طباعة
الخميس 12 ربيع الثاني 1432

(20) الوسائل المعينة على التربية: الدعاء وأثره في التربية

كتبه 
قيم الموضوع
(3 أصوات)

المبحث الثامن : الدعاء وأثره في التربية

 

   إن الدعاء وسيلة من أعظم وسائل التربية، وسيلة سهلة وفي متناول كل أحد وأكثر الناس عنها غافلون، دعاء الله تعالى بأن يصلح الأولاد ويهديهم ويوفقهم لما يحب ويرضى، فعلى الآباء والمربين أن لا يهملوا هذا الأمر مع اتباع الطرق التربوية المشروعة وبعد الاستعانة بكل الوسائل المعينة عليها، فإن القلوب كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء، والله تعالى هو الهادي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فلا بد أولا وقبل شيء من الاستعانة بالله والتوكل عليه في هذا الأمر الخطير "تربية الأولاد"، أقول أولا وقبل كل الوسائل الأخرى ومعها وبعدها، وليس كما هو شأن كثير من الناس لا يرجع إلى الله تعالى والاستعانة به إلا إذا فشل في عمله ومشروعه وتربيته، إذ حينها يتذكر الله تعالى وأن الأمر كله بيده.

 

(20) الوسائل المعينة على التربية: الدعاء وأثره في التربية

 

    وإننا نجد دعاء الله تعالى والاستعانة به على الذرية الصالحة من الأنبياء والمرسلين، وعباد الله الصالحين قبل أن يولد هؤلاء الأولاد، كما قال تعالى عن زكريا- عليه السلام: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) (آل عمران:38) فدعا الله تعالى أن يرزقه الذرية وخصها بوصف الطيبة فتضمن سؤاله الذرية دعاء بإصلاح هذه الذرية ، وحكى ربنا عز وجل عن الصالحين أن من صفاتهم أنهم يقولون: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاما) (الفرقان:74). أي ما تقر به أعيننا وهو أن تراهم مطيعين لك يعبدونك وحدك.

   وللدعاء أثر عجيب في صلاح الأولاد واستقامتهم إذ دعاء الوالدين مستجاب عند الله تعالى، ذلك أنه تحقق فيه معان ليست في غيره من رحمة بالولد ورأفة وحرص على مستقبله وخوف عليه، وكل ذلك يجعل الوالدين يخلصان الدعاء ويتضرعان إلى الله بصدق؛ وذلك من أعظم أسباب استجابته، فينبغي أن ندعو بصلاح الذرية قبل وجودها وبعده وأن نعلن عن ضعفنا وفقرنا وحاجتنا إلى ربنا عز وجل، حتى ننال توفيقه وتسديده، وهذا إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء وأحد أولي العزم من الرسل يستعين بالله تعالى ويقول: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) (إبراهيم:35) فاستعان بالله تعالى على صلاح عقيدة أولاده وذلك أعظم الصلاح.

   ولا يغتر الوالد بصلاحه وبثقافته وإمكانياته وذكائه فإن الأمر فوق كل ذلك ، فهذا إبراهيم عليه السلام لا يأمن على نفسه وولده الشرك، وهذا نوح عليه السلام أحد أولي العزم من الرسل خرج ولده عن طاعته ومات على الشرك، فلا بد من الرجوع إلى مقلب القلوب وغلام الغيوب.

من المأثور عن السلف في الدعاء للأولاد

قول سعيد بن المسيب:« إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي»، يقصد بذلك أنه يكثر من الدعاء لولده في الصلاة، وقال أحد الصالحين:«يا بني إني لأستكثر من الصلاة لأجلك»، وكان سهل التستري يتعهد ولده وهو في صلبه فيباشر العمل الصالح رجاء أن يكرمه الله تعالى بالولد الصالح، فيقول:« إني لأعهد الميثاق الذي أخذه الله تعالى علي في عالم الذر، وإني لأرعى أولادي من هذا الوقت إلى أن يخرجهم الله تعالى إلى عالم الشهود والظهور».

