لثلاثاء 4 جمادة الأول 1438

من افتراءات الكوثري على شيخ الإسلام ابن تيمية مميز

كتبه 
قيم الموضوع
(2 أصوات)

انتشرت منذ قرابة عقد من الزمن في الشبكة العنكبوتية فرية جديد أضيفت إلى سلسلة الافتراءات الملصقة بابن تيمية رحمه الله ، وهي أخذه لعقيدته من اليهود، ومن الفيلسوف موسى بن ميمون (ت601 هـ) على وجه الخصوص، وذلك في كتابات بعض الشيعة والأحباش ثم بعض اليساريين، ورغم تفاهة هذه الكتابات فقد ظهر لي أن أبحث عن "جذور هذا البلاء"؛ فوجدت أن أقدم من قال بتأثر ابن تيمية بابن ميمون الكوثري، في كتابه عبر من التاريخ (ص:34-35) وذلك في مسألة معينة ، وهي نقد ابن ميمون لحجة يعتمدها المتكلمون في قضايا القدم والحدوث وهي قولهم "إن ما احتاج إلى تخصيص المقدار لا يكون قديما"، فعلق عليه بقوله:"وقد أخذ الشيخ الحراني في معقوله بكل أسف برأي ابن ميمون في وجوب المقدار الخاص في محاولته الرد على الآمدي في تنزيه الباري جل جلاله عن الجهة".
    وقد رجعت إلى كتاب ابن تيمية لأتبين الأمر، فوجدت نصه في الدرء (4/269) حيث نقل كلام الآمدي الوارد في نفي العلو كما أبكار الأفكار (2/41) ، ثم رد عليه بكلامه الذي ضعف فيه الدليل القائم على افتقار التخصيص إلى مخصص، وهو في الأبكار (3/320) ، وقد قال ابن تيمية (4/268):"والمقصود هنا ذكر طعن الآمدي في حجج نفسه التي احتج بها على نفي كونه جسما ونفي القيام الحوادث به"، ومن المعلوم أن من أساليب الجدل النقض على المخالف، والممانعة في أصل الدليل، ولا يستلزم النقص أو المنع أن يلتزم المجادل القول وإنما مراده إبطال الحجة، وقد أجاب ابن تيمية عن حجة أخرى للأمدي تبنى على الأصل ذاته (4/219) بمنع مقدماتها وبين أن الآمدي نفسه قد بين فسادها، ثم قال:" وإنما المقصود هنا التنبيه على أن كل مقدمة في هذه الحجة يمكن منعها، ويكون قول المانع فيها أقوى من قول المحتج". ولا يمكن القارئ أن ينسب رأيا لابن تيمية من مجرد النقد كما لا يجوز له تحديد مصدر بعيد وهو يحيل إلى قريب.
     وابن ميمون متقدم عن الآمدي (ت 643)، فلِمَ لا يقال إن الآمدي قد استفاد من يهودي؟؟؟ ومن أراد التبين فالحجة مذكورة في دلالة الحائرين لابن ميمون في(ص:218) ونقدها في (ص227)، وإن استُبعدت استفادة الآمدي منه، فإن من مراجعهما ابن سينا والغزالي وابن رشد، وهؤلاء جميعا أخذ ابن تيمية من كتبهم بلا واسطة، والآمدي فيلسوف قد فند كل أدلة الأشاعرة على حدوث العالم، وهو في نقده لهذا الدليل متأثر بابن رشد كما في كتاب "الآمدي وآراؤه الكلامية للدكتور حسن الشافعي"(ص:330).
    وهنا نقف وقفة عجب من الكوثري، فإن أكثر الكتاب يؤكدون على أثر الإسلاميين في فكر ابن ميمون اليهودي، وهو جاءنا برأي معكوس ومنطق منكوس يلبس به على ضعاف النفوس، وهو في هذا لم يحد عما عهد منه من الغمز والمز والتزوير والتدليس.
    وقد زاد على هذا فزعم أن ابن تيمية تأثر بأبي البركات البغدادي –اليهودي قبل أن يسلم-، وذلك في قوله بتغير العلم والإرادة المتعلقين بالمعلوم المتغير، وكلام أبي البركات إنما نقله ابن تيمية في الدرء (2/209) ضمن اقتباس طويل من الأربعين للفخر الرازي –وهو في الأربعين (1/170) ط الأزهرية- ، وتأثر الرازي بالفلاسفة وآرائهم -بغض النظر عن أديانهم- مشهور أيضا.
والله الموفق وهو يهدي السبيل

تم قراءة المقال 3875 مرة