طباعة
لثلاثاء 24 ربيع الثاني 1432

(21) الحقوق المادية للطفل : حقوق الطفل قبل الولادة

كتبه 
قيم الموضوع
(3 أصوات)

الفصل الثالث : الحقوق المادية للطفل

   بعد أن فرغنا من الحديث عن أساليب التربية والوسائل المعينة عليها، وقبل أن نتعرض إلى القضايا التربوية ذات الصلة بالعقيدة والأخلاق والفكر التي ينبغي التركيز عليها، نتعرض في هذا الفصل إلى الحقوق المادية للطفل الواجبة والمستحبة، والتي لا تخلو من ارتباط بالقضايا المشار إليها، والتي لا شك أنها عنصر مهم من عناصر التربية الإسلامية.

المبحث الأول : حقوق الطفل قبل الولادة

   إن للطفل حقوقا مادية كثيرة على والديه منها ما يكون بعد الولادة ومنها ما يكون قبلها، ومما يكون قبلها اختيار الأم الصالحة والمربية القدوة، وهذه قد سبق الحديث عنها، ومنها ما يتعلق بصحة الجنين وبحياته ونسبه، وهذا ما سنبينه في هذا المبحث.

 

(21) الحقوق المادية للطفل : حقوق الطفل قبل الولادة

 

المطلب الأول : صحة الجنين

   من واجب الأب أن يحافظ على صحة الجنين قبل تكونه في بطن أمه وبعده، وأوَّل ذلك أن يمتنع عن تناول المحرمات كالخمر والتبغ والمخدرات التي يسري تأثيرها السلبي إلى دمه، ثم إلى النطفة التي قد يتكون منها الجنين، ثم بالمحافظة على الدعاء عند الوقاع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:« لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا»([1]).

  ومن واجب الأب أن يرعَى الأم من الناحية الصحية، وأن يجنبها العمل الشاق الذي يسبب الأذى لها ولجنينها، وإن كان قد ابتلي بالتدخين فعليه أن يجتنب التدخين بحضرتها، إذ قد ثبت أن كثيرا من الأولاد يولدون بأمراض الصدر والحساسية بسبب تدخين الوالد في حضرة الأم الحامل، وهو ما يسمونه التدخين السلبي؛ وإن كان التدخين كله سلبيا.

   وعلى الأم أيضا مسؤولية تجاه الجنين الذي في بطنها من الناحية الصحية، ذلك أنه يتأثر بنوعية الغذاء الذي تتناوله مدة حملها، وبالأدوية والعقاقير التي تتناولها، فعلى الأم أن تجتنب الأدوية التي تشكل خطراً على الجنين، بل وأن تحاول قدر المستطلع تجنب استعمال الأدوية بإطلاق، كما يحذر الأطباء من تعرضها للكشف بالأشعة التي قد تؤدي إلى إسقاط الحمل أو تشوهه، ومما يدخل في هذا الباب أن تحرص الأمهات على اجتناب استعمال حبوب منع الحمل، التي كثيرا ما يتخلف مفعولها، وتتحول إلى مادة تشوه الجنين ولا تمنع من تكونه.

    ومما ينبغي أن يعلم أن الجنين يتأثر بالحالة النفسية للأم، فكثير من الحالات النفسية للطفل كالخوف الشديد وغيرها تكون موروثة من الأم؛ التي تنفعل انفعالات حادة أثناء الحمل، كما أثبت العلم أيضاً أن مشاعر الأم تنتقل لجنينها، فيتحرك بحركات امتنان حين يشعر أن أمه ترغب فيه ومستعدة للقائه، بينما يضطرب وينكمش ويركل بقدميه معلناً عن احتجاجه؛ حين يشعر بعدم رغبة أمه فيه، وقد رووا في هذا السياق أن طفلة كانت أمها قد حملتها كُرهاً، وحاولت إسقاطها دون جدوى، فلما وضعتها رفضت الطفلة الرضاعة من أمها، فلما أرضعتها مرضعة أخرى قبلت! وحين عصبوا عيني الطفلة، ثم أعطوها لأمها كي ترضعها! عادت لرفض الرضاعة مرة أخرى.

