الأحد 12 ربيع الثاني 1431

29-واجبنا نحو الأولياء الصالحين

كتبه 
قيم الموضوع
(21 أصوات)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فإن من المسائل الاعتقادية المهمة التي تحتاج إلى تجلية وتوضيح: مسألة الولاية، فإنه قد اعتراها كثير من المفاهيم الخاطئة التي صيرتها وسيلة للشرك بالله تعالى والصد عن سبيله، بل انحصر مفهومها عند بعضهم في تلك الصور الشركية فلا ولي عندهم إلا من له قبر يزار ويعبد ، أما الأحياء فلا يكونون من الأولياء، وأما العلماء فليسوا عندهم من الأولياء، فمن أجل توضيح معنى الولاية وصفات أهلها وبيان واجب المسلمين تجاه الأولياء الصالحين أكتب هذه الأسطر التي أسأل الله أن ينفع بها.

 

29-واجبنا نحو الأولياء الصالحين

معنى الولاية

  أصل الولاية المحبة والقرب، وولي الله تعالى هو القريب منه المتبع لشرعه الممتثل لما يحبه الله ويرضاه والمنتهي عما يبغضه ويسخطه، قال تعالى:]أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ[ (يونس62-64). قال ابن باديس :»أفضل المؤمنين هم الذين آمنوا وكانوا يتقون، وهم الأولياء الصالحون، فحظ كل مؤمن من ولاية الله على قدر حظه من تقوى الله «، قال تعالى:] فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ[ (الواقعة88-91) فأصحاب اليمين من المؤمنين هم من جاء بالفرائض وكف عن المحارم، والمقربون هم من زاد على ذلك فأتى بالنوافل وترك المكروهات فأحبهم الله تعالى حبا تاما كاملا.

صفات الأولياء الكاملين

   وهذه جملة من الصفات التي تدلك على الأولياء الأصفياء ، من فقدها فليس منها ولو طار في السماء أو مشى على الماء .

1-توحيد الله واتباع سنة رسوله e، وهذه حقيقة الإيمان بالله تعالى ورسوله e المقتضية للسلامة من الشرك والابتداع، بل صفة الولي الكامل السلامة من الشرك الأصغر ومن الرياء، ومن التطلع إلى ثناء الناس. قال الشيخ مبارك الميلي:»ومحصله أن الولاية تقوم على ثلاثة قواعد إحداها الإيمان الصحيح وثانيها العمل الخالص لله وثالثتها الموافقة للسنة « .

2-الافتقار إلى الله تعالى، ومن صفتهم تحقيق العبودية لله تعالى، فعلا للواجبات وتتبعا للمستحبات، قال تعالى: »وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ « (البخاري) ومع ذلك فإنه لا يسع أحدا منه الاستغناء عن التوبة إلى الله فمن صفتهم إعلان الافتقار والإكثار من الاستغفار، قَالَ النبي e معلما أبا بكر الصديق وهو كبير أولياء الأمة :» قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ « (متفق عليه).

3-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إن أولياء الله تعالى يحبون الله تعالى ودينه ورسوله e ، ومن آثار هذه المحبة الغيرة على الدين وتحرك القلوب لانتهاك حرماته، فهم يأمرون بالمعروف والتوحيد، وينهون عن المنكر وعن الشرك، ويقولون الحق ولا يخافون في الله لومة لائم.

4-طلب علم الكتاب والسنة، أي لابد أن تكون عبادتهم على علم وإلا لعب بهم الشيطان وأوقعهم في البدع ، قال الجنيد رحمه الله : » علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يصلح أن يقتدى به«.

5-الزهد في الدنيا وصفاء الباطن، ومن صفة الأولياء المحبين لله اجتناب الحرام والزهد في المكروه والتقلل من المباح، لأنهم يرغبون فيما عند الله الذي هو خير وأبقى. من أجل ذلك فإن قلوبهم سالمة من الحقد والغل للمؤمنين، وليس في أعمالهم كيد ولا خديعة لمخالفيهم، بل شأنهم العفو والصفح عمن ظلمهم.

