لثلاثاء 2 محرم 1443

(40) التربية على العبادة : التربية على الصيام والزكاة والحج

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

المبحث الثالث : التربية على الصيام والزكاة والحج

    بعد أن تحدثنا عن التربية على الأذكار وقبلها الصلاة؛ نأتي للحديث عن التربية على بقية العبادات من أركان الإسلام، وهي الصوم والزكاة وحج بيت الله الحرام.
أولا : التربية على الصيام
    ولنبدأ بالصوم الذي هو عبادة روحية وجسدية يتعلم منها الطفل الإخلاص لله تعالى، ويتعلم منها الصبر على الطاعة، وضبط النفس وكبح جماح شهواته. وكما أمرنا  بتعليم الأولاد الصلاة قبل سن البلوغ كذلك نحن مأمورون بتعليمهم الصيام قبل ذلك.
   وقد اختلف العلماء في السن التي يؤمر فيه الصبيان بالصيام، والجمهور على أنه لا يجب على من دون البلوغ خلافا لابن الماجشون الذي أوجب صومه بمجرد الاطاقة دون اعتبار البلوغ ، واستحب جماعة من السلف أمرهم به للتمرين عليه إذا أطاقوه ، واختلفوا في حد الاطاقة فمنهم من قال سبع سنين ومنهم من قال عشر سنين كالصلاة وقيل ثنتي عشرة سنة ، وقال الأوزاعى: حدها أن يطيق صوم ثلاثة أيام تباعًا لا يخور فيهن.
    والذي نجده عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تعويد الصبيان على الصوم قبل أن يعقلوا، وقد روى الشيخان عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ (حتى يكون) عِنْدَ الْإِفْطَارِ»، وفي رواية لمسلم :" فَإِذَا سَأَلُونَا الطَّعَامَ أَعْطَيْنَاهُمْ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ.
   وقول هذه الصحابية الجليلة:« فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ» فيه بيان أن الأمر كان عاما للصحابة رضي الله عنهم وليس أمرا خاصا بها، وقولها الصغار منهم وأنهم كانوا يصنعون لهم اللعبة من العهن وأن أحدهم إذا جاع بكى يؤكد أنهم لم يعقلوا بعد ولكنهم كانوا يطيقونه دون أن يضعفهم.
    وفي هذا الحديث بيان ما كان عليه نساء الصحابة والسلف من العناية بتأديب الأولاد وتعويدهم على الخير والعبادة والطاعة إنهن النساء اللائي فقهن معنى قوله صلى الله عليه وسلم:« وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ »متفق عليه.
   فقد كانوا يصومون أولادهم في عاشوراء وهو نافلة؛ فكيف بشهر رمضان الذي هو شهر مبارك يجتمع الناس كلهم على صومه، وقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال لرجل سكران فِي رَمَضَانَ:"وَيْلَكَ وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ" فَضَرَبَهُ ونفاه إلى الشام، فدل على أن صيام الصبيان كان أمرا مشهورا وعاما في عصر الصحابة.
    والآباء مأجورون على ذلك كما ثبت أن امرأة رَفَعَتْ صَبِيًّا لَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ:« نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ» رواه مسلم ، فكذلك من علّم ولده الصوم؛ وإن كان لا يعقل وكان غير مكلف فلمن علمه وعوده أجر من غير شك. وإذا كان الولد يلقى مشقة في ذلك فلا إثم عليه لهذا الحديث.
    ومن طرق تعويد الأولاد على الصيام قبل العاشرة من عمره إذكاء روح المنافسة بينهم، أيهم يصوم أكثرَ من الآخر، وإذا عقلوا معنى الصوم حسُن أن يخاطبوا بفضائل الصوم حتى يَرغبوا فيه أكثر، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ» متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم:« مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه ، وقوله صلى الله عليه وسلم :«مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا » متفق عليه ، وقوله صلى الله عليه وسلم :« كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ » متفق عليه
ثانيا : التربية على الزكاة
  وبالنسبة لتربية الأولاد على الزكاة فيكون بتلقينهم حديث ابن عمر المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ » متفق عليه. الذي ينبغي أن يكون محفوظا عند الأطفال كما تحفظ سورة الفاتحة ، ويعلمون أن أبا بكر رضي الله عنه قاتل مانعي الزكاة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وتروى لهم أحاديث فضل الصدقة وتفسر لهم آيات القرآن في ذلك كقوله تعالى: ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (آل عمران:92)     وتكون تربيتهم على الزكاة أيضا بالقدوة؛ فلابد أن يرى الأولاد في آبائهم الجود وعدم الشح على الفقراء، والتزام إخراج الزكاة في وقتها، ومما يحسُن في هذا الباب أن ترسل العطايا إلى فقراء الجيران والأقارب مع الأولاد ليتربوا على السخاء والعطاء، وأن يكلّف الوالد ابنه أن يضع الدنانير في صندوق المسجد ليعوده على الصدقة أيضا.
ثالثا : التربية على الحج   
    والتربية على الحج إنما تكون بتلقين الولد بأنه من أركان الإسلام، وأنه واجب مرة في العمر على من استطاع إليه سبيلا، ومن طرق التربية عليه الترغيب فيه بما له من الفضل كقوله صلى الله عليه وسلم :« الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ » متفق عليه.
   ومن الطرق التي توصل إلى تحبيب الحج إلى الأولاد؛ اقتناء صور البقاع المقدسة، الكعبة وأماكن المناسك، والنظر إلى صور الحجيج الحيّة وهم يلبّون؛ التي لا شك أنها تغرس في النفوس شوقا كبيرا لزيارة بلد الله الحرام. ولمن أمكنه أن يأخذ ولده معه إلى الحج؛ فذلك خير، وهو من هدي السلف قال ابن عبد البر:« وحج السلف قديما وحديثا بالصبيان والأطفال يعرضونهم لرحمة الله ». وفي صحيح مسلم أن امرأة رَفَعَتْ صَبِيًّا لَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ:« نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ» رواه مسلم .

تم قراءة المقال 348 مرة