   ومما ثبت بالتجربة تأثر الجنين بتلاوة أمه للقرآن وسماعها له، ولا شك أن للقرآن تأثيرا على نفسية الأم، التي تؤثر بدورها على الجنين، وقد داومت إحدى الأمهات على تلاوة القرآن في كل أحوالها طول مدة حملها؛ فوضعت طفلاً يحب القرآن وتمكن بفضل الله تعالى من ختم القرآن الكريم حفظاً وهو في الخامسة من عمره.

المطلب الثاني : حق الحياة

    ومن حقوق الجنين حق الحياة، وهذا من أهم الحقوق التي أوجب الله تعالى للأبناء، فقال سبحانه: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً) (الإسراء:31) وقال عز وجل : (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الأنعام:151).

وينبني على هذا الحق عدة مسائل:

أولا: كراهة العزل، إذا لم يكن الدافع إليه خوف الفقر، فعن أبي سعيد الخدري قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُصِيبُ سَبْيًا فَنُحِبُّ الْأَثْمَانَ فَكَيْفَ تَرَى فِي الْعَزْلِ فَقَالَ:« أَوَإِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ذَلِكُمْ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَسَمَةٌ كَتَبَ اللَّهُ أَنْ تَخْرُجَ إِلَّا هِيَ خَارِجَةٌ»([2]).

ثانيا: تحريم تناول حبوب منع الحمل، لما لها من تأثيرات جانبية على صحة الأم من أمراض القلب والأعصاب خاصة، وكذلك لكونها تؤدي إلى قتل الجنين أو تشويهه إذا لم تعلم الأم بتكوينه.

ثالثا : حكم إسقاط الحمل، وله في الشرع ثلاثة أحوال :

1-قبل الأربعين يوما إذ لا يزال في المرحلة الأولى وهي النطفة، وقد اختلف العلماء في حكم إسقاطه فمنهم من رخص في إسقاطه بلا حاجة؛ لأنه لا يزال نطفة فقاسه على العزل، ومنهم من ذهب إلى تحريم إسقاطه وفرق بينه وبين العزل بكون النطفة قد علقت، أما إذا دعت الحاجة إلى إسقاطه فلا حرج في إسقاطه على القولين.

2-بعد مضي أربعين يوما وقبل بلوغ الأربعة أشهر، والخلاف في جواز الإسقاط هنا أضعف؛ والتحريم هو الصحيح الذي لا شك فيه، فلا يجوز إسقاط الجنين في هذه الحال عند أكثر العلماء إلا لحاجة ملحة أو ضرورة قاهرة.

3-بعد مضي أربعة أشهر من الحمل، أي بعد نفخ الروح في الجنين، ولا يجوز إسقاط الجنين في هذه الحال قطعا واتفاقا؛ لأنه لما نفخت فيه الروح صار نسمة حية، وإسقاطه يعتبر قتلا للنفس التي حرم الله تعالى إلا بالحق، وإذا أسقطت المرأة ولدها في هذه الحال أثمت وكان عليها الكفَارة والدية ويأثم كل من وافقها وأعانها على ذلك، ولا عبرة بالحاجة هنا ولا بالضرورة إلا ضرورة الحفاظ على حياة الأم عند بعض العلماء.

المطلب الثالث : حق النسب

    ومن الحقوق الواجبة والآكدة للطفل أن ينسب إلى أبيه، وقد قال ربنا عز وجل: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:5)، ويتعلق بهذا الحق مسائل:

