الأربعاء 26 ذو الحجة 1442

الفرنسيون الأكثر عنفًا ضد النساء

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

على هامش اتهام الإسلام بانتهاك حقوق المرأة
الفرنسيون الأكثر عنفًا ضد النساء

تضمُّ فرنسا أكثرَ من خمسة ملايين مسلِم، أغلبهم وافدٌ من شمال إفريقيا، ممَّا يعني أنَّ الإسلام أكبرُ ثاني دِين بعد الكاثوليكية، ويعيش كثيرٌ من هؤلاء المسلمين في مشاكلَ جمَّة؛ جرَّاءَ التمييز الدِّيني والسياسي والثقافي، الممارَس ضدَّهم في التعليم والعمل والإعلام، ويُحرَمون مِن التمتُّع بحقوق المواطنة الكاملة، وأثّر هذا الوضْع على اندماجهم في المجتمع الفَرنسي، ويعتقد الفرنسيون أنَّ المسلمين يرفضون الاندماجَ في الدولة، بسبب تمسُّكهم بتقاليدهم، وثقافتهم الإسلامية، بينما يرى المسلمون أنَّهم لا يستطيعون الاندماجَ بسبب التمييز الذي يجعلهم مواطنين مِن الدرجة الثانية.
 ولقد جاءتْ أحداث 11 سبتمبر لتُفاقِم معاناتِهم، فبعد هذه الأحداث اتَّخذتِ الحكومة الفرنسية عِدَّة إجراءاتٍ ضدَّهم، كان أهمها: حَظْر الحجاب في المدارس الحكومية، ومنْع النِّقاب في الأماكن العامة، وطرْد العديد مِن خُطباء المساجد والوعَّاظ، ومبرِّرها في ذلك ما تُسمِّيه (التحريض ضدَّ مبادئ الجمهوريَّة الفَرنسيَّة).
 ومع أنَّ الدولة الفَرنسية تزعم أنَّها دولة علمانية، لائكية، تُساوي بيْن جميع المواطنين، ولا تُميِّز بين أتباع الأديان، ولا تعترض حريتَهم في ممارسة طقوسهم الدينيَّة، إلاَّ أنَّ الواقع يُكذِّب هذا الزعم، ففي الوقت الذي لا تتدخل السُّلطة في عمل المؤسَّسات النصرانية واليهودية، وتجد هذه المؤسَّسات كافة الحرية، والدَّعم لأداء مهامِّها، لا تَحْظى المؤسَّسات الإسلامية - ومنها المسجد - بهذه المساواة.
فقد لاحظ المسلمون تدخُّلاً سافرًا للسُّلطة العلمانية في هذه المؤسَّسات، حتى إنَّها صارتْ تفرض قيودًا وشروطًا على تعيين الأئمة، وتمنع مَن تشاء من النِّشاط الدعوي داخلَ المسجد وخارجَه، الأمر الذي لا يمكن أن تفعلَه داخلَ الكنيسة أو الكنيس.
ومن القضايا الهامَّة التي حَشرتِ اليوم السلطةُ الفرنسية أنفَها فيه: أحكام الأحوال الشخصية، اللِّباس الإسلامي، خُطب الجمعة، والسعي لفرْض النموذج الغربي في صورته المتطرِّفة، للأُسرة والنظرة للمرأة.
الْتحق بجوقة المعاداة للوجود الإسلامي في فرنسا الجمعياتُ النسوية، والناشطون في حقوق الإنسان، بتحريضهم السلطةَ على المسلمين، بحُجَّة أنهم يُهينون المرأةَ ويسلبونها حقوقَها الطبيعية، وركَّزت بعضُ الكتابات المغرِضة لأولئك حولَ العُنف ضدَّ المرأة المسلمة، الذي يمارسه الرِّجال المسلمون عن قصْد، وزعمَ بعضُ الحاقدين منهم أنَّ النصوص الشرعية الإسلامية تحثُّ الذُّكور، بل تأمرهم بسلْب حقوق الأنثى، والاعتداء عليها جسديًّا، حيث تنصُّ آية قرآنية على ضرْب المرأة عند نشوزها.
