قيم الموضوع
(1 تصويت)

جلسة مع منصِرين أُمّيّين!
د: يزيد حمزاوي _رحمه الله_
قبل مدة غير بعيدة زرت موطن أجدادي في قرية إعياضن ببلدية شميني سيدي عيش بجاية، فسمعت أن مجموعة من المتنصرين، الذين أصبحوا منصِرين، أنشأوا كنيسة للبروتستنت بالبلدية المذكورة، فتوجهت إليها وكان يوم سبت، حيث انتهت صلاتهم الأسبوعية للتو، والتي يقيمونها في ذلك اليوم بدل الأحد لمصادفة العطلة الأسبوعية، دخلت المبنى وأنا بلباسي الإسلامي... ليس من العادة أن يدخل عوام المسلمين إلى تلك الأماكن المريبة حيث يتوجسون منها خيفة، ويعتبرونها محلا للكفر والشرك وفي بعض الأحيان مكانا للعمالة لفرنسا... فما بالك لو كان الداخل مثلي بلباس إسلامي!
في ذلك البيت الذي تحول إلى كنيسة مِلْتُ إلى جهة اليسار، حيث رأيت رفا من الكتيبات والمطويات، ومعها بعض الأناجيل، فنظر إلي المتواجدون فتقدموا نحوي، وقدّموا التحية بالأمازيغية، فرددت عليهم بنفس اللغة، فلما علموا أني أتكلمها خاطبوني بها.
قالوا: "هل تبحث عن شيء بعينه حتى نساعدك؟"
وهذه هي الجمل التي أحبها كثيرا، والتي عادة ما تكون الانطلاقة لأي مناقشة أو مناظرة، لقد كانت الفرصة التي أتحينها.
قلت: "نعم أبحث عن إنجيل؟"
قالوا: "هذا هو الموجود بين يديك"... فقد كنت أتصفح أحدها قبل أن يحيطوا بي.
قلت: "لا! ليس هذا، أنا أبحث عن النسخة الأقدم منها فهي تختلف عن هذه".
فقالوا جميعا وكانوا حوالي ستة من الأشخاص: "كل الأناجيل واحدة ولا توجد نسخة تختلف عن نسخة"!!!.... مساكين، يظنون أن إنجيلهم نسخة واحدة، وقد خدعهم المنصِرون الغربيون بذلك الإدعاء العريض، فأدخلوهم في زنقة مسدودة وهم يحسبون أنهم على الطريق السريع المؤدي إلى فردوس الملكوت!!
قلت: "إن هذه النسخة التي بين يدي هي نسخة Louis Second للبروتستنت الفركوفونيين، وهي طبعة سنة 1910، وأنا أبحث عن طبعة سنة 1880 الأصلية لصاحبها القس السويسري الذي سُميت باسمه، وهي تختلف عن التي بين يدي في أمرين أساسيين هما:
أولا: ضَمَّن لويس طبعنه مقدمة مستفيضة، أبرز فيها مشكلات المخطوطات وتضارب الطبعات اليونانية القياسية، التي تختلف فيما بينها اختلافا شديدا، وأشار إلى المترجمين والمدققين غير المعصومين الذين ارتكبوا أخطاء فادحة في عملهم، كما اعترف بضياع الأصول واعتماد الكنائس الآن فقط على نسخ لنسخ لنسخ لأشخاص مجهولين.
وثانيا: يشير صاحب الطبعة إلى نصوص كثيرة أضيفت للإنجيل لكنها لا توجد في المخطوطات، وهو اختار إبقاءها مع وضعها بين معقوفتين، ويُقر بأنه فعل ذلك لأنها ليست موجودة في أفضل وأقدم المخطوطات وأكثرها مصداقية، لقد اعتبرها ملحقة أضيفت عبر التاريخ الطويل للتزوير والتحريف.
بدأتُ أشرح لهم كيف حَذفت طبعة 1910 تلك المقدمة المهمة، وكيف تخلصت من المعقوفتين التي وردت في طبعة 1880، وكيف مسحت المئات من الهوامش والتعليقات الموجودة في الأصل، وعندما طفقت أفسر لهم بعض المصطلحات العلمية في علم نقد النصtextual criticism ، ظهروا كمجرد عيال صغار لا يفرقون بين الكوع والبوع، وكانت علاقتهم بعلوم الكتاب المقدس كعلاقتي أنا تماما باللغة الصينية أو الكورية الشمالية، لا يدرون أبجدياته ومقدماته فضلا عن مسائله العظام... وهؤلاء يدّعون أنهم درسوا وبحثوا ودققوا حتى اكتشفوا الدين الحق، وتعرفوا على الإله المصلوب وآمنوا به، وأنهم نالوا الغفران والسعادة الأبدية، وتركوا الشقاء لنا نحن المسلمين، ويبدو أن الإله الذي ثبته اليهود والرومان على الصليب لم يُعطَى الوقت الكافي ليُثَبت المعرفة في عقول أتباعه... لقد أنقذهم من الجحيم وأسكنهم الملكوت برفقة أميّتهم وجهلهم وعقلهم الفارغ من العلم...، ولما رأيت أن الأمر أشبه بالحديث عن الفيزياء النووية لتلاميذ الحضانة، قررت تغيير الموضوع والنزول إلى مستوى الحضانة في علم مقارنة الأديان فقلت: "أسألكم سؤالا".
قالوا: "تفضل".
