لثلاثاء 20 جمادة الثاني 1442

104-نصيحة لتاريكي صلاة الجمعة والجماعة بسبب التباعد مميز

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

نصيحة لتاريكي صلاة الجمعة والجماعة بسبب التباعد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فقد طلب منى غير واحد من قبل أن أكتب شيئا في الرد على مبطلي صلاة التباعد التي ابتلينا بها، فلم ينشرح صدري لذلك؛ لكن لما طال انقطاع بعض العامة عن الصلاة في المساجد وعن صلاة الجمعة بسبب ظنهم بطلانها؛ زورت في نفسي نصيحة مقتضبة ثم لما شرعت في الكتابة لم أشعر حتى وجدتها قد طالت؛ فمن لم يجد نشاطا لقراءتها كلها؛ فليكتف بخاتمتها فهي بيت القصيد نسأل الهداية والتوفيق.
 فأقول إن تارك صلاة الجمعة الجماعة بدعوى بطلانها، يتوهم ذلك من إحدى ثلاث جهات -نميت إلي-، وغفل عن أمر رابع وبيانها فيما يأتي.
أولا -جعل انقطاع الصفوف سببا للبطلان.
1-وهذا مجرد وهم فإن الأمر رغم تأكيده لا يخرج عن رتبة الاستحباب.
2-ولو سلمنا حمله على الوجوب لما كان انقطاع صف سببا للبطلان، لأن الواجب الذي تركه يبطل الصلاة مما كان من أفعال الصلاة أو قادحا في الإئتمام بالإمام، وإنما يبطلها إذا كان بلا عذر أو حاجة، فكثير من الناس مثلا يصلون على كراسي وقد يكون منهم اثنان أو ثلاثة جنبا إلى جنب في صف واحد، فلا أرى من يجرؤ على إبطال صلاتهم بدعوى أن الكرسي يمنع صلة الصف ، كيف وهو بجلوسه قد ترك السجود وربما معه القيام إذا لم يكن قادرا عليه، وأيضا كثيرا ما تنقطع الصفوف في الحرم بسبب اختلاط الرجال بالنساء فهل سيلتزم هذا المخالف بإبطالها أم سيدعي صحتها لوجود الحرج.
3-ثم إنا لا نبطل صلاة من لا يخشع في الصلاة فيتحرك فيها بلا حاجة ويعبث بلحيته، ولا صلاة من يرفع بصره إلى السماء مع وجود النهي، وفي صلاة الجماعة لا نبطل صلاة الصفوف المعوجة مع أن الأمر بالتسوية وصلة الصفوف قرينان.
4-زيادة على ذلك فإن أكثر الناس لا يصلون الصفوف؛ خاصة في صلاة الصبح وفي فصل الصيف، ولم نسمع يوما أحد أفتى ببطلان صلاتهم، وإن من أسباب قطعهم الصفوف جهلهم بمعنى الوصل؛ حيث تراهم يبالغون في التفرج بين أرجلهم دون مراعاة لمحاذاة المناكب؛ ظنا منهم أن ذلك هو المطلوب؛ فإذا سجدوا ظهر الانقطاع وتبين أنهم متباعدون، فهل صلاتهم باطلة عند المبطل أم سيوجد لنا فرقا.
ثانيا : حديث وابصة في بطلان صلاة من صلى خلف الصف.
1-وهذا الحديث أولا عند كثير من العلماء ضعيف لا يصح للاختلاف الموجود في إسناده.
2-ثم على فرض صحته؛ فهو معارض بأحاديث أصح منه متفق على صحتها منها حديث أبي بكرة لما صلى ركعة دون الصف قبل أن يلتحق به؛ وزاد على ذلك مشيا مخالفا للسكون في الصلاة، ومع ذلك لم يبطل النبي صلاته بل أقره وقال :"زادك الله حرصا ولا تعد".
3-وكثير ممن صححه وعمل به لم يهدر ما عارضه؛ بل قال إنما تبطل صلاة من فعل ذلك بلا حاجة ولا عذر، كما هو مذهب ابن تيمية وتفسيره لمذهب أحمد.
