قيم الموضوع
(3 أصوات)

عتاب أخوي

نُشر لي هذه السنة مقال عن صلة القاديانية بالاستعمار، في العدد الثاني من مجلة التبيان، التي تُصدرها جمعية العلماء المسلمين، فقرَأَتْه الجهات المسؤولة في المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر، فهاتفني رئيس المجلس السيد بوعبد الله غلام الله شخصيا، لإلقاء محاضرة في المجلس الإسلامي عنوانها: "القاديانية الأحمدية صنيعة الاستعمار"....
ومنذ سنوات يسألني كثير من المهتمين بشؤون الإسلام من شبابنا وكهولنا المتدينين، ومن بعض الإخوة الملتزمين من العوام عن دروسي ومحاضراتي، فهم يريدون أن يحضروا ويستفيدوا ـ على حد قولهم ـ فلما جاءت فرصة المحاضرة في المجلس الإسلامي، وَجهت لهم الدعوات وشجعتهم على المجيء، ففرحوا ورحبوا ووعدوا بالحضور.. وفي اليوم المشهود حين حُشر الناس ضحى، عجت المقاعد بالوافدين، كان ممن حضر شيخ الطريقة الصوفية...، والمطران (تيسيه) راعي الكنيسة الكاثوليكية...، وثالثهم أحد مروجي البدعة القاديانية...، وكذا رجال المؤسسات الإعلامية، وجموع من الناس العاديين... أما الأول فأبدى إعجابه بمحتواها، والثاني أثنى على حماستي في إلقائها، والثالث تحايل على أخذ صورة معي فاختطفها... لكن المفارقة أن لا أحد ممن دعوتهم طل برأسه في القاعة، لا أحد شرّفنا في الندوة، ممن كان يطالبنا بالنشاط والحركة، ويعاتب المشايخ والدعاة على تقصيرهم في الدعوة، وركونهم إلى الدنيا، وإخلادهم إلى الأرض، وتكاسلهم عن واجب التبليغ عن الله، وتخليهم عن الدفاع عن حياض الإسلام...!!
وإذا كان (تيسيه) القس الفرنسي المتقاعد حضر ليَعرف عن القاديانية وعلاقتها باستعمار أوطاننا، وغاب أهل الشأن المتدينون السُنيون الملتزمون من أبناء الوطن، فكيف نلوم بعدها أنفسنا إذا ضلّت الأمة أو كَفر شعبُها أو اُحتلت أرضها!؟
وعلى كل حال فقد اشتكى لي العلماء والمشايخ وطلبة العلم من أن هذا ما يحدث معهم في دروسهم وحلقاتهم، فعزوف الإخوة الملتزمين عنها ظاهرة عامة لا خاصة، والمصيبة إذا عمت خفت، ومما يزيد من عزائي أنني لا أرقى إلى رتبة أولئك المشايخ والعلماء لأزايد بالشكوى، أتمنى أن تكون للغائبين أعذارهم، كما أتمنى أن يكفوا ألسنتهم عن اتهام المشايخ بالتقصير... ويتوقفوا عن ثرثرة التنظير... فالدعوة إلى الله لا تُنصر بالتزام أشبه "بالتمسخير"!!!!!
وبمناسبة ذكر "التمسخير"!! فإن بعض مجالس أهل السنة غالبا ما تكون عامرة بالجمهور إذا حشاها المدرسون والشيوخ بالرد والرد المعاكس على أهل السنة من أمثالهم، أما إذا كان الموضوع هو الصليبيون أو الصهاينة أو العلمانيون أو الملاحدة وغيرهم من الشياطين... سرعان ما تنفض المجالس، بل لا تنعقد إلا بشق الأنفس، ولا يحضرها إلا القلة التي سَلِمت من ذلك الداء... وغالبا ما تتحول مجالس الرد على أهل السنة إلى مخالفات شرعية مفضوحة، لا ينال أعداءَ الدين منها شيء من شرها، والأدهى والأمر أن بعض أولئك الشيوخ يستدرجهم الملتزمون ظاهريا لعقد تلك الدروس دفاعا عن دين وسنة ومنهج سلف كما يزعمون، حتى بات بعضهم أشبه ما يكون مقدما في برنامج ما يطلبه المستمعون بدل ما يطلبه رب العالمين... هي إذن دروس على قد المقاس أودت بالأمة إلى الإفلاس.
ألا نخجل نحن مَن ندعي التتلمذ على كتب ابن حنبل ومالك والشافعي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم... لما تتحول مجالسنا العلمية الشرعية إلى مجالس لغو، ونصير نحن أصحابها أشبه بالعجائز "السَتُوتات" اللائي يجلسن على عتبات بابهن لتجريح الجارة التي تسكن بالبيت المقابل!!!!؟
هذا عتاب مرير لكنه أخوي لنا جميعا، نحن لم نخلق لهذه الترهات، خُلقنا لتوحيد الله وعبادته ونصرة دينه، ونحن قادرون على ذلك ـ إن شاء الله ـ لو أسلمنا وأخلصنا وعملنا... وما أجمل ما قال الشاعر:
لقد هيئوك لأمر لو فطنت له ***** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
نوفمبر 2017

تم قراءة المقال 463 مرة