الجمعة 17 رجب 1443

على نهج السلف (1) كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

على نهج السلف (1) كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة
د. يزيد حمزاوي رحمه الله
صحافة اليرموك
السبت 14 شوال 1414 هجري الموافق ل 26 آذار 1994 العدد 288
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، أما بعد:
فإنه لا يخفى على أحد من المسلمين ما وصلت إليه أمتنا من ضعف و ذلة ووهن وتخلف في مختلف مجالات الحياة، مما جعلها لقمة سائغة لكلاب الأمم الضالة وذئاب الشعوب الكافرة، من يهود وصليبيين وعلمانيين وملاحدة، الذين لم يألوا جهدا في المكر والدس لهذه الأمة، والتخطيط لها بالليل والنهار بغية استعبادها و إبعادها عن منهج ربها، الإسلام، ففي الوقت الذي اجتمعت جحافل الأعداء وتكاتفت حولنا للانقضاض علينا، بقينا نحن تمزقنا الفرقة، وتقطعنا الأحقاد والضغائن، وتنهكنا الخلافات، وتقعدنا الاختلافات، ولمّا بلغ السيل الزبى والسكين العظم، قام عدد من الغيورين على الإسلام، الذين جرفتهم العاطفة الغامرة والأحاسيس الجياشة والحماسة الفياضة، فبدؤوا ينادون هنا وهناك بتوحيد كلمة المسلمين وجمع الصفوف وتناسي الخلافات وتجاوزها، فتعالت كلمة " توحيد الكلمة " في كل ناد ومحفل وخطبة وكتاب...، حتى جعلت بعض الجماعات الإسلامية هذه الكلمة شعارا لها فرفع زعيمها - رحمه الله - قولته المشهورة « لنتعاون في ما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضا في ما اختلفنا فيه» حقيقة إنها من الدعوة الصادقة والنية الحسنة والعمل الصالح أن ندعو إلى وحدة المسلمين وتقليص الفجوات بينهم وتقريب وجهات النظر وقطع أسباب الخلاف، نعم هذا من الدين ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة للمسلمين، لكن كما قلنا العاطفة الغامرة، والأحاسيس الجياشة أوقعت بعض هؤلاء في مزالق كثيرة.
إن قاعدة «نتعاون في ما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضا في ما اختلفنا فيه» قاعدة تحتاج إلى كثير من الضبط والتمحيص ووضع التفسيرات عليها، فمثلا ما هي الأشياء التي يجوز أن يعذر بعضنا بعضا إذا اختلفا فيها؟
قد يعذر بعضنا بعضا في اجتهادات فقهية، لكن هل يعذر بعضنا بعضا في مسائل العقيدة؟
لا يوجد على وجه الأرض جماعة أو نحلة إلا ونتفق معها في نقاط ونختلف معها في مسائل، مثلا هل نطبق هذه القاعدة مع القاديانية، ونحن نتفق معهم على وجود الله والجنة والنار والقضاء والقدر ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لكنهم يقولون بنسخ شريعة الإسلام ويرون نبوة غلام ميرزا أحمد القادياني!؟
وحتى اليهود نتفق معهم في وجود الله ونبوة موسى وداوود وسليمان.. ونختلف معهم في مواضيع كثيرة!؟
ستقولون القاعدة المذكورة تخص فقط الجماعات التي لم تخرج من دائرة الإسلام لا غير.
ولنذكر الآن بعض هذه الملل التي ترون أنها داخلة حيِّز الإسلام، وتدعون إلى الوحدة معها، بل لقد علَّقتم في الماضي القريب آمالا كبيرة على أصحاب ثورة الروافض، المتشيعة، وفرحتم أيّما فرح، فصفقتم ومدحتم، لكن بعد مرور خمس عشرة سنة لم نر إنجازا واحدا، وتبين أنها ثورة لم تنس أصولها السبئية، هل سنطبق قاعدتكم مع من يؤمن بالبداء وعصمة الأئمة والتقية...أتحدى أي إنسان يأتينا برافضي لا يؤمن على الأقل بكفر أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعائشة -رضي الله عنهم- وإنا منتظرون، فأية وحدة مع هؤلاء، وقد كانوا عبر تاريخنا المرير أبوابا ينسل منها الأعداء والمفسدون بعد التآمر معهم، فلا هم للإسلام نصروا و لا للكفر كسروا. هل سنطبق هذه القاعدة مع القبوريين وأرباب الطرق الصوفية، الذين يعظِّمون الأموات والأضرحة ويعبدون الأولياء وأصحاب الكرامات، وينذُرون ويذبحون ويستعينون ويستغيثون ويتوسلون ويحلفون بعظام أربابهم البالية، كيف نتَّحد مع من يقول «انشلني من وَحْل التوحيد واغمسني في بحر الوحدة» وحدة الوجود، وأتحدى مرة ثانية أي إنسان يأتينا بصوفي لا يرى أن ابن عربي صاحب وحدة الوجود والحلاج صاحب الحلول أولياء الله ومن المقربين؟
هل سنطبق هذه القاعدة مع الأشاعرة الذين انحرفوا في أبواب عديدة من العقيدة كالأسماء والصفات والقضاء والقدر، وهم جبرية في هذا الباب، وإنكار عشرات العقائد الثابتة بأحاديث الآحاد...؟
هل سنطبق هذه القاعدة مع الخادعين والمخدوعين من الحداثيين ورواد الفكر المشوه، والرأي المنحرف، الذين يلوون أعناق النصوص لِتُلائِم روح العصر! أو توافق مصلحة الدعوة! أو « استراتيجية تكتيكية »! أو ببساطة طاعة لتعليمات الشيخ والجماعة؟ ألم تسمعوا ببدعة اشتراكية الإسلام، لأن أبا ذر الغفاري الفقير كان اشتراكيا، بزعمهم، وآخر يرى أن الإسلام رأسمالي لأن في زعمه عثمان بن عفان، الغني، كان مليونيرا رأسماليا! وثالث خرج علينا بنظرية، الديمقراطية الشورية واخترع أحد « المنظِّرين! » إديولوجية اسمها « الشوراقراطية » فهيهات... هيهات أن تكون وحدة مع هؤلاء جميعا وكلهم يَنْقُض بوساوسه نسيج الإسلام الصافي، ومع أن الوحدة بين المسلمين غاية منشودة والخلاف مصيبة مذمومة، إلا أن الغاية لا تبرر الوسيلة، وسيكون هذا موضوع حديثنا الأسبوع القادم «الغاية لا تبرر الوسيلة»
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

تم قراءة المقال 232 مرة