طباعة
الأحد 20 رمضان 1439

لصوص رمضان الحلقة 2 مميز

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

اللص الثاني : النفس الأمارة بالسوء تلك النفس الجبانة والكسولة والطماعة والأكولة والجزعة والغضوبة ...وهذا اللص قد يعمل منفردا وقد يشترك مع اللص السابق إذ كثيرا ما ينجح الشيطان في وسوسته حينما يوافق هوى النفس..
    فإذا كانت النفس كسولة فستترك القيام وتستثقل السعي إلى مجالس العلم، ..وإذا كانت بخيلة شحيحة فستمسك عن الانفاق في سبيل الله تعالى، وإذا كانت طماعة غير قنوعة فستحرم صاحبها في هذا الشهر، ومثال ذلك التاجر الذي يمضي ليله ونهاره في متجره، ولا برنامج له وقد يكون له برنامج فإذا جاء رمضان ألغاه؛ فمن هذا حاله مهما كان الوقت الذي تبرمج فيه الدروس فلن يحضر، وإذا صلى العشاء في المسجد فإنه لم يصلى التراويح لتوهمه أنه يزيد في ربحه في هذه الأيام ولعدم القناعة، والذي نعتقده أن هذا الشهر هو شهر البركة، والذي يبارك في الحسنات والرزق والخيرات هو الله تعالى، لأنه هو الرزاق وليس الإنسان هو من يرزق نفسه، وأحكي لكم في هذا المقام خبر تاجر ملابس في وسط العاصمة اعتاد لسنوات على غلق حانوته في النصف الثاني من رمضان لأنه يعتمر هو وعماله في كل سنة، مع أن تلك الأيام هي أربح الأيام تجارة، لكن الله تعالى بارك الله في رزقه أكثر مما يتصور، فالله تعالى الرزاق يسوق له الزبائن في النصف الأول من رمضان، ولما علم الناس برنامجه صاروا يقصدون محله في النصف الأول من رمضان، مما ينبغي أن يعلم أنه ليس تخصيص المرء وقتا للصلاة أو الذكر أو للعلم أو العمرة هو الذي ينقص من رزقه، بل كل ذلك من أسباب البسط في الرزق والبركة فيهن كما أن المعصية من أسباب محق بركة الرزق ..وإذا كانت النفس أكولة تطعم بنهم بعد الافطار فإنها تتاثقل عن القيام وإذا قامت افتقدت الخشوع، والبطنة تذهب الفطنة كما قيل، وقد كان كثير من السلف يتحرز من الشبع حفاظا على التركيز ودوام النشاط في العلم والعبادة...
    وللسلامة من شرور أنفسنا علينا بمجاهدتها والصبر على ذلك ، وما جعل هذا الشهر إلا مدرسة لتهذيب هذه النفوس وترويضها وقهرها، وعلينا مع ذلك بالاستعانة بالله عليها وكثرة الاستعاذة منها كما كان نبينا يفعل في خطبه، وكما علينا أن نستعيذ بالله من أمراضها مفصلة كما جاء في الحديث المتفق عليه :"اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحُزْنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ". وعلينا أن نعلم أنه لا قدرة لنا على إصلاح أنفسنا إلا أن يمدنا الله تعالى بفضل منه وعون ومزيد توفيق ومما علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن ندعو معلنين الفقر والحاجة ‘ليه سبحانه :"اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ" (رواه أبو داود). ومن وكل إلى نفسه فقد هلك ، ومن اعتمد على نفسه هلك ..وكما قيل
إِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللَّهِ لِلْفَتَى ... فَأَكْثَرُ مَا يَجْنِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ
اللص الثالث : الرفيق السيء، وهو اللص الذي يذكرك بالمعصية أو يدعوك إليها ، بلسانه وذكره لها أو بحاله حيث صار علما عليها، كمدمن المخدرات أو المنحرف الذي صار دليلا على المعصية كفلان السراق وفلان السكير وفلان الكذاب ونحو ذلك ؛ فمصاحبة هذا الصنف ليس فيه خير على الإطلاق في رمضان وفي غيره، وفي هذا الشهر من أراد التوبة وتجديد العهد مع الله وتغيير حياته عليه أن يقطع صحبتهم ولا يبق إلا حقوق المسلم من سلام ونصح ونحوها، وبعض الناس مع صلاحه في الجملة واجتنابه للموبقات الظاهرة فيه بعض الخصال السيئة ..فالحريص على الخير يجتنبه أيضا؛ نحو الشخص الثرثار الكثير الكلام فيما لا يعنيه ومن يخوض في الأعراض والغيبة، فإن لم تفعل أضاع عليك الأول وقتك والثاني أجرك، فكثيرا ما يأخذ أحدنا المصحف فيأتيه ثرثار فيضيع عليه ساعة من الزمن وكأن الشيطان قد أرسله ليلهيه، فعليك أن تكون حازما واعتذر منه واصرفه..ومن الناس من آفته الغيبة؛ فينبغي تجنبه لأن الاثم ليس خاصا بمن اغتاب باللسان بل هو شامل لمن سمعها..وهناك من الناس من لا حديث له إلا عن الطعام ومنهم من لا حديث له إلا عن الزواج والنساء ومنهم ومنهم، فحاول نصحهم وتوجيههم وإلا فارقهم ولا تستحيي من الحق  فمن جاءك يشغلك عن التلاوة بثرثرته، ناوله مصحفا عسى أن يشعر بحاله ويهتدي، فإن استجاب كنتما في خير، وإن أخذته العزة بالإثم فخرج من المسجد، كان ذلك خيرا لك وله أيضا إذ لعله ينصرف إلى ما فيه صلاحه.
وفي سياق الحديث عن الثرثرة لابد أن نتطرق إلى موضوع التعليق على مباريات كرة القدم التي تفاقمت هذه الأيام..اسشتراف قبلها وتحليل وتعقيب بعدها، وهذه مصيبة وداء عظيم، والأعظم نقل ذلك إلى بيوت الله تعالى، وقد جاء في الأثر أن من اقتراب الساعة اتخاذ المساجد طرقات، بمعنى أن المساجد التي هي لذكر الله تعالى وللصلاة تصبح غير مختلفة عن الطرقات؛ بما يجري فيها من حديث ومنكرات، ونحن نرى هذا في واقعنا، حيث لم يبق إلا استصحاب الجرائد وفناجين القهوة إلى المساجد..(وإن كنا نصحب ما هو أوسع من ذلك هذه الأيام وهو الهواتف الذكية المربوطة بالنت) ...وليس المراد تحريم الكلام عن أمور الدنيا في المسجد؛ كأن يسأل الناس بعضهم بعضا عن أحوالهم أو أمور العمل والدراسة؛ لكن المقصود المحافظة على حرمة المسجد والمحافظة على الأوقات الثمينة في هذا الشهر المبارك.
