قيم الموضوع
(0 أصوات)

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فإن صيام رمضان ركن من أركان الإسلام العملية التي ينبغي على المسلم أن يحرص على إتقانها وإحسانها ، حتى يجد ثوابه كاملا عند الله عز وجل ، وإن من دواعي هذا الإحسان أن يتفقه المسلم في أحكام هذه العبادة ، وفي هذه الأسطر القليلة تلخيص لأهم المسائل التي تعم الحاجة إلى معرفتها مما يتعلق بهذه العبادة، نسأل الله تعالى أن ينفع بها .

 

64-من أحكام الصيام

 

أولا : مسائل الإمساك ووقته ونيته

1-وقت وجوب الإمساك

   الذي دل عليه صريح الكتاب والسنة الصحيحة أن أول وقت الإمساك هو الفجر الصادق الذي يحل صلاة الصبح ، كما قال تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) [البقرة/187] وعن عائشة: أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ" (رواه البخاري).

  وهذا أمر قطعي فلا يجوز لأحد أن يخالفه لآراء شاذة مأثورة عن بعض التابعين، قال النووي: «ذكرنا أن من طلع الفجر وفي فيه طعام فليلفضه ويتم صومه فإن ابتلعه بعد علمه بالفجر بطل صومه وهذا لا خلاف فيه».

   وإذا كان ذلك هو الوقت الذي حدده الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم للإمساك لم يجز لأحد أن يحدد وقتا غيره ولا أن يحرم على الناس الأكل والشرب قبل أذان الفجر الثاني.

2-حكم من شك في وقت الفجر

   ومن شك في طلوع الفجر فإنه لا يحرم عليه الأكل فإن أكل فلا شيء عليه، لأن الأصل بقاء الليل والله تعالى مد غاية الأكل إلى تبين الفجر فقال تعالى  : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) [البقرة/187]، وأما من شك في الغروب فلا يجوز له الأكل فإن أكل فصومه باطل كمن تعمد لأن الأصل بقاء النهار.

3-تأخير السحور وتعجيل الفطر

   ومن المستحب تأخير السحور إلى قبيل الفجر، لما قيل لعائشة رضي الله عنها إن عبد الله يعجل الفطر ويؤخر السحور قالت : «هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل» رواه مسلم (وليس معنى ذلك تأخيره إلى الأذان) ويستحب أيضا تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب لقول النبي صلى الله عليه وسلم:« لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر». متفق عليه.

4-حكم من أخطأ في وقت الفجر أو الغروب

   أما من أخطأ في وقت طلوع الفجر أو وقت غروب الشمس فأكل أو شرب فلا شيء عليه لحديث أسماء قالت : «أفطرنا على عهد رسول الله r في يوم غيم ثم طلعت الشمس» (رواه البخاري) ولم ينقل أن النبي e أمرهم بالقضاء. وقد قال تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) [الأحزاب/5].

5-اشتراط النية في الصوم

   لا يصح الصوم إلا بنية تصحب الإمساك، لعموم حديث : «إنما الأعمال بالنيات». ولا تشترط النية لكل يوم من رمضان بل تكفي نية واحدة في أول رمضان ما لم يقطعها بفطر لسفر أو مرض ، فإن قطعها وجب تجديدها.

  ولا بد من إحداثها قبل الفجر أي قبل الشروع في العبادة ومثلها مثل الصلاة وكل عبادة تفتقر إلى النية ، وقد قالت عائشة وحفصة رضي الله عنهما:« لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل» ولا يعلم لهما مخالف من الصحابة.

6-من بلغه خبر الهلال في نهار رمضان

   أما من تأخر علمه بهلال رمضان إلى النهار؛ فالصحيح أنه يمسك ذلك اليوم وجوبا، ولا يقضيه وهو قول عمر بن عبد العزيز واختيار ابن حزم وابن تيمية، ويدل على ذلك حديث فرْض صيام عاشوراء في منتصف النهار، حيث أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الإمساك على من أصبح مفطرا، ولم يُذكر أنه أمرهم بالقضاء (وقال مالك والشافعي وأحمد إنه يمسك ويقضى يوما آخر).

ثانيا : مبطلات الصوم

أولا : الأكل والشرب

    يفطر الصائم بالأكل والشرب عمدا وهو أمر متفق عليه، ويعتبر أكلا أو شربا كل ما دخل إلى البطن من المنفذ المعتاد وهو الفم وكذلك الأنف، لقوله صلى الله عليه وسلم :« بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما» (رواه أبو داود) ويتعلق بهذا فروع:

1-كل ما يطلق عليه اسم الأكل والشرب فهو مفطر؛ وإن لم يكن مغذيا في العادة كأنواع الأدوية المجففة والبخاخات المحتوية على السوائل وبخاخات أمراض الصدر المحتوية على الأبخرة وكذا السجائر ونحوها.

2-ومما يلحق بالأكل والشرب في المعنى : الحقن المغذية والمصل (Sérum)الذي يجعل الإنسان يستغني عن الطعام.

3-كل ما دخل من الأنف من دواء أو غيره يفطر إذا وصل إلى الحلق، لحديث:« بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما».

