الأحد 25 صفر 1443

(7) شرح منهج السالكين : باب المسح على الخفين والجبيرة

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

[باب المسح على الخفين والجبيرة]


1- فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ خُفَّانِ وَنَحْوُهُمَا مَسْحَ عَلَيْهِمَا إِنْ شَاءَ.
2- يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهنَّ لِلْمُسَافِرِ.
3- بِشَرْطِ أَنْ يَلْبَسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ،
4- وَلَا يمسحهما إلا في الحدث الأصغر، عن أنس مرفوعًا: "إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ، وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيهِمَا، ولْيُصَلِّ فِيهِمَا، ولا يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ إلا مِنْ جَنَابَةٍ". رَوَاهُ اَلْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
5- فَإِنْ كَانَ عَلَى أَعْضَاءِ وَضُوئِهِ جَبِيرَةٌ عَلَى كَسْرٍ، أَوْ دَوَاءٌ عَلَى جُرْحٍ، وَيَضُرُّهُ اَلْغُسْلُ: مَسَحَه بِالْمَاءِ فِي اَلْحَدَثِ اَلْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ حَتَّى يَبْرَأَ.
6- وَصِفَةُ مَسَحِ اَلْخُفَّيْنِ: أَنْ يَمْسَحَ أَكْثَرَ ظَاهِرِهِمَا.
7- وَأَمَّا اَلْجَبِيرَةُ: فَيَمْسَحُ على جميعها.


[باب المسح على الخفين والجبيرة]


