الأحد 11 شوال 1442

(38) التربية على العبادة : التربية على إقامة الصلاة مميز

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الفصل الخامس : التربية على العبادة

    إنّ من أهم محاور التربية الروحية والإيمانية للطفل التربية على العبودية لله تعالى، بمعنى تنشئته على الذل والخضوع لله رب العالمين، وبمعنى تربيته على الحرص على أداء حقوق رب العالمين بأن يعبده وأن لا يشرك به شيئا.
    فلا بد أن يفهم أولادنا أن سبب وجودهم في هذه الدنيا وعلة خلقهم هو عبادة الله تعالى قال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذريات:56) وإن الطفل إذا اعتقد هذا واختلطت هذه الفكرة بلحمه وعظمه؛ سهل أمر قيادته وتوجيهه، بل إنّ هذا الأمر كفيل بأن يهديَ الطفل إلى الصراط المستقيم وأن يرسم له منهاج حياته.
المبحث الأول : التربية على إقامة الصلاة
    العبادة كما هو معلوم اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وهذه العبودية تضمّ أعمالا كثيرة أهمها على الإطلاق الأركان العملية الأربعة من أركان الإسلام (إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت) ولنبدأ بعبادة الصلاة، التي هي عمود الإسلام وأوّل دلالة عملية عليه، وقد جاء بالأمر بتعليم الأولاد الصلاة وتعويدهم عليها في القرآن الكريم وفي السنة النبوية وفي آثار السلف الصالح، فقال ربنا عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (طـه:132) وأثنى على إسماعيل بأنّه كان يأمره بالصلاة، قال سبحانه: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً) (مريم:54-55). وأخبرنا أنّ من وصايا لقمان الحكيم لابنه الوصية بالصلاة، فقال-على لسان لقمان- : (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان:17).
     وقال صلى الله عليه وسلم :« مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ» (رواه أبو داود)، وقال ابن مسعود:« حافظوا على أولادكم في الصلاة، وعودوهم الخير؛ فإنما الخير عادة ». فلابد من تعليم الأولاد الصلاة وأحكامها، ولابد من إقناعهم بضرورتها وعظم قدرها وأن نبين لهم مقاصدها وثمارها، وليحذر الآباء من أن يبوؤوا بإثم ترك أولادهم للصلاة؛ فينطبق عليهم وعلى أولادهم قول الله تعالى: ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) (مريم:59).

كيف نربي أولادنا على الصلاة

أولا : أمر الأولاد بها وتعويدهم عليها
    فيجب على الآباء أمرهم بالصلاة ذكرانا وإناثا إذا بلغوا سبع سنين، ثم بضربهم عليها إذا بلغوا عشر سنين، وهنا نلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب على الآباء أمر أولادهم بالصلاة وضربهم عليها قبل سن التكليف؛ وذلك لحكمة ظاهرة وهي حصول الاعتياد عليها؛ حتى إذا بلغوا سن التكليف كانوا قد اعتادوا عليها واستأنسوا بها. ولا يسأم الآباء من تكرار تذكيرهم بالصلاة عند دخول وقتها، لأن الغالب في الأولاد عدم ضبط أوقات الصلاة واللهو عنها فيحتاجون إلى من يذكرهم ويداوم على تذكيرهم.
    ولا يجب على الآباء أن يأمروا أولادهم بالصلاة قبل هذه السن إلا أن يشأ أحدهم، وأما حديث :« إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة » فهو حديث ضعيف(رواه أبو داود وضعفه الألباني).
