الأربعاء 26 ذو الحجة 1442

الإعلام بين "هُم" و"نحن"..

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

الإعلام بين "هُم" و"نحن"..

اقصد "بنحن" المسلمين، و"بهم" الصهيونيين والصليبيين والليبراليين الغربيين، اما الإعلام فمعروف... فهو الوسيلة والأسلوب الذي ينشر الأفكار، ويروّج للمذاهب، ويُسند اتجاهاتِ ومواقفَ أصحابها...لم يشذّ عن ذلك عصر من العصور، ولا مكان دون مكان، ولا جماعة بشرية عن أخرى.
الإعلام هو الدعاية لما تريده من حق أو باطل، لنصرة ما تبغيه من خير أو شر، ولتزيين جمال أو قبح.
بالإعلام تشوّه الحقيقة.
بالإعلام تقلب الادوار فيصير الشياطين ملائكة والملائكة شياطين.
بالإعلام تكذب وتكذب ثم تكذب حتى يصدقك الناس.
بالإعلام تُعلِم.. تُخبر.. تُقنِع.. تغيّر السلوك الإيجابي الى سلبي.. تعدّل الأفعال الشنيعة.. تعزّز المواقف المغلوطة.
بالإعلام تربح الذين حولك بل المناوئين لك فتجعلهم أتباعا أذلاء.
بالإعلام تسفّه أحلام مخالفيك.. تُربك خُطَطَهم.
تشوّش أفكارهم.
بالإعلام تشغَل مُعادِيك بالسّخافات، تُلهي أمَمَهم بالتفاهات، وتغرقهم بالحماقات.
بالإعلام تصنع عقل عدوك... تشكّل هُوّيّته ومن ثَمّ وُجوده.
بالإعلام تقبض على الضمائر بأصابعك فتلعب بها بخربشاتك كالطفل.
بالإعلام توجه خصمك ليطلق رصاصة الرحمة على دماغه.
بالإعلام تقنعه أنه لا يملك الحق في العيش، ولا الحظ في النجاح، ولا الفرصة في الانتصار.
الإعلام يعني الغزو الفكري، الحرب النفسية، الدعاية السوداء التي ترعش الأقدام وتبث الرعب والخور والفشل في النفوس قبل أن تَبدأ المعركة وتُدفع للفرار قبل أن يقوم العدو من مقامه.
الإعلام يحولك إلى خائن وعميل ومناضل ضد أمتك ومكافح لإخوانك في الدين والوطن.
الإعلام سلاح... قوة.. سيطرة... هيمنة..
بالإعلام تصنع وتجدول وتهندس خلايا مخ الشعوب... أطفالا وشبابا وكهولا وشيوخا نساء ورجالا.
بالإعلام تُصمّم القيم... تَرسُم الأخلاق على مقاسك.. تحدّد أولويات الدول وتَخنِق اقتصاديّاتٍ، وتستتبع سياسات، وتستعمر مساحاتٍ، وتسقط حضاراتٍ إلى الحضيض، وتَرفع أخرى إلى المعالي.
بالإعلام تطفئ جذوة الإيمان بالإله الحق، وتنصر آلهتك الوثنية.
بالإعلام تملك ناصية التحكم to be in control فتَسُوقُ الجماهير إلى حتفها بإثارة عواطفها وانفعالاتها بتهييجها ضد بعضها، وتحريك خيوط المؤامرات بين أبناء الأسرة الواحدة والدِّين الواحد والبلد الواحد، وبتثويرها لهدم مقدراتها وكيانها من الداخل على أيدي أولادها ممن يظنون أنهم يصلحون ويحسنون إليها.
بالإعلام تهز الاستقرار لمصلحة انتصارات وهمية تأكل الأخضر واليابس.
بالإعلام تخلق الفوضى الخَلّاقة.
عندما كنت على مقاعد الدراسة في قسم الإعلام كانت أول نظرية في الإعلام درستها هي نظرية الرصاصة الإعلامية bullet theory وهي أولها ظهورا ورواجا في الحقول العلمية لهذا الشأن... وهذا يدُلّك على أنهم "هم" امتلكوا رصاصة الإعلام قبل رصاصة البندقية فجعلوا منا حقل رماية وهدفا سهلا يَتَسَلّوْن به في رحلة فسحة واستجمام وصيد الأرانب على مدار عقود وعقود.
فكِّروا في إعلامهم وفي إعلامنا.. تدَبّروا محتوياتِه وحجمَه وخططَه ومكرَه وخداعَه...
احسِبوا وأَحصُوا دُورَ نشرِهم، كتُبَهم، صحافتَهم، مجلّاتِهِم، أفلامَهم، مسلسلاتِهم، أخبارَهم، قنواتِهم، شبكاتِهم، وكالاتِهم، برامجَهم، مواقعَهم العنكبوتية وسائلَ تواصلهم الاجتماعية...
ما نصيبنا من كل ذلك؟
كم نؤلف نحن من كتب جادّة لا مسروقة ولا مغشوشة ولا منهوبة؟
كم نقرأ من رزم؟
كم ننشر من بحوث؟
كم ننتج من برامج؟
كم نملك من مؤسسات إعلامية؟
كم نبتكر من تكنولوجيا الاتصال؟
كم نؤثّر في صُنّاع القرار السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي على مستوى العالم؟
فالإعلام في بؤرة ما يَجري لنا ويُفعل بنا من ويلات ونكبات ونكسات على المباشر اليوم.
...آه...آه..
.... هل هذا بكاء على الأطلال؟ نعم!
.... هل هو لطم على اللبن المسكوب؟ نعم!
فالبكاء واللطم أفضل من الضحك والفرحة بهزائمنا.
والبكاء في حد ذاته دليل على أننا لم نمت بعد...
واللطم في نفسه مؤشر بأن بداخلنا عملاقا مكبلا يريد أن يتحرر.


تم قراءة المقال 449 مرة