أولا : تحريم نكاح السر وبطلانه

   وهو الزواج الذي يوصى فيه الشهود بالكتمان ولا يصحبه الإعلان، فيحرم لأنه ذريعة إلى إنكار نسب الابن أو إلى الطعن فيه، ولا يجوز للوالد أن يعرض ابنه لذلك، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعلان النكاح فقال :« فصل ما بين الحرام والحلال الدف والصوت»([3]). وقال صلى الله عليه وسلم :«أعلنوا النكاح »([4])، ومنه فإنه يشترط الإعلان لنفاذ النكاح سواء أشهد عليه أم لا، وهو قول مالك ورواية عن أحمد واختيار أبي ثور وابن المنذر وابن تيمية والعثيمين. قال ابن تيمية: «فالإشهاد قد يجب في النكاح لأنه به يعلن ويظهر، لا لأن كل نكاح لا ينعقد إلا بشاهدين، بل إذا زوجه وليته ثم خرجا فتحدثا بذلك وسمع الناس أو جاء الشهود والناس بعد العقد فأخبروهم بأنه تزوجها كان هذا كافيا، وهكذا كانت عادة السلف لم يكونوا يكلفون إحضار شاهدين»([5]). وبناء عليه فإن نكاح السر نكاح باطل ، وذلك حيث لا إعلان ويتواصى بالكتمان.

ثانيا : تحريم الدخول إلا بعد الزفاف

   ومن أجل الحفاظ على النسب ومصالح أخرى متعلقة بالعرض يمنع الدخول بالزوجة إلا بعد الزفاف –وهو الإعلان الرسمي في عرفنا –، وقد نص العلماء على وجوب مراعاة الأعراف السائدة في هذا الباب حفاظا على الأعراض والأنساب، وسدا لذرائع الفساد، وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة:« يجوز للرجل أن يتكلم مع من تم له عقد الزواج عليها، وأن يراها ويجلس معها قبل الدخول بها، غير أنه ينبغي أن يراعى في ذلك العادات التي جرت عليها الأسر خشية الدعاوى الكاذبة»([6]). وأجابت اللجنة أيضا في موضوع الدخول قبل الزفاف:« لكن إذا كان يخشى من ترتب آثار سيئة على ذلك فإنه يمتنع عن ذلك، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»([7]). بل إنه تحرم الخلوة والكلام في الهاتف قبل الزفاف اعتمادا على هذين الأصلين: اعتبار العرف وسد ذريعة الفساد كما ذكرنا.

ثالثا : وجوب توثيق العقد

   وهذا من الأمور الضرورية في العصر الحاضر؛ قضاءً على الفوضى ومنعا للتلاعب سواء من الأزواج أو أولياء النساء، وحفاظا على أنساب الأولاد وأعراض المؤمنين، وعلى الحقوق المادية للأزواج في حال الطلاق أو الوفاة أو التنازع.

   وإذا فرض الحاكم ذلك أصبح أمرا واجبا، لأن هذا من المعروف الذي تلزم طاعتهم فيه، لما في ذلك من الإعانة على ضبط شؤون الرعية وتحقيق مصالحهم.

   وقد جاء في فتاوى اللجنة:« فالنكاح صحيح وإن لم يتول عقد النكاح بينكما شخص آخر، فإن ذلك ليس بشرط في صحة النكاح ولا كماله، وإنما ألزمت الحكومة رغبتها بإجراء العقد على يد من أذنت له في ذلك وكتابته، قضاء على الفوضى ومنعا للتلاعب ومحافظة على النسب والأعراض والحقوق، ودفعا للتناكر عند التنازع، وطاعة ولي الأمر في ذلك وأمثاله من المعروف واجبة، لما في ذلك من إعانته على ضبط شؤون رعيته وتحقيق المصلحة لهم»([8]).

 

 



[1]/ رواه البخاري (141، 6388) ومسلم (1434).

[2]/ رواه البخاري (2229).

[3]/ رواه الترمذي (1088) والنسائي (3369) وابن ماجة (1896) وصححه ابن حبان(3477).

[4]/ رواه أحمد (4/5) وصححه ابن حبان (4066).

[5]/  مجموع الفتاوى لابن تيمية (32/129).

[6]/  فتاوى اللجنة الدائمة (19/270).

[7]/  فتاوى اللجنة الدائمة (19/271).

[8]/  فتاوى اللجنة الدائمة (18/105-106).

تم قراءة المقال 6974 مرة