الخميس 18 محرم 1443

(47) التربية الأخلاقية: التربية على الحياء

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

المبحث الخامس : الحياء

   من أهم الأخلاق التي علينا أن نربي عليها أولادنا خلق الحياء، وقد ختم لقمان الحكيم وصيته الجامعة بما يدل عليه من خلال لوازمه حيث قال : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان:19) والقصد هو الوسط والعدل بين الطرفين، والغض هو الانقاص من قوة الشيء، المعنى كن معتدلا في مشيك وفي صوتك، كن معتدلا في هيئتك وأفعالك وأقوالك، فإن ذلك هو الخلق الحسن، وهذه المعاني تنطوي على معنى الحياء، إذ هو الباعث للإنسان أن يعتدل في مشيته وهيئته والباعث له إلى خفض صوته.
  وحقيقة الحياء "انقباض النفس من شيء وتركه حذرا عن اللوم أو خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في ذي الحق"، وقيل هو "ملكة راسخة للنفس توزعها تدفعها على إيفاء الحقوق وترك القطيعة والعقوق".
أهمية خلق الحياء
    إن خلق الحياء يعتبر ركيزة من ركائز الأخلاق الإسلامية، وقد جاء في الحديث: «إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ » رواه ابن ماجة وحسنه الألباني. ومعناه شامل للحياء من الله تعالى وللحياء من الناس ، فأما الحياء من الله تعالى فهو عبادة من العبادات القلبية تمنع من معصيته وتحث على التوبة والاعتذار منه، وأما الحياء من الناس فهو يمنع من الظلم والرذائل وكل قبيح، ويحث على الإحسان والخير. وقد قيل في تعريف الحياء إنه "خلق يبعث على ترك القبيح من الأقوال والأفعال والأخلاق، ويمنع صاحبه من التقصير في حق ذي الحق". وقد اعتبره النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان حيث مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ» متفق عليه، وقال في حديث آخر:« الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» متفق عليه.
طرق تربية الأولاد على خلق الحياء
أولا : الموعظة الحسنة
   من طرق تربية الأولاد على الحياء أمرهم به وتذكيرهم بأهميته وأنه خلق المسلمين، وعلى المربي أن يعلم هو أولا بأن الحياء من الأخلاق التي فطر عليه الإنسان فهو إذ يعظ أولاده لا يعلمهم شيئا غريبا عنهم وإنما يدعم الفطرة السليمة ويثبتها وينميها، وليذكر الأولاد بأن هذا الخلق كان ثابتا عند العرب حتى في جاهليتهم، كما تدل عليه قصة أبي سفيان مع هرقل وقد كان يومها كافرا ، حيث قال :« فوالله لولا الحياء من أن يؤثروا علي كذبا لكذبت » أي لكذب على النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله هرقل عن أحواله ولكنه لم يفعل ذلك وما منعه إلا الحياء من الناس.
ثانيا : الترغيب والترهيب
   ومن طرق تربية الأولاد على الحياء الترغيب فيه ببيان فضائله وذكر الأحاديث المرغبة فيه كقول النبي صلى الله عليه وسلم « الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ » متفق عليه. ويروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:« إِنَّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ عَشَرَةٌ: صِدْقُ الْحَدِيثِ، وَصِدْقُ الْبَأْسِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَإِعْطَاءُ السَّائِلِ، وَمُكَافَأَةُ الصَّنِيعِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ، وَالتَّذَمُّمُ لِلْجَارِ، وَالتَّذَمُّمُ لِلصَّاحِبِ، وَقِرَى الضَّيْفِ، وَرَأْسُهُنَّ الْحَيَاءُ».
  ويربى النشء على الحياء بترهيبه من ضده ، وأن من نزع منه الحياء استباح كل شيء وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» رواه البخاري. لأن مآله عدم الحياء من الله تعالى كما قال زيد بن ثابت رضي الله عنه:« مَنْ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ النَّاسِ، لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ». ومن لا يستحيي من ربه وخالقه والمنع عليه فلا إيمان له، وقد قال ابن عمر :« إِنَّ الْحَيَاءَ وَالْإِيمَانَ قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الْآخَرُ».
  وإن أعظم عقوبة لترك الحياء هي موت القلب، قال عمر بن الخطاب: « مَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ، وَمَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ»، وقال ابن القيم رحمه الله :« الحياء من الحياة ومنه الحيا للمطر لكن هو مقصور، وعلى حسب حياة القلب يكون فيه قوة خلق الحياء، وقلة الحياء من موت القلب والروح، فكلما كان القلب أحيا كان الحياء أتم».
