الجمعة 6 ربيع الأول 1431

أضواء على حياة الشيخ عبد القادر الراشدي رحمه الله

كتبه 
قيم الموضوع
(2 أصوات)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين والعاقبة للمتقين، أما بعد: فهذه أضواء أردت نشرها على الجوانب التي أمكنني الوقوف عليها من ترجمة الشيخ عبد القادر بن محمد الراشدي السلفي، دفعني إلى تسطيرها كلمة الشيخ المبارك الميلي التي حكى فيها سبب انتشار الأشعرية في المغرب واندثار السلفية فيها، وقد سبق نشرها مع كتاب "عقيدة ابن باديس السلفية وبيان موقفه من الأشعرية " وقد نشرتها في موقع ملتقى أهل الحديث وأعيد نشرها في هذا الموقع المبارك إن شاء الله تعالى، ومن أعظم غايات نشر مثل هذه التراجم أن يبين تواصل حلقات المجددين عبر الأزمان في مختلف البلدان، وتصديق قول النبي e :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق " ، وأن يبين لأهل التقليد والابتداع والجمود أن أهل الإصلاح السلفيين لم يأتوا بدين جديد ولا فكر محدث.

 

أضواء على حياة الشيخ عبد القادر الراشدي رحمه الله

 

الفرع الأول : اسم الراشدي ونسبته

هو عبد القادر بن محمدبن أحمد بن المبارك الحسني الراشدي الأثري الراشدي القسنطيني [1]، وفي تاريخ الأدب العربي أنه عبد القادر بن محمد بن أحمد بن مبارك [2]، والراشدي نسبة إلى الرواشد إحدى مداشر فرجيوة التي تقع شمال غرب قسنطينة، وهي تابعة لولاية ميلة في التقسيم الإداري الحالي للجزائر [3].

الظاهر أنه ولد ما بين عام 1112 و 1111 هـ، وقد ظهر لي أن الحفناوي[4] قد ذهل فذكر هذا التاريخ على أنه سنة وفاته، فقد قال : « توفي أوائل العشرة الثانية من القرن الثاني عشر»[5]. والظاهر أنه انقلب عليه الأمر وسيأتي بيان دلائل ذلك عند الحديث عن وفاته.

الفرع الثاني : أعمال الراشدي ووظائفه

تولى الراشدي رحمه الله تعالى قضاء قسنطينة وفتواها مرارا كما في تعريف الخلف [6]، كما كان يدرس بجامع سيدي الكتاني ومدرسته التفسيرَوغيره من علوم الشريعة، يقول الدكتور أبو القاسم سعد الله :« ومن الذين تناولوا التفسير تدريسا أيضا عبد القادر الراشدي القسنطيني ، ورغم شهرة الراشدي في وقته فإن حياته ما تزال غامضة لدينا، سوى نبذة متفرقة هنا وهناك ، والذي يهمنا هنا ليس حياته وإنما مساهمته في تفسير القرآن الكريم ...

والمعروف أن الراشدي كان قد تولى التدريس بجامع سيدي الكتاني ومدرسته وكلاهما من آثار صالح باي»[7].

الفرع الثالث : عقيدة الراشدي

إن أبرز شيء عرف به الراشدي رحمه الله هو المحنة التي كان سببها تصريحه بعقيدة الإثبات في باب الصفات، ورده على أهل التأويل الذين عدوا الصفات من المتشابه الذي ينبغي أن يحمل على غير ظاهره ، وقد تكلم عن ذلك في كتاب سماه «متسعة الميدان » وكما له في هذا الموضوع قصيدة قال في مطلعها[8]:

