طباعة
لثلاثاء 21 صفر 1443

(6) شرح منهج السالكين : باب صفة الوضوء

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

بَابُ صِفَةِ الوُضُوءِ
1- وَهُوَ: أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ اَلْحَدَثِ، أَوْ اَلْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ لِجَمِيعِ اَلْأَعْمَالِ مِنْ طَهَارَةٍ وَغَيْرِهَا؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2- ثُمَّ يَقُولَ: "بِسْمِ اَللَّهِ"،
3- وَيَغْسِلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا،
4- ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ، وَيَسْتَنْشِقَ ثَلَاثًا، بِثَلَاثِ غَرْفَاتٍ،
5- ثُمَّ يَغْسِلَ وجهه ثلاثًا،
6- ويديه إلى المرفقين ثلاثًا
7- وَيَمْسَحَ رَأْسَهُ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ إِلَى قَفَاهُ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُعِيدَهُمَا إِلَى اَلْمَحَلِّ اَلَّذِي بَدَأَ مِنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً،
8- ثُمَّ يَدْخُلَ سَبَّاحَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ، وَيَمْسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ ظَاهِرَهُمَا،
9- ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ مَعَ اَلْكَعْبَيْنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا.
10-هَذَا أَكْمَلُ اَلْوُضُوءِ اَلَّذِي فَعَلَهُ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَالْفَرْضُ مِنْ ذَلِكَ:
1) أَنْ يَغْسِلَ مَرَّةً وَاحِدَةً.
2) وَأَنْ يُرَتِّبَهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ اَللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] .
3) وألا يَفْصِلَ بَيْنَهَا بِفَاصِلٍ طَوِيلٍ عُرْفًا، بِحَيْثُ لَا يَنْبَنِي بَعْضُهُ عَلَى بَعْضِ، وَكَذَا كُلُّ مَا اشترطت له الموالاة.