4-ما دخل إلى الفم ولم يصل إلى الحلق فليس بمفطر كمن يتمضمض، ولذلك جاز ذوق الطعام باللسان دون ابتلاع.

5-ومن المفطرات تعمد القيء لعذر أو لغير عذر لأنه عادة ما يرجع بعضه إلى الجوف بعد وصوله إلى الحلق ، وقد جاء في الحديث :« من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عامدا فليقض» أخرجه أهل السنن.

6-ومن المفطرات ابتلاع النخامة التي تخرج من الرأس أو الصدر، ومثل ذلك تعمد ابتلاع الدماء بعد وصولها إلى الفم.

ثانيا: الجماع وما يلحق به

   قال ابن قدامة :« لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن من جامع في الفرج فأنزل أو لم ينزل أو دون الفرج فأنزل أنه يفسد صومه إذا كان عامدا» ومن أدلة هذا الإجماع ومما يبين حكمته ما جاء في الحديث القدسي أن الصائم:« يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي». ويتفرع عن هذا : أن من قبَّل أو باشر حتى أنزل أفسد صومه، وأن من استمنى حتى خرج المني فقد أفسد صومه وكذا من كرر النظر حتى أمنى.

ثالثا : الحيض والنفاس

وإذا حاضت المرأة في نهار رمضان -ولو قبل المغرب بلحظة- فسد صومها ووجب عليها قضاء ذلك اليوم اتفاقا، ولا يجب عليها إمساك بقية اليوم .

ثالثا : ما لا يبطل الصوم

1-ما يدخل من الأذن والعين إلى الجوف فليس بِمفطر، لأن هذا ليس أكلا و لا شربا ولا مدخلا معتادا للأكل والشرب.

2-الحقنة الشرجية (وهي التحميلات) لا تفطر مطلقا .

3-وكذا الحقن العضلية وغيرها إذا لم تكن مغذية وكذلك معالجة الجروح مهما كان نوع الدواء المستعمل لا يفطِّر.

4-من أكل أو شرب ناسيا فصومه صحيح ولا قضاء عليه لقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا نسي أحدكم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه» متفق عليه. 

5-من أصبح جنبا في رمضان أي طلع عليه الفجر قبل أن يغتسل فصومه صحيح ولا شيء عليه ولكن يجب عليه الاغتسال للصلاة : لحديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما : أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان ليصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصومه (متفق عليه).

6-وإذا طهرت الحائض ليلا ولم تغتسل حتى طلع الفجر فإنها تصوم وصومها صحيح ولا قضاء عليها، لأنه حدث يوجب الغسل فتأخير الغسل منه إلى ما بعد الفجر لا يمنع من صحة الصوم كالجنابة.

رابعا : رخص الصوم

1-رخصة السفر

   يجوز للمسافر أن يفطر ثم يقضي لقوله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)  قال صلى الله عليه وسلم :« هي رخصة من الله فمن أخذها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه (متفق عليه واللفظ لمسلم). وأيسرهما هو الأفضل عن أبي سعيد الخدري قال كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم يرون أن من وجد قوة فصام بأن ذلك حسن ويرون أن من وجد ضعفا فأفطر فإن ذلك حسن» رواه مسلم.

2-رخصة المرض

1-أما المريض الذي لا يطيق الصوم فهذا يجب عليه الفطر لقوله تعالى : (ولا تقتلوا أنفسكم) وبعد شفائه يقضي.

2-وأما المريض الذي يشق عليه الصوم أو يزيد في مرضه أو يؤخر في برئه فهذا يباح له الفطر ويقضى بعد برئه.

3-وأما المريض الذي لا يتأثر بالصوم كوجع الإصبع والصداع ونحوهما فهذا لا يباح الفطر لأن هذه الرخصة معللة بعلة وهي أن يكون الفطر أرفق به وهذا مرضه لا يتأثر بالصيام.

3-رخصة الحمل والرضاع

   يرخص للحامل والمرضع الفطر إذا خافتا على نفسيهما أو على ولديهما ، قال ابن قدامة : إذا خافتا على أنفسهما فلهما الفطر وعليهما القضاء فحسب لا نعلم فيه بين أهل العلم اختلافا »، وفي حالة الخوف على الولد فإنه عليهما القضاء فحسب، لأنهما بمنزلة المريض فيجب عليهما القضاء، (وهو قول أبي حنيفة وغيره) وقد صح عن ابن عباس أنه قال تقضيان ولا تطعمان.

4-الشيخ الكبير والمريض مرضا مزمنا

   لا يجب الصوم على الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم بالإجماع ويجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكين، أفتى بذلك علي وابن عباس وأبو هريرة وأنس وغيرهم من الصحابة

   وإن أخرج عن كل يوم نصف صاع من طعام أجزأه ذلك (في الدقيق يعادل 1 كغ)، وإن أطعمهم حتى أشبعهم أجزأه أيضا، ولا يشترط تعدد المساكين بل يجوز أن يطعم المسكين الواحد عدة مرات.

   ومثله في الحكم المريض مرضا مزمنا لا يرجى برؤه ، يفطر ويطعم، ويجوز أن يكون هذا الإطعام  في أول رمضان أو في آخره من غير تحديد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تم قراءة المقال 62097 مرة