الاثنين 27 صفر 1443

(8) شرح منهج السالكين : بَابُ نَوَاقِضِ الوُضُوءِ

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

بَابُ نَوَاقِضِ الوُضُوءِ
وَهِيَ:
1-اَلْخَارِجُ مِنْ اَلسَّبِيلَيْنِ مطلقًا،
2- وَالدَّمُ اَلْكَثِيرُ وَنَحْوُهُ ،
3- وَزَوَالُ اَلْعَقْلِ بِنَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ،
4- وَأَكَلُ لَحْمِ اَلْجُزُورِ،
5- وَمَسُّ اَلْمَرْأَةِ بِشَهْوَةٍ،
6- ومس الفرج،
7- وتغسيل الميت،
8- والرِّدَّة: وَهِيَ تُحْبِط اَلْأَعْمَالَ كُلَّهَا.
9- أ-لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [اَلْمَائِدَةِ: 6] .

ب-وَسُئِلَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ اَلْإِبِلِ؟ فَقَالَ: "نعم". رواه مسلم.
ج-وَقَالَ فِي اَلْخُفَّيْنِ: "وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وبَولٍ ونَومٍ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.


باب نواقض الوضوء


     بعد أن فرغ المصنف من الحديث عن المسائل المتعلقة بصفة الوضوء انتقل إلى الحديث عن نواقض الوضوء وقد أوصلها إلى ثمانية نواقض، عددها تعدادات ثم عاد ليذكر أدلتها.
وهي :
1-اَلْخَارِجُ مِنْ اَلسَّبِيلَيْنِ مطلقًا.
الناقض الأول هو ما خرج من السبيلين وفيه ماهو متفق عليه وما هو خلافي وقول المصنف "مطلقا" هو ترجيح يعم كل الخلافيات المندرجة تحت هذا المسمى ، والخارج من السبيلين يشمل ما يأتي:
-البول والغائط وهذان ناقضان بالإجماع، ودليله من القرآن سيذكره المصنف، وهو قوله تعالى : (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ  ) (المائدة: 6).
-الفساء والضراط وهو ناقض متفق عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي تخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة :« لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» -متفق عليه-.
-المذي سواء خرج لشهوة أو لا ، لحديث عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً وَكُنْتُ أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِمَكَانِ ابْنَتِهِ فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ:« يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» -متفق عليه- واشترط فيه مالك كونه خرج بشهوة.
-دم الاستحاضة لحديث عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي (ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ)» رواه البخاري.
-الدود والحصى وغيره قياسا على دم الاستحاضة .
    وهذه الثلاثة الأخيرة خالف فيها المالكية لأنهم اعتبروا الخارج المعتاد دون غيره وهذه أمور غير معتادة.
2- وَالدَّمُ اَلْكَثِيرُ وَنَحْوُهُ .
   ذكر المصنف في النواقض سيلان الدم وهذا قد يكون رعافا وقد يكون من الجروح أو الحجامة، وأما إذا كان من السبيلين فهو داخل فيما سبق وما ذكره هو مذهب أحمد وأبي حنيفة، وقد اعتمدوا القياس على البول والغائط بجامع أنها نجاسة خرجت من البدن ومقتضى هذا القياس تعميم الحكم لكل نجس خرج من البدن ولذلك قال المصنف :"ونحوه" أي كالصديد والقيح.
  والصحيح أن الدم قليله وكثيره لا ينقض مطلقا ومما يدل عليه حديث جابر أن رجلين حرسا المسلمين ليلة غزوة ذات الرقاع فقام أحدهما يصلي فجاءه رجل من الكفار فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ "فَوَضَعَهُ فِيهِ فَنَزَعَهُ حَتَّى رَمَاهُ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ "رواه أبو داود وحسنه النووي، وهذا يفيد أن أتم صلاته وداؤه تجري.
3- وَزَوَالُ اَلْعَقْلِ بِنَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ،
   الناقض الثالث المذكور هو زوال العقل وهو متفق عليه بين العلماء في الجملة، والتعبير بزوال العقل أعم من كونه نوما لأن زوال العقل قد يكون بجنون أو سكر أو إغماء، ولذلك قال المصنف "بنوم أو غيره" فعبر هنا بالعلة الموجبة للحكم عكس الفقرة السابقة التي عبر فيها بالدم ولعله تجنب التعبير بالنجاسة الخارجة من البدن حتى لا تتداخل مع ما خرج من السبيلين.
   وقد اتفق العلماء على أن النعاس لا ينقض الوضوء لأنه ليس فيه زوال للعقل، واختلفوا بعد ذلك في بعض الحالات، والصحيح أنه ناقض بكل حال سواء كان كثيرا أم قليلا وسواء كان قاعدا أو مضطجعا لتحقيق معنى زوال العقل فيه، ولعموم حديث صفوان بن عسال السابق.
4- وَأَكَلُ لَحْمِ اَلْجُزُورِ.
   الناقض الرابع عند المصنف أكل لحم الجزور وهو الإبل ، وقد صح في ذلك أحاديث منها حديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ قَالَ إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ قَالَ أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ قَالَ نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ قَالَ أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَالَ نَعَمْ قَالَ أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ قَالَ لَا –رواه مسلم-، وحديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ فَقَالَ تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَسُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ فَقَالَ لَا تَتَوَضَّئُوا مِنْهَا –رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة-، وبه قال أحمد وابن المنذر والنووي.
   وإذا ثبت أن أكل لحمه موجب للوضوء فإن أكل مرقه وشحمه وجميع أجزائه كذلك، ومثله أيضا شرب لبنه.