 واقْترح أحدُهم إلغاءَ الآية، وآخرون طالبوا بطَرْد كلِّ إمام مسجد أو خطيب يدعو إلى تطبيقها على الأراضي الفَرنسيَّة، كما وجَّه بعضُهم انتقادًا لاذعًا للقرآن الكريم، معتبرًا إيَّاه تشريعًا "بطرقيًّا أبويًّا وذكوريًّا"، يجعل من المرأة كائنًا قاصرًا مدى الحياة، يقبع تحتَ وصاية الرجل، سواء كان زوجًا أم أبًا أم وليًّا، بمباركة نصوص مقدَّسة.
 وقد ردَّ كثيرٌ من الذين ينشطون في الساحة الدعوية مِن الإسلاميِّين في تلك البلاد، بأنَّ الحملة الفَرنسيَّة على بعض الآيات القرآنية مشروعٌ بعيد المدى، هدفُه الأساسي وقْفُ تنامي نفوذ الإسلام في العالَم الغربي، وما قضية العُنْف ضدَّ المرأة المسلمة إلا حبكة أخرى مفتعَلة، كذَّبَتْها العديدُ من الدراسات العلمية الموضوعية، التي أجرتْها مؤسساتٌ حكومية ودولية، حولَ العنف ضدَّ المرأة في فرنسا، تُبرِّئ المسلمين ضمنًا من هذه التهمة.
 تُبيِّن الإحصاءات التي توصلتْ لها هذه البحوث: أنَّ الفرنسيِّين الأصليِّين هم أكثرُ مَن يمارس العنف ضدَّ الجنس اللطيف، وفي المقابل فإنَّ نسبة المسلمين المتورِّطين في هذه الأعمال قليلة، وهم في الغالب مِن المحسوبين على الإسلام؛ لمجرَّد أنهم وفدوا مِن دول عربية أو إسلامية.
 بيَّنت إحدى الدراسات أنَّ 91 % من المُدانين بالعُنْف في المحاكم ضدَّ النساء هم مِن أصل فَرنسي، وفي تقارير لحقوق المرأة أصدرتْها منظمة العفو الدولية (الشعبة الفرنسية) عام 2005، دقَّت فيه ناقوس الخطر، وَصَفَتْ وضعية المرأة الفرنسية بأنَّها مثيرة للشفقة؛ مما يستدعي تدخلَ الحكومة فورًا لحماية المرأة من الاعتداء عليها.
كما نَشرتْ وزارةُ العدل الفَرنسية تقريرًا أُعِدَّ قَبْل سنتين، كشف أنَّ ثَمَّة 1.5 مليون امرأة فَرنسية يتعرضن للعنف الأُسري من طرف أزواجهنَّ كلَّ عام؛ أي: بمعدَّل امرأة من كل 10 نساء، يتراوح نوعُ الاعتداء بين مشاعر الكراهية، إلى الشتائم والعنف اللفظي، الذي يصحبه الضَّرْب المبرِّح والقَتْل، وفي استفتاء أُجري في المنطقة الباريسية على 7000 امرأة، ذكرت 10% منهنَّ أنهنَّ كُنَّ ضحيةَ الاعتداء على أيدي أزواجهنَّ خلال الـ 12 شهرًا الأخيرة.
 وفي مرافعة لإحدى المحاميات النشطات في حقوق المرأة قالت: "إنَّ 51% من الفرنسيات يتعرضنَ لعنف الرجل داخلَ وخارج الأسرة، وأضافتْ أنَّ البيوت الفرنسية لم تعُدْ ملجأ آمنًا، بل مكانًا للرعب".
