طباعة
الخميس 12 ذو القعدة 1441

أسباب ثبات الملك

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)


في ضلال قوله تعالى عن داود عليه السلام (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ) (ص: 20)
فقال تعالى (وشددنا ملكه) الشد: تمكن اليد مما تمسكه، وشد الملك هو تقويته وسلامته من أضرار الثورات داخلية ومن غلبة عدو خارجي، وقد ملك داود عقودا عديدة وظل ملكه ثابتا مستقرا.
ثم أخبرنا أنه هيأها له بقدرته وتوفيقه أعظم المثبتات للملك وهي العلم والعدل
فأما "العلم" فورد في قوله: (وآتيناه الحكمة) والحكمة بمعناها العام وهي العلم بالأشياء كما هي على حقيقتها ووجهها، والعمل بالأمور على ما وفق ما يجب وينبغي، والحكمة بمعناها الخاص النبوة، وهي مورثة للحكمة بمعناه العام في حق الأنبياء، كما أن نور النبوة في حق الأتباع أيضا مورث للحكمة التي هي العمل الصائب بالعلم الصحيح.
وأما "العدل" فورد في قوله (وفصل الخطاب) أي القول الفصل في الحكم والقضاء؛ فكان يحكم بأحكام عادلة تمنع كل مدع وظالم عن التجرؤ على معاندته، وقيل :" هو الْفَصْلُ فِي الْكَلَامِ وَفِي الْحُكْمِ" فيكون المعنى أنه أوتي من حكمة الرأي وفصاحة القول ما جعله إذا تكلم جاء بالكلام العادل والفاصل بين الحق والباطل.
   وكون داود عليه السلام كان مؤديا بالتوفيق للعمل بالحكمة والحكم بالعدل؛ لا يعني أن الله تعالى لا يعرضه للابتلاء والخطأ في الاجتهاد؛ ومن حكمة ذلك ان يعرفه ضعفه وحاجته إلى ربه سبحانه، فيلزم التواضع والافتقار إلى الله تعالى، وكذا ليلزم الأناة وعدم الاستعجال في القرار وفي الحكم بين الناس؛ لأن العجلة من أعظم الأمور التي تحول بين الحكيم وسداد الرأي، وتحجب الحاكم عن إصابة العدل الذي لا ينتج إلا عن النظر العميق.
  وقد أعقب ربنا عز وجل تلك الآية التي تحكي عن تثبيت الحكم وأسبابه بقصة الخصمين الذين فاجآه بخصومتهما، فقال (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ)
ولعلنا نستنتج من هذا التعقيب للمثبّتين دعامتان مهمتان:
-وهي الاستعانة بالله تعالى والإنابة إليه.
-والآناة مع الاستعجال في الأمور.
ثم قال الله تعالى (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) (ص: 26)
فختم الآيات بوصية جامعة لمن ولي شيئا من أمور الناس من خلال خطاب داود عليه السلام، فأمره بأن يحكم بالحق، ونهاه عن اتباع الهوى لأنه هو الذي يصد الناس عن الحق بعد العلم به، وقد جعل الهوى معرفا بلام الجنس ليعم كل هوى، سواء كان هوى نفسه أو هوى غيره ممن يؤثر فيه كهوى أقاربه وحاشيته أو فئة من الناس أو عامتهم.
ومن اتبع الهوى في صغيرة متعمدا؛ يوشك أن يتسع عليه الخرق حتى يبتعد عن الطريق القويم، ومن فعل ذلك استحق العذاب الشديد يوم الحساب.

تم قراءة المقال 699 مرة