الاثنين 28 محرم 1432

السوق في ميزان الإسلام

كتبه 
قيم الموضوع
(2 أصوات)

السوق في ميزان الإسلام

     إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله. (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (آل عمران:102) (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) (النساء:1) (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (70) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) (الأحزاب:70-71) أما بعد فإنَّ أحسن الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكلَّ محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ثم أما بعد:

   فإن السوق يحتل مساحة كبيرة من حياة الناس وخاصة عند النساء، وهو ضرورة لا بد منها لقضاء الحاجات وشراء لوازم البيت والإنسان، كما أنه قد يكون موطن للإنسان حيث له فيه محل أو محلات للبيع وهو مصدر رزقه وأهل بيته وقد يقضي الواحد  فيه الساعات الطوال، وبما أن الغالب في الأسواق الغفلة ونسيان ذكر الله، وكيف لا وهو مرتع و مأوى الشياطين ومكان اختلاط الناس بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم، فيهم المؤمن والكافر وفيهم الصالح والطالح وغير ذلك، ولما كان الأمر كذلك، وكان غالب رواد الأسواق يجهلون مكانة السوق في الإسلام، وآداب وأحكام السوق أحببت أن أذكر نفسي وغيري من المسلمين ما يجب أن يعرفه عن السوق وآدابه وأسميته: السوق في ميزان الإسلام  وضمنته المحاور التالية :

 

السوق في ميزان الإسلام

 

 

1-موقف الإسلام من السوق.

 

2-فتن السوق

 

3-آداب السوق

 

4-نصائح للمتسوقين

 

المحور الأول : موقف الإسلام من السوق

 

تعريف السوق:

 

لغة: السوق بضم العين هي موضع البياعات، أو التي يتعامل فيها، وهي تذكر وتؤنث، والجمع أسواق، قال الله تعالى: (وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) (سورة الفرقان /20).

 

وتسوق القوم: إذا باعوا واشتروا وأصل اشتقاق السوق من سوق الناس إليها بضائعهم([1]).

 

واصطلاحاً : هو اسم لكل مكان وقع فيه التبايع بين من يتعاطى البيع والشراء([2]).

 

أبغض البلاد إلى الله تعالى السوق

 

   يعتبر السوق في الإسلام من أبغض البلاد إلى الله تعالى إذ يكثر فيها اللغو والغفلة والمنكرات، وأما إذا سلمت من هذه الأشياء فلا يلزم أن تكون كذلك كما قال ابن بطال رحمه الله: وهذا خرج على الغالب وإلا فرب سوق يذكر فيها الله أكثر من كثير من المساجد([3]).

 

   ومن الأحاديث التي وردت في بيان أن الأسواق هي من أبغض البلاد أو الأماكن عند الله هي :

 

   عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها)([4]).

 

   وفي بيان العلة من ذلك قال النووي رحمه الله: قوله أحب البلاد إلى الله مساجدها لأنها بيوت الطاعات وأساسها على التقوى قوله وأبغض البلاد إلى الله أسواقها لأنها محل الغش والخداع والربا والأيمان الكاذبة وإخلاف الوعد والإعراض عن ذكر الله وغير ذلك مما في معناه([5]).

 

الرسول والسوق

 

   قال تعالى : (وَقَالُوا۟ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِى فِي ٱلْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌۭ فَيَكُونَ مَعَهُۥ نَذِيرًا) (الفرقان/آية7) كما كان الأنبياء قبله يأتون الأسواق للبيع والشراء (وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) (الفرقان/20).

 

   لقد أخبر الله تعالى عن قوم من المشركين حين اعترضوا على النبي صلى الله عليه وسلم نبوته ورسالته بأنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وهذا يتنافى في نظرهم إذ أنه من خصائص البشر، وكأنهم يريدون أن يقولوا كيف يكون له ذلك وهو مثلنا يأكل الطعام كما نأكل ويمشي في الأسواق كما هو حالنا فهلا كان ملَكًا لا يأكل الطعام، ولا يحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر.

 

   قال القرطبي رحمه الله: دخول الأسواق مباح للتجارة وطلب المعاش. وكان عليه السلام يدخلها لحاجته, ولتذكرة الخلق بأمر الله ودعوته , ويعرض نفسه فيها على القبائل, لعل الله أن يرجع بهم إلى الحق.

 

   والأسواق معروفة منذ القدم إذ من خلالها يتم تبادل المصالح والبيع والشراء، قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان ذو المجاز وعكاظ متجر الناس في الجاهلية فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) (البقرة/198) . في مواسم الحج([6]) وفي لفظ كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فلما كان الإسلام فكأنهم تأثموا فيه فنزلت (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج). قرأها ابن عباس([7]) أي قرأ هذه اللفظة "في مواسم الحج" في جملة القرآن، فتكون تفسيرا للآية وليست بقرآن.