ثانيا : تعليم الأولاد أحكام الصلاة والوضوء
    إن أمر بأمر الأولاد بالصلاة يتضمن الأمر بتعليمهم صفتها وأحكامها، فلا بد من تعليمهم كيفية الوضوء، وصفة الصلاة كما كان النبي يصليها لقوله صلى الله عليه وسلم :« صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي » (رواه البخاري). وتعليم الوضوء لا ينبغي أن يكون نظريا فقط، بل إن طريقه الأساسي عملي ويكون ذلك بالوضوء بحضرته أو طلب إعانته عليه، وهذا ما وجدنا عليا رضي الله عنه صنعه مع ابنه الحسين رضي الله عنهما، فعن الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ قَالَ دَعَانِي أَبِي عَلِيٌّ بِوَضُوءٍ فَقَرَّبْتُهُ لَهُ فَبَدَأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي وَضُوئِهِ ثُمَّ مَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثًا ثُمَّ الْيُسْرَى كَذَلِكَ ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثًا ثُمَّ الْيُسْرَى كَذَلِكَ ثُمَّ قَامَ قَائِمًا فَقَالَ نَاوِلْنِي فَنَاوَلْتُهُ الْإِنَاءَ الَّذِي فِيهِ فَضْلُ وَضُوئِهِ فَشَرِبَ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ قَائِمًا فَعَجِبْتُ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ لَا تَعْجَبْ فَإِنِّي رَأَيْتُ أَبَاكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ مِثْلَ مَا رَأَيْتَنِي صَنَعْتُ يَقُولُ لِوُضُوئِهِ هَذَا وَشُرْبِ فَضْلِ وَضُوئِهِ قَائِمًا » (رواه النسائي)، وكما اعتمد هذه طريقة مع ولده فقج اعتمدها من غيره؛ حيث روى عبد خير قَالَ أَتَانَا عَلِيٌّ رضي الله عنه وَقَدْ صَلَّى فَدَعَا بِطَهُورٍ فَقُلْنَا مَا يَصْنَعُ بِالطَّهُورِ وَقَدْ صَلَّى مَا يُرِيدُ إِلَّا لِيُعَلِّمَنَا فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَطَسْتٍ فَأَفْرَغَ مِنْ الْإِنَاءِ عَلَى يَمِينِهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا ...الحديث(رواه أبوداود).
    ولا بأس بأن تستعمل أشرطة (فيديو) تعليمية جذابة تصوّر صفة الوضوء والصلاة، وكذا كتب التلوين بالنسبة للأطفال الذين لم يبلغوا سن السابعة.
   ومما لابد منه أيضا تعليم الأولاد سورة الفاتحة وبعض قصار السور ليصلي بها كالإخلاص والمعوذتين في سن مبكر، وكذا أذكار الصلاة كالتشهد والصلاة الإبراهيمية، فعن ابْنَ مَسْعُودٍ قال : «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ » (متفق عليه).
ثالثا : التربية بالقدوة
   من أهم وسائل تربية الأولاد على الصلاة القدوة؛ فلا بد أن يحرص الوالدان على المحافظة على الصلاة في وقتها، وأن يظهرا ذلك لأولادهما، ولا يمكن أن يحصل تعظيم الصلاة في نفس طفل وهو يسمع من والديه غير ما يراه منهم، وإنّ الطفل الذي ينشأ في وسط المصلين تجده يطلب بنفسه الصلاة ويقتدي بوالديه في أفعالها قبل أن يعقل معناها، وإذا حدث ذلك فعلينا أن نتركه على فطرته يقلد كما يشاء، ولا نمعنه.
   ومما يدلنا على أثر القدوة في تعليم الصلاة حديث ابن عباس رضي الله عنهما لما قام الليل مع النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث قال ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ»(متفق عليه)، فهذا ابن عباس وهو غلام بمجرد أن رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وقام للصلاة قام هو أيضا من غير أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بشيء وتوضأ وصلى معه، ولم يمنعه النبي صلى الله عليه وسلم بل صحح له كيفية صلاته، وهذا هو واجب الآباء فيمثل هذه الحال، وليس هو نهيهم كما يفعله من لا يدري ويزعم أنه ما زالوا صغارا ويتعلل لنهيهم بأنهم لا يعرفون قدرها وأنهم سوف يتركونها.
   ولما كان الرجال يصلون الصلوات المفروضات في المساجد غالبا؛ أمرهم النبي  أن يصلوا من النوافل في البيوت، فقال صلى الله عليه وسلم:« اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا »(متفق عليه)، ومن حكم هذا الأمر أن لا يتوهم الصبيان أن الآباء لا يقيمون الصلاة، ومن أجل تحصيل هذا الاقتداء أيضا قد سن النبي  لأمته أن يأتوا بالصبيان إلى المساجد.
رابعا: الترغيب في الصلاة
   من طرق تربية الأولاد على الصلاة الترغيب فيها، وهذا الترغيب لابد أن يبدأ قبل سن السابعة، ومن طرق ذلك حث الأولاد على شكر نعم الله تعالى فتذكر لهم بعض النعم الظاهرة والباطنة، ثم يبين لهم أن هذه النعم تستوجب منا شكرها بعبادة الله تعالى، وأهم العبادات وأحبها له هي الصلاة.