خبرا عني المـؤول أنـي       كافر بمـا قضتـه العقـول

ما قضته العقول ليس من الديـــن بل الدين ما حوته النقول

فتقولان إن ذا  أكثـر النــــاس عليه وإنـهم لعـدول

شرعوا لهـم من الدين ما لم       يـأذن الله أو يقله رسـول

فاحذرْهمُ من تلاهمْ إذا قيــــل اتبعوا منْزِل الكتاب يقول

بل هنا نتْبع الآبـاء والأشيـــاخ كما قال كافر و ضلـول

ليس قولهم:(أئمـة ديـن)       نافعا ,كلهم بكفر يصـول

قـال ربي في أئمـة كفـر       قاتلوهـم لينتهوا أو يـؤولوا

وقد شهد له الشيخ المبارك الميلي بناء على هذه الأبيات ومحنته الشهيرة بالمعتقد السلفي فقال :« وكان أهل المغرب سلفيين حتى رحل ابن تومرت إلى الشرق وعزم على إحداث انقلاب بالمغرب سياسي علمي ديني ، فأخذ بطريقة الأشعري ونصرها وسمى المرابطين السلفيين مجسمين ، تم انقلابه على يد عبد المؤمن فتم انتصار الأشاعرة بالمغرب ، واحتجبت السلفية بسقوط دولة صنهاجة ، فلم ينصرها بعدهم إلا أفراد قليلون من أهل العلم في أزمنة مختلفة ، ولشيخ قسنطينة في القرن الثاني عشر عبد القادر الراشدي أبيات في الانتصار للسلفيين طالعها:

خبرا عني المؤول أني     كافر بالذي قضته العقول »[9].

الفرع الرابع : محنة الراشدي

أما المحنة التي وقعت له مع أهل قسنطينة بسبب العقيدة التي أظهر فننقلها على لسان الحسين الورثيلاني[10] الذي عاصر تلك الأحداث، كما كان فيما حكاه معتدلا منصفا، فقال في رحلته :« وقد وقعت بينه وبين طلبة قسنطينة مخاصمة عظيمة ومنازعة كبيرة في مسألة حتى رموه بالتجسيم، بل بعضهم كفره ومن الإسلام أخرجه ، وذلك خطر كبير في الدين ، قال الشيخ زروق [11]: إدخال ألف كافر بشبهة إسلامية، أهون عند الله من إخراج مسلم واحد بشبهة كفرية ، وذلك من تلامذته ومحبيه، وهذه المسألة قوله تعالى :] لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ[ (ص75) فقال هو في اليد : إنها حقيقة ومع ذلك إنها ليست جارحة ولا جسما، بل يستحيل ذلك، لأنه يؤدي إلى الحدوث والإمكان ، وقدح في التأويل لها بالقدرة أو صفة زائدة يخلق بها الأشراف من الخلق لأن التأويل محوج إلى الدليل، والخروج من الحقيقة إلى نوع من المجاز، فلم يكترث بالتأويل إذ البقاء مع الحقيقة هو الأصل ، لأن التأويل وإن كان صحيحا ففيه ابتغاء الفتنة«، وبعد أن نقل مذهبه بأمانة بين أنه لم يقل شيئا خرج به عن قول أهل السنة ولا أتي بما ينكر وكشف حقيقة الحال كما كان يراها فقال : »وإنما هو تحامل عليه سببه الحسد والبغض والتنافس ، وإنما رموه بذلك لما علموا منه أنه طويل اللسان عليهم بالعلم، بل نسبوه إلى كثرة الرشوة وغير ذلك مما لا يناسبه ، بل سمعت من بعضهم أنه قال : صرح بالتجسيم غير ما مرة ، فقلت حين اجتماعي بهم: مجرد هذا الإطلاق لا يلزم عليه شيء إذ عليه أكثر الأمة ، ومنهم من أولها بالقدرة ومنهم من توقف[12]، فلما أراني الرسالة الموضوعة لهذا الكلام رأيتها منقحة سالمة من سوء الاعتقاد خصوصا التجسيم وغايتها أنه يبطل أدلة المؤول ويصحح القول باليد حقيقة، غير أنها لا يعلمها إلا الله لكن هذا كله بعد نفي التجسيم ، وما يشعر بالإمكان والحدوث ، وقد بالغوا في تضليله إلى أن أرادوا الفتك به عند السلطان فسلم والحمد لله ونجا من شرهم ، غير أنهم أخرجوه عن الموضع المعد له من القضاء وصيروه لأنفسهم بالتعلق مما كان متمكنا من السلطان »[13].

وقال الزبيدي :" وكان ممن يميل إلى طريقة السلف، ويحطّ على من يشتغل بطريقةالخلف، وجرى له في ذلك أمور مع أهل قطره، وتكلموا فيه ، وهو مصمم مع ذلك على ما هوبصدده، ولا يبالي من اجتماعهم، وعُقد بسبب ذلك مجالس في قسنطينة عند أميرهاليباحثوه، وهو يغلب عليهم بقوة علمه، ومتانة أصله المتمسك به، فالخواص كانوا يحبونه، وأما العوام فكانوا يتكلمون فيه ويرمونه بالعظائم"[14].