 

(ذو المجاز) اسم سوق للعرب في الجاهلية كان إلى جانب عرفة وقيل في منى. (عكاظ) اسم سوق كان بناحية مكة . (متجر) مكان تجارتهم.

 

وقال البخاري: باب ما ذكر في الأسواق([8]) : ثم ذكر مجموعة آثار منها:

 

قال عبد الرحمن بن عوف لما قدمنا إلى المدينة قلت هل من سوق فيه تجارة ؟ قال: سوق قينقاع .. وقال أنس: قال عبد الرحمن: دلوني على السوق . .   وقال عمر: ألهاني الصفق بالأسواق.

 

موقف السلف من الأسواق :

 

    قال سفيان الثوري في وصيته الطويلة لعلي بن الحسن المسلمي: وفيها : (....وأقِلَّ دخول السوق؛ فإنهم ذئاب عليهم ثياب ، وفيها مردة الشياطين من الجن والإنس ...)([9]).

 

   وعن سلمان رضي الله عنه قال: (لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته)([10]).

 

   وعن ميثم رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بلغني أن الملك يغدو برايته مع أول من يغدو إلى المسجد فلا يزال بها معه حتى يرجع فيدخل بها منزله وإن الشيطان يغدو برايته إلى السوق مع أول من يغدو فلا يزال بها معه حتى يرجع فيدخلها منزله([11]).

 

   وعن أبي عثمان قال : قال لي سلمان الفارسي: (إن السوق مبيض الشيطان ومفرخه فان استطعت أن لا تكون أول من يدخلها ولا آخر من يخرج منها فافعل)([12]).

 

حكم دخول الأسواق :

 

   على ضوء ما تقدم يمكن أن نجمل القول أن دخول السوق له حكم إباحة وحكم كراهة.

 

الإباحة: وهو الأصل لما تقدم من حال الرسل عليهم الصلاة والسلام ثم هو ضرورة إنسانية لقضاء الحاجات من الطعام والشراب واللباس وغيره ثم الله تعالى يرزق بعض الناس ببعض بالبيع والشراء الذي لا يتم إلا بالأسواق.

 

الكراهة: وذلك إذا فشا في الأسواق المنكرات والمخالفات الشرعية وتعذر فيها الإنكار كما في هذه الأزمان التي يخالط فيها الرجال النساء وانتشرت فيها المظاهر المخلة بالحياء خاصة من قبل الكفار والمتشبهين بهم. ولهكذا قال علماؤنا لما كثر الباطل في الأسواق وظهرت فيها المنكرات: كره دخولها لأرباب الفضل والمقتدى بهم في الدين تنزيها لهم عن البقاع التي يعصى الله فيها . فحق على من ابتلاه الله بالسوق أن يخطر بباله أنه قد دخل محل الشيطان ومحل جنوده, وأنه إن أقام هناك هلك, ومن كانت هذه حاله اقتصر منه على قدر ضرورته, وتحرز من سوء عاقبته وبليته.

 

متى يجوز دخول السوق ؟

 

   ينبغي للمرء إذا أراد دخول السوق أن يدخله لشراء أو بيع بما تقتضيه الحاجة، ويفضل الدخول في أوقات يقل فيها الزحام، و يبتعد الوقت فيها عن أوقات الصلاة، كما يفضل الذهاب إلى الأسواق التي يقل فيها الاختلاط وكثرة النساء والمنكرات، أي يجب عليه أن يتخير الأسواق التي يتحقق له بها الخير لدينه ودنياه، ثم زيادة على هذا يستحضر ما كان عليه السلف تجاه الأسواق كما يأتي:

 

من دخل السوق لأجل ذكر الله :

 

   كان من الصحابة من يأتي السوق لإقامة ذِكرِ الله حال الغفلة. فقد كان ابن عمر يقول: (إني كنت لأخرج إلى السوق وما لي حاجة إلا أن أُسلِّم ويُسلَّم عليّ) ([13]).

 

   وإنما يعظم أجر الذّاكرِ لله في السوق لأنه في موطن غفلة ولغو ولهو. قال محمد بن واسع قدمت مكة فلقيت بها سالم بن عبد الله بن عمر فحدثني عن أبيه عن جده عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لـه الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير. كَتَبَ الله له ألفَ ألفَ حسنة ورفع له ألفَ ألفَ درجة، وبَنى له بيتا في الجنة قال محمد بن واسع : فقدمت خراسان فأتيت قتيبة بن مسلم فقلت : أتيتك بهدية، فحدثته الحديث قال: فكان قتيبة يركب في موكبه حتى يأتـيَ السوق، فيقولَها، ثم ينصرف([14]).

