طباعة
الأربعاء 22 ذو القعدة 1432

(25) الحقوق المادية للطفل : حق الرعاية الصحية

كتبه 
قيم الموضوع
(77 أصوات)

المبحث الخامس : حق الرعاية الصحية

  

   من حقوق الأولاد المادية للطفل حق الرعاية الصحية، الذي تدخل بعض معانيه ضمن حق التغذية ، بل ضمن حقهم في الحياة، والرعاية الصحية تتضمن جانب الوقاية وجانب العلاج، وتتضمن جانب العلاج المادي البدني ، كما تتضمن جانب العلاج الروحي النفسي.

 

(25) الحقوق المادية للطفل : حق الرعاية الصحية

 

المطلب الأول : الجانب الوقائي

   أما الجانب الوقائي فله في الشرع مظاهر كثيرة، أولها سنن الفطرة التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: « خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَقَصُّ الشَّارِبِ»([1])، فهذه السنن المأمور بها في الحديث تنطوي على معنى النظافة ومعنى الوقاية من الأمراض، فينبغي على المربين أن يعلموا الأولاد هذه السنن وغيرها من السنن التي هي عبادات وقربات من المستحبات أو الواجبات، وهي في الوقت نفسه من وسائل النظافة والطب الوقائي، كالسواك الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم :« مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» ([2])، والاستنجاء والمضمضة والاستتثار، وقد أثبت الطب الحديث أن للمداومة على غسل أعضاء الوضوء آثار صحية إيجابية متعلقة بتنظيم الدورة الدموية.

  ومما يتعلق بالوقاية تعليم الولد آداب الطعام والشراب؛ التي لكثير منها ارتباط بالوقاية من الأمراض، ومنها الحذر من الإسراف في الطعام؛ الذي يجعل الجسم عرضة لجميع الآفات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ »([3])، وقد قيل في الحكم :« البطن بيت الداء والحمية رأس الدواء»([4])، ومنها الحذر من التنفس في الإناء أو النفخ فيه لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ »([5])، ومنها تغطية أواني الطعام في الليل وعدم تركها مكشوفة.

  ومن الأمور الوقائية التزام آداب النوم ومن ذلك النوم على الجهة اليمنى، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:« إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ » ([6])، ومنها أيضا تجنيب الصبيان البقاء في الخارج عند المغرب ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ »([7]).

  والأهم من كل هذا تجيب الأولاد أكل الخبائث التي حرمها الله تعالى علينا الخمر والميتة والخنزير والسباع، ونخص التدخين بالذكر فإنه استفحل أمره في الأسر المسلمة وأصبح الوالد يدخن في البيت بلا تحرج، فيعصي ربه ويؤذي زوجته وأولاده، ويسبب لهم في كثير من الأحيان الأمراض المزمنة والمستعصية كمرض الربو (ضيق التنفس) والتهاب الشعب الهوائية .

حق الختان

   ومن سنن الفطرة الواجبة سنة الختان، وهي من حقوق الطفل ومن ملة إبراهيم وقد قال تعالى: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:123) ، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُّومِ »([8]) وهو من شعائر الإسلام.

   قال ابن القيم:« الختان علم الحنيفية وشعار الإسلام ورأس الفطرة وعنوان الملة وإذا كان النبي قد قال من لم يأخذ شاربه فليس منا، فكيف من عطل الختان ورضي بشعار القلف عباد الصلبان، ومن أظهر ما يفرق بين عباد الصلبان وعباد الرحمن الختان، وعليه استمر عمل الحنفاء من عهد إمامهم إبراهيم إلى عهد خاتم الأنبياء فبعث بتكميل الحنيفية وتقريرها لا بتحويلها وتغيرها، ولما أمر الله به خليله وعلم أن أمره المطاع وأنه لا يجوز أن يعطل ويضاع، بادر إلى امتثال ما أمر به الحي القيوم وختن نفسه بالقدوم مبادرة إلى الامتثال وطاعة لذي العزة والجلال، وجعله فطرة باقية في عقبة إلى أن يرث الأرض ومن عليها»([9]).

فوائد الختان الطبية

من أظهر حكم تشريع الختان الحكم الطبية ، وقد بين الأطباء أن فيه وقاية من أمراض عدة :

-الوقاية من الالتهابات في المجاري البولية .

-الوقاية من سرطان القضيب .

-الوقاية من الأمراض الجنسية.

-أيضا قلة الإصابة بمرض فقدان المناعة الجنسية .

-وقاية النساء من الإصابة سرطان الرحم ([10]).

