طباعة
لثلاثاء 16 محرم 1443

(45) التربية الأخلاقية : التربية على الصبر

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

المبحث الثالث : الصبر والتضحية

   من الأخلاق المهمة التي ينبغي أن يتربى عليها أبناء الإسلام خلق الصبر، مفتاح الفرج وسلاح الحياة الذي لا تفنى ذخيرته ولا تنقطع الحاجة إليه، وإذا كانت مهمة المربي هي صناعة الأجيال، فإن مما يحرص عليه الصانع أن يجعل من صنعته دائمة النفع وأن يصونها من تسارع الفساد إليها؛ فإن مما يحمى الأجيال من الفساد والتفسخ والانحلال تربيتهم على خلق الصبر.
    وهذا الخلق أكثر من ضروري للمرء في حياته ويحتاج إليه الطفل في أكثر من جانب.
1-فهو يحتاج إليه للقيام بواجب العبادة والثبات عليها، قال تعالى : ( فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِه) (مريم:65) وذكر العلماء من الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية.
2-ويحتاج إلى الصبر في مواجهة الفتن -من ابتلاءات والشهوات -التي تعرض عليه وتغريه بالانحراف عن منهج الله تعالى، قال سبحانه : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء:35)، وقال تعالى: ( وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً) (الفرقان: 20)
3-ويحتاج إلى الصبر لمواجهة صعاب الحياة ونوائب الدهر التي قدرها الله تعالى عليه، فقد يكون مريضا فيصبر على مرضه، وقد يكون فقيرا فيصبر على فقره، وإذا ابتلى بفقد أحبابه وأقاربه فلابد أن يصبر على فراقهم، وإذا ابتلى بظلم الناس وتعديهم، فلابد أن يصبر ويحتمل ليصد ويقاوم.
4-ويحتاج الولد للصبر للقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد عددناه من الأمور الأساسية في التربية العبادية، وكل من تصدى لهذا الواجب لابد أن يصبر على ما يصيبه في سبيل الله من ابتلاء، ولهذا قيل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى علم قبله وحلم معه وصبر بعده.
     ولشدة الحاجة لهذا الخلق وملازمته لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجد حاضرا في وصية لقمان الجامعة لابنه، حيث قال له : (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان:17)
وسائل التربية على الصبر
أولا : الموعظة الحسنة
   أول الوسائل يستعمل في تربية الطفل على الصبر الوعظ والتذكير كلما دعت مناسبة إلى ذلك، ومما ينبغي أو يوعظ به في مطلق الأحوال :
-يا بني إن الدنيا مهما طالت قصيرة، وإن الآخرة دائمة لا نهاية لها، فاصبر على الطاعة ساعة تنل ثوابا غير منقطع.
-يا بني إن الله تعالى خلق الملائكة وكلّفهم بالعبادة ليلا ونهارا، ونحن لم يكلّفنا إلا بما نقدر عليه؛ فلِمَ نستكثر العبادة ونستثقلها ولا نثبت عليها.
-يا بني لا تكن عجولا، فإن النصر مع الصبر وإن الفرج يأتي بعد الشدة، وإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ) (الأحقاف:35).
-يا بني لا معنى للجزع إذا حلّت بك المصائب ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما:« وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» رواه الترمذي وصححه.
-يا بني اعلم أن ما يصيبك إنما هو بما كسبت يداك، وأن هذه الدنيا دار الابتلاء والامتحان، قال الله تعالى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:142). -يا بني لا تقل لو كان كذا لكان كذا ، ولكن قل "قدّر الله ما شاء فعل" أو قل "إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها" كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم.
-يا بني كن حليما صبورا واعف عن الناس، وإن الله تعالى يقول: ( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (الشورى:43) .
ثانيا : الترغيب