 

   وروى ابن أبي شيبة عن أبي قلابة قال : التقى رجلان في السوق، فقال أحدهما لصاحبه : يا أخي تعال ندعو الله ونستغفره في غفلة الناس لعله يُغفر لنا ، ففعلا ، فقُضيَ لأحدهما أنه مات قبل صاحبه، فأتاه في المنام، فقال: يا أخي أشعرت أن الله غفر لنا عشية التقينا في السوق([15]).

 

  ولذا قال حميد بن هلال: مثل ذاكر الله في السوق كمثل شجرة خضراء وسط شجر ميت ([16]).

 

  وكان بن سيرين يدخل السوق نصف النهار يُكبر ويُسبِّح ويذكر الله تعالى، فقال له رجل: يا أبا بكر في هذه الساعة؟ قال: إنها ساعةُ غفلة([17]).

 

   وكان مالك بن دينار يقول: السوق مكثرة للمال مذهبة للدِّين([18]).

 

   وقال عبد الله بن أبي الهذيل: إن الله ليحب أن يُذكر في الأسواق، وذلك للغطِ الناس وغفلتِهم، وإني لآتي السوق ومالي فيه حاجة إلا أن أذكرَ الله.

 

من كانت الأسواق تذكرهم الآخرة :

 

   لقد بلغ الأمر ببعض السلف من الصحابة ومن بعدهم أن كان دخوله للسوق يذكره الآخرة فيتذكر الجنة أو النار .

 

   فهذا ابن مسعود رضي الله عنه كان إذا  خرج إلى السوق فمرّ على الحدادين فرأى ما يُخرجون من النار إلا جعلت عيناه تسيلان([19]).

 

   وعن عبد الله بن بشر أن طاووسا اليماني كان له طريقان إلى المسجد طريقا في السوق وطريقا آخر، فكان يأخذ في هذا يوما وفي هذا يوما، فإذا مر في طريق السوق فرأى تلك الرؤس المشوية لم ينعس تلك الليلة([20]).

 

   وكان عمرو بن قيس إذا نظر إلى أهل السوق بكى، وقال: ما أغفل هؤلاء عما أُعِـدّ لهم([21]).

 

   ولما دخل الحسن بن صالح السوق فرأى هذا يخيط وهذا يصنع، بكى، ثم قال: انظر إليهم يُعللون حتى يأتيَهم الموت([22]).

 

كثرة الأسواق وتقارب بعضها ببعض من أشراط الساعة:

 

   من تأمل في واقعنا الحاضر يجد أن الأسواق تتزايد بشكل ملفت للنظر حتى أنك تجد بين السوق والسوق سوقا وبهذا فقد تحقق حديث النبي صلى الله عليه و سلم في أن تقارب الأسواق من أشراط الساعة كما روى أحمد في المسند عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن ويكثر الكذب ويتقارب الأسواق ويتقارب الزمان ويكثر الهَرْجُ قيل وما الهَرْجُ قال القتل)([23]).

 

المحور الثاني: فتن السوق

 

   من تأمل في حال الأسواق في زماننا وجدها حبلى بالفتن الكثيرة التي من تجاهلها و لم يُعظِم أمرها أوقعته في حبالها وأذهبت عنه حلاوة الإيمان حببت إليه الفسوق والعصيان نسأل الله السلامة والعافية ومن هذه الفتن تفشي الغناء وخاصة الغناء الغربي، وفتنة الاختلاط، وفتنة المال الذي أصبح في يد كل أحد، وفتنة النساء المتبرجات السافرات القليلات الحياء.

 

أعظم فتنة :

 

   لا يشك عاقل أن أعظم فتنة هي النساء، والمرأة نفسها فتنة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء وفي حديث بشار لينظر كيف تعملون)([24]).

 

   وتتجلى هذه الفتنة في هذا الزمن بكثرة عددهن وقلة حيائهن في عدم تحرجهن من الاختلاط بالرجال والاحتكاك بهم، وفظاعة تبرجهن والتفنن في زينتهن، فكانت فعلا فتنة عظيمة، والمرأة كما جاء في السنة عورة إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان لما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان و أقرب ما تكون من وجه ربها و هي في قعر بيتها) ([25]).

 

ومعنى استشرفها أي زينها في نظر الرجال وقيل أي نظر إليها ليغويها ويغوي بها، والأصل في الاستشراف رفع البصر للنظر إلى الشيء، وبسط الكف فوق الحاجب، والمعنى أن المرأة يستقبح بروزها وظهورها فإذا خرجت أمعن النظر إليها ليغويها بغيرها، ويغوي غيرها بها ليوقعهما أو أحدهما في الفتنة، أو يريد بالشيطان شيطان الإنس من أهل الفسق سماه به على التشبيه([26]).