4-ومن كان لا يرى حاجة أو عذرا ملجئا إلى هذا التباعد (سواء كان مبالغا فيه أو غير مبالغا فيه) فنظره قاصر جدا ...فإن الخوف عذر لا خلاف فيه في ترك الواجبات، وإذا كان أحدنا لا يخاف؛ فهذا لا يلغي الرخصة في حق من يخاف، فأنا لا استطيع أن أنتزع الخوف من قلب المسؤول الذي اتخذ القرار أو من كل مصل يصلي بجانبي.. وأكبر ضرر نخشاه لو كان هؤلاء المفتون يعقلون هو غلق المساجد وما يتبعه من تعطيل للمصالح وانتشار للفساد، ولكن لا حيلة مع ضيق النظر.
5-نقول هذا مع أنه في حالة التباعد -ورغم المبالغة فيه- فالصفوف موجودة، وقد يوجد من يصلي خلف الصف ولا يتم الصفوف؛ ففيه ينبغي أن نختلف لا في صلاة الجميع.
ثالثا : الاستناد إلى أن هذه الصفة لم تفعل في الأزمنة الغابرة مع وجود الطواعين والأوبئة.
1-وهذا جوابه أنه إذا ثبت أن صلاة التباعد محدثة ولم تفعل في أزمنة السلف التي يحتج باتفاق أهلها، فهل هذا داع إلى القول البطلان، وما أكثر محدثاتنا في مساجدنا وهيئاتنا في الصلاة فهل كل إحداث يكون موجبا للبطلان؟
2-أن الطواعين التي نقلت لنا أخبارها ليس هذا الوباء من جنسها؛ لأن الطاعون فساد في الهواء لا ينفع منه تباعد ولا اعتزال الناس في البيت. ولا أرى من يريد التقيد بصنيع السلف سيفتي بارتقاء الجبال للسلامة من كورونا والاكتفاء بذلك بدعوى أنه فعل السلف...
3-ومهما تكن الآراء في الطاعون وفي تعامل الناس معه في الأزمنة الماضية؛ فالفقيه يفرق حين يفتي بين ما يجب أن يكون؛ وبين التعامل مع هو كائن إذا لم يؤخذ برأيه ....
4-ونحن إذا خالفنا من ضيع مقاصد دينية عامة ومحققة لدفع أضرار بدنية ليست عامة ولا محققة ..فإنا نرى من أفتى ببطلان صلاة الجمعة والجماعة مثله في تضييع المقاصد الشرعية؛ سوى أنه أضل فئات أقل من الناس .
رابعا :
وأخيرا أذكر كل منصف مريد للحق بهذا الحديث الصحيح الذي يعلمنا فقها جزئيا متعلقا بمسألتنا؛ ويعلمنا مقصدا كليا من مقاصد الشريعة؛ كثيرا يؤكد عليه بعض هؤلاء المفتين في مواضع سنذكرهم ببعضها.
وهو حديث أبي ذر الذي رواه مسلم قال قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ أَوْ قَالَ: يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: " صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَك نَافِلَة.
1-فلنفرض أن أحدهم كان عنده يقين في البطلان؛ فكيف يفتي بخلاف فتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة تخرج عن وقتها، أليس إخراج الصلاة عن وقتها ترك لواجب من الواجبات ومخالف لقوله تعالى (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (النساء: 103) ولعل بعضهم يقول إن آخر الوقت شرط كأوله ويجعل ذلك علة عدم مشروعية قضاء الصلاة الفائتة عمدا.
2-ماذا كان يضيره إذا اعتقد البطلان أن يأمر الناس بعدم مفارقة الجماعة لما يترتب عليها من مفاسد فردية وجماعية، ثم بإعادة الصلاة وإعادة الجمعة ظهرا، ولماذا بعضهم يفتي بنص الحديث في صلاة الصبح التي يعتقد أداءها قبل الوقت، ولا يفتي به في صلاة الجمعة التي هي أوكد من أي جماعة أخرى ..نسأل الله الهداية والتوفيق، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن إله إلا أنت وأستغفرك وأتوب إليك.
 
      

تم قراءة المقال 2846 مرة