طباعة
الاثنين 11 ذو القعدة 1431

59-أحكام صلاة المريض وطهارته

كتبه 
قيم الموضوع
(7 أصوات)

   الحمد للّه والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد، فهذه رسالة مختصرة فيما يحتاج إليه المريض من أحكام الطهارة والصلاة على وجه الخصوص، فيه توضيح لبعض المسائل والرخص التي يحتاج إليها، ومن المرضى من يجهلها فيوقع نفسه في الحرج والعنت والله تعالى يقول : (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج : 78) ويقول : (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة : 185) وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ" (رواه البخاري)، وقال صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ" (رواه أحمد وصححه الألباني) ومنهم من يترك الصلاة ويظن أنه له عذرا في ذلك، ومنهم من يتساهل في ترك أمور متعلقة بالطهارة وأركان الصلاة وهو يقدر عليها فيعرض صلاته للبطلان .

 

59-أحكام صلاة المريض وطهارته

 

 

طهارة المريض

أولا : الطهارة من النجاسة

1-يجب على المصلي أن يطهر بدنه من النجاسات، فإن كان لا يستطيع ذلك صلى على حاله، وصلاته صحيحة، ولا يجوز له ترك الصلاة بحجة أن ملابسة غير نظيفة أو فيها نجاسة.

2-والاستنجاء عقب قضاء الحاجة واجب والأفضل فيه الجمع بين المسح (بالحجارة أو المناديل) والغسل بالماء، ومن لم يقدر على استعمال الماء كفاه المسح.

3-وكذلك يجب عليه أن يحرص على طهارة ثوبه الذي يصلي فيه والمكان الذي يصلي فيه، فإن عجز عن تغيير ثوبه النجس أو تغيير فراشه أو التحول عنه صلى على حاله وصلاته صحيحة.

4-والمريض المصاب بسلس البول عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، ويصلي النوافل، وله أن يمس المصحف حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى.

5-ومن كان في جسده أنبوب لإخراج البول فله أن يصلي على حاله لأنه في حكم صاحب السلس.

6-ويجعل صاحب السلس للصلاة ثوبَاَ طاهراً إن لم يشق عليه ذلك؛ وإلا عُفي عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ" (متفق عليه) ويحتاط لنفسه احتياطاً يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته.

7-ومن جعلت له الحفاظات فإنه يصلي بعد تبديلها، ويجوز له الجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما، وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما، وإلا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

ثانيا : طهارة الحدث

1- يجب على المصلي أن يتطهر بالماء فيتوضأ من الحدث الأصغر ويغتسل من الحدث الأكبر.

2-فإن كان لا يستطيع التطهر بالماء لعجزه عن الحركة ولم يجد من يعينه، أو لخوفه من زيادة مرضه أو تأخر برئه إذا استعمل الماء، فإنه يتيمم لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) (المائدة: 6).

3-وليست الحمى من أسباب ترك الوضوء والغسل إلى التيمم لأن الماء لا يزيدها ولا يؤخر برأها بل يبردها وهو دواؤها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ" (متفق عليه).

4-والتيمم أن يضرب الصعيد الطيب ( أرضا كان أو جدارا أو حجرا أو رملا) بيديه ضربة واحدة فيمسح بهما وجهه ثم يمسح كفيه بعضهما ببعض. لقوله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر :" إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ (ضربة واحدة) وَنَفَخَ فِيهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ" (متفق عليه)

5-فإن لم يستطع أن يتيمم بنفسه يممه شخص آخر فيضرب الشخص الصعيد بيديه ويمسح بهما وجه المريض وكفيه.

6- إذا تيمم لصلاة وبقى على طهارته إلى وقت الصلاة الأخرى فإنه يصليها بالتيمم الأول ولا يعيد التيمم لأنه لم يزل على طهارته ولم يوجد ما يبطلها.

7-ويبطل التيمم بكل ما يبطل الوضوء، وبالقدرة على استعمال الماء، أو وجوده إن كان معدوماً. قَالَ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ"(رواه أبو داود والترمذي وصححه).

8-ومن عجز عن غسل الجنابة وكان قادرا على الوضوء ، فإنه يتيمم للجنابة، ثم يتوضأ كلما أحدث حدثا أصغر.

9-إذا كان المريض في محل لم يجد ماء ولا ترابا ولا من يحضر له الموجود منهما، فإنه يصلي على حاله، وليس له تأجيل الصلاة، لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن:16).

10-ومن كان عليه جبيرة ونحوها يتيمم أيضا وكفاه ذلك، ولا يجب عليه غسل الأعضاء السليمة ولا المسح على الجبيرة.

11-ومن لم يقدر على الوضوء والتيمم لعجزه أو لعدم وجود الماء وما يتيمم عليه وضاق عليه الوقت صلى على حاله وجوبا ولا يجوز له تأخير الصلاة عن وقتها إلا أن ينوي الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء.