وقت وجوبه واستحبابه

  أما وجوبه على المكلف فإنه بالبلوغ أما على والده فقبل ذلك ، سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلُ مَنْ أَنْتَ حِينَ قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَنَا يَوْمَئِذٍ مَخْتُونٌ قَالَ وَكَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ ([11])، والمعنى حتى يقارب البلوغ ، وكان عمر ابن عباس يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة وقيل عشر سنين ، قال ابن القيم :« وعندي أنه يجب على الولي أن يختن الصبي قبل البلوغ بحيث يبلغ مختونا، فإن ذلك مما لا يتم الواجب إلا به »([12]).

  قال الإمام أحمد للميموني :« ظننت أن الصغير يشتد عليه هذا ، ولم أره يكره للصغير الشهر والسنة، ولم يقل في ذلك شيئا » وقال الميموني :« وذكرت له ابني محمدا أنه في خمس سنين فأشتهي أن اختنه فيها ورأته كأنه يشتهي ذلك ورأيته يكره العشرة لغلظه عليه وشدته ».

  أما تخصيص اليوم السابع فاختلف فيه السلف فذهب الشافعية إلى استحبابه وذهب الجمهور إلى أنه لا فضيلة له ولا يكره ، وكرهه الحسن ومالك وأحمد في رواية لأن فيه موافقة لليهود، قال مالك :« الصواب في خلاف اليهود وعامة ما رأيت الختان ببلدنا إذا أثغر »([13]).

المطلب الثاني : حق العلاج البدني

  وإذا حلت الأمراض بالأجسام ، فقد جاء الأمر النبوي بالتداوي فقد قَالَتْ الْأَعْرَابُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَدَاوَى قَالَ نَعَمْ يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً أَوْ قَالَ دَوَاءً إِلَّا دَاءً وَاحِدًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُوَ قَالَ الْهَرَمُ»([14]) ومن حقوق نفقة الولد حق العلاج.

  وبعض الآباء مع الأسف الشديد طغى عليهم الشح والبخل فتراهم يهملون علاج أولادهم في الأمراض الخفيفة القابلة للتطور حتى تتغلظ ويعسر شفاؤها، ومنهم من يستعمل الأدوية المتوفرة لديه من غير وصفة، ومنهم من لا يشتري الدواء إذا وجده باهظ الثمن، وكل هذا من تضييع الأمانة وتضييع من وجب عليه قوته وحفظه ورعايته. 

  ومما ينصح به الآباء في هذا الزمان اعتماد الطب العربي أو ما يسمى بالطب النبوي ، وذلك بالرجوع إلى المتخصصين فيه طبعا، ومن ميزة هذا العلاج أن أدويته طبيعية ليس لها مؤثرات جانبية وأنها أدوية في كثير من الأحيان مفردة غير مركبة، ومن وصايا أهل الطب في القديم أنهم قالوا:« متى أمكنك أن تعالج المريض بالغذاء فلا تعطه شيئا من الأدوية، ومن قدرت أن تعالجه بدواء خفيف مفرد فلا تعالجه بدواء مركب، ولا تستعمل الأدوية الغريبة المجهولة ما أمكنك، إلا أن يصح لك شيء منها بالتجربة»([15]).

   وأما الأدوية التي جاء النص عليه غي سنة النبي صلى الله عليه وسلم فهي إضافة على ما ذكر أدوية وقائية لا باس من استعمالها من غير علة .

1-العسل والحجامة ، قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم :« الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ شَرْبَةِ عَسَلٍ وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ وَكَيَّةِ نَارٍ وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ »([16])، وقال تعالى: (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ) (النحل:69).

3-التمر : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ » ([17]).

4-الحبة السوداء ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا مِنْ السَّامِ قُلْتُ وَمَا السَّامُ قَالَ الْمَوْتُ» ([18]) .

5-زيت الزيتون ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ » ([19]).

6-القسط الهندي ، وفيه أم قَيْسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ أنها أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِابْنٍ لَهَا قَدْ عَلَّقَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْعُذْرَةِ فَقَالَ اتَّقُوا اللَّهَ عَلَى مَا تَدْغَرُونَ أَوْلَادَكُمْ بِهَذِهِ الْأَعْلَاقِ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ»([20]). وحديث : «إن أفضل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري» ([21]).

7-والتلبينة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم:« التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ» ([22]). 

8-الماء ، ومنه ماء بئر زمزم الذي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم :« إنها مباركة إنها طعام طعم([23])، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ »([24]).