   من أبواب الطهارة باب المسح على الخفين افرده الفقهاء لكثرة المسائل المتعلقة به ، والمصنف رحمه الله تعالى ذكر ما رآه مهما منها وعطف عليها المسح على الجبيرة بجامع كون الخف والجبيرة كلاهما ممسوحا.
1- فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ خُفَّانِ وَنَحْوُهُمَا مَسْحَ عَلَيْهِمَا إِنْ شَاءَ.
     المسح على الخفين بدلا من غسل الرجلين في الوضوء مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، فأما الكتاب فقوله تعالى في آية الوضوء (وأرجلكم إلى الكعبين) حيث قرئت أرجلكم بالجر معطوفة على مسح الرأس وذلك محمول على المسح عليهما إذا كان عليهما خفان كما بينته السنة ، وأما السنة فأحاديث كثيرة منها ما سيأتي في الشرح وقد قال أحمد: «ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثا عن رسول الله  ما رفعوا وما وقفوا». وأما الإجماع فقال ابن المبارك :« ليس في المسح عن الصحابة اختلاف ».
   والخفان مثنى خف وهو ما يلبس في الرجل من جلد.
   وقوله "ونحوهما" إشارة إلى جواز المسح على غير الخفين مما يبلس في الرجل ويكون ساترا لمحل الفرض من نعال وجوارب وغيرها من غير نظر في مادة صنعها، وإنما العبرة بتحقق المعنى الموجود فيه وهو كونه لباسا ثخينا يستر محل الفرض وكان في نزعه نوع مشقة، فالجوارب المصنوعة من الصوف ونحوها إذا تحقق فيها معنى الخف يجوز المسح عليها، وقد نقل ذلك كثير من الصحابة ولا مخالف لهم وفي الباب أحاديث يستدل بها كثير من الفقهاء والمحدثين لكنها لا تصح، وقول الصحابة وفعلهم كاف في ذلك ، ومن ذلك قول ابن عمر: الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وقال الترمذي :"وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، قَالُوا: يَمْسَحُ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَعْلَيْنِ إِذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ ".
    وإن كان في الخف خرق فوق الكعبين جاز المسح بلا خلاف، وكذلك إن كان يسيرا حتى لا يظهر شيء من القدم، وإن كان فاحشا بحيث لا يمكن متابعة المشي فيه فلا يجوز المسح بلا خلاف، وإن كان غير فاحش حيث يمكن متابعة المشي فيه، فاختلفوا فيه والصحيح الجواز هو مذهب مالك والشافعي في القديم وابن المنذر وابن حزم .
    قوله "إن شاء"، إشارة إلى أن الغسل أفضل كما هو مذهب الجمهور، أو إلى أن الغسل والمسح سواء؛ وهو رواية عن أحمد، خلافا للمشهور عن أحمد من أن المسح أفضل.
2- يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهنَّ لِلْمُسَافِرِ.
    وهذا المسح رخصة محددة بزمن ومشروطة بشرط، وقدم المصنف الحديث عن الزمن مع أنه متعلق بالشرط، وهذا التحديد الزمني تعبدي جاء منصوصا في أحاديث منها حديث شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَتْ عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَسَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ  فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ  ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ رواه مسلم. ومنها حديث صَفْوَان بْنِ عَسَّالٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ  يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ رواه النسائي وابن ماجة والترمذي وصححه. فلا يجوز للمتوضئ أن يتجاوز يوما وليلة إذا كان مقيما ولا ثلاثة أيام بلياليهن إذا كان مسافرا.
    ويتعلق بمدة المسح البحث في ابتدائه هل هو من لبسه أم من أول حدث بعد لبسه أم من أول مسح بعد الحدث، اختار الجمهور الثاني وذهب الأوزاعي وأحمد في رواية إلى الأخير وهو الأظهر .
   ولا يعتبر انتهاء المدة ناقضا للوضوء، وكذا نزع الخف -خلافا لأحمد- ، ولا يجب على من نزع الخف أن يغسل قدميه -وهو قول داود واختيار ابن حزم والنووي-.
3- بِشَرْطِ أَنْ يَلْبَسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ.
    بعد أن ذكر المصنف المدة عاد إلى ذكر الشرط وهو لبس الخفين على طهارة ، وهو شرط مجمع عليه، ويدل عليه حديث الْمُغِيرَةِ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ  فِي سَفَرٍ فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا» متفق عليه.
   ويتعلق بهذا الشرط جزئية وقع فيها اختلاف وهي اشتراط الطهارة الكاملة، لأن اللابس للخف قد يغسل رجله اليمنى ثم يدخلها في الخف ثم يغسل اليسرى، والصحيح اشتراطها وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد في المشهور.
   ومما يبتلى به الناس أكثر من هذا هو لبس الخف بعد التيمم ؛ فهل يجزئه المسح عليه ، الظاهر أنه يجزئه لأنه لبسه على طهارة ولأن التيمم يرفع الحدث على الصحيح .
4- وَلَا يمسحهما إلا في الحدث الأصغر، عن أنس مرفوعًا: "إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ، وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيهِمَا، ولْيُصَلِّ فِيهِمَا، ولا يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ إلا مِنْ جَنَابَةٍ". رَوَاهُ اَلْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
   وهذا متفق عليه لأن المسح رخصة خاصة بالوضوء وليس في غسل الجنابة مسح.
   والحديث المذكور معلول، وفي الباب ما هو أصح من هذا الحديث وهو صفوان بن عسال السابق والله أعلم.
5- فَإِنْ كَانَ عَلَى أَعْضَاءِ وَضُوئِهِ جَبِيرَةٌ عَلَى كَسْرٍ، أَوْ دَوَاءٌ عَلَى جُرْحٍ، وَيَضُرُّهُ اَلْغُسْلُ: مَسَحَه بِالْمَاءِ فِي اَلْحَدَثِ اَلْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ حَتَّى يَبْرَأَ.
    مما يبتلى به المرء الإصابة بجرح في محل الوضوء يكون عليه دواء أو ضماد أو كسر تكون عليه جبيرة ؛ والكسر والجرح إذا كان يتضرر بالماء عذران يسقطان وجوب غسل العضو ولا شك ، لكن ما الواجب بدلا عن الغسل.
فقيل يسقط العضو وهذا غير صحيح، وقيل يعدل إلى التيمم لأنه بدل الوضوء في حال العجز، ومنهم من قال : يمسح على الموضع الذي يتعذر غسله ويغسل الباقي وهو اختيار المصنف، وأصح شيء يعتمد عليه أصحاب هذا القول فعل ابن عمر وقوله فعَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَكَفُّهُ مَعْصُوبَةٌ فَمَسَحَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْعِصَابِ، وَغَسَلَ سِوَى ذَلِكَ. وعنه أنه كان يقول: " مَنْ كَانَ لَهُ جُرْحٌ مَعْصُوبٌ عَلَيْهِ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْعَصَائِبِ وَيَغْسِلُ مَا حَوْلَ الْعَصَائِبِ "، ومنهم من زاد ايجاب التيمم احتياطا وهو يحقق الخروج من الخلاف بلا شك.
   وقد شرط المصنف للمسح التضرر بالغسل ولم يشترط التضرر بنزع الجبيرة لأن في نزع الجبيرة كل مرة إذا كانت مربوطة حرجا .
ونص على أن هذا المسح مشروع للحدث الأصغر والأكبر أيضا. وأنه مستمر إلى زوال العذر الموجب لهذه الرخصة وهو البرئ
6- وَصِفَةُ مَسَحِ اَلْخُفَّيْنِ: أَنْ يَمْسَحَ أَكْثَرَ ظَاهِرِهِمَا.
    ثم عاد المصنف إلى بيان مقدار الممسوح من الخفين، فينبغي أن يعلم أولا أن الواجب في المسح هو مسح أعلى الخف دون أسفله، وأنه لا يستحب مسح أسفله، لأن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو المسح على ظهر خفيه دون زيادة، وقد قال علي رضي الله عنه :« لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ » رواه أبو داود وصححه ابن حجر.
  وإذا تقرر أن المسح خاص بأعلى الخف ينبغي أن يعلم أن الواجب مسح أكثر ظاهره كما هو مذهب أحمد، لأن المسح ورد مطلقا وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بفعله فلم ينقل عنه الاكتفاء بأقل ما ينطلق عليه الاسم-خلافا للشافعية-، كما أنه لم ينقل عنه أنه تتبع أطراف أعلاه ليستوعبه-خلافا للمالكية-.
7- وَأَمَّا اَلْجَبِيرَةُ: فَيَمْسَحُ على جميعها.
   ثم عاد المصنف ليبين أن المقدار الممسوح في الجبيرة مختلف عن الخفين فيجب استيعابها، وعلى من يضع الجبيرة أن لا يوسع المحل أكثر من الحاجة ، وكذا من يضع عصابة على جرح ، حتى لا يتجاوز بالضرورة أكثر من قدرها. ومستند وجوب الاستيعاب أنه بدل عن عضو وجب استيعابه غسلا وتركه بلا مسح هو مثل ترك بعض العضو، وهو مسح يشبه التيمم أكثر منه المسح على الخفين.

تم قراءة المقال 411 مرة