 

   ويمكن أن نحصر سبب تفاقم فتنة النساء فيما يلي :

 

انعدام الغيرة عند الرجال : اعلم أخي رحمك الله أن الغيرة سياج منيع لحماية المجتمع من التردي في مهاوي الرذيلة والفاحشة والتبرج والسفور والاختلاط المحرم، الغيرة قوة روحية تحمي المحارم والشرف والعفاف من كل مجرم وغادر، الغيرة مظهر من مظاهر الرجولة الحقة، وهي مؤشر على قوة الإيمان ورسوخه في القلب، نعم .. إن أشرف الناس وأعلاهم قدرا وهمة، أشدهم غيرة على نفسه وخاصة وأهله، ومن حُرِم الغيرة حُرِم طهر الحياة، ومن حُرِم طهر الحياة فهو أحط من البهيمة الأنعام .

 

إليك أخي حفظك الله بعض ما ورد في فضل الغيرة و أنها من صفات الله .

 

-عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش وما أحد أحب إليه المدح من الله)([27]).

 

-عن أبي هريرة رضي الله  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(المؤمن يغار والله أشد غيرا)([28]).

 

   قال النووي رحمه الله: (والله أشد غيرا) هكذا هو في النسخ غيرا بفتح الغين وإسكان الياء منصوب بالألف وهو الغيرة قال أهل اللغة الغيرة والغير والغار بمعنى.

 

   وقال المناوي رحمه الله في بيان معنى هذا الحديث : أشرف الناس وأعلاهم همة أشدهم غيرة فالمؤمن الذي يغار في محل الغيرة قد وافق ربه في صفة من صفاته ومن وافقه في صفة منها قادته تلك الصفة بزمامه وأدخلته عليه وأدنته منه وقربته من رحمته([29]).

 

والمرأة مع ضعفها فإنها إذا عرفت الغيرة من وليها جعلت ذلك في حسبانها، كما قالت أسماء رضي الله عنها حيث قالت : فلقيتُ رسولَ صلى الله عليه وسلم ومعهُ نَفَرٌ من الأنصار، فدَعاني ليحمِلَني خَلفَه ، فاستحيَيتُ أن أسيرَ معَ الرّجال ، وذكرتُ الزّبيرَ وغَيرته وكان أغيَرَ الناس([30]).

 

   فلا تتمادى المرأة غالبا إلا إذا كان وليها متساهلا في القوامة، غاضا بصره عن كثير من الأمور، باردَ الغيرة على محارمه.

 

   ومن برود الغيرة أن يسمح الرجل لزوجته أو ابنته أن تركب مع السائق ويخلو بها ويُحادثها سواء كان سائقا خاصّاً أو كان سائقا عاما كأصحاب سيارات الأجرة.

 

  ومن ضعفِ الغيرة أن تُترك المرأة تخرج متى شاءت من غير أن يُعلم إلى أين تذهب ومع من تذهب.

 

  ومن مظاهر ضعف الغيرة أن تترك المرأة في الأسواق تروح وتغدو من غير حسيب ولا رقيب، فتخلو بالباعة وتُحادثهم وربما تُمازحهم وتُلين لهم القول.

 

ولضعف الغيرة أسباب كثيرة منها :

 

1) حب المعاصي: قال ابن القيم رحمه الله: فصل : ومن عقوباتها [ أي المعاصي] أنها تطفيء من القلب نار الغيرة التي هى لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن، فإن الغيرة حرارته وناره التي تخرج ما فيه من الخبث والصفات المذمومة كمال يخرج الكير خبث الذهب والفضة والحديد([31]).

 

2) الثقة المُفرِطة بالنساء: قد يقول لك بعض الرجال : إني أثق في امرأتي وتناسى هذا المسكين أن الله تعالى خاطب أمهات المؤمنين نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعدم الخضوع بالقول حتى لا يفتتن من في قلبه مرض ، والزمن زمن الطهر والحياء، فماذا عسى أن نقول نحن في مثل هذا العصر و قد قل في الحياء و تغيرت النساء قال تعالى: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا) (الأحزاب:32).

 

وأدّب الله المؤمنين إذا سألوهن أن يكون ذلك السؤال من وراء حجاب، فقال الله جل جلاله: ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ)

 

أما لماذا ؟ : ( ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) (الأحزاب:53).

 

3) عدم تحمّل المسؤولية المُلقاة على عواتق الأولياء من الرجال :

 

لقد حاول كثير من الرجال في هذا الزمن أن يتنصل عن مسؤوليته المنوطة به من توفير الحماية لأهله والسعي في خدمتهم بالإنفاق عليهم والقيام على شؤونهم الداخلية والخارجية، وتسبب بذلك الفعل في إسناد المهام للمرأة بالخروج للعمل، وتلبية حاجات البيت من الأسواق وغيرها ولو بالاختلاط مع الرجال، ولا يحرك ساكنا، بل البعض وهم كثر يشجع أهله على العمل لأجل التوسع في المال وتخفيف الإنفاق عليه هداهم الله.