باب صفة الوضوء


   انتقل المصنف رحمه الله إلى باب الوضوء، وقد اختار أن يتحدث عن أفعاله مرتبة حسب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه أنفع للمبتدئ ولا سيما إذا كان صغيرا ، وبعد أن فرغ منها عاد ليحدد الفرض من هذه الأفعال ليعلم أن ما عداها سنة .
1- وَهُوَ: أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ اَلْحَدَثِ، أَوْ اَلْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ لِجَمِيعِ اَلْأَعْمَالِ مِنْ طَهَارَةٍ وَغَيْرِهَا؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:» إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَىِ« متفق عليه.
    أول أفعال الوضوء هو النية وهو عمل قلبي معناه القصد ومحله قبل الشروع في العمل، والمراد بالنية أن يكون المقصود بغسل الأعضاء رفع الحدث أو الوضوء للصلاة ونحوها من طواف أو مس للمصحف، أي أن يكون غسل هذه الأعضاء للعبادة لا للعادة، وإذا قلنا إنها عمل قلبي فإن التلفظ بها بدعة والجهر بها نوع من الوسوسة .
   والنية شرط في الوضوء لأنه عبادة والعبادات تشترط لها النية لقوله :« إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَىِ »، فالأعمال تتميز عن بعضها البعض بالنيات ، ولا يحصل للمرء من أثرها إلا ما نواه بقلبه ، فمن نوى التبريد أو إزالة الأدران لم يرتفع حدثه ولم تبح له الصلاة ونحوها ومن نوى العبادة أبيحت له الصلاة وغيرها، وقوله :"شرط لجميع الأعمال " المراد أنها شرط في جميع الأعمال التي هي من جنس العبادات والقربات.
2- ثُمَّ يَقُولَ: "بِسْمِ اَللَّهِ".
   ثم يقول المتوضئ استحبابا "بسم الله" وليس ذلك بواجب فضلا عن أن يكون شرطا، ومما يدل على المشروعية حديث أنس :"قَالَ طَلَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَضُوءًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ وَيَقُولُ تَوَضَّئُوا بِسْمِ اللَّهِ فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ" -رواه النسائي-، وأما الحديث الدال على الوجوب أو الشرطية ولفظه "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" فهو حديث ضعيف لا يعتمد عليه، على أن بعض من صححه من تأوله على النية حيث حمل الذكر على الذكر القلبي.
3- وَيَغْسِلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا.
   وبعد التسمية يغسل المتوضئ كفيه وغسل الكفين مستحب اتفاقا، ويستحب للمتوضئ إذا غسلهما أن لا يدخلهما في الإناء؛ بل يصب الماء عليهما صبا، كما ورد في الأحاديث التي وصفت وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا استيقظ المرء من النوم وأراد الوضوء فإنه يكره له إدخالهما في الإناء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:« إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»متفق عليه، ولا فرق بين نوم الليل والنهار عند الجمهور ؛ خلافا لأحمد الذي خص ذلك بنوم الليل مراعاة للفظ "باتت" ولا مفهوم للعبارة لكونها خرجت مخرج الغالب، ولأن التعليل بعدم الدراية يستوي فيه نوم الليل والنهار.
4- ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ، وَيَسْتَنْشِقَ ثَلَاثًا، بِثَلَاثِ غَرْفَاتٍ.
   وبعد غسل الكفين ينتقل المتوضئ إلى المضمضة والاستنشاق، وقد جاء ذكرهما في جميع أحاديث صفة الوضوء، والسنة أن يجمع بينهما من كف واحدة وأن يثني أو يثلث فيها، ولا يشترط في المضمضة إدارة الماء في الفم، والسنة أيضا أن يكون الاغتراف باليمين والاستنثار باليسار كما جاء في حديث علي رضي الله عنه في صفة الوضوء.
   وقد اختلف في حكمهما فقال داود وأحمد في رواية بالوجوب، لأنهما من الوجه ولحديث النبي صلى الله عليه وسلم :« أَسْبِغِ الوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا »رواه أهل السنن وصححه الترمذي وفي رواية عند ابي داود: «إذا توضأت فمضمض»، ومنهم من أوجب الاستنشاق دون المضمضة لقوله صلى الله عليه وسلم:« إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرَيْهِ مِنْ الْمَاءِ ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ » متفق عليه.
   والصحيح عند الجمهور أنهما من السنن المؤكدة التي لا ترقى للوجوب وذلك للأوامر المذكورة ولمدوامة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما، وقد نقل الشافعي رحمه الله الاتفاق على عدم وجوبهما فقال في الأم(2/54): "ولم أعلم المضمضة والاستنشاق على المتوضئ فرضاً، ولم أعلم اختلافاً في أن المتوضئ لو تركهما عامداً أو ناسياً وصلى لم يُعد". قال الحافظ ابن حجر معلقاً على الإجماع الذي نقله الشافعي:"وهذا دليل قوي؛ فإنه لا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة ولا التابعين إلا عن عطاء، وثبت عنه أنه رجع عن إيجاب الإعادة" فتح الباري (1/262).
5- ثُمَّ يَغْسِلَ وجهه ثلاثًا.
    وبعد المضمضة والاستنشاق يغسل المتوضئ وجهه وهذا من فرائض الوضوء بإجماع العلماء، وحد الوجه من منابت شعر الرأس إلى أسفل الذقن طولا، ومن الأذن إلى الأذن عرضا فيدخل البياض الذي بين الأذن واللحية، ولا يجب غسل ما انسدل من اللحية؛ وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي في قول واختيار ابن حزم، ولا يجب أيضا تخليل ما على الوجه من اللحية وهو قول الجمهور -خلافا لإسحاق- لأن الوجه ما تحصل به المواجهة.
6- ويديه إلى المرفقين ثلاثًا.
    وبعد غسل الوجه يغسل المتوضئ يديه إلى المرفقين ، وهذا الغسل واجب بالإجماع أيضا، ويستحب أن يبدأ باليد اليمنى ولا يجب ذلك باتفاق أهل السنة.
    قوله "إلى المرفقين" بمعنى مع المرفقين -كما عبر في الكعبين- فيجب غسلهما ولابد من أن يُشرِع في العضد، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولا تستحب إطالة الغرة والتحجيل وهو قول مالك وأحمد في رواية واختيار ابن تيمية وابن القيم لأن العبادة مبناها على التوقيف، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ» متفق عليه، وأما زيادة:« فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» فزيادة مدرجة.
