السلبية نزع الحياء ونشر التعري، ومنها الحث على عقوق الوالدين ونشوز الأزواج باسم الحرية وحقوق المرأة، تهوين أمر الجريمة والرذائل خاصة لما يقوم بها أبطال الأفلام، ومنها النظر المحرمات من عورات، وشرب الخمور وسماع الغناء وموت القلب بإقرار المنكرات، ومنها توقيد الغرائز وإثارة الشهوات في سن مبكر لدى الأطفال؛ ولا يخلو فيلم من الأفلام من هذه الآفات، بل حتى الرسوم المتحركة قد حوت كل ذلك مع الأسف الشديد.

ثالثا : الأثر الثقافي

   في هذه الوسائل شغل لشبابنا عن العلم إذ تراهم يتابعون البرامج واجدا بعد الآخر، ويقلبون النظر في القنوات واحدة بعد أخرى، فيضيعون فروضهم ودراستهم ويميلون إلى الكسل وعدم الجدية، وتضعف اللغة العربية لديهم. ومن أهم آثارها الثقافية هبوط مستوى التفكير وتأخر نمو العقل لدى الناشئة، وهو أمر يلاحظه العام والخاص إذا ما قارن بين الأجيال المتعاقبة، وذلك أنها أدت إلى تعطيل كثير من الأمور العملية المثمرة والمؤثرة في نمو العقل كالقراءة والبحث والكتابة وممارسة الرياضة والمخالطة ونحو ذلك.

   ومن آثارها الغزو الثقافي الغربي ؛ فقد أسهمت وسائل الإعلام في نشر عادات كثيرة غير إسلامية بين المسلمين وثقافات أجنبية عنهم فمسخهم وصيرهم لا يعرفون أنفسهم ويميزونها عن غيرهم.

رابعا : الأثر الصحي

   ومن الآثار السلبية لهذه الوسائل آثارها الصحية ، ومن ذلك تأثيرها على الأعصاب لما فيها ضجيج وصراخ وصخب، وتأثيرها على البصر من كثرة النظر إلى النور، وتأثيرها على توازن الشخصية بفعل أفلام الرعب وأفلام الهزل والكارتون وغير ذلك . 

   لأحجل هذه المفاسد وغيرها نؤكد على ضرورة ضبط الأولاد وعدم ترك الحرية المطلقة لهم في استعمال هذه الوسائل التي أصبحت موجودة في كل مكان.

 



[1]/ العدد الثاني من مجلة الأصالة، الصادر بتاريخ 15 جمادى الآخرة 1413هـ.

[2]/ مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (3/437) .

[3]/ انظر: الصحوة الإسلامية للعثيمين (185).

[4]/ رواه البخاري في باب بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ وَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ.

[5]/ فتاوى العقيدة للعثيمين (335-336).

تم قراءة المقال 4764 مرة