قيم الموضوع
(2 أصوات)

    الحمد لله رب العالمين والصلاة، والسلام على محمد النبي الأمين، وآله وصحبه أجمعين أما بعد :

   فإن من نعم الله تعالى التي منَّ بها على عباده المؤمنين أن جعل في قلوبهم الحياء، وأن أنزل عليهم لباسا يسترهم ويحفظ لهم كرامتهم وعفتهم وحياءهم، قال تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف:26) . فبين سبحانه جعل لذرية آدم ما يسترون به عوراتهم وأمرهم بالتستر، »ولا خلاف بين العلماء في وجوب ستر العورة عن أعين الناس « قاله القرطبي . وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:59) وقال سبحانه: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) (النور:31).

 

15-شروط الحجاب

خطر كشف بعض العورة

   وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة المسلمة من كشف بعض عورتها ، ومخالفة أمر ربها وتوعدها بوعيد شديد ليس بعده وعيد  –الحرمان من الجنة-، فقال  صلى الله عليه وسلم :« صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا … وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ(ظهور الجِمال) لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» (رواه مسلم). وزاد على ذلك فأوجب لها اللعنة فقال  صلى الله عليه وسلم: » سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على السروج كأشباه الرحال …نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهم كأسنمة البخت العجاف العنوهن فإنهن ملعونات« (رواه أحمد وصححه ابن حبان). ومن هذين الحديثين نعلم أنه ليس كل لباس ارتدته المرأة يكون حجابا شرعيا مؤديا للواجب، حيث وصفهن صلى الله عليه وسلم بأنهن كاسيات عاريات. ومنه فإنه يجب على كل مسلمة أن تتعلم شروط الحجاب الذي يتحقق به الستر الواجب وتسلم به من التبرج المحرم، وفيما يلي تلخيص لهذه الشروط مع بيان بعض أنواع المخالفات الواقعة.

1-استيعاب جميع البدن إلا ما استثني

   قال تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) والذي ظهر هو ما في الوجه والكفين على أظهر قولي العلماء وهو قول ابن عباس وغيره وهو مستثنى من حديث:» المرأة عورة« (رواه الترمذي)، ومنه فإن اللباس الذي يكشف القدمين أو شيئا من الساق لا يكون شرعيا باتفاق العلماء، ولما كان الحجاب عرضة لأن يضطرب ويرتفع بسبب الريح وغيره، وجب على المرأة أن تزيد في طوله ، وقد سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : كم تجر المرأة من ذيلها؟ قال: شبرا، فقالت: إذا ينكشف عنها! قال: ذراع لا تزيد عليها (رواه النسائي عن أم سلمة وصححه الترمذي من حديث ابن عمر) وكذلك يقال فيمن تكشف بعض شعرها أو شيئا من رقبتها فإنها داخلة في قول النبي صلى الله عليه وسلم كاسيات عاريات والله المستعان.

ويتعلق بهذا الشرط مسائل :

-أن ستر الوجه وإن لم يكن واجبا فهو مستحب، وهو على من يخاف أن يفتتن بجمالها واجب باتفاق العلماء.

-هذا حجاب المرأة أمام الأجانب وأما حجابها أمام المحارم: فهو ما يستر بدنها سوى مواضع الزينة المعتادة (الرأس والرقبة والقدمين إلى نصف الساق واليدين إلى نصف العضد ) ولا يزاد على ذلك شيء.

-والمحارم هم: ( الآباء والأجداد والأبناء وأبناء الأبناء والإخوة والأعمام والأخوال وأبناء الإخوة وأبناء الأخوات وآباء الأزواج وأبناء الأزواج). ولا يدخل فيهم أخ الزوج ، وزوج الأخ والأخت ، كما يتساهل فيه كثير من الناس جهلا منهم بشريعة الله تعالى.

-حجاب المرأة أمام المرأة المسلمة كحجابها أمام محارمها، لقوله تعالى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ) (النور:31) فعطف النساء المؤمنات على المحارم والله أعلم .

2-أن لا تكون فيه زينة تجلب النظر 

   والدليل عليه الآية السابقة الذكر ، فإن المرأة أمرت بستر زينتها بحجاب يحجبها عن الأجانب ، فلا يعقل أن يكون هذا الحجاب في نفسه زينة تجلب الأنظار وتمنع من غض البصر، ومنه يمنع لبس الحجاب المزركش بالألوان المختلفة أو النقوش الذهبية والفضية أو الأزرار الملونة فإنه من تبرج أهل الجاهلية، وكذلك اتخاذ الخمارات ذات ألوان جذابة لافتة للنظر كالوردي والأصفر ونحو ذلك.

3-أن يكون كله ثخينا لا يصف ما تحته 

   قال ابن عبد البر في شرح قوله صلى الله عليه وسلم ( كاسيات عاريات مميلات مائلات ) :« أراد النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر ، فهن كاسيات بالاسم عاريات بالحقيقة »، ودخلت حفصة بنت عبد الرحمن بن  أبي بكر يوما على عائشة وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها ، فشقته عائشة عليها! وقالت: أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟ ثم دعت بخمار فكستها رواه ابن سعد، وقالت عائشة رضي الله عنها :» إنما الخمار ما وارى البشرة والشعر « ذكره البيهقي.

   ومنه فإنه يجب أن يكون القماش الذي يخاط منه ثخينا صفيقا غير رقيق، فإن الرقيق إن لم يكن شفافا كان واصفا لما تحته ، وأعطى عمر رضي الله عنه الناس يوما ثيابا رقيقة وقال لهم لا تدَّرعها نساؤكم ، فقال رجل إني ألبستها امرأتي فأقبلت في البيت وأدبرت فلم أره يشف، فقال عمر :» إن لم يشف فإنه يصف «.