   وقوله :" ثلاثا" أي ثلاث غسلات يستوعب بها كل عضو، فإن غسل العضو بغرفتين اعتبر ذلك غسلة واحدة، فالعبرة بالغسلات لا بالغرفات.
7- وَيَمْسَحَ رَأْسَهُ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ إِلَى قَفَاهُ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُعِيدَهُمَا إِلَى اَلْمَحَلِّ اَلَّذِي بَدَأَ مِنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً.
   وبعد غسل اليدين إلى المرفقين يمسح المتوضئ رأسه، وهذا المسح واجب بالإجماع، وحده كما ذكر المصنف من مقدم الرأس إلى القفا وهي منابت الشعر عادة، ولا يسن مسح الرقبة، وفي تحديده إشارة إلى إيجاب استيعاب جميع الرأس وهو قول مالك وأحمد في رواية.
    وقوله "مرة واحدة" يعني أن الذهاب والإياب يعتبر مرة واحدة؛ إلا أن الواجب واحد منهما والآخر مستحب، والسنة البدء من مقدم الرأس. في حديث عبد الله بن زيد:" فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ"متفق عليه.
    والمشروع أن يُمسح الرأس مرة واحدة -خلافا للشافعي- لأن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدم تكرير مسح الرأس والروايات التي تخالف ذلك شاذة.
8- ثُمَّ يَدْخُلَ سَبَّاحَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ، وَيَمْسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ ظَاهِرَهُمَا.
   ويسمح المتوضئ مع رأسه أذنيه، وهذا المسح سنة عند الجمهور، وقد نقل الطبري الإجماع على أن من ترك الأذنين لا إعادة عليه، قال النووي في شرح المهذب (1/416):" وكذا نقل الإجماع غيره وحكي ابن المنذر وأصحابنا عن إسحق بن راهويه أنه قال من ترك مسحهما عمدا لم تصح طهارته وهو محجوج بإجماع من قبله"، وقال الخلال:" كلهم حكوا عن أبي عبد الله فيمن ترك مسحهما عامدا أو ناسيا أنه يجزئه".
   وقد صح عن رفاعة بن رافع مرفوعا :" إِنَّهَا لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَغْسِلُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَيَمْسَحُ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ"-رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة-. فلم يذكر غلا الفرائض المنصوصة في القرآن ، وأما حديث:" الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ" فليس بصحيح مرفوعا وإنما مروى عن جمع من السلف وهو يفيد أنهما يمسحان مع الرأس ولا يؤخذ لهما ماء جديد.
    وقد صح في صفة مسح الأذنين حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا-رواه الترمذي وصححه. وفي رواية للنسائي:" ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ بَاطِنِهِمَا بِالسَّبَّاحَتَيْنِ وَظَاهِرِهِمَا بِإِبْهَامَيْهِ".
9- ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ مَعَ اَلْكَعْبَيْنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا.
    وآخر أفعال الوضوء غسل الرجلين وهو واجب اتفاقا إلا أن يكون عليهما خفان فيجوز المسح عليهما بشروط تأتي في بابها، وهذا توجيه اختلاف القراء في قوله تعالى : ( وأرجلكم إلى الكعبين  ) هل هي بكسر اللام أم بفتحها فقراءة الكسر محمولة على المسح على الخفين .
قوله:"مع الكعبين" أي فيجب غسلهما ويُشرع قليلا في الساق لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
    وأما تخليل الأصابع فمستحب إلا إذا كان الماء لا يمر بينها فيجب حينها التخليل هذا مذهب الجمهور.
10- هَذَا أَكْمَلُ اَلْوُضُوءِ اَلَّذِي فَعَلَهُ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَالْفَرْضُ مِنْ ذَلِكَ:
1) أَنْ يَغْسِلَ مَرَّةً وَاحِدَةً.
    الفرض فيما يجب غسله أن يغسل مرة واحدة وهذا باتفاق العلماء، والمقصود غسل العضو كاملا مرة واحدة ولو تعددت الغرفات فليتنبه.
   كما اتفقوا على أن الزيادة على الثلاثة مكروهة، لحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الطُّهُورُ فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ:« هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ أَوْ ظَلَمَ وَأَسَاءَ»-رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة-.
2) وَأَنْ يُرَتِّبَهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ اَللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (المائدة:6) .
    وكذلك الترتيب بين الأعضاء الأربعة فرض، وهو قول الشافعي وأحمد واختيار ابن حزم، والآية الكريمة دالة الترتيب من أوجه منها إدخال ممسوح بين مغسولين، وعدم مراعاة الأقرب فالأقرب، وقيل إن الواو إذا عطفت أجزاء فعل واحد دلت على الترتيب، ويدل على الترتيب أيضا مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه.
   وكل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه خلاف هذا الترتيب فلا يثبت منه شيء كما قال ابن القيم، ومنها حديث المقدام بن معدي كرب وهو ضعيف شاذ، وحديث الربيع بنت معوذ وهو ضعيف السند مضطرب المتن.
3) وألا يَفْصِلَ بَيْنَهَا بِفَاصِلٍ طَوِيلٍ عُرْفًا، بِحَيْثُ لَا يَنْبَنِي بَعْضُهُ عَلَى بَعْضِ، وَكَذَا كُلُّ مَا اشترطت له الموالاة.
   ومن الفرائض أيضا الموالاة فلا يفصل بين عضو وعضو بفاصل طويل واشتراط الموالاة هو مذهب مالك وأحمد في المشهور، ويدل عليه حديث عمر بن الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى-رواه مسلم-، وبناء على ذلك فإن الفاصل الطويل مبطل لما سبق غسله من أعضاء فيجب استئناف الوضوء من جديد، وحد الفاصل الطويل غير محدد في الشرع ومنهم من حده بجفوف العضو ومنهم من قيد هذا الحد بالجو المعتدل ومنهم من قيده بحال العجز ، وقيل المرجع إلى العرف .
   فمن فصل بين أعضاء الوضوء بفاصل يسير بنى على ما سبق وأتم الوضوء ومن فصل بينها بفاصل طويل لم بجز له البناء ووجب عليه الاستئناف من جديد.

تم قراءة المقال 466 مرة