الفرع الخامس : مذهب الراشدي في الفقه

قد سبق أن ذكرنا أن الدكتور أبو القاسم سعد الله يرى أنه كان مفتيا على مذهب أبي حنيفة وأنه قد ألف فيه، وأن الصحيح أنه كان مالكيا مائلا إلى الاجتهاد، وهو ما يراه الدكتور عبد الله حمادي محقق كتاب تحفة الإخوان إذ قال: « ومما يدل على أن الراشدي كان مالكيا هو استشهاداته الكثيرة في رسالته تحفة الإخوان بآراء أصحاب مذهبه ، فنجده مثلا وهو بصدد شرح الحجج العقلية التي تحرم تعاطي مثل هذه الحشيشة الممقوتة يقول: «..وصح أن شم الدخان مفسد عندنا بالوصول إلى الحلق، وعند الحنفية لابد من وصوله إلى الجوف » [15]. وقد ذكر الحفناوي أنه صنف كتابا في الاجتهاد « يدل على تبحره في علمي الكلام والأصول ادعى فيه الاجتهاد» وقد يكون في هذا مخرجا من اختلاف الدلائل في تحديد مذهبه والله أعلم.

الفرع السادس : موقف الراشدي من التصوف

يقول عبد الله حمادي :« ولم تقتصر اجتهادات الراشدي على مثل هذه المسائل الكلامية التي نشطت في زمانه …بل تجاوز الراشدي في اجتهاداته أبعادا أخرى ممثلة في تصديه للتيار الصوفي المتطرف والمشرب بالشعبذة والطرقية المتزمتة[16]…فيظهر الراشدي وراء عناوين مؤلفاته التي يحز في أنفسنا كثيرا أنها مفقودة إلى هذه الساعة التوجه المقصود للرد والتصدي لأنصار البدع والأهواء ذلك في مثل قصيدته التي يقال عنها أنها فائضة في غاية البلاغة في مدح النبي صلى لله عليه وسلم ، أو فتاويه واجتهاداته الجارحة أو رسالته المشهورة والمعروفة بتحفة الإخوان في تحريم الدخان »[17].

الفرع السابع : شيوخ الراشدي وتلاميذه

لم تكشف لنا الأضواء التي سلطت على ترجمته عن الأمور التفصيلية لنشأته العلمية ولا لحياته التعليمية لنتمكن من الحديث عن شيوخه وتلاميذه بإسهاب، إذ كل ما أمكن الوقوف عليه من نشأة الراشدي العلمية أنه قرأ علىوالده، وعلى يديهتخرّج،ثم ورد إلى تونس ، ومكث بهامدة،وأخذ عن علمائها[18]، ومن الشيوخ الذين درس عليهم شيخان ذكرهما مخلوف في شجرة النور[19].

أحدهما : أبو العباس أحمد المكودي نزيل تونس، أصله من فاس من بيت المكودي الشهير بالعلم والفضل ، أخذ العلم عن أحمد بن المبارك وأبي الحسن الحريشي ونزل تونس فأخذ عن علمائها عرف بالفقه والحديث، وتصدر للتدريس هناك وقلد الفتيا في عهد علي باشا وتوفي (1170هـ) [20] ،

والثاني أبو العباس أحمد زروق، ابن الشيخ طراد نزيل القيروان كان من العلماء الأفاضل أخذ عن الشيخ زيتونة والشيخ الخضراوي والشيخ علي السويسي والشيخ محمد سعادة، مولده 1107 ولم يوقف له على سنة الوفاة [21].

وأما التلاميذ الذين ثبت أخذهم عنه فهم ثلاثة :

الأول : القاضي أبو عبد الله محمد بن المسبح القسنطيني، أخذ عن الراشدي وأبي الحسن لونيسي والإمام الحفصي كان مالكيا ثم تحول حنفيا وولي قضاء قسنطينة مرارا كما كان خطيب جامع سوق الغزال حيث كان يصلى الأمير عثمان باشا ، قال حمدان لونسي :» كان رحمه الله أديبا بليغا عارفا بالعربية واللغة والحديث مطلعا على علله مشاركا في فنون العلم « توفي رحمه الله عام 1242هـ[22].

والثاني : أبو عبد الله محمد بن على الطلحي القسنطيني اللغوي النحوي الفقيه الأصولي ، تولى الإمامة بمسجد سيدي مسلم الحراري قال الحفناوي :» كان ولوعا بالتقرير على هوامش الكتب وتقاريره لا تخلو من فائدة ، توفي عام 1232هـ (1817م)  [23].

