طباعة
لثلاثاء 9 جمادة الأول 1432

61-رفع الصوت بالصلاة على النبي دبر الصلوات

كتبه 
قيم الموضوع
(2 أصوات)

السؤال :

السلام عليكم، في مسجدنا يرفعون صوتهم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جماعة دبر كل صلاة، فما حكم هذا الصنيع؟ وكيف أنصحهم؟

 

61-رفع الصوت بالصلاة على النبي دبر الصلوات

الجواب:

  الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فهذه المسألة تتركب من ثلاثة قضايا، الأولى حكم رفع الصوت بالذكر بعد الصلوات المكتوبات، والثانية في حكم فعل ذلك جماعة، والثالثة في كون هذا الذكر صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

أولا : حكم رفع الصوت بالذكر بعد الصلوات المكتوبات

   أما القضية الأولى فهي محل خلاف بين العلماء والراجح ما ذهب إليه الجمهور، من أنه لا يشرع ذلك، لقوله تعالى: (َاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) (الأعراف/205)، ولحديث أَبِي مُوسَى قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لَيْسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ » (متفق عليه).

أما حديث أبي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متفق عليه، فأجاب عنه الشافعي في كتاب الأم (1/150-151) بقوله:« وأحسبه إنما جهر قليلا ليتعلم الناس منه ذلك، لأن عامة الروايات التي كتبناها مع هذا وغيرها ليس يُذكر فيها بعد التسليم تهليل ولا تكبير، وقد يذكر أنه ذكر بعد الصلاة بما وصفت ويذكر انصرافه بلا ذكر، وذكرت أم سلمة مكثه ولم تذكر جهرا» وقد سئل الإمام مالك عن التكبير عقب صلاة الصبح والمغرب فاعتبره من المحدثات كما في البيان والتحصيل (1/306) قال ابن رشد :« وما ذهب إليه مالك من كراهية التكبير دبر الصلوات أظهر، لأنه أمر محدث لم يكن في الزمن الأول ، ولو كان لذكر ونقل».

ثانيا : حكم الذكر الجماعي

   وأما القضية الثانية وهي على فرض صحة القول الآخر، وهو مشروعية رفع الذكر بعد الصلاة، فإنه لا دليل مشروعية فعل ذلك جماعة بصوت واحد، لا حديث ابن عباس ولا غيره، ونص غير واحد من أهل العلم على الذكر والدعاء بهيئة الاجتماع من البدع، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (22/519) والشاطبي الذي قال في الاعتصام (1/351):« إن الدعاء بهيئة الاجتماع دائماً لم يكن مِن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما لم يكن قوله ولا إقراره»، وقال الشيخ علي محفوظ في الإبداع في مضار الابتداع (ص:283):«من البدع المكروهة ختم الصلاة على الهيئة المعروفة مِن رفع الصوت به، وفي المسجد، والاجتماع له، والمواظبة له، حتى اعتقد العامة أنه مِن تمام الصلاة، وأنه سنة لا بدَّ منها، مع أنه مستحب انفراداً سرّاً، فهذه الهيئة محدثة، لم تُعهد عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ولا عن الصحابة، وقد اتخذها الناس شعاراً للصلوات المفروضة عقب الجماعة».

ثالثا : حكم الصلاة على النبي بعد الصلاة المفروضة

   وأما القضية الثالثة فهي في كون تخصيص هذا الذكر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بدعة مخالفة للسنة ذلك أنه أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أذكار كثيرة ليس فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نص على بدعية هذا التخصيص غير واحد من أهل العلم منهم القاسمي في إصلاح المساجد (154)، ولا تشرع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما لا يشرع الدعاء أيضا لأن موضعهما هو في داخل الصلاة قبل السلام.

   قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (22/519):« أما دعاء الإمام والمأمومين جميعاً عقيب الصلاة، فهو بدعة لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنما كان دعاؤه في صلب الصلاة، فإن المصلى يناجى ربه، فإذا دعا حال مناجاته له كان مناسبا، وأما الدعاء بعد انصرافه من مناجاته وخطابه، فغير مناسب، وإنما المسنون عقب الصلاة هو الذكر المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم».

 

   وعلى من أراد النصيحة لمن وقع في البدعة أن يمهد له بتحبيب سنة المصطفى صلى اله عليه وسلم على العموم، ثم بتعليمه ما هو ثابت في هذا الموضع من الأذكار، ثم يبين له أن ما هم عليه ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه حل محل السنة الثابتة، وليس من شأن من يحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك السنن الثابتة إلى أعمال لا يدرى مسنتدها ونص العلماء على بدعيتها ولا أجر فيها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » (متفق عليه) ولابد للناصح أن يحرص على التسلح بالعلم في القضية التي يريد تبليغها وقد أطلت في نقل كلام العلماء في هذه المسألة لهذا الغرض، كما عليه أن يتلطف مع المدعويين وأن يحرص أن يتجنب العبارات التي تجرح المنصوح أو تفقده الثقة في الناصح والله تعالى الموفق لما يحب ويرضى.

 

 

تم قراءة المقال 9498 مرة