طباعة
الأربعاء 14 صفر 1432

قد ضل من كان مثل هذا يهديه (1)

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

قد ضل من كان مثل هذا يهديه (1)

 

    كتب أحد الشغوفين بالكلام في ما لا يدري مقالا رئيسيا ملفتا للأنظار في صحيفة البلاغ (العليوي) ([1]) عدد:74 ؛ (بيانا لسؤال) ([2]) سائل عن السلفية والسلفيين، لم يَبق من الخطأ في العلم والتحريف في المصطلحات الوضعية شيء ([3]) لم يجمعه هذا المقال.

 

قد ضل من كان مثل هذا يهديه (1)

 

 

  وما كتب الله لصاحبه أن يكون مصلحا ولا عالما؛ فيفوز بنفسه ويدعَ التقليد المنهي عنه في شيء لا يخفى كما يدَّعي، وهو -فيما تدل عليه ظواهر الحال ورسائل الاستفتاء- ممن يحشر نفسه تحت راية العلماء المفتين، وليت هذا المسيء إلى نفسه أمسك عما لا يعلم، وأقبل على شؤونه المجردة، فإن كان ولا بد ملقيا بنفسه في أحضان العلم فليقل من عمله وليكتب إلى الناس برأيه، فإن أصاب لم يعدم حامدا، وإن أخطأ وجد من يعذره .

 

   أما أنه كمسلوب الاختيار لا يملك قليلا ولا كثيرا من الآراء العلمية، ثم يُقدم على نشر فتوى قنع منها بوضع اسمه، فإني أحمله على أنَّه لم يُرد وجه الله في عمله، وإنما هو أداة من الأدوات لا عذر لمن اغتر بفتواه.

 

    ادعى هذا المسكين أن السلفية والسلفيين بلغتا في الشهرة مبلغ النيرين، إلا (أن) ([4]) زيادة الإيضاح لا تخلو من فائدة، إلى أن قال موضحا حقيقة السلفية والسلفيين:"فأقول موجزا: إن السلفية عبارة عن التخلق بأخلاق السلف أهل القرون الثلاثة"، ثم حشر جميع ما يعلم -فيما أظن- مما يُتحدَّث به عن القرون الثلاثة سواء عليه أكان مما ينتظم مع مراده، أم كان مما الصلة بينه وبين مراده كالصلة بين الشيء وعدوه.

 

    ولو تأمل قليلا لرأى أن ما حدَّد به السلفية لو جاء في دين من الأديان لعُدَّ من المجملات التي لا عمل لها قبل البيان، فمفهوم التخلق بأخلاق السلف على إطلاقه غير متيسر تحصيله لامتناع الأسباب أو لخصوص المحل أو لعوامل أخرى، فلو ساغ لي أن أقول لازم المذهب مذهب لقلت: (الكاتب) ([5]) -عفا الله عنه- ممن يرى تناسخ الأرواح، ويقول بأن الإنسان إذا قدِّر له أن يحمل روحا سلفية تَهزُّه إلى عمل ذلك السلفي منحناه لقب سلفي، ولكني لا أستطيع أن أذهب هذا المذهب في رجل لبس ثوبا سابغا من ثياب الوعظ والإرشاد على جداول جريدة البلاغ العليوية، وحسبي أن أرفع الغطاء عما في رسالة ابن عليوة من الخطأ الفاحش، وليسمح لي أخي الكاتب إذا حكم علي (العلم) ([6]) بالذهاب في طريق أراه يزوَرّ عنه ازوِرَارًا، فإني لم أُعوِّد نفسي أن أُرضي أحدا لا يرضى عنه العلم.

 

   فإذا كنت أخي ترى رسالة ابن عليوة (من الغاية بأقصى مكان) فإني أراها من مجانبة الحق وعداوة الإنصاف قاعدة من القواعد، وأنا مُورد لك إن شاء الله –إن كنت ممن يعرف الرجال بالحق-ما يُظهر لك ذلك.

 

   زعم الشيخ ابن عليوة أن النِسب والإضافات لا تحصل إلا بأن ينزل المنسوب من المنسوب إليه في كل شمائله وصفاته وخواصِّه الكسبية والنفسية، فإن جاءت الإضافة على بعض الخصائص أو العقائد أو الآراء كانت باطلة([7])؛ تستحق النكير والتشنيع لأنها تفتح باب إسقاط هيبة وعظمة المنسوب إليه وتعرضه([8]) لسوء القالة.