من حسن الأدب

   أن يستعمل معهم الدعاء في مجاري الكلام العادي، فإذا أحسن يقال له بارك الله فيك وجزاك الله خيرا ورعاك الله وحفظك الله، وإذا أخطأ يقال له أصلحك الله وهداك الله وعفا الله عنك، وليعلم الأب أنه إذا صنع هذا أنه يربي ولده على الحلم وحسن الكلام، لأن الولد يقتدي به في ذلك، بخلاف ما لو سبه وشتمه ودعا عليه بالشر؛ فإنه يربي ولده على التعجل وضيق الصدر وعلى القول البذيء.

   فإذا رأيت ولدا صغيرا يشتم الناس أو يعيرهم أو يسب الدين فاعلم أن والده أو أحد مربيه يفعل ذلك معه أو مع إخوته.

الحذر من الدعاء عليهم

   ومن الأخطاء الشائعة في هذا الزمان في باب تربية الأولاد الدعاء على الأولاد بالشر، وخصوصا من جهة الأمهات، فتجد الأم- لأدنى سبب- تدعو على ولدها البريء بالمصائب والشقاء والحمى، أو الموت أو أن يصاب بالعمى أو الصمم، وتجد بعض النساء يتفنن في هذا الباب، وتجد من الآباء من يدعو على أبنائه بمجرد أن يرى منهم تهاونا أو تقصيرا في جانب من الجوانب.

   والأولياء يجهلون أن من أعظم أسباب انحراف الأولاد، ومن أعظم أسباب شقائهم الدعاء عليهم بالشر، لأن دعاءهم ذاك قد يستجاب، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال :« لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ»([1]).

   أي لا تدعو على الأنفس والأولاد والمال بالهلاك ساعة الغضب، لأن الدعاء ربما صادف ساعة استجابة فيستجاب فتندمون بعد ذلك، بل إن كون الدعاء صادرا من الوالد يعد من أسباب الاستجابة، قال صلى الله عليه وسلم:« ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ»([2]).

   ومن مفاسد الدعاء على الأولاد تكوين ما يسمى عقدا نفسية لديهم، حيث يفقدون الثقة في والديهم الذين يرونهم يتمنون لهم الموت والمصائب والشقاء، فيتصورون أن آباءهم يبغضونهم فعلا، وأنهم نادمين على إنجابهم، ولا شك أن في ذلك ضررا كبيرا على نفسية الولد ومن ثم على سلوكه.

   وخير من الدعاء بالشر بالدعاء بالهداية، كما كان هدي نبينا صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :« قَدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا فَقِيلَ هَلَكَتْ دَوْسٌ قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ»([3]). فعدل النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء بالشر إلى الدعاء بالخير فاستجيب له.

   إن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يدع على المشركين الذين آذوه وضربوه بالحجارة وطردوه، بل إنه لما جاءه ملك والجبال وقال:« إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ قال له النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:« بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»([4])، وقد حقق الله رجاءه، فكيف بنا ندعو بالهلاك على أولادنا وفلذات أكبادنا

   وخير ما نختم به هذا المجلس قول الشاعر وهو يبين خطر الدعاء

أتهزأ بالدعاء وتزدريه          وما تدري ما صنع الدعاء

سهام الليل لا تخطئ ولكـــن لها أمد وللأمد انقضاء

   فأكثروا أيها الآباء والأمهات من الدعاء لأبنائكم وألحوا في الدعاء وخصوصا في سجودكم وأوقات الاستجابة مثل آخر الليل عند السحر، وبعد العصر يوم الجمعة وفي السفر وغير ذلك، واسألوه أن يوفقكم في تربيتهم حتى يستجيب لكم.

 

 



[1]/ أبو داود (1532) وصححه الألباني.

[2]/ رواه الترمذي (1905،3448) وأبو داود (1536) وابن ماجة (3862).

[3]/ رواه البخاري (2779) ومسلم (2524).

[4]/ رواه البخاري (3231) ومسلم (1795).

تم قراءة المقال 9132 مرة