ثالثا : القدوة
   من أهم طرق تربية البنين والبنات على الحياء أن يرى في حياتهم اليومية في سلوك الوالد والوالدة ؛ أن يرى في لسانهما وما يتلفظان به، في تصرفاتهما وتعاملهما مع الناس، وفي لباسهما ويرتديانه، فلا يسمعون منهما كلاما بذيئا خادشا ولا سبا فاحشا، ولا يرون منهم رعونة ولا وقاحة، ولا تكشفا ولا نظرا في الصور العارية وشبه العارية.
رابعا : التعويد عليه والتحذير من نواقضه
   ومن طرق التربية على الحياء تعويد الأولاد ذكورا وإناثا على ستر عوراتهم منذ نعومة أظفارهم قبل سن تمييزهم، ولا يقتصر في الستر على العورة الواجبة فقهيا في تلك السن، لأنه مفهوم الحياء يشملها ويزيد عليها، ومن الأمور المرتبطة بالحياء والحاصلة بالتعويد تربية البنات على الحجاب قبل سن البلوغ؛ حتى إذا بلغت تحجبت الحجاب الشرعي الكامل، وكذا تعويدهم على خفض الصوت حين الكلام وعلى خفض البصر احتراما لكل من هو أكبر منهم.
   ومما نلحقه بمعنى التعويد تحذير الأولاد وعدم تمكينهم من مشاهدة المناظر التي تخدش في الحياء؛ سواء كان ذلك في الشارع أو التلفاز أو الأنترنت، وأن نحذرهم من اختلاط الجنسين، ومن الذهاب إلى أماكن العري والفساد، ولا ننسى أعظم شيء مذهب للحياء في عصرنا بعد اللباس الفاضح وهو سماع الغناء الماجن، فلا أذهب للحياء ولا أفسد للأخلاق منه.
خامسا : القصص الهادف
   ومن طرق التربية على الحياء القصص الهادف، وأول ذلك قصص قدوة الخلق وسيد العالمين  الذي كان "أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا وَإِذَا كَرِهَ شَيْئًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ" كما قال أبو سعيد متفق عليه. والذي قال عن عثمان:« أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ »رواه مسلم.
    ومن أشهر الحوادث الدالة على حيائه صلى الله عليه وسلم أنه لَمَّا تَزَوَّجَ زَيْنَبَ أمر أَنَسٌا أن يدعو من يلقى من الْمُسْلِمِينَ ليعطموا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، وكان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وضع يَدَهُ عَلَى الطَّعَامِ فَدَعَا ليبارك فيه، وَبَقِيَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَطَالُوا عَلَيْهِ الْحَدِيثَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَحْيِي مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ شَيْئًا فَخَرَجَ وَتَرَكَهُمْ فِي الْبَيْتِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) (الأحزاب:53) رواه مسلم. وهذا الخلق هو خلق الأنبياء جميعا كما هو جلي في حديث الشفاعة حيث يذهب الناس إلى الأنبياء واحدا واحدا؛ فيعتذر كل واحد منهم بالحياء من الله عز وجل.
    ومن قصص الصحابة رضي الله عنهم قصص عثمان رضي الله عنه ومن ذلك أنه ذُكِرَ عُثْمَانُ وَشِدَّةُ حَيَائِهِ عند الحسن البصري فَقَالَ: «إِنْ كَانَ لَيَكُونُ فِي الْبَيْتِ وَالْبَابُ عَلَيْهِ مُغْلَقٌ، فَمَا يَضَعُ عَنْهُ الثَّوْبَ لِيُفِيضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ يَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ».
    وقصة عائشة رضي الله عنها التي كانت تقول: :« كُنْتُ أَدْخُلُ بَيْتِي الَّذِي دُفِنَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي فَأَضَعُ ثَوْبِي فَأَقُولُ إِنَّمَا هُوَ زَوْجِي وَأَبِي فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ مَعَهُمْ فَوَاللَّهِ مَا دَخَلْتُ إِلَّا وَأَنَا مَشْدُودَةٌ عَلَيَّ ثِيَابِي حَيَاءً مِنْ عُمَرَ » رواه أحمد
    ومن قصص التابعين قصة الأسود بن يزيد حيث بكى وهو يحتضر، فقيل له ما هذا الجزع ؟ قال: « مَا لِي لَا أَجْزَعُ؟ وَمَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي؟ وَاللهِ لَوْ أُتِيتُ بِالْمَغْفِرَةِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهَمَّنِي الْحَيَاءُ مِنْهُ مِمَّا قَدْ صَنَعْتُهُ، إِنَّ الرَّجُلَ لِيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجُلِ الذَّنْبُ الصَّغِيرُ فَيَعْفُو عَنْهُ فَلَا يَزَالُ مُسْتَحْيِيًا مِنْهُ».

تم قراءة المقال 716 مرة