لا نسب ولا كرامة

   من الناس من تثبت له الولاية الكاملة لمجرد دعوى النسب الشريف، وهو لو كان ثابتا لم يكن دليلا عليها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:» ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه « (مسلم).  وكثير منهم يجعل الكرامات دليلا على الولاية، والصحيح أنه ليس من شرط الولي أن تكون له كرامات خارقة للعادة، وإن كثيرا من المشعوذين يأتون بالخوارق لاستعانتهم بالشياطين فهل يكون ذلك دليلا على أنهم أولياء. قال الشيخ مبارك الميلي:» وليست الكرامة هي دليل الولاية لالتباسها على كثير من الناس، بل الولاية هي دليل الكرامة«.

 

واجبنا نحو الأولياء الصالحين

1-محبتهم وموالاتهم

   ومن واجب كل مسلم أن يحب الصالحين من هذه الأمة من السابقين الأولين والأحياء المعاصرين، فإن أوثق عرى الإيمان الحب في الله تعالى والبغض في الله، ومن مقتضى هذه المحبة النصرة لهم في دعوتهم إلى الخير والذب عن أعراضهم والرد على من يصفهم بالغلو والتطرف والرجعية والتخلف. قَالَ تعالى في الحديث القدسي: »مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ « (البخاري).

2-نشر فضائلهم

   وذلك بنشر علمهم وأخبار عبادتهم وزهدهم في الدنيا ومكارم أخلاقهم حتى يقتدي بهم السالكون ويتأثر بسلوكهم المؤمنون، وإن كانت لهم كرامات ثابتة عنهم فلابد من ربطها بأسبابها من إخلاص وتوحيد وأعمال صالحة حتى يحصل المقصود.

3-اجتناب الغلو فيهم

   وقد حذرنا النبي صلى الله ليه وسلم من الغلو فيه وهو سيد الأولياء، فقال: » لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم  « (البخاري) ونهانا عن الغلو في غيره ببناء المساجد على القبور فقال e: »أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنو على قبره مسجدا ثم صوروا تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة « متفق عليه.

4-الدعاء لهم والاستغفار لهم

   من حقهم علينا الترحم عليهم لأنه مفتقرون إلى رحمة الله، ومحتاجون إلى دعوة المؤمنين، لذلك تجب الصلاة عليهم إذا ماتوا، ولو كانوا مستغنين عن الدعاء والاستغفار لما صلي عليهم، لأجل هذا ذهب بعض العلماء كابن باديس والميلي رحمهما الله تعالى إلى أنه لا يجزم بالولاية الكاملة لأحد من الناس، لأن الجزم بها يعني الشهادة له بالجنة .

5-زيارتهم للاستفادة منهم

   أي أن الزيارة إنما تشرع إذا كان الولي حيا وكان عالما، قال الشيخ أحمد حماني رحمه الله:» والزيارة الشرعية تكون للشيخ إذا كان من ذوي العلم والفهم والصلاح، فيكتسب منه الزائر العلم والدين والصلاح ويأخـذ منه المنقول والمعقول ويرجع بفوائد جمة، كما كان عالم المدينة بها وأبو حنيفة بالعراق، هذه هي الزيارة المأذون فيها وكانت تضرب إليها آباط الإبل، فأما إذا كان الشيخ كالصنم فماذا يستفيد منه الزائر؟ أعلما؟ أم زهدا؟ أم صلاحا؟ أم نصيحة وعقلا ؟ «.