 

4) كثرة الأموال في أيدي الناس رجالاً ونساءاً: إن مجرد وجود المال في يدي الرجال والنساء داع إلى الخروج للأسواق و غيرها لقضاء الحاجات والتعرف على الجديد في عالم السوق.

 

وإنني أنبه الإخوة القراء أنني لست ضد خروج المرأة من بيتها للأسواق أو غيره، وإنما لما أحدثته المرأة من تبرج وزينة كانت فتنة للرجال.

 

   وأقول كما قال ابن المبارك رحمه الله: أكره اليوم الخروج للنساء في العيدين، فإن أبت المرأة إلا أن تخرج فليأذن لها زوجها أن تخرج في أطهارها ولا تتزين، فإن أبت أن تخرج كذلك فللزوج أن يمنعها من ذلك([32]).

 

   حتى قال بعضهم : فأصبح أكبرُ همِّ المرأة المسلمة لباسا عاريا تلبسه، ونزلت إلى الميدان بأقذر أسلحتها، أسلحةِ الإغراء، وتعلمت المرأة المسلمة فنون الإغراء، وذلك عبر الأفلام العارية، والقصةِ العارية، والصورةِ العارية. ووجدت المرأة المسلمة محرَّرين ومحرَّرات ممن يتكلم بلسانها ومن بني جلدتها يشرحون لها كيف تكون جذابةً "مغرية". إغراءً في البيت وفي الشارع، إغراءً في اللفظ والحركة، إغراءً في الملبس والزينة، إغراءً في المشية والجلسة والنظرة.

 

السوق وضياع الوقت :

 

   الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، والوقت أنفس ما عنيت بحفظه، وأراه أسهل ما عليك يضيع، ولو لم يكن للسوق فتنة سوى ضياع الوقت لكان ذلك كافيا وقد اعتبر الشارع الحكيم من لم يستغل وقته وفراغه فيما يعود عليه بالنفع بالمغبون كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)([33])، وقال الشاعر رحمه الله:

 

إنَّ الفراغ والشبابَ والجِدة                     مفسدةٌ للمرءِ أيُّ مَفسده

 

   فالواجب على المرء أن يحرص على اغتنام أوقاته في طاعة الله وذكره حتى وهو يقضي في حاجاته الدنيوية في السوق وغيره، لأن الشيطان حريص كل الحرص في صرف المرء عن استغلال وقته في الطاعة، لهذا كانت الأسواق عند كثير من الناس مكانا لضياع الوقت والغفلة، فينبغي للمرء إذا دخله أن يدخله بحذر ويقظة وحرص على قضاء حاجته بسرعة و الخروج منه.

 

المحور الثالث : أدآب السوق

 

   إن لمن يريد أن يدخل السوق للشراء أو البيع ينبغي أن يتعرف على بعض الآداب التي تعينه على قضاء وقته فيه بسلام و أمان ، واكتساب الأجر والثواب ومن هذه الآداب :

 

-الإكثار من ذكر الله:

 

   عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير، كتبت له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة، وبنى له بيتاً في الجنة)([34]).

 

-ترك الخصام واللجاج:

 

    وقد ورد في صفته عليه الصلاة والسلام كما في البخاري عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة قال أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) وحزرا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا)([35]).

 

والسخب هو رفع الصوت.

 

قال صاحب عمدة القاري: فالسخب مذموم في نفسه ولا سيما إذا كان في الأسواق وهي مجمع الناس من كل جنس، ولا يسخب فيها إلا كل فاجر شرير، ولو لم يكن السخب مذموما مكروها لما قال الله في التوراة في حق سيد الخلق ولا سخاب في الأسواق ولا كان بسخاب في غير الأسواق([36]).

 

وجاء ما يفيد أيضا أن السخاب بالأصوات ممن يبغضه الله كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبغض كل جعظري جواظ سخاب بالأسواق جيفة بالليل حمار بالنهار عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة)([37]).

 

-جَوَّاظ: الكثير اللحم المختال في مشيه حكاه الخطابي وقال بن فارس قيل هو الأكول وقيل الفاجر.

 

-الجَعظَرِيِّ: قيل هو الفظ الغليظ وقيل الذي لا يمرض وقيل الذي يتمدح بما ليس فيه أو عنده.

 

وأما في زمننا حيث فسد الناس، وانتشر فيهم الجهل، وقل فيهم مراقبة الله إلا من رحم ربي فما أكثر السخب والسخط في الأسواق، والمهاترات والمشاجرات؛ بل ربما وصل ببعضهم الحد إلى سفك دم أخيه المسلم من أجل كلمة قالها، أو صوتٍ رفعه عليه !

 

وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من المنازعات والخصومات التي تقع في الأسواق ففي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم (ثلاثا) وإياكم وهيشات الأسواق)([38]).