5- وَمَسُّ اَلْمَرْأَةِ بِشَهْوَةٍ.
    الناقض الخامس عند المصنف مس المرأة بشهوة، وهو مذهب مالك وأحمد في الشهور، وقال الشافعي وأحمد في رواية إن لمس المرأة ناقض للوضوء مطلقا، والحكم يتعدى للمرأة إذا لمست الرجل ولا يختص بلمس اليد، وعمدتهم قوله تعالى: (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (المائدة:6) ومن قيده بالشهوة اعتمد حديث عائشة قالَتْ: «كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلاَيَ، فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا» متفق عليه.
    والصحيح هذا اللمس أنه لا ينقض الوضوء مطلقا وهو قول أبي حنيفة وأحمد في رواية واختيار ابن تيمية، لأن المراد باللمس في الآية الكريمة الجماع، ويؤيده حديث عائشة المذكور.
    ومحل الكلام كله إذا لم يسبب هذا اللمس خروج المذي فإن خرج المذي انتقض الوضوء لا للمس ولكن لخروج الخارج من السبيلين.
    وقد اختلف القائلون بنقض الوضوء في تفاصيل كثيرة كسن الملموس أو لمس الشعر، ونقض وضوء الملموس، ومن قصد الشهوة ولم يجدها، وهي تفاصيل تسقط الحاجة إلى بحثها على القول الذي رجحناه.
6- ومس الفرج.
   الناقض السادس عند المصنف هو مس الفرج ، وقد أطلقه مما يعني أنه ناقض سواء كان بشهوة أو بغير شهوة، وبقصد أو بغير قصد، وبباطن الكف أو ظاهرها، ولا يختلف حكم المرأة عن الرجل، وبهذا قال الأوزاعي وأحمد في رواية، ويدل على ذلك حديث بسرة مرفوعا :« مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ »رواه أهل السنن وصححه أحمد، وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا :« مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ » رواه أحمد وصححه البخاري.
   وقول المصنف:"ومس الفرج" أولى ممن عبر بمس الذكر لدلالته على عموم الحكم للمرأة، ومنهم من قصد بهذه العبارة العموم لمس حلقة الدبر ولا دليل على ذلك، والحكم لا يتعدى لمن مس فرج غيره المرأة تغسل أولادها لعدم النص على ذلك ولأن مفهوم الأحاديث المذكورة ينفيه.
7- وتغسيل الميت.
    من النواقض عند المصنف وأكثر الحنابلة تغسيل الميت، وقال ابن حزم حمل الميت ناقض، قال الترمذي :« وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الَّذِي يُغَسِّلُ الْمَيِّتَ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ  وَغَيْرِهِمْ إِذَا غَسَّلَ مَيِّتًا فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ وقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَسْتَحِبُّ الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلَا أَرَى ذَلِكَ وَاجِبًا وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وقَالَ أَحْمَدُ مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا أَرْجُو أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَأَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهِ، وقَالَ إِسْحَقُ لَا بُدَّ مِنْ الْوُضُوءِ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ لَا يَغْتَسِلُ وَلَا يَتَوَضَّأُ مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ».
  والصحيح مذهب الجمهور واختيار ابن قدامة أنه لا يجب الوضوء من غسله ولا من حمله، وقد صح عن ابن عمر أنه قال:« كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل » رواه الدارقطني وصححه الألباني، وما روي عن الصحابة في الوضوء يحتمل الاستحباب فلا جزم .
8- والرِّدَّة: وَهِيَ تُحْبِط اَلْأَعْمَالَ كُلَّهَا.
   من النواقض عند المصنف الردة وهذا على قول الحنابلة والمالكية، ويتصور ذلك فيمن ارتد واستتيب فتاب قبل انتقاض وضوئه، والقول ببطلان الوضوء يلزم منه القول ببطلان كل أعماله السابقة فلو حج البيت وجب عليه الحج مرة أخرى وقد بين المصنف هذا الحكم وقال :"وهي تحبط الأعمال كلها".
   والصحيح أن إبطال الردة للأعمال مشروط بالموت عليها، كما قال تعالى : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) (البقرة: 217)، وأما من تاب بعدها فإن أعماله لا تحبط بإذن الله تعالى.
9- أ-لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ) (اَلْمَائِدَةِ: 6).
  بعد أن فرغ المصنف من سرد نواقض الوضوء عاد لذكر الأدلة، لكنه لم يستوعب جميعها، والآية المذكورة دليل على نقض الوضوء بما خرج من السبيلين، قال القرطبي : "الغائط كناية عن الأحداث الخارجة من المخرجين".
   وأوردها المصنف دليلا على نقض الوضوء بلمس المرأة ولكن في دلالتها نظر لأن المقصود بالملامسة الجماع في هذا السياق، والله أعلم.
ب-وَسُئِلَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ اَلْإِبِلِ؟ فَقَالَ:"نعم". رواه مسلم.  
    وهذا الحديث دليل على نقض الوضوء بأكل لحم الإبل وسبق سياقه بتمامه، وتفريق النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين لحم الغنم، وقوله في الغنم توضأ إن شئت ينفي احتمال حمل الحديث على الاستحباب أو ادخاله في معنى الوضوء مما مست النار عموما.
ج-وَقَالَ فِي اَلْخُفَّيْنِ:"وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وبَولٍ ونَومٍ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
   وهذا الحديث دليل على نقض الوضوء بالنوم وبزوال العقل .
   وخلاصة ما ينقض الوضوء –على الصحيح -هو ما خرج من السبيلين مطلقا وزوال العقل مطلقا ، ولمس الفرج مطلقا وأكل لجم الجزور والعلم عند الله.

تم قراءة المقال 397 مرة