    ومنه يمنع كل حجاب أو جلباب مصنوع من قماش خفيف يجسم أعضاء المرأة بفعل الريح أو  غيره. وكل خمار شفاف يظهر منه الشعر أو بعضه. وليس كل ما عرضه التجار الذين لا يهمهم إلا الربح العاجل على أنه حجاب يكون كذلك، ولكن العبرة بالشروط التي دل عليه القرآن والسنة الصحيحة.

4-أن يكون فضفاضا غير ضيق

   إن المقصود بالحجاب هو ستر العورة ورفع أسباب الفتنة ولا يحصل ذلك إلا باللباس الفضفاض الواسع ،  فإن الضيق وإن ستر لون البشرة فهو يحجم البدن ويصف تقاسيمه، وهذا قد يكون أعظم فتنة من كشف بعض الجسم كبعض الشعر والقدم ونحو ذلك، ولا شك في دخول من ابتليت بمثل هذا في قول النبي صلى الله عليه وسلم » كاسيات عاريات «، وعن أسامة بن زيد أن النبي e أعطاه كسوة قبطية كثيفة فقال له: ما لك لم  تلبس القبطية؟ قلت كسوتها امرأتي ، فقال:» مرها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها « (رواه أحمد وحسنه الألباني).

    ومن هنا نعلم أن ثمة ألبسة كثيرة تحسبها كثير من أخواتنا حجابا تمتثل به أمر ربها ، وهي ليست كذلك، كمن ترتدي قميصا مفصلا على حسب أعضائها فيصف مفاتنها، ومن تلبس بنطالا ومعطفا وتغطي رأسها، ومن تلبس فوق حجابها مئزرا أو معطفا يحجم أعضاءها، والأمثلة كثيرة في هذا الباب.

5-أن لا يشبه لباس الرجال

    وتشبه المرأة بالرجل في هيئته ولباسه من كبائر الذنوب الظاهرة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:« لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل» (رواه أبو داود وصححه الألباني)، والمقصود هنا اللباس المعروف عند الناس أنه للرجال ولا يصلح إلا للرجال، وأما كثرة عصيان النساء فإنه لا يغير من الحقائق شيئا، فلا يجوز للمرأة مثلا أن تضع عمامة، ولا أن تلبس برنوسا ولا غير ذلك مما هو من خصائص الرجال – أن كان ساترا – أما غير الساتر فلا حديث عنه هنا.

6-أن لا يكون لباس شهرة

عن ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم:« من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه النار » (رواه أبو داود وابن ماجة واللفظ له وحسنه الألباني).

   ولباس الشهرة هو كل ثوب يقصد به الاشتهار بين الناس بالتميز عنهم، سواء كان الثوب نفيسا مما يتفاخر به أهل الدنيا، أو كان خسيسا مما يظهر به الزهد. وهذا أمر يختلف باختلاف واقع الناس لأن التميز أمر نسبي. ومنه ففي المجتمع الذي تعتاد النساء لباس الجلباب ذي الألوان الداكنة، فإنه من الشهرة أن تلبس المرأة جلبابا أبيضا مثلا.

7-أن لا يكون من لباس الكافرات 

    وكل لباس توفرت فيه الشروط السابقة، ولكنه من لباس الكافرات الخاص بهن فإنه لا ينبغي للمرأة المسلمة أن ترتديه، ولو كان ذلك مع المحارم أو النساء، لأن من مقاصد الشريعة مخالفة الكفار فيما هو من خصائصهم من لباس وغيره، فإن كان ذلك اللباس دالا على عقيدتهم ودينهم فلا شك أنه محرم، وإن لم يكن دالا عليها كان مكروها وهو أقل أحواله. ويدخل في هذا الباب إظهار الخمار الأبيض تحت الجلباب الأسود الذي يمنع لأنه من التشبه بالراهبات ولأنه من مظاهر الزينة اللافتة للنظر.

احذري الحجاب المتبرج

   أيتها الأخت المسلمة التي رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا متبعا ومطاعا ، وأيقنت بأن الموت حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن هذه الدنيا دار فناء وأن الآخرة هي دار البقاء، وآمنت بأن الله هو الحق، وأنه هو يحي الموتى وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، يوم فيه العرض والحساب، إننا نحذرك من مخالفة أمر ربك ومن كيد الشيطان عدوك وعدو الإنسان، الذي لا يزال هو وأعوانه يصدون الناس عن دين الله تعالى، ويزينون لهم المعاصي ويدعونهم إلى الانحراف عن منهج رب العلمين. وإنه بفعل هذا العدو المبين ظهر التبرج في المسلمات، وانتشر فيهن التخلي عن لباس الحشمة والوقار، ومن لم تستجب إلى دعوة التبرج المكشوفة ولم تتجرأ على نزع حجابها، فقد عرض عليها الشيطان وأعوانه ألبسة جديدة يستدرجهم بها إلى اللباس الخليع والفاتن، والناس كثير منهم يسميه حجابا وهو عند الله تعالى ليس بحجاب، إنه الحجاب المتطور (moderne) المواكب للموضة العصرية. فالحذر الحذر، قال تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ) (الأعراف:27)، ولا تغتروا بالشبهات والتزينات فإن الشيطان أعلن حربه، وأقسم برب العالمين، وقال كما أخبرنا الله سبحانه: (رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (الحجر:39).

تم قراءة المقال 4659 مرة