طباعة
الجمعة 1 ذو القعدة 1431

بهلوانيات النصرانية والتنصير

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

أسرعوا، أسرعوا!

 


   أسرعوا؛ لِتَروا وتشاهدوا وتستمتعوا؛ لقَدْ ظهَرَت مريم العَذْراء في "الزَّيتون"، وصباحًا كانت في "المطَريَّة"، وأوَّلَ أمس أشرَقَت أنوارها البهيَّة في "شبرا"، ومنذ أسبوع وقفَتْ على سطح كنيسة في "الإسكندرية"، وقبل شهر رآها رهبان دِير القدِّيس الفلاني وهي تطير في سماء الدِّير.

 

  هذه هي الأخبار التي يَنشرها الأقباط الأرثوذكس في مصر، ويبدو أنَّ العذراء مريم - عليها السلام - يُعجبها هذه الأيَّام الجوُّ في مِصر إلى حدِّ أنها تُفاجِئ الأقباط أسبوعيًّا بظهور إعلامي كبير للجُموع، أو بظهور محدود لأشخاص مُعيَّنين في أماكن معزولة، فينتشر الخبر السارُّ بين الناس انتشارًا عجيبًا غريبًا.

 

بهلوانيات النصرانية والتنصير

 

 

  وما يثير الانتباه حقًّا، تلك التَّغطية الإعلامية في وسائل إعلام الكنيسة الأرثوذكسية، مثل قناة AGHAPY وقناة CTV، اللَّتَيْن تستضيفان طابورًا من القُسس والأنباوات، الذين يفسِّرون تلك الظُّهورات العجيبة لمريم بأنَّها مُسانَدة إلهية للكنيسة الأرثوذكسية، وأنها دليل على صِدْق معتقداتها وسلامة أفكارها اللاَّهوتية، كما أنَّها تعزية مقدَّسة للنَّصارى الأقباط الذين يعانون من اضطهاد الآخَرين!

 

   وبعد أيام قليلة من كلِّ تعزية تذهب الجهود الدعائية كلُّها سُدًى، حين يتبيَّن أن ظهور العذراء لم يكن أكثر من حِيَل إلكترونية وشَقْلبات كهربائية، قام بها مُنصِّرون، يَهْدفون إلى تثبيت الأقباط على معتقدهم الباطل الذي تروِّج له الكنيسة الأرثوذكسية، فقد باتتْ هذه الأخيرة في أحْلَك أيامها، فالأخبار تَرِد إلينا تَتْرى عن اعتناق مِئَات الأقباط الإسلامَ في مصر، أمَّا الأكثر تعصُّبًا منهم فقد صارت تَستهْويهم بهلوانيات أخرى مصْدَرها الجماعات الإنجيليَّة التي تنشط في المنطقة.

    ولما كُنَّا في زمن "البهلوانيات" العالمية، ففي فرنسا عاصمة العِلْم والتَّنوير والعقلانية، يزعم الكاثوليك أنَّ مريم العذراء ظهَرَتْ ولا زالَتْ تظهر في منطقة Lourdes؛ حيث يدَّعون أنَّها تجلَّت للقدِّيسة برناديت في إحدى المغارات، فتحوَّلَت المغارة وما يحيط بها إلى مكان كاثوليكي مقدَّس يحجُّ إليه الملايين كلَّ سنة، يأتون مِن كلِّ فجٍّ عميق، ويَزْعم سَدَنة المكان أنَّ معجزاتٍ شفائيةً خارقة تَحْدث هناك كلَّ يوم!

 

   وتنطلق مرَّة أخرى وسائلُ الإعلام الكاثوليكيَّة، وعلى رأسها القناة الفرنسية KTO في حَمْلتها الدعائية للمكان المقدَّس، الذي يَلْقى تغطية يومية لنشاطاته البهلوانية، ويقف رجال الكنيسة الكاثوليكية أمام الشاشة التِّلفزيونية وقفة رجل واحد؛ لإثْبات أنَّ مريم العذراء ما ظهَرَت إلاَّ لِتُثبت أنَّ الكاثوليكية كنيسة على الطَّريق القويم والسبيل المستقيم، وأنَّ لاهوتها هو الحقُّ المطْلَق المبين.