 

مظاهر ظلم الأولياء الصالحين

1-دعاؤهم من دون الله تعالى

   من أعظم الظلم للأولياء الأموات أن يجعلهم الناس شركاء لله تعالى، يعتقدون فيهم النفع والضر، وإجابة الدعوات وتفريج الكربات ويقدمون لهم النذور والذبائح، وربما جعلوا لهم شركا في التصرف في الكون، ويجعلون منهم الغوث والقطب، وهم الذين كانوا في حياتهم يدعون الله تعالى وحده ويدعون إلى عبادته وحده وينهون عن الشرك وعن ذرائعه.

2-الزعم بأنهم كانوا يحلون الحرام

   إذا كان معيار الولاية الإيمان والتقوى فكيف نصدق من يقول إن فلانا من الأولياء كان يستحل الحرام؟ فهذا قدح فيه وفي ولايته لله، ومن ثبت عنه ذلك قطعا فإنه من أولياء الشيطان لا أولياء الرحمن. قال الشيخ عبد القادر الجيلاني: »كنت مرة فى العبادة فرأيت نورا عظيما، فقال لي يا عبد القادر أنا ربك وقد حللت لك ما حرمت على غيرك، فقلت له اخسأ يا عدو الله فتمزق ذلك النور وصار ظلمة ، فقيل له كيف علمت أنه الشيطان قال بقوله لي حللت لك ما حرمت على غيرك وقد علمت أن شريعة محمد لا تنسخ ولا تبدل«.

3-الاسترزاق باسمهم

   هناك من يدعي أن في القبر وليا –وقد يكون من فيه كذلك- ثم يشجع الناس على الإتيان بالقرابين والنذور ليأخذها لنفسه، فعلى المؤمن أن يكون حذرا من هؤلاء المرتزقة المتاجرين باسم الأولياء ، قد بلغ الحال بهؤلاء التجار أن جعلوا للولي الواحد عشرات القبور كل واحد يزعم أنه مدفون عنده وأن القرابين والنذور لابد أن تأتي إليه دون غيره.

4-القول بأن الولي أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم

   ولا شك أن أفضل الأولياء هم الأنبياء وأفضل الأنبياء المرسلون منهم، وأفضل المرسلين أولوا العزم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد e وأفضل الكل هو محمد e، والولي من أمته لا يكون وليا إلا باتباعه له  e، فكيف يكون هذا الولي خيرا منه وأفضل ؟! بل أفضل الأولياء بعد النبي e هم الصحابة الكرام وأفضلهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم .

   ومن الظلم لأولياء الله تعالى أن يزعم الناس أن فلانا هو خاتم الأولياء فلا ولي بعده، وهذا قول باطل لأن الولاية باقية ما دام في الأرض عباد مؤمنون متقون .

5-الخلط بينهم وبين أولياء الشيطان

   إن من الظلم لأولياء الله أن يلحق بهم أولياء الشيطان من السحرة والكهان-الذين يزعمون علم الغيب-، أو أن يقرنوا بمدعي الولاية بمجرد النسب المزعوم. قال الشيخ مبارك الميلي:» أما الولي عند الناس اليوم فهو إما من انتصب للإذن بالأوراد الطرقية، ولو كان في جهله بدينه مساويا لحماره، وإما من اشتهر بالكهانة وسموه حسب اصطلاحهم مرابطا، ولو جاهر بترك الصلاة وأعلن شرب المسكرات، وإما من انتمى إلى مشهور بالولاية ولو كان إباحيا لا يحرم حراما،  … ثم قال: إن الولاية التي صورناها ولاية بدعية شركية نهى الله عن اتخاذها بمثل قوله: ] ولا تتبعوا من دونه أولياء [ « اهـ.

6-الزعم بأنهم معصومون

    وليس من شرط الولي أن يكون معصوما، بل يجوز عليه الخطأ والجهل ببعض الشريعة، ولا يخرجه ذلك عن الولاية، وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الولي الذي كان ملهما جعل الله الحق على قلبه ولسانه، وكان الشيطان يفر منه، لم يقل فيه أحد من الصحابة أو العلماء إنه معصوم من الخطأ.

    وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

 

 

تم قراءة المقال 13910 مرة