المطلب الثالث : الرقية والتعاويذ

    وبقي أمر مهم يتعلق بالرعاية الصحية لا بد من الاعتناء به وهو جانب الرقية الشرعية والتعاويذ، التي يحتاج إليها الطفل منذ ولادته، فإن إصابة الأطفال في صغرهم بالعين أكثر من إصابتهم بالأمراض العضوية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :« الْعَيْنُ حَقٌّ» ([25])، والإصابة بالعين لا تكون من حاسد فحسب، بل قد تكون من كل معجب فقد يصيب الوالدان ولدهما بالعين، كما قد يصيب المرء نفسه بالعين إذا أعجب بها، لذلك كان على كل مسلم أن يتعلم كيف يتعوذ نفسه وأهله من العين وغيرها، وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ:« اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبْ الْبَاسَ اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا»([26]). وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:« كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّة»([27]).

   والتعويذ من الاستعاذة بمعنى طلب الحماية والحفظ والرعاية من الله تعالى للمعوذ، وهذا التعويذ من واجبات الآباء نحو أولادهم لأنه به يحفظون من الأمراض التي تصيبهم من جهة الشيطان والنفوس الخبيثة، وقد حث على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه لما أخبرنا بأن الْعَيْنُ حَقٌّ فإنما أراد منا أن نتقي منها بالاستعاذة، وإن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم رقية الأولاد خوفا عليهم ووقاية لهم من الإصابة قبل حدوثها. ومن طرق الوقاية أن ندعو للأولاد بالبركة إذا رأينا منهم ما يعجبنا وعلينا أن نذكر بذلك كل من نراه قد أعجب بالولد أو أعجبه منه شيء، فقد ثبت أن عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ انطلقا يُرِيدَانِ الْغُسْلَ فقَالَ عامر : فَوَضَعَ سهل جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ صُوفٍ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَأَصَبْتُهُ بِعَيْنِي فَنَزَلَ الْمَاءَ يَغْتَسِلُ، فَسَمِعْتُ لَهُ فِي الْمَاءِ قَرْقَعَةً فَأَتَيْتُهُ فَنَادَيْتُهُ ثَلَاثًا فَلَمْ يُجِبْنِي، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ قَالَ فَجَاءَ يَمْشِي فَخَاضَ الْمَاءَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ قَالَ فَضَرَبَ صَدْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ:« اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ حَرَّهَا وَبَرْدَهَا وَوَصَبَهَا» فَقَامَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيُبَرِّكْهُ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ »([28])، وفي رواية ابن ماجة: « ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيَغْسِلْ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ»([29])، هكذا تكون الوقاية من العين بالدعاء بالبركة والتعويذ، وليس بتعليق الخيوط والحروز والخامسات وغيرها من الأمور الشركية.

   ومن واجب الآباء أيضا علاج أولادهم في حالة إصابتهم، وقد ثبت أن النبي e رأى في بيت أُمِّ سَلَمَةَ جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ (صفرة) فَقَالَ:« اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ»([30]).

  وهذه الرقية لا تكون إلا بكتاب الله تعالى وبالأدعية والطرق المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن من الجرائم التي يرتكبها الآباء في حق أولادهم الذهاب بهم إلى الكهان والسحرة بغرض الرقية أو بغرض الكهانة للسؤال عن مستقبلهم وهل يعيشون، فربما يكون ذلك سببا لتسليط الشياطين على الصبي منذ سن مبكر ، وقد يتعذر تخليصه من السحر والمس إذا كبر ، وكثير من الناس هذا هو سبب تحولهم بعد ذلك إلى مشعوذين يعبدون الشيطان ويدعون علم الغيب ويعالجون بالسحر .

   ومن المظاهر المنتشرة في هذا الباب وضع وتعليق ما يسمى بالعياشة، وذلك شرك بالله تعالى أكبر أو أصغر ، ومن التعاويذ غير الشرعية كالتلطيخ بالقطران وما يسمى بالشبر (ومنهم من هو متخصص في ذلك)، ومن ذلك تعليق التمائم بأنواعها خاصة تمائم الطلاسم التي هي من الشرك الأكبر روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ» فقَالَتْ له زوجته لِمَ تَقُولُ هَذَا وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تَقْذِفُ وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ يَرْقِينِي فَإِذَا رَقَانِي سَكَنَتْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّمَا ذَاكَ عَمَلُ الشَّيْطَانِ كَانَ يَنْخُسُهَا بِيَدِهِ فَإِذَا رَقَاهَا كَفَّ عَنْهَا إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ أَذْهِبْ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا ([31]).

المطلب الرابع : نصائح عامة

   ذكر ابن القيم في تحفة المودود مجموعة من النصائح المتعلقة بالرعاية الصحية ، سبق منها ما يتعلق بالغذاء ، ونسوق ما بقي منها اختصار([32]):

1-وينبغي أن يمنع حمل الولد والطواف به حتى يأتي عليه ثلاثة أشهر فصاعدا لضعف بدنه.