 وفي تحرُّك سريع للحكومة الفَرنسيَّة دعت إلى معاقبة كلِّ متورِّط في الاعتداء على النِّساء، وأطلقتْ حملة واسعة، شعارها: "لا للعنف ضد النساء"، وأثارتِ الحملة نقاشًا حادًّا في وسائل الإعلام الفرنسية، كشفتْ خلالها مصادرُ إعلامية مطَّلعة: أنَّ السبب الأول لوفيات النساء البالغ أعمارهنَّ ما بين 20 إلى 50 سنة في فرنسا: هو القتْل على يدِ شركائهنَّ (زوج شرعي أو غير شرعي)، كما كتبتْ إحدى الصحفيات الشهيرات مقالاً لاذعًا، انتقدتِ الفَرنسيِّين بقولها: "إذا كنتم تزعمون أنَّ المسلمين يظلمون المرأة المسلِمة بسبب إجبارها على تغطية جِسْمها بالحجاب، فأنتم في المقابل تُغطُّون جسمَها بالكدمات!!".
 وسجَّلت تقاريرُ حكومية في فرنسا وقوعَ 48 ألف اغتصاب سنويًّا، وأن 72% من النِّساء اللاتي تعرضنَ للاغتصاب قبل بلوغ سِنِّ 15، لم يُبلغنَ السلطات، وجاء في إحدى الإحصائيات: أنَّ 66% من الفرنسيات يتعرضنَ للتحرُّش الجنسي في أماكن التعليم والعمل، وعُدَّ التحرُّش الجنسي عنفًا ضد المرأة؛ لأنَّه غالبًا ما يُمارَس تحت التهديد اللفظي بالطَّرْد من العمل، أو الحِرْمان من أيِّ حقوق أو امتيازات.
 وتُزوِّدُنا إحدى الدراسات الإحصائية للظاهرة بمعلومات مثيرة عن الخلفية الاجتماعية والمهنية للمتورِّطين في ممارسة العنف ضدَّ المرأة بكافة أشكاله:
منها: أن 16.8% يُمارسون مِهنًا ذات علاقة بالصحة (أطباء، ممرضون....)، و14.8% إطارات في الدولة، و13.1 % من مهن ذات علاقة بالتعليم (مديرو مدارس، معلِّمون)، و12.7% من مهن ذات علاقة بالقانون (شرطة، عسكريون، قضاة..).
 هذا؛ ومِن المفارقات العجيبة: أنَّ أحدَ كِبار العلمانيِّين الفَرنسيِّين المتهجِّمين على الإسلام، الذي ينعته بـ"الأصولية الإسلامية"، والذي أشار إلى أنَّ الشريعة الإسلامية عبارةٌ عن تشريع يسُنُّ العنف، وأبدى حِرصَه على ضرورة حماية المرأة مِن كلِّ أنواع العنف، هذا الدَّعيّ المُنظِّر، رفعتْ زوجتُه ضدَّه قضيتين أمامَ المحاكم الفرنسية، بتُهمة الاعتداء عليها بالضَّرْب!!
 ختامًا:
أدعو المختصِّين من علماء الشريعة والدُّعاة إلى تبيين الحُكم الشرعي في ظُلْم الرجلِ للمرأة عمومًا، والموقف الفقهي مِن ممارسة العُنف - أيًّا كان نوعُه - ضدَّ النساء، وعلى علمائنا أن يُقدِّموا التفسيرَ الحقيقي للآية القرآنية، التي تُبيح ضرْب المرأة؛ لتتضحَ لنا وللغربيِّين الحِكمةُ من هذا الإجراء التأديبي بضوابطه الشرعية.
 وثَمَّة تساؤلٌ يطرح نفسَه بإلحاح، وهو: هل يُمكن تطبيقُ هذه الآية في جوٍّ ومناخ بَعُدتْ فيه الأُسرةُ المسلِمة عن الظروف الإسلامية والموضوعية، التي تمنع تلقائيًّا من وجود النُّشوز داخلَ الأسرة، كآلية حلٍّ وقائي، قبلَ الانتقال إلى الضَّرْب بضوابطه، كحلٍّ نهائي، حتى تُبرأَ ساحةُ الإسلام من هذه الاتِّهامات، التي تنشأ بسبب جهْل الغربيِّين بالتشريع الإسلامي، وسوء تطبيقه مِن المسلمين؟

تم قراءة المقال 351 مرة