والثالث : أبو الفيض محمد بن محمد الزبيدي الملقب بالمرتضي، اللغوي المحدث النسابة ولد بالهند عام 1145هـ (1732) ونشأ بزبيد في اليمن وأقام بمصر له مؤلفات كثيرة أشهرها تاج العروس بشرح القاموس وإتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين توفي عام 1205هـ (1790) [24] أخذ عنه إجازة والظاهر أنها إجازة بالمراسلة [25].

الفرع الثامن : مؤلفات الراشدي

قد ذكر للشيخ الراشدي عدة مؤلفات تدل على مشاركته في الفنون وتوسعه فيها نذكرها فيما يأتي حسب مواضيعها :

أولا : العقيدة

1- متسعة الميدان في إثبات وجه الوزن وآلة الميزان ، تعرض فيه لمباحث اعتقادية وكلامية وناقش فيه على وجه الخصوص مذهب أهل التأويل في مبحث المتشابه ، وهو الكتاب الذي سبب له المحنة التي سبق الإشارة إليها وقد فرغ من تبييضه وقت زوال يوم الخامس عشر من محرم عام 1187هـ، وتوجد منه نسخة مخطوطة ضمن مجموع رسائل الراشدي يقع في 160 صفحة [26].

2- حاشية على المواقف العضدية، وقد قيل إنها حاشية محشوة بالتحقيق والإتقان[27].

3- مفاد التحصيل لإعداد السبيل ، وهو منظوم مع شرحه وضعه ردا على مخالفيه في قضية التأويل ، وقد نقلت في الكلام عن عقيدته ما وقفت عليه منها [28].

4- رسالة في التوحيد [29].

5- رسالة في التعليق على سعد الدين التفتازاني في شرح مقاصده في أفعال العباد[30].

6- كتاب سماه : تجديد الإيمان في أواخر الزمان [31].

ثانيا : الفقه وأصوله

1- كتاب في مباحث الاجتهاد بسط فيه مسائل أصولية وكلامية ، ونقل عنه أنه ادعى فيه الاجتهاد مع أنه ذكر في الكتاب الآتي بعده أنه ألفه في شبيبته [32].

2- تحفة الإخوان في تحريم الدخان ، منه مخطوط يقع في 53 صفحة وصدر عن دار الغرب سنة 1997م بتحقيق وتقديم الدكتور عبد الله حمادي ، وقد جاء في تعريف الخلف للحفناوي :« وله رسالة في تحريم الدخان شحنها أولا ببيان شاف في حال الدخان ، ثم جلب من الأدلة المقتضية لحرمته ما لا مزيد بعده »[33].

3- رسالة في حكم من جرى حلفه بحرام [34].

4- وقال الحفناوي في تعريف الخلف :« وله تعليقات جمة وفتاوى ومسائل ابتكارية جليلة وتفسير عدة آيات وقعت بمجالس صالح باي [35].

ثالثا : الأشعار والأخبار

1- عقد اللآلي المستضيئة لنفي ظلام التلبيس ، وهو لا يزال مخطوطا يقع في 55 صفحة ، قال عبد الله حمادي :« ولعل هذا الكتاب هو الذي أشار إليه الحفناوي في كتابه تعريف الخلف ووسمه بكتاب صغير الحجم تعرض فيه الراشدي لكثير من عائلات قسنطينة وقبائلها وعربها وبربرها . وتبعه في هذا التصور كل من عادل نويهض وابن المبارك والزركلي وكحالة وآخرهم أبو القاسم سعد الله ، وفعلا فإن في آخر ورقة من مخطوط هذا الكتاب.. وذكر وتوضيح لبعض أنساب عائلات قسنطينة الشهيرة »[36].

2- قصيدة طويلة تصف قدوم الإسبان إلى الجزائر وتشيد باستماتة القائد صالح باي في الدفاع عن العاصمة [37].

3- قصيدة في مدح النبي r [38].

4- قصيدة في مدح شيخه أبي العباس المكودي [39].