-ومن طرق ترغيبهم في هذه السن استخدام التحفيز، فتجعل للأولاد مكافآت على أداء الصلاة وعلى المحافظة عليها في وقتها، ولكن ينبغي الحذر من الإكثار من مكافأته حتى لا يرتبط قلبه بالهدايا فتصير هي الغاية لا نيل رضا الله تعالى.
-ومن طرق التحفيز : التحفيز بالكلمات الطيبة فيقال له:" إن سعيك إلى الصلاة هو سعي إلى الجنة"، ويقال :"هكذا يرضى عنك الله تعالى ويحبك كثيرا".
-ومنها أن يمدح بأنه يصلي أمام الأقارب والجيران وأمام أقرانه الذين في سنه.
-ومنها أن نجعل للطفل سجادة صغيره بحجمه خاصة به يصلي عليها، ونشتري للبنت الصغيرة خماراً خاصا للصلاة.
    وبعد سن السابعة إذا بلغ سن التمييز والتعليم ننتقل إلى استعمال الترغيب الشرعي؛ الذي يتضمن في الوقت نفسه تعلميه جملة من العقائد .
1-كأن يقال له : يا بني إنّ الصلاة عمود الدين والركن الأول من الأركان العملية للإسلام، وآخر وصية كان يوصي بها النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته، وآخر عروة من عرى الإسلام تبقى، وهي حق الله تعالى ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. وقال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (مريم:59).
2-يا بني إنك بإقامتك الصلاة تحافظ على عقيدتك وانتمائك، وتجدد عهدك مع الله تعالى، فالذي يصلي يشعر أنه مسلم وعنده برهان على ذلك، وتارك الصلاة من أبعد الناس عن الله تعالى وعن الدين.
3-يا بني إن الصلاة إيمان، قال تعالى : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ) (البقرة: 143)، وهي وسيلة الثبات على الدين ووسيلة للثبات على مصائب الدنيا ، قال تعالى:  (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة:45)، ففي الصلاة أعظم عون للعبد، وقد كان النبي  إذا أهمه شيء فزع إلى الصلاة.
4-يا بني إن هذه الصلاة فرصة للاقتراب من الله تعالى، بالذل والخضوع له ألم تسمع إلى قوله تعالى : ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ) (العلق:19) وقوله صلى الله عليه وسلم :« أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ»(رواه مسلم).
5-يا بني إن هذه الصلاة مناجاة بينك وبين ربك، وفرصة لدعائه والاستعانة به والاستعاذة به، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى في الحديث القدسي:« قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي وَإِذَا قَالَ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ مَجَّدَنِي عَبْدِي وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي فَإِذَا قَالَ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قَالَ هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ »(رواه مسلم).
6-يا بني إن في هذه الصلاة حقا لله تعالى وحقا لرسوله صلى الله عليه وسلم وحقا للمؤمنين، إذ فيها الثناء على الله تعالى من ذكر وتعظيم وتنزيه وتمجيد، وفيها الثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم ، بالشهادة له بالرسالة والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، وفيها الثناء على المؤمنين السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، قال تقي الدين السبكي :« لكلِّ مسلم عندي، وعند كل مسلم حقّ في أداء هذه الصلوات الخمس. ومتى فَرَّط مسلم في صلاة واحدة كان قد اعتدى على كل مسلم، وأَخَذَ له حقًّا من حقوقه ».
7-يا بني إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، قال تعالى : ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)(العنكبوت:45)  -وذلك بالمواظبة عليها لأنها إيمان والإيمان يدعو إلى ترك المعاصي.
-لأنها طهارة من الذنوب والقلب الطاهر يمنع صاحبه من المعاصي.
-ولأن فيها ذكر الله تعالى ومن ذكر الله تعالى خافه ولم يعصه.
8-يا بني إن الصلاة مفتاح للخير وسبب للرزق، وتارك الصلاة محروم من مناجاة ربه ومن دعائه ومن الاتصال به، المصلي يصلي صلاة الاستخارة إذا احتار في أمر، ويصلي إذا كانت له حاجة من حوائج الدنيا، ويصلي إذا أصابه هم أو غم أو حزن وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أهمه أمر فزع إلى الصلاة، وقال تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (طـه:132)  9-يا بني إن الصلاة تكفّر الذنوب وتمحوا السيئات، قال تعالى: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ  ) (هود:114)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ»(رواه مسلم).