قلت: "ورد اسم عيسى في القرآن الكريم 25 مرة، فكم مرة ذُكر اسمه في إنجيلكم؟"
...كان سؤالي كالصاعقة التي نزلت بساحتهم فلم تترك عوجا ولا أمتا، لقد تعرَّوا على الآخر، فمستوى جهلهم بهذا السؤال دليل على أنهم ما قبل الحضانة العلمية في هذا التخصص، لكن تشجع زعيمهم الذي علّمهم الجهل، والذي كان يقود النقاش معي، فأجاب بنبرة الظن والرجم بالغيب: "200 مرة"، فقلت: "أنت بعيد"، قال: "220"، قلت له: "اقفز إلى أعلى بالمائة"، فقال: "300"، قلت: "أكثر"، قال: "400" قلت: "أكثر"، قال: "500" قلت: "أكثر"..... كان يحاول وأنا أزيد حتى وصل إلى المائة التاسعة، والذين من حوله يضحكون من الموقف المخزي، وعندها طلبت منه أن يتوقف، ثم ألقيت عليهم المفاجئة التي لم يكونوا يتوقعونها.
قلت: "هذه مسألة بلا حل!!!"
قالوا: "كيف؟"
قلت: "لن تَصِلوا إلى رقم محدد من هنا إلى الأبد".
حينها تواضع أحدهم وطلب شرحا، فقلت في نفسي عنك أبحث... فبدأت أشرح: هناك الآلاف من المخطوطات والنسخ والترجمات والطبعات بمئات اللغات للإنجيل، وكل واحدة منها تذكر عددا يختلف عن النسخ الأخرى، وذكرت لهم بعض الأمثلة التي أسعفتني بها ذاكرتي حينها، وأزيد إليها بعضها هنا على سبيل المثال لا الحصر، وهذا بحسب النسخ والطبعات التي بين يدي الآن.
فمثلا طبعة Louis Second لسنة 1910 ذُكر اسم عيسى فيها 1237 مرة.
ونسخة Ostervald 1174 مرة.
Bible de Jérusalem 946 مرة.
ونسخة الملك جيمس الانجليزية الشهيرة king James Version 981 مرة.
Good News Bible 1642 مرة.
New International Version1283 مرة.
Jerusalem Bible New 971 مرة.
New American Bible 940 مرة.
French Darby Translation 955 مرة.
Webster's Bible 898 مرة.
Weymouth New Testament990 مرة.
Young's Literal Translation 970 مرة.
The Bible in Basic English 943 مرة.
American Standard Version 919 مرة.
World English Bible 976 مرة.
الخ ...الخ......، ونفس الأمر اختلافات جذرية في النُسخ العربية والايطالية والاسبانية واللاتينية والروسية والآرامية واليونانية ... والقائمة طويلة... وربما للسائل أن يسأل ومن أين جاءت هذه الفروق!؟ أجيب بأن الأسباب كثيرة منها: ضياع الأصول وفقدان النسخ الأولى المباشرة المأخوذة عنها، اختلاف المخطوطات اختلافا شديدا فيما بينها، عدم وجود سند شفوي معتمد على الحفظ موصول بالمصادر، ضعف وتساهل المترجمين والنساخ، فمرة بعضهم يذكر عيسى بضمير "هو" أو اسم الموصول "الذي" ومرة يُستبدل بألقاب "الرب والمعلم والسيد والإله..."، لكن أسوء الأسباب وأخطرها هو تعمد التلاعب بالنصوص ومعها الاسم حذفا وإضافة...، وهكذا تطول وتقصر قائمة اسم عيسى ـ عليه السلام ـ بطول وقصر نَفَس المزورين والمحرفين.
ولما وصلنا إلى هذه النقطة من الحديث داخل تلك الكنيسة، أخذت أحدهم الحمية فأراد أن ينتقد الإسلام والقرآن، فرأيت أصحابه قد وكزوه في ظهره فسكت وخنس...، اشتريت تلك النسخة بـ 400 دينار... وجلست في سيارتي أنظر إليها، فأشفقت على ذلك المبلغ الذي خسِرته وربحه المنصرون المتاجرون، مع أن نسخة Louis Second 1910 غير محفوظة الحقوق وتوزع مجانا، فتذكرت حينها قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) البقرة 79.
ولما وصلت إلى منزلي في العاصمة ضممت تلك النسخة إلى الرف الطويل من الأناجيل المزورة في مكتبتي الخاصة، وتنفست نسمة السرور والحبور لأنني ازددت اقتناعا أكثر من ذي قبل بأن النصرانية وكتبها مرادفة للبطلان والفساد والتزوير، وأن الإسلام هو الحق المطلق الذي لا مرية فيه (....فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) الرعد 17.
وما زال يزعم المنصرون أن كتبهم فيها الحق المطلق، ويدّعون امتلاك 5700 مخطوطة للإنجيل باللغة اليونانية، اللغة الأصلية للعهد الجديد ـ كما يعتقدون خطأ ـ ...، سأجاريهم في زعمهم لكن أطلب منهم متحديا أن يُظهروا لنا مخطوطتين اثنتين كاملتين فقط لا أكثر، يتطابق عدد مرات ورود اسم عيسى فيهما... وحينها أقول لهم: "مبروك عليكم أنا نصراني مثلكم وقد صرت في صفكم" .... التحدي قائم... وهيهات هيهات!!!.
توقيع: د يزيد حمزاوي

تم قراءة المقال 183 مرة