    وبعد التحقُّق يتبيَّن أنَّ تلك الظهورات ما كانت إلا مجرَّد اختلاق وأوهام، ومنامات وإشاعات، لا نَصِيب لها من الحقيقة، تُروِّج لها الكنيسةُ الكاثوليكية، التي تَشهد أحْلَك أيَّامها، على شاكلة منافِسَتها الأرثوذكسية، فالكاثوليكية بِأمَسِّ الحاجة إلى هذا النَّوع من البهلوانيات، بعدما هزَّتْها فضائح القُسس والرُّهبان، الذين جعلوا الاعتداء الجِنْسي على الأطفال في الكنائس والأَدْيِرة والكاتدرائيات ومدارس الأحد رياضةً أولمبية.

 

   أما الكنيسة البروتستانتيَّة فلم تَشِذَّ عن سابِقَتَيها، بل إنَّ بهلوانياتها أشدُّ حبكًا، وأثَرُها أكثر اتِّساعًا وعمقًا، خصوصًا بين السُّذَّج والمغفَّلين، الذين تستهويهم الألاعيب، فيقعون فريسة مَن يُحبُّون الاصطياد في الماء الرَّاكد العَكِر.

 

    وفي خِضَمِّ هذا المستنقع الآسِنِ ماؤه، قرَأْتُ مقالاً لأحد الهِنْدوس بعنوان تكتيكات التَّنصير "Missionary Tactics" كشف فيه بعض بهلوانيات المنصِّرين البروتستانت الإنجيليِّين في الهند؛ لتنصير الهندوس، فكان مما ذَكَره من تلك البهلوانيات، قيامُ مجموعة من المنصِّرين الإنجيليِّين عدَّة مرَّات بِحَبْك عملية تنصيريَّة مدبَّرة ومخطَّط لها بِخُبث، وتفاصيلُها أن يقوم الإنجيليُّون المسؤولون عن مدرسة ابتدائية، يدرس بها تلاميذ من الدِّيانة الهندوسية، بتنظيم رحلة استجمامية أو تعليميَّة عبر حافلة أو (باص) يقوده أحد المُنصِّرين.

 

    وفي الطريق، في مكان خالٍ بين الغابات بعيدًا عن المدينة، يُوقِف السَّائق عمدًا محرِّك (الباص)، ويخْبِر التلاميذ بأنَّ (الباص) تعَطَّل، وأن المحرِّك لا يعمل، فتمرُّ الدَّقائق وربما السَّاعات، فيتوتَّر الأطفال الصِّغار، وربما تبدأ بعض مظاهر الرَّهبة والخوف تنتابهُم، وفي تلك اللحظة يَطلب المشْرِفون المنصِّرون من الأطفال أن يَدْعوا ألهتهم الهندوسية لِتُنقذهم من هذه الورطة، فترتفع الأدعية والتراتيل الهندوسية، لكن يبقى الباص مُتَسمِّرًا في مكانه، فيُخبر السَّائق المتواطِئُ الأطفالَ بأن الآلهة الهندوسية غيرُ قادرة على حلِّ مشكلة (الباص) المُعطَّل، وفي هذا الوقت يقترح المنصِّرون على التلاميذ التَّوجُّه بقلوبهم إلى السيِّد المسيح، والطلب منه بتشغيل المحرِّك، ومباشرة بعد صلاة حارَّة باسم المسيح المصلوب يتظاهر السَّائق بأنه يحاول تشغيل المحرِّك، فينطلق المحرِّك ويصرخ السَّائق ابتهاجًا وفرحًا، ثم يشقُّ (الباص) طريق الخلاص برُكَّابه، وهم يَصِيحون "المَجْد للمسيح" الذي استجاب لِدُعاء الأطفال، واستطاع وحده إنقاذهم!