10-يا بني إن للمصلين نورا يوم القيامة يحرم منه غيرهم، وإن لهم علامة يعرفون بها فتكون وجوههم وأطرافهم بيضاء من أثر الوضوء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ » (متفق عليه)، وقد علمتم أن الله حرم على النار أن تأكل مواضع السجود، فمن استحق العذاب من المصلين، فإن النار لا تحرق وجوههم وأطرافهم.
11-يا بني إن الصلاة توجب استغفار الملائكة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :« فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ»(متفق عليه).
    ونذكر هنا أن قضية التعويد على الصلاة والترغيب فيها من واجب الوالدين جميعا فلا يتكل أحدهما على الآخر، وإذا غاب الرجل فالمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها.
    وعلى الأب أن يثابر على السؤال الدائم المستمر الذي يتكرّر كل يوم ولا يمل، وليكن ذلك مع عبارات لطيفة محببة: هل صليت يا بني بارك الله فيك؟ هل صليت نور الله قلبك؟
    ومن وسائل إيقاظ الحس بالصلاة لدى الأولاد أن نعودهم على ربط مواعيدهم بالصلاة، فمثلاً : سنتغذى بعد الظهر ونتعشى بعد المغرب، سنسافر بعد الصبح، وسنخرج للتنزه بعد العصر، وهكذا حتى تصبح الصلاة جزءا من حياة الطفل، بل حتى تصبح معيارا لنظام حياته.
خامسا : الترهيب من التهاون بالصلاة
    مما ينصح به في هذا المضمار أن يكرر الآباء بعض الآيات على مسامع أولادهم كقوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء: 103) وقوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) وقوله :  (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) (مريم:59) والغي الضلال والشر، وقوله تعالى:  (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (المدثر:43) .فإن مجرد تلاوة هذه الآيات عند التذكير بالصلاة يعد ترهيبا إيجابيا يغرس في نفس الولد الخوف من الله تعالى الذي هو عبادة من أعظم العبادات قال تعالى :  (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) (البقرة:40).
   ومن الترهيب الترهيب ببعض الأحاديث التي تُبين دخول تارك الصلاة في الكفر العملي وفي النفاق، كقوله صلى الله عليه وسلم:« بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ »(رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه)، الذي اختلف العلماء في تفسيره، ويكفي المسلم زجرا وتخويفا أن يختلف فيه العلماء، وكقول ابن مسعود رضي الله عنه عن أداء الصلاة في جماعة:« وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ» (رواه مسلم)، وقوله صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ»(متفق عليه)، وهذا فيمن يتخلّف عن الصلاة مع الناس، فماذا كان يفعل بمن لم يسجد لله سجدة لا في بيته ولا في المسجد.
    ومن الترهيبِ الترهيبُ ببغض الله تعالى وسخطه واستحقاق العقوبة على ترك الصلاة الواحدة، فكيف بمن ترك أكثر من ذلك، ومن ذلك قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) (الماعون:4-5)، قال مصعب بن سعد بن أبي وقاص لأبيه سعد: يا أبتاه أرأيت قوله تعالى : ( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) (الماعون:5) أيّنا لا يسهو؟ أيّنا لا يحدّث نفسه؟ فقال له :" ليس ذاك ، إنما هو إضاعة الوقت، يلهو حتى يضيع الوقت".
    ومن الأشياء التي يخوّف بها الولد إضافةً إلى غضب الله تعالى التخويفُ بالعذاب الأخروي، ونتنبه -ونحن نستعمل هذا الأسلوب- أننا نرسخ في نفس الولد عقيدة الإيمان باليوم الآخر في الوقت نفسه.
     فنخوّفه بعذاب القبر وقد جاء حديث سمرة بن جندب  رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام -ورؤيا الأنبياء وحي من الله - أناسا يعذبون في قبورهم فكان ممن رأى رجلا مضطجعا وآخر قائم عليه بصخرة يهوي بها على رأسه فيثلغ رأسه أي يشقه ثم يأخذ الحجر مرة أخرى فيضربه به مرة أخرى ويكون رأسه قد صح والتأم ولا يزال كذلك حتى تعجب النبي صلى الله عليه وسلم وقال سبحان الله ما هذان ، ثم قيل أما الذي يثلغ رأسه بالحجر فإنه يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة(رواه البخاري).