 

قال النووي: أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها([39]).

 

-بذل السلام:

 

ذلك لأن السلام مما يوجب المحبة ويزيد الألفة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)([40]).

 

وذلك لأن فيه الأجر الكثير، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن من موجبات المغفرة بذل السلام، وحسن الكلام)([41]).

 

-عدم أذية المسلمين:

 

عن أبي موسى رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها أو قال فليقبض بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء)([42]).

 

ويقاس على النبل غيرها من سائر الأسلحة؛ وخاصة في هذا الزمن الذي تعددت الأسلحة فيه، وكثر حمل الناس لها، مع ما فيها من الخطر المحقق، وخاصة عند مزاحمة الناس.

 

-غض البصر:

 

إن الله تعالى قد جعل العين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره، غضّ القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق العبد بصره، أطلق القلب شهوته وإرادته، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق، والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه)([43]).

 

   وقال الإمام النووي في شرح الحديث: معنى الحديث أن بن آدم قدر عليه نصيب من الزنى فمنهم من يكون زناه حقيقيا بادخال الفرج في الفرج الحرام ومنهم من يكون زناه مجازا بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنى وما يتعلق بتحصيله أو بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده أو يقبلها أو بالمشي بالرجل إلى الزنى أوالنظر أو اللمس أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك أو بالفكر بالقلب فكل هذه أنواع من الزنى المجازي والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه معناه أنه قد يحقق الزنى بالفرج وقد لا يحققه بأن لا يولج الفرج في الفرج وان قارب ذلك والله اعلم ([44]).

 

   وقال الله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) (النــور:30-31) ومن المعلوم أن السوق من أحب الأماكن لشياطين الأنس والجن، وبالتالي فلابد للإنسان من غض بصره عن النظر إلى ما حرم الله، والتحصن عند دخوله السوق بالأذكار الشرعية، ولأن النساء في زمننا هذا أكثرنا من الخروج من بيوتهن وولوجهن إلى الأسواق، وعلقت صور النساء على مداخل الأسواق، والأماكن العامة، فيجب غض البصر، وكف الأذى.

 

-القيام بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر :

 

   لقد من الله على هذه الأمة بأن جعلها خير أمة أخرجت للناس وذلك بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وإيمانها بالله (كُنتُم خَير أُمةٍ أخرجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنَهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ). وقد قدّمه الله عز وجل في سورة التوبة على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقال تعالى: (وَالمُؤمِنَُونَ وَالمُؤمنَاتُ بَعضُهم أولياءُ بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنَهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَلاةَ وَيُؤتُونَ الزكاةَ وَيُطيعُونَ اللهَ وَرَسُولهُ أُولَئِكَ سَيرحمُهُمُ اللهُ إنَّ اللهَ عَزِيزُ حَكِيمُ)

 

   وفي هذا التقديم إيضاح لعِظم شأن هذا الواجب وبيان لأهميته في حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب. وبتحقيقه والقيام به تصلح الأمة ويكثر فيها الخير ويضمحل الشر ويقل المنكر. وبإضاعته تظهر الرذائل وتنتشر، ويظهر صوت الباطل، ويفشو المنكر.

 

   وقد رتب النبي صلى الله عليه وسلم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب ثلاث آخرها أضعف الإيمان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)([45]).

 

   قال النووي رحمه الله : قوله صلى الله عليه وسلم فليغيره فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو أيضا من النصيحة التي هي الدين([46]).

 

-الوفاء بالعهود والعقود:

 

   لقد حث الإسلام على الوفاء بالعهود والعقود ، وحذر من التقصير فيهما، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) (المائدة:1) وقال تعالى: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (النحل:91).

 

   وذلك لأن الخيانة والغدر، وعدم الوفاء بالعهود والعقود، مما يفقد الثقة بين الناس، فيحصل من الشر ما لا يعلمه إلا الله.

 

   ولشدة عناية الإسلام بالعقود والعهود، أوجب الإشهاد على ذلك، حفاظاً على أموال الناس، وكما قال تعالى: (وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ) (البقرة:282).

 

-الصدق والبيان وعدم الكتمان لعيب السلعة:

 

   لقد جعل النبي  صلى الله عليه وسلم ذلك من أسباب البركة، كما في حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو قال حتى يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)([47]).

 

   وقد أثنى النبي صلى الله على التاجر الصدوق في بيعه وشرائه، كما في حديث أبي سعيد الخدري  رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء)([48]).

 

  ومن جهة أخرى فقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم التاجر الكاذب فقال كما في حديث إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده رضي الله عنهما أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال: (يا معشر التجار فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق)([49]).

 

-إيفاء المكيال والميزان والحذر من بخسهما:

 

   أثنى الله على الموفين لهما، فقال: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (الإسراء:35).

