طباعة
الأحد 9 رجب 1442

علاج الدوغمائية (الحلقة : 3) مميز

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

علاج الدوغمائية (الحلقة : 3)
كثير من الناس يجهل أن إدراك العقل للأشياء والقضايا مراتب بعضها فوق بعض، متدرجة من الجهل إلى العلم القاطع، فتراه يحصر عقله في ثنائية الشك أو اليقين، فبعدما يعيش دهرا متدينا بيقين وهمي غير مبني على الحجة تراه يتدحرج من ذلك اليقين إلى الشك مباشرة إذا صادف أول شيء يضاد يقينه، وقد يقرأ مقالات منثورة وكتابات مبتورة في علم من العلوم الكونية كان يجهله جهلا مطبقا؛ فيرتقي بتلك الحروف من رتبة الجهل إلى رتبة العلم القاطع دفعة واحدة، وادعى في ذلك العلم ما لا يدعيه فيه أهله المختصون فيه..وهنا يضطر المحاور له إلى رده إلى مبادئ التفكير الأولية؛ ليزيل من عقله تلك الثنائية القاتلة (الشك/ اليقين)؛ حيث جعل الإدراك في رتب خمس هذا بيانها من الأدنى إلى الأعلى :
1-عدم إدراك القضية أصلا يسمى جهلا، ويقال له الجهل البسيط لأنه ثمة جهل مركب نبينه لاحقا.
2-إدراك القضية على وجه يعارضه ما هو أرجح منه يسمى وهما، وهذا شأن الاحتمالات الضعيفة التي لا يجوز أخذها بعين الاعتبار.
3-إدراك القضية على وجه يعارضه ما هو مثله يسمى شكا، ومعناه أن تتساوى دلائل الثبوت مع دلائل النفي؛ فلا رجحان لأحدها على الآخر.
4-إدراك القضية على وجه يعارضه احتمال مرجوح يسمى ظنا، ومعناه أن تكون دلائل الثبوت أقوى من غيرها وعليها التعويل، وتسميته ظنا هو اصطلاح، وليس هو الظن المذموم في الشرع، لأن الظن المذموم شرعا يشمل الشك وما دونه، لذلك قد يسمى الظن الغالب للتمييز بينهما، وقد وصفه الشافعي رحمه الله ب"ما يفيد العلم في الظاهر" ويقابله ما يفيد العلم في الظاهر والباطن، وهو الرتبة الخامسة الآتية.
5-إدراك القضية على وجه لا احتمال معارض له يسمى علما، ومعناه أن يكون الحكم قاطعا لا يحتمل النقيض بوجه من الوجوه، وقد خصت رتبة العلم بما كان قطعيا يقينيا، وهو أعلى رتبة من رتبة الظن كما هو ظاهر.
  وهذا التقسيم والترتيب اصطلاح يفيد في تنظيم التفكير ولا حجر في الاصطلاح، إلا أنه لابد من التنبيه على أنّ كل رتبة من هذه الرتب تنقسم إلى ما نهاية له من الدرجات، فمرتبة اليقين أو العلم القاطع ليست درجة واحدة بل درجات متفاوتة ولذلك قررت الشريعة أن الإيمان يزيد وينقص، والزيادة ليست متعلقة بالعمل فقط بل قد تتعلق بالعلم والإدراك أيضا، ويدل عليه قوله تعالى : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (البقرة: 260) وقوله تعالى: (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ) (التكاثر:5-7) فأثبت درجة أعلى من علم اليقين هي عين اليقين.
   والأمر نفسه يقال عن رتبة الظن فهي درجات متفاوتة بعضها أعلى من بعض أدناها فوق الشك بقليل وأعلاها تقترب من اليقين، وتفاوت الظن يُمكن التمثيل له بشهادة الشهود فليست درجة تصديق شهادة عدل واحد كتصديق شهادة عدلين وثلاثة وأربعة وخمسة، إذ كلما ازداد العدد ازدادت درجة التصديق..

تم قراءة المقال 755 مرة