الخميس 16 ذو القعدة 1432

كراء الأسواق من الإجارة لا من المكس

كتبه 
قيم الموضوع
(6 أصوات)

 

   ورد إلينا سؤال حول التعامل مع رجل مصدر رزقه من المكس، وبعد استفسار السائل عن حقيقة هذا المكس؛ تبين أنه ليس منه وإنما هو صورة من صور الإجارة التي أباحها الشرع، وقد ذكرني هذا السؤال بما كتبه الشيخ العلامة الفقيه ابن باديس رحمه الله تعالى في هذا الموضوع فرأيت نسخه ونشره لتعم به الفائدة.

 

 

كراء الأسواق من الإجارة لا من المكس

 

 

س: هل يجوز كراء الأسواق العامة وأخذ ثمن الدخول على أرباب المواشي والسلع ؟ (سائل من الميلية)

 

ج: المعروف أنَّ هذه الأسواق هي ملك للبلديَّة، وإذا قلنا هي ملك البلديَّة، فهي ملك للعامَّة الَّتي تنوب عنها البلديَّة، فللبلديَّة أن تبيع منفعتها بثمن معلوم إلى أجل معلوم، فيجوز اكتراؤها منها كذلك، ويجوز للمكتري أن يكري الانتفاع بها كذلك، فيجوز له أن يأخذ على كلِّ داخل لماشيته أو سلعته أجرًا في مقابلة انتفاع ذلك الدَّاخل بالمكان الَّذي يحلُّ فيه، والَّذي هو مملوك المنفعة لصاحب السُّوق، ونظيره من اكترى اصْطِبْلاً ثمَّ يأخذ على أرباب المواشي أجرة بقاء مواشيهم في اصطبله مدَّة محدودة([1]).

 

 

 

كراء الأسواق من الإجارة لا من المكس

 

   المكس في اللغة هو النقص، ويطلق على ما يؤخذ من بائع السلعة ظلما، والمكاس هو الآخذ لذلك، وجاء في شأنه من الوعيد حديث :« لا يدخل الجنة صاحب مكس » رواه أبو داود وغيره، وقد كانت الأسواق ملكا مشاعا بين الناس يقفون فيها بسلعهم فكان أخذ فرد المكس منهم ظلما لهم، هذه حالة الأسواق في القديم، أما اليوم فإن أوضاع الأسواق صارت على شكل آخر ، وذلك أن العامة الذين هم ملاك الأسواق وغيرها من الأماكن العامة يحتاجون في القيام بمصالحهم المدنية من تنظيف أفنية وإنارة شوارع وتعبيد طرقات ونظام أمن وغير ذلك من المرافق التي تتولاها المجالس البلدية ، فكانت البلدية تتصرف في الأسواق التي هي نلك العامة في مصلحة العامة، وكانت العامة المالكة لتلك الأسواق قد نوَّبت عنها نُوَّابا وفوَّضت لهم أن يتصرَّفوا في ممتلكاتها لأجل مصلحتها، فأولئك النواب الذين هم وكلاء العامة؛ هم أعضاء البلدية يعرض السوق للكراء بالمزاد فيكتريه زيد أو عمر، فهذا المكتري قد اكترى شيئا معينا بثمن معين من نواب مالكيه، وهم العامة ، فقد وُجدت أركان عقد الإجارة كلها، فكان هذا العقد لذلك صحيحا جائزا .

 

   ثم إن هذا المكتري يقف عند باب سوقه أيام السوق ، فكلُّ من يريد الدخول لمحله –وهو السوق الذي يملك منفعته بالعقد السابق – يدفع أجرة الانتفاع بالبقعة التي يقف فيها بسعلته مدة بقاء السوق في ذلك اليوم سواء أباع تلك السلعة أم لم يبعها فهذا أيضا عقد على الانتفاع مدة معلومة بثمن معلوم فهو صحيح جائز.

 

   لا يقال إن المكتري لا يلاحظ منفعة البقعة، وإنما يلاحظ ما يأخذه عن ثمن المبيعات لأننا نرى أن البقعة هي المقصودة، لا ثمن المبيعات بدليل أنه يأخذ أجرة البقعة سواء أباع لأم يبع ، وسواء أباع بالقليل أم بالكثير .

 

  ولا يقال إن المكتري للسوق يأخذ عن كل ما يأتي للبلد ولو كان بعيدا عن السوق، لأن كلامنا فيمن يأخذ عن الموضع الذي اكتراه بحدوده ن وأما الأخذ في غير المكان المكترى بحدوده فهو غير داخل في كلامنا ، وليس فيه الفتوى.

 

  ولا يقال إن العقد الأول فيه غرر لأن مكتري السوق قد تساعده الأحوال فيربح وقد تعكسه فيخسر ، لأننا نقول هذا الشأن في التجارة بيعا واكتراء، ولا يضر هذا إذا كان ثمن البيع والكراء معلوما كما هو في موضوعنا، ومثل هذا من اكترى فندقا فإنه قد يربح وقد يخسر .

 

  ولا يقال إنه فرق بين كراء البقعة لتقف فيه الدابة حتى يأتيها صاحبها، ويكون صاحب البقعة حارسا لها ، وبين كراء البقعة لتقف فيها الدابة لتباع وصاحبها هو حارسها ، لأننا نقول المقصود هو الانتفاع بالبقعة منفعة صحيحة ، سواء كانت وضْع سلع أو وقوف دابة لأي غرض كان ، إذ الجميع انتفاع بالبقعة ، ودعوى الفرْق بين ثمرات الانتفاع لا وجه لها .

 

  من هذا البيان يعلم أننا لا نريد تحليل المكس (عياذا بالله)، وإنما أنه غير منطبق على كراء الأسواق واكتراء الانتفاع بالوقوف فيها يوم السوق، وأنَّ العقد الأوَّل ما بين صاحب السوق ونواب العامة ، والثاني بين صاحب السوق ومريد الوقوف فيه بسلعته : من عقود الإجارة الصحيحة الجائزة ([2]).

 

 

 

 

 

 

 



[1] / الآثار (3/256)

[2] / الآثار (3/260-261)

تم قراءة المقال 16592 مرة