 

   وتوعد المطففين بالعذاب المهين، فقال تعالى: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (المطففين:1- 6). وقد عدّ العلماء ذلك من كبائر الذنوب.

 

-منع بيع كل مبيعات محرمة:

 

  كآلات اللهو المحرم، والخمر، والصور ذات الأرواح، والأشرطة الماجنة، والأفلام الخليعة، وأوراق اليانصيب.

 

-يجب على التجار تعلم كل ما يخص تجارتهم من أحكام فقهية:

 

قال عمر بن الخطاب  رضي الله عنه: لا بيع في سوقنا إلا من قد تفقه في الدين[50].

 

وهذا ما يؤكد عليه العلماء عند تقسيم العلوم  الشرعية إلى علم يجب تعلمه، ويمثلون لذلك بتعلم المسلم أحكام الطهارة، والصلاة، وعلم يجب تعلمه على كل من تخصص فيه، فالتاجر يجب عليه تعلم أحكام البيع والشراء، وهكذا.

 

-السماحة في البيع والشراء:

 

عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله عبدا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى سمحا إذا أقتضى سمحا إذا قضى)([51]).

 

قال المناوي في فيض القدير: وهذا مسوق للحث على المسامحة في المعاملة وترك المشاححة والتضييق في الطلب والتخلق بمكارم الأخلاق وقال القاضي: رتب الدعاء على ذلك ليدل على أن السهولة والتسامح سبب لاستحقاق الدعاء ويكون أهلا للرحمة والاقتضاء والتقاضي وهو طلب قضاء الحق([52]).

 

-عدم خروج النساء إلى الأسواق إلا لضرورة:

 

إن على النساء التحلي بخلق الحياء والحشمة، وأن يتقين الله  تعالى في كل وقت وفي كل مكان، وليجلعن هذا الحديث نصب أعينهن فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم :(صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا)([53]).

 

وعلى المرأة أن لا تكون خراجة ولاجة، بل عليها القرار في بيتها، والاعتناء بتربية أبنائها، والمحافظة على صلاتها، وطاعة زوجها، وصوم شهرها، وحفظ لسانها إلا من خير، فإذا فعلت ذلك دخلت الجنة  بإذن ربها.

 

المحور الرابع : نصائح للمتسوقين

 

-لا تأت السوق في أوقات الصلوات : أخي المسلم احرص أن لا تأت السوق في الأوقات التي تستقبلك فيها صلاة من الصلوات حتى لا يفوتك أداؤها في المسجد ، وليكن إتيانك إليها في الصباح، أو بين العصر والمغرب فإن ذلك أسلم لك و لأهلك إن كنت خرجت معهم حتى تجتنب الازدحام وكثرة الناس .

 

-اجتهد في اختيار الأسواق التي تقل فيها مظاهر الفساد و المنكرات كالعري والتبرج و التي لا تسلم من تشغيل الأغاني و الموسيقى و يكثر فيها الأجانب الكفار .

 

-لا تأت السوق إلا لحاجة لك أو لأهلك : أخي المسلم لا يكون السوق هدف وغاية بنفسه تدخله في جميع الأوقات و لو لغير حاجة، بل عليك أن تحدد الغاية التي من أجلها تدخل السوق، وهو شراء ما تحتاجه من لوازم البيت واعلم أن الأسواق هي أبغض البلاد إلى الله وفيها رفع الشيطان رايته.

 

-لا تترك أهل بيتك يذهبون إلى السوق بمفردهم وليس معهم أحد إلا إذا لم يكن ذلك في مقدورك فلتقض الأسرة حاجتها بمراعاة ما تقدم بيانه سابقا.

 

-حدد مشترياتك عند خروجك للسوق من البيت حتى لا تقع في الإسراف والتبذير بشراء أشياء أنت لست في حاجة إليها مع مراعاة الأولويات في المشتريات و يفضل أن تكتب في ورقة حتى يتم التقيد بها ولا يصار إلى غيرها بدون حاجة.

 

-تعامل مع العروض الخاصة والتخفيضات بحكمة :

 

تسعى المتاجر عند تقديمها للعروض الخاصة كعرض ( اشترِ غرضين واحصل على الثالث مجاناً) على سبيل المثال لجعلك تشعر بأنك يمكن أن تحقق صفقة تجارية مربحة للغاية.

 

ولكنها في الواقع يمكن أن تجعلك تشتري كميات أكثر من تلك التي تكون بحاجة إليها.

 

-احرص أخي أن تكون داعية إلى الله تعالى و أنت ذاهب إلى السوق تقضي حاجتك فيه باصطحاب شريط أو رسالة تقدمه لمن يقابلك من المتسوقين أو من الباعة من أصحاب السوق كفارا كانوا أو مسلمين واستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم (ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم)([54]) فلا يمنع أن يتسوق الإنسان وينفع غيره ويكسب الأجر والثواب من عند الله تعالى.