2-لا ينبغي أن يشق على الأبوين بكاء الطفل وصراخه، ولا سيما لشربه اللبن إذا جاع فإنه ينتفع بذلك البكاء انتفاعا عظيما، فإنه يروض أعضاءه ويوسع أمعاءه ويفسح صدره ويسخن دماغه ويثير حرارته ويحرك الطبيعة لدفع ما فيها من الفضول ويدفع فضلات الدماغ من المخاط وغيره .

3-ينبغي أن لا يهمل أمر قماطه ورباطه ولو شق عليه إلى أن يصلب بدنه وتقوى أعضاؤه ويجلس على الأرض، فحينئذ يمرن ويدرب على الحركة والقيام قليلا قليلا.

4-ينبغي أن يوقى الطفل كل أمر يفزعه من الأصوات الشنيعة والمناظر الفظيعة والحركات المزعجة، فإن ذلك ربما أدى إلى فساد عقله، فإذا عرض له عارض من ذلك فينبغي المبادرة إلى إيناسه بما ينسيه إياه ليزول عنه ولا يرتسم في قوته الحافظة، فيعسر زواله كالمسارعة إلى رضاعه أو تنويمه.

5-إذا قرب وقت التكلم يدلك لسانه بالعسل والملح لما فيهما من الجلاء للرطوبات المانعة من الكلام.

6-إذا حضر وقت نبات الأسنان فينبغي أن يدلك لثاه كل يوم بالزبد والسمن، ويحذر عليه كل الحذر وقت نباتها إلى حين تكاملها وقوتها من الأشياء الصلبة.

7-يتغير حال المولود عند نبات أسنانه ويهيج به التقيء وسوء الأخلاق ولا سيما إذا كان نباتها في وقت البرد أو وقت شدة الحر، فينبغي التلطف في تدبيره وقت نباتها وأن يكرر عليه دخول الحمام وأن لا يملأ بطنه من الطعام، فإن كان بطنه معتقلا عند نبات أسنانه فينبغي أن يبادر إلى تليين طبيعته فلا شيء أضر على الطفل عند نبات أسنانه من ذلك.

8-الحذر من حمل الطفل على المشي قبل وقته، لأنه يعرض أرجلهم إلى الانفتال والاعوجاج.

9-الحذر من أن تحبس عنه ما يحتاج إليه في قيء أو نوم أو طعام أو شراب أو عطاس أو بول أو إخراج دم، فإن لحبس ذلك عواقب رديئة في حق الطفل والكبير.

 

 



[1]/ رواه البخاري (5889) ومسلم (257).

[2]/ رواه النسائي (5) وابن ماجة (289).

[3]/ رواه الترمذي (2380) وصححه.

[4]/ منهم من يرويه مرفوعا ولا أصل له .

[5]/ رواه أبو داود (3728) وابن ماجة (2388) والترمذي (1888) وصححه.

[6]/ رواه البخاري (247) ومسلم (2710).

[7]/ رواه البخاري (3280) ومسلم (2013) واللفظ له.

[8]/ رواه البخاري (6298) ومسلم (2170).

[9]/ تحفة المودود لابن القيم (174).

[10]/ انظر الإعجاز الطبي في السنة النبوية كمال المويل (78-80).

[11]/ رواه البخاري (6299).

[12]/ تحفة المودود لابن القيم ().

[13]/ تحفة المودود لابن القيم ().

[14]/ رواه أبو داود (3855) والترمذي (2038) وصححه.

[15]/ .

[16]/ رواه البخاري (5680).

[17]/ رواه البخاري (5445) واللفظ له ومسلم (2047).

[18]/ رواه البخاري (5687) ومسلم (2215).

[19]/ رواه الترمذي (1852) عن أبي أسيد وصححه الألباني.

[20]/ رواه البخاري (5713) ومسلم (287).

[21]/ رواه البخاري (5696) ومسلم (1577).

[22]/ رواه البخاري (5417) ومسلم (2216).

[23]/ رواه مسلم (2473) وزاد الطيالسي (457) « وشفاء سقم » وصححه الألباني في صحيح الجامع (2435).

[24]/ رواه البخاري (3263) ومسلم (2210) عن عائشة.

[25]/ رواه البخاري (5740) ومسلم (2187).

[26]/ رواه البخاري (5743) واللفظ له ومسلم (2191).

[27]/ رواه البخاري (3371).

[28]/ رواه أحمد (3/447) والحاكم (4/215) وصححه الألباني في الصحيحة (2572).

[29]/ رواه ابن ماجة (3509).

[30]/ رواه البخاري (5739) ومسلم (2197).

[31]/ رواه أبو داود (3883) وصححه الألباني.

[32]/ تحفة المودود لابن القيم (230-237).

تم قراءة المقال 13722 مرة