طباعة
الأربعاء 3 ربيع الأول 1436

(32) التربية العقائدية :محبة الله تعالى مميز

كتبه 
قيم الموضوع
(3 أصوات)

المبحث الرابع : محبة الله تعالى

   من الأمور المهمة التي ينبغي أن يُنشّأ عليها الطفل المسلم؛ حب الله تعالى وحب الرسول  وحب الصحابة الكرام، وهذه القضية من صلب العقيدة الإسلامية، بل إن محبة الله تعالى هل أصل الإيمان على الإطلاق، وهي التي تثمر بعد حصولها بقية خصال الإيمان، وقد أوجبها الله تعالى على المؤمنين، وأوجب عليهم أن تكون هذه المحبة فوق كل محبوب في الدنيا، فقال عز وجل : قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (التوبة:24)، وجعل أول صفات العباد الذين يرضى عنهم أنهم يحبونه؛ فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (المائدة:54)، وبيَّن أن التوحيد الخالص لا يكون إلا بإفراد الله تعالى بالمحبة المطلقة؛ فقال:  وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ (البقرة:165)، والعبادة التي خلقنا الله تعالى لأجلها هي أعلى مراتب الحب، قال السعدي رحمه الله:« أصل التوحيد وروحه إخلاص المحبة لله وحده، وهي أصل التأله، بل هي حقيقة العبادة، ولا يتم التوحيد حتى تكمل محبة العبد لربه وتسبق جميع المحاب وتغلبها، ويكون لها الحكم عليها، بحيث تكون سائر محاب العبد تبعا لهذه المحبة التي بها سعادة العبد وفلاحه»( ).     وهي علاوة على ذلك من أعظم وسائل تقويم سلوك الأولاد، وتثبيتهم على دين الإسلام وعلى طاعة الله تعالى ورسوله  وعلى التزام سنة المصطفى ، فمن غُرست في قلبه محبة الله ورسوله كان مستقيما في عقيدته وعبادته وأخلاقه، ومهما انحرف في بعض المسائل والجزئيات ومهما غفل أو نسي؛ فإن المحبة التي في باطنه لا بد أن ترجعه إلى طريق الاستقامة بإذن الله تعالى.
كيف نعلم أولادنا محبة الله تعالى
1-أول شيء يبدأ به المربي تذكير الطفل بنعم الله تعالى الظاهرة والباطنة التي نتقلب فيها، وليكن أول ما يشرحه منها النعم التي يشاهدها الولد نحو الطعام والشراب، فيعلمه أن يقول "بسم الله" في أوله و"الحمد لله" في آخره، ويلقنه أن هذا رزقٌ من الله تعالى، ومن تلك النعم الظاهرة سلامة الحواس؛ فيلقنه أن الله تعالى هو الذي أعطاه العينين والأذنين واللسان والأنف واليدين والرجلين وغير ذلك من الأعضاء، ويلقنه أيضا أن الله تعالى هو الذي خلق السماء والأرض والبحار والجبال والأشجار والأزهار؛ ولا شك أن الولد بفطرته سيحب كل من صنع له هذه الأشياء العظيمة وسخرها له.
2-من الأمور التي تغرس المحبة في قلوب الناشئة تحديثهم عن الجنة وما أعد الله سبحانه فيها لعباده المتقين، من أنهار العسل واللبن والخمر والظل الدائم والثمار ذات القطوف الدانية والحور والخدم والقصور، ويكفي للدلالة على عظيم نعمة الله على أهل الجنة أن يذكر حديث آخر أهل الجنة دخولا إليها ، حيث قال  : «إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ كَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى فَيَقُولُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى فَيَقُولُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا أَوْ إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ تَسْخَرُ مِنِّي أَوْ تَضْحَكُ مِنِّي وَأَنْتَ الْمَلِكُ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ  ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَكَانَ يَقُولُ ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً» ( ).
3-وعندما يشاهد الولد الأبوين يقيمان الصلاة وغيرها من الفرائض، أو يعرضان عن شيئ من المحرمات فإنه كثيرا ما يسأل عن سبب ذلك، فلا بد أن يتضمن جوابهما ذكر محبة لله تعالى وطاعته، فيكون ذلك من التربية بالقدوة على محبة الله تعالى لأن الولد يقتدي بوالديه.
4-ومن أنفع الطرق الموصلة إلى محبة الله تعالى تعليم الولد أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته العلية الدالة على كماله وجماله، فالله تعالى هو الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء وهو الرؤوف والرأفة أعلى معاني الرحمة وهي رحمة وحنان، وهو العفو الذي يعفو عن الزلات والغفور الذي جمع إلى العفو الستر، وهو الحليم الذي يصبر على كفر الناس وفسوقهم، والكريم الذي يعطي من غير طلب وبلا سبب، وهو الهادي الذي يرشد عباده إلى جميع المنافع، ويحذرهم من المضار ويعلمهم ويوفقهم للخير، وهو الودود الذي يحَب ويحِب.
5-وإذا بلغ الطفل سنا يفقه فيها معنى الواجبات فإنه يعلم وجوب هذه المحبة، فتذكر له أدلة ذلك، كقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ (البقرة:165)، ويحذر أيضا من أضدادها ونواقضها كسب الله تعالى وسب الدين الذي ينفي المحبة من القلب ويخرج العبد من دين الإسلام.
لوازم محبة الله تعالى وثمارها
   ومع تعليم الولد محبة الله تعالى يجب أن نعلمه أيضا لوازم هذه المحبة وثمارها .
1-وأول ذلك الانقياد لله تعالى وتقديم طاعته على طاعة غيره من البشر، فيقال للولد إذا كنت تحب الله تعالى افعل كذا وكذا ، وإذا أردت أن يحبك الله فافعل كذا وكذا .
2-ومما يتبع محبة الله تعالى محبة أوليائه ومولاة المؤمنين خاصة أهل العلم والطاعة منهم، بمعنى محبتهم ونصرتهم، قال سبحانه:  إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ  (المائدة 55).
   ويتبعها أيضا البراءة من أعداء الله تعالى من اليهود والنصارى ومعاداتهم وعدم التشبه بهم في الكلام والملبس والشعارات، قال تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ  (المجادلة22).
   وعلينا نغتنم الأحداث الجارية في العالم وفي فلسطين للتأكيد على هذه العقيدة المهمة -عقيدة الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين-، فنُشرك أولادنا في الدعاء لإخواننا المؤمنين المستضعفين، وفي الدعاء على الظالمين المعتدين ولذلك إن شاء الله تعالى بالغ الأثر في ترسيخ هذه العقيدة المبنية على محبة الله تعالى .
3-ومن لوازم المحبة التي ينبغي أن يتربى عليها أبناؤنا الغيرة على دين الله ونصرته والتضحية في سبيله، فلا بد أن نغرس فيهم منذ نعومة أظفارهم مبادئ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتضحية في سبيل الله ببذل الغالي والنفيس لنصرة دينه، وخير سبيل للوصول إلى هذه الغاية مدارسة سيرة النبي وما تضمنته من تضحيات الرعيل الأول من أصحابه رضي الله عنهم، وكذا سير الصحابة والصحابيات والعلماء الربانيين من التابعين ومن جاء بعدهم.

تم قراءة المقال 5052 مرة