طباعة
الجمعة 11 ذو القعدة 1443

صيام رمضان بين العادة والعبادة

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

صيام رمضان بين العادة والعبادة
اعبـــــدوا ربّ رمضـــان و لا تعبـــدوا رمضـــــان!
كتب : د. يزيد حمزاوي (رحمه الله تعالى)
صحافة اليرموك السبت 27 فيفري 1993
الحمد لله الذي خلقنا ورزقنا وأنعم علينا بنعمة الإسلام وشرع لنا من الدين ما يزكّي به أنفسنا ويصلها بربّها ويرفعها عن حطام الدنيا و بريقها، الحمد لله الذي جعل لنا رمضان شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.
شهر رمضان، شهر البركات، وصيامه من أعظم العبادات، وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه يجتهدون في هذا الشهر ويكثرون من الذكر والصلاة والجهاد والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وغيرها من العبادات، فخلف من بعدهم خلفٌ من "المسلمين" قلّ إيمانهم وضئل علمهم وكثر خبثهم، فاستقبلوا رمضان كعاداتهم كل عام، ليس بالصيام فيه، لكن بانقطاعهم عن الأكل و الشرب فقط ظانين أن هذا هو المطلوب، قال -عليه السلام- : "رُبَّ صائم لم ينل من صيامه إلاّ الجوع والعطش".
نعم إن كثيرين يصومون لكن صيامهم، باطل، وزائل، لمــاذا يا ترى؟
إن أكثر هؤلاء -اللهم لا تجعلنا منهم- رمضان عندهم عادة وليس عبادة، فليس الشهر عندهم عبادة يُؤدُونها على أحسن وجه ويُقرِّبُونَهَا إلى الله خالصة بل هي عادة وجدوا أهلهم وأهل محلتهم وبلادهم يفعلونها فقلَّدوهم.
فترى بعضهم يمنُّ على الله أنه انقطع عن الأكل والشرب طيلة النهار وإذا جلس عند الإفطار تربعّ على مائدة تحمل من أصناف الأطعمة -ما الله به عليم- فيأكل أكل المنتقم لنفسه.
وآخرين إذا دخل رمضان دخلوا المسجد للصلاة وإذا قرب العيد "عيّدوا" وتركوا الصلاة لأصحابها كأنهم غير مكلفين بها إلا في هذا الشهر.
وبعضهم يمتنع عن حلق لحيته وفجر يوم العيد تذهب لحيته في المغسلة.
وترى بعض النسوة يضعن مناديلاً على رؤوسهنّ أو يرتدين أحجبةً وإذا أهلّ العيد قلن للحجاب سلام وإلى اللقاء في العام المقبل، ويتعدّى الأمر إلى بعض الحكومات "الإسلامية" التي تمنع الخمور والنوادي الليلية حفاظاً على حرمة هذا الشهر!
إنهم يعترفون بألسنتهم أن هذه الخبائث تنتهك حرمة رمضان، فلماذا يحلونها في الأشهر الإحدى عشرة الأخرى، أم أنهم يُحِلّونها شهرا ويحرمونها شهرا وكأنّ الأشهر الباقية لا حرمة لها!!
المهم أن نقول لجميع المذكورين أنتم بين مأزقين أحلاهما مرّ. فإما أن يكون أولئك الذين يصومون، أو يصلون، أو يحتجبون فقط في شهر رمضان يشركون بالله، ذلك أنّهم في الحقيقة لا يعبدون رب رمضان بل يعبدون رمضان بعينه، وإلا كيف نُفسّر انقطاعهم عن العبادات المذكورة بعد العيد، أليس رب رمضان هو رب شوال وهو رب شعبان؟ أم هناك آلهة غير الله كالأفلام والموسيقى وكرة القدم والموضة...
فمن يريد أن لا يكون مشركا، يعبد الله في كل الأشهر ولا يخصّص شهراً واحدا لربّ الشهور جميعا.
وإمّا أن يكون أولئك الذين يصومون ولا يصلون، أو أنّهم يصلون ويحتجبون فقط في رمضان قد وقعوا في الكفر من حيث لا يدرون، فتراهم يُطبّقون بعض الأحكام ويتركون بعضها، فنقول لهؤلاء قول الله تعالى"أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزيٌ في الحياة الدنيا ويوم القيامة يُردّون إلى أشدّ العذاب وما الله بغافلٍ عما تعملون". ذلك أن الإسلام كلٌّ متكامل، فيجب أن يكون وقت المسلم كله لله وليس كما يقول البعض "ساعة لك و ساعة لربك" بل كل الساعات لله حتى ساعات نومك و أكلك... يقول الله تعالى على لسان إبراهيم _عليه السلام_ [إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه رب العالمين].
فاغتنم أيها المسلم رمضان واجعله شهرا تدّخر وتخزّن فيه للأشهر الأخرى.
أمّا الذين لا يزالون يفطرون في رمضان ولا يصلون ومنهم نسوةٌ لا يزلن في عاداتهنّ القديمة من التبرّج والتعرّي حتى في هذا الشهر العظيم فنقول لهم ولهنّ جميعا إنّ الله يمهل ولا يهمل وتذكّروا وحشة القبر وضمّته، وعقاب الله وسطوته وحرمانكم من جنته ورؤيته وتذكّروا الموت ولا تتركوا الدنيا تنسيكم القدر المحتوم.
أنسيت يا مغرور أنك ميت
أيقن بأنك في المقابر نازل
تفنى وتبلى والخلائق للبلى
أبمثل هذا العيش يفرح عاقل
اللهم اهدنا وإخواننا إلى طاعته واجعل ديننا عبادة ولا تجعله عادة آمين.

تم قراءة المقال 214 مرة