طباعة
الخميس 7 ذو الحجة 1432

‏74-هل يشترط رضا الزوجة للتعدد؟ ونصيحة للزوجة والزوج.

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

السؤال:

   تزوجت امرأة منذ 12 سنة، ولكنها مرضت منذ ست سنوات فأجريت لها عملية جراحية في القلب، ثم إنها حملت بعد أن أذن لها الأطباء، فسبب لها ذلك شللا نصفيا وهي على هذه الحال منذ ثلاث سنوات، وأنا الآن أقوم برعايتها وبكل ما يلزمها حسب استطاعتي، وقد رغبت في التعدد، ولكن زوجتي معترضة وغير راضية، فنرجو منكم نصيحة مكتوبة أقرأها على مسامعها من الموقع، وهل يشترط رضا الزوجة الأولى لمن أن أراد أن يعدد؟

   في القضاء الجزائري يشترط رضا الزوجة وحضورها أمام القاضي وتوقيعها على وثيقة, لكن هناك ثغرة قانونية تسمح بتخطي ذلك، حيث يتم الزواج بعقد شرعي عرفي، ثم ترفع دعوى قضائية لإثبات ‏النسب، فيتم فيها إحضار الشهود والولي عند القاضي ويشهدون أن العقد تم منذ ‏زمن, فيتم توثيق العقد، فهل هذا العمل جائز؟‏

 

‏74-هل يشترط رضا الزوجة للتعدد؟ ونصيحة للزوجة والزوج.

 

الجواب :

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه : أما بعد فإن الله تعالى يقول: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) (النساء:3) فالله تعالى العليم الحكيم قد شرع في محكم التنزيل التعدد وأباحه لكل مسلم، إلا في حالة الخوف من عدم العدل فأمر بالاقتصار على واحدة، ولهذا التعدد عدة حكم ومصالح يحققها الفرد والمجتمع، والزوج والزوجة على حد سواء، فإن الله تعالى لا يشرع إلا ما فيه صلاح العباد، وقد أطال الكتاب في تِعْداد هذه المصالح، نذكر هنا ما يتعلق بمصالح الزوجة الأولى، وذلك حين تكون قد كبرت في السن أو مرضت أو يئست من المحيض؛ والزوج يحتاج إلى إعفاف نفسه، أو له رغبة في إنجاب الأولاد وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فهنا التعدد يكون رحمة لها وبرا بها؛ لأنه خير لها من التطليق والفراق الذي تفرضه الشرائع التي تحرم التعدد، بل من العلماء من ذكر أن القسْم بين الزوجات في المبيت من الأمور التي تزيد في الألفة بين الزوجين، لما في الفراق يوما أو يومين من زيادة شوق الرجل إلى زوجته وزيادة شوقها إليه.

   وبالنسبة إلى هذه الحالة ننصح الأخت الفاضلة أن تذعن لشريعة رب العالمين، لأنَّ الخير كل الخير في قبول شرعه والرضا به، فتقبل بما طلبه زوجها، لأنه لم يطلب منها شيئا هو من حقها؛ لها أن تقبل به أو ترفضه، وإنما طلب حقَّه الذي قيَّده من لا يُحِّكم شريعة الرحمن، ولتعلم أنها برضاها تزيد من حب هذا الزوج لها ومن مودته بخلاف تماديها في الاعتراض، وإذا علمتْ أنَّ هذا الزوج قادر على التعدد بطريق أو بآخر ؛ فعليها أن تجاهد نفسها وتكبح جماح غيرتها لترضي ربها وتحتفظ بوُدِّ زوجها، وربما إذا أعلنت له رضاها يفوضها أن تختار له زوجة ثانية تكون صالحة ومُحسنة إليها، وخاصة أنها في وضعها الحالي تحتاج إلى من يرعاها ويخدمها.

    ولتعلم أنها ليست بأفضل من أمهات المؤمنين رضي الله عنهم، وليست خيرا من عائشة رضي الله عنها بنت الصديق رضي الله عنه، التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي لا تزال طفله صغيرة تعلب بدماها، ومع ذلك تزوَّج بعدها النبي صلى الله عليه وسلم ليس بزوجة واحدة بل بزوجات، ولم يُنقص ذلك من قدرها ولا من فضلها.

    وأما عن اشتراط رضا الزوجة لإباحة التعدد، ثم إعطاء سلطة تقديرية للقاضي بعد ذلك ليقرِّر أهلية الزوج للتعدد أم لا؟ فهذا الأمر بشقيه باطل لا عبرة به في شريعة رب العالمين، ولا يجوز لمؤمن أن يرضى به لأنه من الحكم بغير ما أنزل الله عز وجل، وإذا فُرض عليه فيلتزم به من أجل إتْمام توثيق العقد الذي هو أمر واجب لا مناص منه.

   وبالنسبة لما ذُكر في السؤال من تحايل والتماس مخرج قانوني يكون فيه نوع تدليس؛ فأظن أنَّك في غنى عنه، لأن المادة الثامنة في قانون الأسرة عباراتها فضفاضة، وفقرتها الأولى تجيز التعدد إذا وجد المبرر الشرعي مع توفر نية العدل وشروطه، وهم يفسرون المبرر الشرعي بنحو كون الزوجة عاقرا أو مريضة مرضا يمنعها من القيام بحق الزوجية، ففي هذه الحالة يُتجاوز إذن الزوجة- ما لم يكن القاضي متعنِّتا-.

   وكأنَّ الثغرة القانونية التي أشير إليها تستند إلى المادة 40 المتعلقة بإثبات النسب؛ حيث تُجيز إثباته بالإقرار والبينة، لكن هذه الحيلة فيها مخاطرة، وتعريضا لسمعة الأم والولد للخطر، فأما المخاطرة فتكمن في تأخير التوثيق إلى ما بعد الحمل والولادة وهذا أمر قد يطول، وأمَّا تعريض سمعة الأم والولد للخطر؛ فلأنه في حالة عدم التوثيق للعقد، فإن الولد سوف ينسب إلى أمه في انتظار صدور الحكم القضائي لتوثيق الزواج وإثبات النسب، فتُعامل المرأة معاملة الزانية مثل بمثل سواء بسواء، وهذا لا يرضاه مؤمن لنفسه وأهله وولده.

   ومن اضطر إلى التحايل فلا بد أن يجتهد في توثيق العقد مباشرة بعد العقد العرفي -وقبل الدخول الفعلي-وهناك ثغرات قانونية غير مرتبطة بإثبات النسب؛ مثل المادة التي تنُص على تصحيح العقد بعد الدخول (أو إدعاء الدخول)؛ إذا توفرت فيه بعض شروط النكاح دون بعض، وهناك أشياء أخرى يعرفها المختصون موجودة في قانون الحالة المدنية وغيرها من القوانين. والله تعالى أعلم .

تم قراءة المقال 4916 مرة