الفرع التاسع : وفاة الراشدي

الصحيح إن شاء الله تعالى أنه توفي سنة 1194 هـ كما نقله المرتضي الزبيدي في المعجم المختص حيث قال :": ولم يزل على حاله من نشر السنة وإلقاء الدروس وإفادة الطلبة حتى توفي فيأوائل ذي الحجة من شهور سنة 1194، رحمه الله رحمة واسعة [40] ومخلوف[41] في شجرة النور الزكية (وتبعه عادل نويهض)، وأما ما نقله الحفناوي (وتبعه الزركلي) من أنه توفي سنة 1112أو 1111 فخطأ ظاهر، ربما كان الصواب أنه تاريخ ميلاده ، ويدل على صحة الأول ما يأتي:

1-أنه قد نقله تلميذه بالإجازة الزبيدي وهو أقرب الناس إلى عصره .

2-أنه فرغ من تبييض كتابه متسعة الميدان يوم الخامس عشر من محرم عام 1187م، كما جاء في مجموع رسائل الراشدي [42].

3- النظر في تاريخ وفاة تلاميذه فالقاضي محمد بن المسبح القسنطيني توفي سنة (1242هـ ) ومحمد بن على الطلحي توفي سنة (1232هـ ) ولو كان تاريخ وفاته ما ذكر الحفناوي لما كان لهما إدراك له ولا تتلمذا عليه.

4- النظر في تاريخ تولي صالح باي الحكم بقسنطينة وهو عام (1185هـ) واستمر ذلك إلى عام (1207هـ ) حيث إن الحفناوي نفسه قد ذكر أنه كان يفتي ويفسر القرآن بمجالسه أي في فترة توليه الحكم.

5- النظر في عصر الورتيلاني صاحب الرحلة الذي عاصر الشيخ الراشدي وحدثنا عن تفاصيل محنته حيث إنه ولد عام 1125هـ وتوفي عام 1193هـ.

6-النظر في تاريخ وفاة من علمنا من شيوخه أو عاصرهم، فأحمد زروق نزيل القيروان مولود عام 1107هـ ، وأحمد المكودي نزيل تونس توفي عام 1170هـ.

الفرع العاشر : ثناء العلماء والمترجمين على الراشدي

1- وقال الشيخ أحمد زروق (وهو أحد شيوخه كما سبق ) في تقريظ رسالة تحفة الإخوان:

وأحسـن الحجج والدلائل        نسج الفقيه الشيخ ذي الفضائل

خضم العلوم زاخر لا يدرك        ألا اللبيب.............. مدرك

شيخ المشايخ وإكسير العلوم      وطودها يجلي الهموم والغمـوم

إذا تحــدث بـأي فـن      يقــال فنــه بغير ظــن

الراشدي عبـده المضاف        لقـادر و ذا هـو الكشـاف

بتحفـة الإخوان قـد أسماه      جـوزي بالفردوس بل أسمـاه.

2- وقال أحمد زروق العنتري[43]:

و إن مـا قلتـه فمـن أدلته       أبقـاه رب العبـاد نافعـا أمما

لقد سما فـوق ضده على رغم      منه كما قد سما فوق الثرى سما

أعني به راشدي الأصل راشدنا      إلى الهداية منقذا لنا مـن عمـا.

3- وقال محمد بن كوجك علي الحنفي[44] (ت 1246 هـ):

ولقـد ألـف في تحليلـه     جاهل الحكم ضعيف المشرب

فأتانـا و عرفنـا قولـه     من بلاد الشرق شبه المغـرب

فعد من حجـة داحضـة     ردهـا أستــاذ المغـرب[45].

4- قال الزبيدي في معجمه :« شيخنا الإمام المحدث الصوفي النظار »[46].

5- قال الحفناوي :« العلامة المحقق المجتهد الأصولي الكلامي قرافي وقته وعضد زمانه»[47].

6- ووصفه الشيخ مبارك الميلي كما سبق بشيخ قسنطينة في القرن الثاني عشر[48].

7- وقال عمر رضا كحالة :« فقيه أصولي متكلم مؤرخ »[49].