 

أحكام صلاة المريض

أولا : صفة صلاة المريض

1-على المصلي أن يأتي بجميع الأركان من قيام وركوع وسجود، فإن لم يستطع أن يصلي قائما فله أن يصلي جالساً ، ولا يشترط لإباحة القعود في الصلاة تعذر القيام، بل المعتبر المشقة الظاهرة أو خوف زيادة المرض أو بطئه أو خوف دوران الرأس ونحوه.

2-فإن عجز عن الصلاة جالساً ، فإنه يصلي على جنبه مستقبل القبلة بوجهه ، والمستحب أن يكون على جنبه الأيمن ، لقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين:"صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ" (رواه البخاري).

3- فإن كان لا يستطيع الصلاة على جنبه صلى مستلقيا على ظهره ورجلاه إلى القبلة، والأفضل أن يرفع رأسه قليلاً ليتجه إلى القبلة فإن لم يستطع أن تكون رجلاه إلى القبلة صلى حيث كان ولا إعادة عليه.

4- فإن صلى جالساً فله أن يجلس متربعاً أو مفترشا أو على كرسي حسب ما تيسر له ، سواء في موضع القيام أو الركوع أو السجود (مع التنبه أن السجود على الأرض لا يسقط على من قدر عليه).

5-ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام، بل يصلي قائماً فيومئ بالركوع ثم يجلس ويومئ بالسجود، ولا يرفع إلى وجهه شيئا ليسجد عليه، لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن:16).

6-ومن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما ويجعل السجود أخفض من الركوع، وإن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ بالسجود.

7-فإن لم يقدر على الحركة أومأ برأسه للركوع والسجود، فإن كان لا يستطيع الإيماء برأسه في الركوع والسجود أشار بعينه فيغمض قليلاً للركوع ويغمض أكثر للسجود.

8-ومن لم يقدر على الإيماء برأسه ولا الإشارة بالعين كفاه النية والقول، فينوي الركوع والسجود والقيام والقعود بقلبه ولكل امرئ ما نوى.

9-ومن عجز عن القول أيضا اكتفى بالنية ولا تسقط عنه الصلاة مادام عقله ثابتاً بأي حال من الأحوال.

10-ومن أسباب العجز عن السجود أن يكون له مرض في رأسه أو عينه أو فمه أو أنفه بحيث يزداد ألمه إذا سجد.

11-وإذا طرأ العجز على المريض أثناء صلاته انتقل إلى الرخصة ، ومتى قدر في أثناء الصلاة على ما كان عاجزاً عنه من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود أو إيماء انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته.

12-ولا حرج في الأنين أثناء الصلاة، إذ ليس هو من الكلام الذي يبطلها.

15-إذا تنخم في صلاته فلا يبصق في اتجاه القبلة، قال صلى الله عليه وسلم:"إِذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَخَّمْ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى" (متفق عليه).

ثانيا : أحكام متعلقة بوقت الصلاة

1-لا يجوز ترك الصلاة بأي حال من الأحوال لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء:103)  بل يجب على المكلف أن يحرص على الصلاة أيام مرضه أكثر من حرصه عليها أيام صحته، فلا يجوز له ترك المفروضة حتى يفوت وقتها، بل عليه أن يؤديها في وقتها حسب استطاعته، فإذا أخرجها عن وقتها عامداً وهو يقوى على أدائها ولو إيماءً فهو آثم ولو كان ينوى قضاءها.

2-وإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جمع تقديم أو جمع تأخير حسبما تيسر له، إن شاء قدَّم العصر مع الظهر وإن شاء أخّر الظهر مع العصر، وإن شاء قدَّم العشاء مع المغرب، وإن شاء أخّر المغرب مع العشاء، لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ، قيل لِابْنِ عَبَّاسٍ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ (رواه مسلم). أما الفجر فلا تجمع لما قبلها ولا لما بعدها ؛ لأن وقتها منفصل عما قبلها وعما بعدها.

3-وإذا نام المريض أو غيره عن صلاة أو نسيها وجب عليه أن يصليها حال استيقاظه من النوم أو حال ذكره لها، ولا يجوز له تركها إلى دخول وَقْت مثْلها ليصليها فيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرَى" (رواه مسلم).

4-ومن فقد عقله بدواء مخدر أو أغمي عليه لعلة فقد ارتفع عنه التكليف، فلا يجب عليه قضاء الصلاة التي فاتته بعد استيقاظه، وقد رواه مالك عن ابن عمر:" أنه أغمي عليه ثم أفاق فلم يقض الصلاة".

5-فإن زال إغماؤه قبل المغرب صلى الظهر والعصر وإن زال قبل الفجر صلى المغرب والعشاء.

شفى الله جميع المسلمين، وعظم أجورهم، وكفر عن ذنوبهم، ورزقنا وإياهم العافية، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


تم قراءة المقال 6964 مرة