   ومن الوسائل التي نستعملها لتنشئة الولد على خلق الصبر الترغيب فيه فيقال له:
-يا بني إن للصابر أجرا عظيما، وقد قال الله تعالى : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر:10).
-يا بني إن الله يحب الصابرين، قال الله سبحانه : ( وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:146) ولا غاية أنبل للمرء في هذه الدنيا من أن يكون محبوبا عند الله تعالى.
-يا بني إن أدرت أن تنال تأييد الله تعالى وإعانته فتحلى بالصبر ، لأن الله جل جلاله يقول : (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال:46)
-يا بني لا يدخل الجنة إلا الصابرون، قال تعالى : (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ) (المؤمنون:111) وتقول لهم الملائكة : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد:24).
    والأحاديث في الترغيب في الصبر كثيرة جدا فينتقي منها ما يناسب الحال.
ثالثا : القدوة والتعويد
   من وسائل تربية الولد على الصبر القدوة الصالحة، فعليك أيها المربي أن تجعل ولدك لا يرى منك جزعا لحطام الدنيا وسرعة التأثر لشهوات الدنيا.
  ومنها التعويد ومن ذلك تعويده على الصوم وقد علمنا أن الصحابة كانوا يعودون أولادهم الصيام قبل أن يعقلوا.
  ومن الصبر الذي يحصل بالعادة تعويدهم على بعض الخشونة في العيش، وتجنيبهم الرفاهية المفرطة التي تغرس الوهن في قلوبهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:« الْبَذَاذَةَ مِنْ الْإِيمَانِ» رواه أبو داود وابن ماجة وصححه الألباني ، وقال عمر رضي الله عنه «اخشوشنوا وتمعددوا وإياكم وزي العجم فإن النعم لا تدوم ».
  ومما يدخل في هذا المعنى تعمد تحميل الأولاد بعض المشاق عن طريق ممارسة أنواع الرياضات البدنية أو غيرها.
رابعا : القصص الهادف
    من وسائل التربية على الصبر أيضا القصص الهادف، وذلك بأن يقص المربي على ولده قصص الصابرين التي تبين شدة تحملهم وأن العاقبة لهم، ومن ذلك قصة أيوب عليه السلام فقد ابتلاه المولى عز وجل في ولده وماله وجسمه فصبر ولم يشتك إلا الله واشتكى بأدب فلم ينسب الشر إلى الله تعالى، ولم يستعجل الإجابة، وقد عوضه الله تعالى في الدنيا قبل الآخرة، قال: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء:83-84) قال مسني أي مسا خفيفا ولم يعظّم الأمر مع أنّه ذهب ماله وولده وبلاءه في جسده كان سببا لهجران الناس له.
    ومن القصص العظيم قصة أصحاب الأخدود وخاصة أن من أبطلها غلام صغير، ومنها قصة إبراهيم الذي أمر بذبح ولده فصبر وامتثل أمر ربه ، وولده الذي امتثل لأمر الله ووالده دون أي تردد.
   ومن قصص النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه لما كذبه أهل الطائف وضربوه حتى أدموه جاءه ملك الجبال وقال:« يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فَمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ  بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»مفق عليه.
    من قصص الصحابة رضي الله عنهم قصة تعذيب عمار بن ياسر وأبيه وأمه سمية أول شهيدة في الإسلام ، وقصة ضرب مشركي قريش لأبي بكر قبل الهجرة، وقصة مصعب بن عمير أول سفير في الإسلام وغيرها من القصص الكثير الذي يربى الأولاد على الصبر وتحمل المشاق وعلى التضحية وعلى تعظيم من يستحق التعظيم من الأنبياء عليهم السلام والصحابة وسلف هذه الأمة رضي الله عنهم.
   وننبه في الختام أن بعض هذا القصص قد يكون مكتوبا بأسلوب ميسر يقبله الأطفال ويكون قد صور في أفلام ورسوم متحركة ، فلا نغفل عن استغلال ذلك وعن توجيه الأولاد فيما يقرأون وما يشاهدون إلى ما فيه صلاح عقائدهم وأخلاقهم.

تم قراءة المقال 387 مرة