 

    فعلى لغة هذه الرسالة ليس لأحد أن يدَّعي أنَّه صوفي حتى يتحقَّق في نفسه كل صفة من صفات الجنيد([9]) والقشيري والنووي وأمثالهم، فإن أخلَّ بقليلٍ أو كثيرٍ كانت نِسبة كاذبةً، وليس لأحد أن يدَّعيَ أنه مالكي أو شافعي أو حنبلي أو حنفي أو أشعري أو ماتريدي حتى يكون مرآة لهؤلاء الأئمة، فإن أوقع النسبة على بعض الخواص قالت له هذه الرسالة: إنك متهاون بهؤلاء الأئمة .

 

   ولغة هذه الرسالة على شغف العلويين بها وإقناعها (لأي عليوي) ([10]) -إن صح ظنهم- باطلة (لغةً)([11])، فاسدةٌ ديناً، خاطئةٌ سياسياً، واهمةٌ عرفاً، فإن الناس على تباين مِللهم ونِحلهم وآرائهم يُثبتون النِسب والإضافات لأي معنى من المعاني (وصفة من الصفات) ([12])، ولا عليهم في غير ما (وُضِعت) ([13]) لأجله أَوُجد أم عُدِم؟

 

   فإننا نقول أشعري على معنى أنَّه يذهب إلى ما ذهب إليه الأشعري من المقالات الكلامية، وإن خالفه في غيرها مخالفة أصلية أو فرعية، ونقول مالكي على معنى أنه يذهب إلى ما يذهب إليه أبو عبد الله مالك في القواعد الفقهية التي امتاز بها مذهبه، وإن خالفه في مسائل علم الكلام. وها نحن نقول فلان عليوي؛ وإن لم يستطع أن يضع خلوة ويرقُم عليها لفظ "الله" ويفنى في الهاء من هذا اللفظ.

 

  وهذه الطائفة السلفية التي تعدُّ نفسها سعيدة بالنسبة إلى السلف، وأرجو أن تكون ممن عناهم حديث مسلم([14]) :"لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين (إلى) ([15]) يوم القيامة" الحديث، قد وُفِّقُوا إلى تقليد السلف في إنكار الزيادة في الدين، وإنكار ما أحدثه المحدثون وما اخترعه المبطلون، ويَرون أنه لا أسوة إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم أو من أمرنا بالاتساء به، فلما شاركوا السلف وتابعوهم في هذه المزية الإسلامية نسبوا أنفسهم إليهم ولم يدَّع أحد منهم أنه يدانيهم فيما خصهم الله به من الهداية التي لا مطمع فيها لسواهم .

 

يتبع

 

الشهاب العدد 157 الخميس 8 صفر 1347 الموافق لـ26 جويلية 1928م

 

الصفحات (7-9)

 

 

 

 

 

 


[1]/ سقط في مطبوعة أحمد الرفاعي (1/105).

[2]/ في مطبوعة أحمد الرفاعي (لبيان سؤال).

[3]/ في مطبوعة أحمد الرفاعي (1/105) (شيئا).

[4]/ في مطبوعة أحمد الرفاعي (1/106) (أنه).

[5]/ في الأصل (للكاتب) والصواب ما أثبتناه وهو ما جاء في مطبوعة أحمد الرفاعي (1/106) والأصل غير أصيل لأنه أعيد تنضيده في دار الغرب الإسلامي وفيه أخطاء بينة ولذلك حرصت على مقابلة المقال بمطبوعة الرفاعي.

 

[6]/ سقط في مطبوعة أحمد الرفاعي (1/106).

 

[7]/ في الأصل (إن كانت باطلة) والصواب ما أثبتناه وهو ما جاء في مطبوعة أحمد الرفاعي (1/107).

 

[8]/ في الأصل (تفرضه) والصواب ما أثبتناه وهو ما جاء في مطبوعة أحمد الرفاعي (1/107).

 

[9]/ في الأصل الجنيدي وهو تصحيف.

 

[10]/ في الأصل (لأبي يعلى) والصواب في مطبوعة أحمد الرفاعي (1/108).

 

[11]/ سقط في مطبوعة أحمد الرفاعي (1/108).

 

[12]/ سقط في مطبوعة أحمد الرفاعي (1/109).

 

[13]/ في الأصل (وقعت) والصواب في مطبوعة أحمد الرفاعي (1/109).

 

[14]/ يعني الحديث الذي رواه مسلم.

 

[15]/ سقط في الأصل وهو في مطبوعة أحمد الرفاعي (1/109).

تم قراءة المقال 4041 مرة