 

   هذا ما تيسر جمعه في هذا الموضوع فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان و الله ورسوله بريئان منهما واسأل الله تعالى أن ينفع بها كل من قرأها.

 

 

 

 

 

 


[1]/  لسان العرب لابن منظور مادة سوق. ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس مادة سوق.

[2]/ فتح الباري لابن حجر 5/246.ط:مصطفى الحلبي وأولاده سنة 1378هـ.

[3]/ نقلا عن فتح الباري (4/339) ط (دار المعرفة / بيروت ) 1379.

[4]/ رواه مسلم ( 671).

[5]/ شرح مسلم للنووي ( 5/171) دار إحياء التراث العربي /بيروت  1392.

[6]/ رواه البخاري (1681).

[7]/ رواه البخاري (1945).

[8]/ انظر صحيح البخاري (2/745) تحقيق البغا

[9]/ حلية الأولياء (7/84)

/[10] رواه مسلم (3562).

/[11] رواه ابن أبي عاصم وأبو نعيم في معرفة الصحابة وغيره ( صحيح الترغيب 1/101) رقم 422

[12]/ رواه ابن أبي شيبة ( 7/122)

[13]/ رواه ابن أبي شيبة (25746)

[14]/ رواه أبو نعيم في حلية الأولياء (2/355)  و الحديث رواه الترمذي في السنن (3428) مقتصرا على دعاء السوق والحاكم في المستدرك (1/722) و حسنه الألباني.

[15]/ المصنف (35692).

[16]/ رواه أبو نعيم في حلية الأولياء (2/252).

[17]/ حلية الأولياء (2/272).

[18]/ المصدر نفسه (2/385).

[19]/ رواه ابن أبي شيبة (7/224).

[20]/ حلية الأولياء (4/4).

[21]/ المصدر نفسه (5/102).

[22]/ المصدر نفسه (7/329).

[23]/ أحمد (10735)  وقال الهيثمي في المجمع (7/632) : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سمعان وهو ثقة.

[24]/ رواه مسلم ( 2742).

[25]/  رواه ابن خزيمة في صحيحه ( 1685) وابن حبان في صحيحه (5598) وصححه الألباني كما في الترغيب والترهيب (344)

[26]/ ذكره صاحب تحفة الأحوذي على الترمذي (4/283).

[27]/ رواه البخاري (4922).

[28]/ رواه مسلم (2761).

[29]/ فيض القدير (6/253).

[30]/ جزء من حديث رواه البخاري (4926).

[31]/ انظر الجواب الكافي (1/43).

[32]/ ذكره الترمذي (540)

[33]/ رواه البخاري (6049)

[34]/ رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم(1817).

[35]/ صحيح البخاري (2018) / باب كراهية السخب في الأسواق.

[36]/ عمدة القاري (11/242).

[37]/ رواه ابن حبان في صحيحه (72) وإسناده صحيح والبيهقي في السنن (10/194) .

[38]/ رواه مسلم (432).

[39]/ شرح مسلم (4/156).

[40]/ رواه مسلم (1/ 53) وأبو عوانة (1/30 ) وأبو داود ( 5193 ) وابن ماجه (3692) وأحمد (2/391) والترمذي (2510) وقال: حديث حسن صحيح.

[41]/ أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق، وهو في السلسلة الصحيحة برقم (1035).

[42]/ البخاري (6664) ومسلم (2615).

[43]/ رواه البخاري (5889) ومسلم (2657).

[44]/ شرح مسلم (16/206)  دار إحياء التراث العربي / ط الثانية.

[45]/ رواه مسلم ( 49).

[46]/ شرح مسلم ( 2/22).

[47]/ رواه البخاري (1976) ومسلم (1532).

[48]/ رواه الترمذي (1209) وقال : هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث الثوري عن أبي حمزة  وذكره الألباني في صحيح الترغيب والترهيب  (1782) و قال: صحيح لغيره.

[49]/ رواه الترمذي (1210) وقال حديث حسن صحيح وابن ماجه(2146) وابن حبان في صحيحه (4910) والحاكم وقال صحيح الإسناد ( 2144) ووافقه الذهبي، وهو في صحيح الترغيب والترهيب ( 1785) وقال صحيح لغيره.

[50]/ رواه الترمذي (487) و قال: هذا حديث حسن غريب.

[51]/ رواه ابن ماجه (2203) و ابن حبان (4903)  و قال الألباني في صحيح الجامع (1790): صحيح.

[52]/ فيض القدير (4/26) .

[53]/ رواه مسلم (2128).

[54]/ رواه البخاري ( 3498) ومسلم (2406) في حديث طويل في قصة فتح خيبر.

تم قراءة المقال 11412 مرة