طباعة
الأربعاء 12 ربيع الثاني 1443

هل الله سبحانه يضاعف السيئات ؟

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

هل الله سبحانه يضاعف السيئات ؟
ورد إلى سؤال نصه : كيف يجمع بين قول الله تعالى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الأنعام: 160] وبين قوله تعالى : {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا } [الفرقان: 68، 69]. وبعد مدة جاءني سؤال في معناه حيث استشكل السائل حديث : "وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة " (متفق عليه) الذي ظهر للسائل معارضا للآية الكريمة (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا). فلما تكرر السؤال رأيت تحرير جواب مكتوب مفصل عسى أن يحد من ينتفع به، نسأل الله تعالى الإخلاص والتوفيق والسداد.
فأقول مستعينا بالله تعالى وحده ، إن الله تعالى بحكمته وفضله وعدله؛ قضى أن جزاء الحسنة يضاعف من عشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف وقد يزيد، وذلك من فضل الله تعالى وواسع رحمته بعباده ، وقضى أن جزاء السيئة مثلها وأن لا تضاعف وهذا من عدله سبحانه ، فمن اقترف جريمة فإنه لا يستحق إلا جزاء جريمته المحدد من غير زيادة كما في قوله تعالى  (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} وكما في قول نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم : (وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة ) ولا يعارض هذا ظواهر بعض الآيات التي ورد فيها ذكر التضعيف، وهي آيات لكل منها معناها الذي يوضحه سياقها .
1-فقوله تعالى { يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا } –الذي ورد في السؤالين -جاء بعد قوله {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } [الفرقان: 68] فالمضاعفة هنا سببها تعدد الجرائم المقترفة وليس المراد مضاعفة إثم جرم واحد، فمن أشرك بالله تعالى استحق الخلود في جهنم ومن أضاف إلى ذلك قتل النفس بغير حق استحق عقابا زائد عما فيه من عذاب ، ومن زاد على ذلك الزنا استحق عقابا زائدا، ولا تتداخل العقوبات ولو كانت في وقت واحد، وهذا من عدل الله تعالى بين أهل النار فلا يستوى فيها من أتى بجريمة أوجبت له دخولها ومن أتى بتلك الجريمة وزاد عليها غيرها ولا من فعل الجريمة مرة ومن كررها مرارا، ولذلك لم يكن أهل الكفر في دركة واحدة، وقد جعل الله تعالى للنار دركات كما جعل للجنة درجات، وليس فيما ذكر شيء يخالف أن جزاء السيئة مثلها بل إن مقتضى المثلية تعدد العقاب بتعدد الجرائم.
2-وورد الخبر عن التضعيف أيضا في قوله تعالى {أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} [هود: 20] والمشار إليهم هم المذكورون في قوله تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [هود: 18، 19] فالسياق يوضح أن المقصود بهذا الوعيد هم رؤوس الكفر دعاة الضلالة الصادين عن سبيل الله، فالإخبار عن مضاعفة العذاب لهم هنا لا يختلف عن قوله عز وجل {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ } [النحل: 25] وكذلك هو في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم :" وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئا" (رَوَاهُ مُسلم). وذلك أن جريمة الدعوة إلى الضلالة والصد عن سبيل الله في حد ذاتها جريمة مضاعفة؛ وعقوبتها تكون من جنسها وبحسبها فمن أضل واحدا ليس كمن أضل عشرة وليس كمن أضل ألفا وهكذا ، وليس في هذا ما يخالف أن جزاء السيئة مثلها فالسيئة الصغيرة يجد المرء مثلها والسيئة الكبيرة يجد مثلها والسيئة المتعدية يجد أيضا مثلها .
3-وورد الخبر بإمكان مضاعفة العذاب في آية أخرى معلقا بشرط -وليس وهو متحققا في الواقع- في قوله تعالى {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} [الأحزاب:30- 31] وهذه الآيات في سياقها العام تبين أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم لهن خاصية تميزهن على سائر النساء ، وقد قال تعالى بعدها (يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ) لأن منة الله تعالى عليهن أعظم من بقية النساء المؤمنات ومنزلتهن أعظم من غيرهن، فهن قدوات النساء وهن شرف النبي صلى الله عليه وسلم، فلعظم المنة والمنزلة جُعل العذاب مضاعفا، وذلك متفق مع حكمة الله وعدله ؛ وقد جعل عقوبة الإيماء في الدنيا نصف عذاب الحرائر تبعا لعظم المنة {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]، ثم إنه كما جعل العذاب مضاعفا جعل الأجر مضاعفا أيضا ، أي إن الحسنة بعشرين ضعفا كما قال بعض المفسرين ..والخلاصة أن هذه المضاعفة لا تنافي العدل ولا تنافي أن من جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها؛ لأن المثل يختلف باختلاف المعصية أحيانا ويختلف باختلاف العاصي أحيانا أخرى باعتبار مكانته أو المنة عليه  كما سبق ذكره، ولابد في الختام أن نؤكد أن هذا الحكم لا يخرج عن حيز الامكان وأنه غير واقع مثله مثل قوله تعالى في حق نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] .
وخلاصة الخلاصة أن قوله تعالى ( وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)  يبقى محكما وإليه يرد كل آية مشتبهة المعنى ..والله سبحانه أعلى وأعلم.

تم قراءة المقال 468 مرة