اللص الرابع : وهو في الحقيقة مجموعة من اللصوص كوَّنوا فعلا في عصرنا عصابة من قطاع طرق: وهم المغنون والممثلون واللاعبون؛ فهم يسرقون من أكثرنا الشهر كله وربما يسرقون منا أشخاصا كنا من قبل نراهم يعمرون بيوت الله، تلك العصابة التي  صار كثير من أفرادها يجاهر بالصد عن سبيل الله، وصار لهم برامج خاصة تسمى برامج رمضان، برامج تعد قبل رمضان بشهور الغالب فيها الضحك، وفي بعضها المجون، واللعب هو اللعب لهو باطل ، والغناء من الزور والباطل ولا يحتاج إلى وصف أبلغ من قول الصديق مزمار الشيطان، المنافس لقرآن الرحمن، إن هذا الشهر قد تميز عن غيره من الشهور بكونه شهر القرآن وشهر الصيام والقيام ، ومعنى الصيام العام كبح جماح النفس عن شهواتها المباحة فضلا عن المحرمة، وفي هذا الشهر ليلة واحدة خير من ألف شهر ، فإذا تحدث المسلم عن برنامج خاص برمضان فهو برنامج لتنظيم الوقت بين واجبات الحياة وتنويع الطاعات والعبادات، برنامج لقراءة القرآن وللذكر في الخلوات، وقيام الليل والإكثار من الركعات، وأعمال البر وأنواع الصدقات، برنامج يسطره المسلم يبدأ بما يفعل قبيل الفجر وبعده إلى طلوع الشمس ، ثم قبل الظهر وبعده وبعد العصر إلى غروب الشمس، ثم ما يكون بعد العشاء وهكذا حتى لا يضيع لحظات هذا الشهر وليس فقط ساعاته؛ ولكننا نجد قطاع الطريق يعرضون برنامجا بديلا مليئا باللهو واللعب والضحك والغناء والرقص، ومواضيع تخدش الحياء وأخرى تشوه أعلام التاريخ الإسلامي برنامجا بديلا تبث أكثر مواضيعه في أوقات الطاعة والعبادة، وصرنا نسمع إشهارات لأشياء غير معقولة نحو "سهرة فنية مع أغاني الراي بمناسبة رمضان" ولا حول وقوة إلا بالله ، كلام لا ترجمة له سوى الدعوة إلى المعاصي وتزيينها بمناسبة رمضان، هؤلاء لصوص فعلا –وإن كان بعضهم ربما لا يشعر بحقيقة انتمائه- ولكن هذا لسان حاله حتى وإن لم يقصد ذلك بقلبه.
   وأخطر اللصوص هم الذين يسرقون عقول الناس ويسرقون أوقات الناس؛ لأن من يسرق المال والمتاع يمكنه أن يرده أو أن يعوضه مثلا أو قيمة، وأما من يسرق العقول أو الأوقات فهذه اشياء لا يمكن ردها ولا تعويضها ، فمن يأخذ عقول الناس ويصيبها بآفة السكر، وربما أعاق نموها حتى أصابها العته أو السفه هل يمكنه الرد او التعويض ، ومن يغتصب ساعات أعمار الناس هل يمكنه ان يخلق لهم مثلها، إن هذه العصابات الناشطة على مستوى القنوات تغتصب منا نعما هي من أعظم النعم : نعمة العقل ونعمة العمر ، وربما نعمة المال –إذا كانت المتابعة بمقابل- وأيضا نعمة الإيمان وزيادته في هذا الشهر الفضيل.
   إن أخطر قاطع طريق ليس الذي يقطع الطريق بين مدينة وأخرى، ولكن الذي يقطع الطريق بين العبد وربه، قال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) [لقمان: 6] لهو الحديث فسر بالغناء وهو احد معاني لهو الحديث وأبرزها ومعناه الشامل كل زور وكل باطل فيه إلهاء عن ذكر الله تعالى وصد عن سبيل الله تعالى، وقد صرنا نسمع عن قنوات أهلها غير مسلمين ومع ذلك يعدون برامج خاصة برمضان جلبا للمشاهدين من المسلمين ثم لما نجحوا صاروا يقولون تلبية لرغبات المشاهدين، هذا الشهر كان الواجب أن يكون شهر الدعاة والدعوة إلى الله تعالى، لكن مع الأسف صارت برامج الدعاة والمعلمين مغمورة وسط برامج منافسيهم، والمنافسة في الواقع غير متوازنة ولا عادلة عدة وتعدادا ، حتى وصل الحال بأهل الدعوة –المرخص لهم بالدعوة-أنهم حين يضعون برنامجا لنشاط رمضاني يأخذون بعين الاعتبار برامج المباريات وغيرها، فلا يستطيع المرء أن يبرمج درسا أو مسابقة في وقت تجرى فيه مباراة رياضية يشارك فيها فريق الجزائر مثلا ، أو فريق الولاية أو حتى فرق أروبا التي لا أدري ما تعنى لنا.

تم قراءة المقال 2505 مرة