    ونخوفه بدخول النار، وقد اعترف أهل النار بأن من أسباب دخولهم النار تركهم للصلاة كما قال الله تعالى : (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (المدثر:42-44).
     ونرسّخ أيضا في نفس الولد عقيدة الحساب ووزن الحسنات والسيئات، بأن نذكره بأن ترك الصلاة يحبط كل الأعمال، فمن من أضاع صلاة العصر فقد حبط كل عمله في ذلك اليوم حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم :« مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ»(رواه البخاري)، بمعنى لو فرضنا أنه صام ذلك اليوم وتصدق بآلاف الدنانير وقام بأعمال خيرية كثيرة فإنه لن ينال من أجرها شيئا لكونه ترك صلاة العصر ولم يصلها في وقتها.
  وقال صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ »(رواه الترمذي وصححه الألباني)، ومنه فإن من الغرور الكبير أن يظن المرء أن غير الصلاة نافعه من دونها، فإنّ الصلاة عمود الدين وبصلاحها يصلح غيرها وبفسادها يفسد.
     ونرسّخ عقيدة الولد في الشفاعة يوم القيامة، بأن نذكره بأنّ ترك الصلاة سبب الحرمان من شفاعة المؤمنين، فقد جاء في أحاديث الشفاعة أن المؤمنين الناجين يشفعون في إخوانهم الذين يدخلون النار بمعاصيهم فيقولون:إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومنا معنا، فيقال لهم أخرجوا من عرفتم، فيخرجون من يعرفون، لأن النار لا تحرق الوجوه التي كانت تسجد لله أما غير المصلين فإنهم لا يعرفونهم فلا يشفعون فيهم!!
سادسا : القصة
   ومن طرق الترهيب أن تذكر للأولاد قصص أناس وهميين أو حقيقيين تاركين للصلاة كيف كانت حياتهم كئيبة مليئة المشاكل، أو كيف ابتلوا بسوء الخاتمة.    وبالمقابل تروى لهم قصص فيها ترغيب في الصلاة ببيان أثرها على وجوه المصلين، وعلى حياتهم وكيف كان توفيق الله لهم وحفظه لهم بسببها، وقد قال  :« احفظ الله يحفظك » وأول حفظ الله تعالى بعد توحيده إقامة الصلاة والحفاظ عليها.
سابعا : الصحبة
  ونجعل لأولادنا صحبة في المسجد وفي مدرسة المسجد، ونحذرهم من صحبة تاركي الصلاة في الشارع والمدرسة، بل علينا أن نحثه على أن دعوة زملاءه في الدراسة إلى إقامة الصلاة.
ثامنا : العقوبة عليها
   ومما يندرج في الترهيب الترهيب بالعقوبة قبل تنفيذها ثم تنفيذها إن ينفع الترهيب بها، وقد قال النبي  :« مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ»(رواه أبو داود). فإذا بلغ الولد ذكرا كان أو أنثى سن العاشرة استحق أن يُضرب على الصلاة، ووجب على الآباء استعمال هذه الطريقة؛ على أن يكون ضربهم ضرب المعلم المربي المشفق لا ضرب العدو المنتقم، إذ غاية المقصود أن يَعلم الطفل أن أمر الصلاة أمر جد لا هزل فيه، ولا بأس أن يقال له نحن نضربك بأمر رسول الله  .
   وإذا أباح الشرع استعمال عقوبة الضرب؛ فجواز استعمال العقوبات الأخرى مشروع من باب أولى؛ كعقوبة الهجر الذي يقدر أن يأتي بنتائج إيجابية، وكعقوبة الحرمان من الهدايا والأمور المادية التي يطمح إليها الأطفال.
    ونذكر في الأخير بضرورة الصبر على الأولاد في هذا الأمر العظيم، ولا سيما من غفل من الآباء عن واجبه تجاه أولاده حتى فاتته بعض المراحل فتأخر في تعليمهم وأمرهم أو فرض في ضربهم عليها، فعليه أن لا ييأس من صلاحهم وأن يثابر على نصحهم ودعوتهم حتى يستقيموا عليها بإذن الله تعالى.

تم قراءة المقال 435 مرة