 

    وثمَّة قصة أخرى كنت سَمِعتُها قبل سنوات من الشَّيخ ابن عثيمين - رحمه الله - ثم جاءت ساعةُ معاينتها بنفسي في الميدان، ففي مخيَّمات اللاَّجئين الصَّحراويِّين بجنوب الجزائر، وَزَّع منصِّرون أمريكيُّون - وأكثرهم من المعمدانيِّين - مساعداتٍ غذائيةً، وضِمْن المساعدات كان هناك نوعان من الحلوى الموجَّهة للأطفال، حلوى لذيذة جدًّا مليئة بالسُّكَّر ومغلَّفة بورق كُتب عليه اسم عيسى، وحلوى أخرى مُرَّة جدًّا، مغلَّفة بورق كُتب عليه اسم محمَّد، وحدَّثَنا أئمة المساجد في تلك المخيمات أن الأطفال كانوا يبصقون "حلوى محمَّد"؛ لشدَّة مرارتها، وكانوا يذهبون إلى المنصِّرين، ويطلبون منهم "حلوى عيسى" لحلاوتها!

 

   إنَّ أولئك المنصِّرين المعمدانيين لم يستطيعوا أن يَسْلكوا - هناك - سبيلاً غير هذا الطَّريق الخبيث؛ لأنَّنا يوم ناظَرْناهم على رؤُوس الأشهاد فَرُّوا، ورفضوا أن يُجيبوا على أسئلتنا، وقد زعموا أنَّهم جاؤوا للصَّحراء ليس للنِّقاش والمناظرة والبحث العلمي، وإنما جاؤوا لِيُساعدوا الأطفال والنِّساء والمساكين بقلوب صادقة، وإنَّ هذه المُهِمة النبيلة تَشْغل وتستغرق جُلَّ وقتهم!

 

    هذه بعض قصصهم القبيحة، التي لا تَعرف الصِّدق ولا الأمانة، ولا النَّزاهة، وإنما دَيْدَنُهم في الدعاية لأفكارهم المنحرفة الباطلة هو: "الغاية تبرِّر الوسيلة"، ولا خيار لهم إلاَّ ذلك السَّبيل الخبيث؛ لأنَّهم حين يتبنَّون الإقناع بالبرهان والدَّليلِ يَفْشلون عند أوَّل وَهْلة، ويتعثَّرُون في أوَّل الطَّريق؛ لأنَّهم في هذا المجال خَواء وبلقع، وفاقد الشَّيء لا يعطيه.

 

   إن "البهلوانيات" محاولة من رجال الكنيسة لاسترجاع المُتَفلِّتين النَّصارى إلى حظيرتهم، كما أنَّها ضَرْبة حظٍّ لخِدَاع غيرهم من الدِّيانات الأخرى، ليس حرصًا منهم على هدايتهم، ولكن طمعًا في عودة نفوذهم الضَّائع، ولقد فشلوا فشلاً ذريعًا في ترويج عقيدتهم والدعاية للإيمان بأسرارها والتَّبشير بألغازها؛ إذْ لم تَعُد الخُطَب الرنَّانة والعِظَات في يوم الأحد تُجْدِي نفعًا، الأمر الذي دفَعَ الكنيسة وسدَنَتها إلى ابتكار طرُق عديدة واختراع أساليب أعظم إثارة وأكثر جاذبيَّة؛ ففتحوا بابًا واسعًا من التَّلاعُب بالعقول، والخداع باستخدام الحِيَل المختلفة، ولقد عرَفْتم بعض بُنيات ذاك الطريق المعوجِّ، ولا شكَّ أنكم توافقونني على أنه لا يمكن تسمية هذه الظاهرة النصرانية والتنصيرية القبيحة إلاَّ باسم "البهلوانيَّات".

تم قراءة المقال 3264 مرة