خاتمة الترجمة

هذا آخر ما أمكن جمعه من أخبار الشيخ عبد القادر الراشدي رحمه الله تعالى حسب ما تيسر من مصادر، ومع ذلك فإننا نقول إنه من القلة من النجباء الذين أنجبتهم الجزائر، إنه من الأعلام المجددين الذين حفظ الله بهم الدين في الزمن الغابر ، لكن قد ظلمه أهل زمانه وظلمه من بعده حتى إننا لا نجد له عند أكثرهم أثرا ولا ذكرا، فقد رأينا أنه لا يكاد يوقف له على تاريخ مولده إلا بشق الأنفس، وإذا سألت عن مرحلة تكوينه وتعليمه لا تجد إلا خبر تتلمذه على بعض المشايخ ولا ندري ماذا أخذ عنهما؟ وهكذا إذا قلبت النظر في الجوانب الأخرى من حياته، وإنه لأمر غريب أن يكون هذا حال من تولى قضاء قسنطينة وفتواها مرارا كما رأينا، حيث إنه تولى المراكز التي تكسب أهلها شهرة وتخلد ذكرهم وآثارهم، ولكن قد علمتم ما ناله بسبب اجتهاداته وجهره بالحق ومخالفته لأكثر أهل زمانه بل وبسبب تفوقه عليهم حدثت له تلك المحنة التي أطفأت شهرته وأخرته عن منصبه وأخرجته من بلده[50]، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة وجعل ما أصابه في ميزان حسناته، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله أنت أستغفرك وأتوب إليك.

 


[1] المعجم المختص للزبيدي (432) شجرة النور الزكية لمخلوف (1/330).

[2] تاريخ الأدب العربي لكارل بركلمان (القسم 9ص542).

[3] تعريف الخلف برجال السلف للحفناوي (228) مقدمة تحفة الإخوان لعبد الله حمادي (15). ومن أعلام الجزائر من يلقب بالراشدي نسبة إلى الراشدية بغريس ولاية معسكر في التقسيم الإداري الحالي، انظر معجم أعلام الجزائر لعادل نويهض (145).

[4] هو أبو القاسم محمد الحفناوي ابن أبي القاسم الديسي ابن إبراهيم الغول أحد أعلام الجزائر ولد عام 1269هـ (1852) وتولى التدريس بالجامع الكبير بمدينة الجزائر ابتداء من سنة 1314هـ (1897) وعين مفتيا للعاصمة سنة 1355هـ (1936) توفي في 1361هـ (1941) انظر معجم أعلام الجزائر (121).

[5] تعريف الخلف برجال السلف (228) وقال بركلمان (9/542) إنه كان في القرن الحادي عشر أيضا .

[6] تعريف الخلف برجال السلف (228) تاريخ الأدب العربي (القسم 9ص542) ويرى الدكتور أبو القاسم سعد الله أنه تولى منصب مفتى الحنفية ، قال في تاريخ الجزائر الثقافي (2/65) :« كان مفتي الحنفية وألف أيضا في ذلك » ولكن سيأتي التحقيق في مذهبه أنه كان مالكيا مائلا إلى الاجتهاد.

[7] تاريخ الجزائر الثقافي (2/12).

[8] مقدمة تحفة الإخوان (36).

[9] تاريخ الجزائر في القديم والحديث (711).

[10] هو الحسين بن محمد السعيد الورثيلاني ولد في بني ورثيلان (الواقعة بين بجاية وسطيف ) عام 1125هـ (1713) فقيه ومؤرخ وزاهد تعلم بمسقط رأسه ورحل إلى مصر والحجاز من مؤلفاته نزهة الأنظار في فضل التاريخ والأخبار المعروف بالرحلة الورثيلانية توفي عام 1193هـ (1779) انظر شجرة النور الزكية (357) الأعلام للزركلي (2/257) معجم أعلام الجزائر لعادل نويهض (340).

[11] الظاهر أنه الشيخ أبو العباس أحمد بن أحمد البرنسي الفاسي الفقيه الصوفي المعروف صاحب الطريقة الزروقية ، ولد عام 846هـ (1442) وأخذ العلم عن الشيوخ فأكثر له مؤلفات كثيرة منها شروح للحكم العطائية وشرح لمختصر خليل وكتاب الحوادث والبدع وتوفي بقرب طرابلس الغرب عام 899هـ (1493) انظر شجرة النور الزكية (1/267-268) والأعلام الزركلي (1/91).

[12]/ تأويلها بالقدرة مذهب الجهمية والمعتزلة وتبعهم أكثر المتأخرين من الأشعرية ، والتوقف هو مذهب التفويض الذي اختاره كثير من الأشعرية أيضا.

[13]/ تعريف الخلف برجال السلف (229-230).

[14]/ المعجم المختص (431).

[15]/ مقدمة تحفة الإخوان (34) وانظر تحفة الإخوان (138).

[16]/ قد يراد بالتصوف الزهد والتعبد وهذا إذا كان على وفق ما جاءت به الشريعة فلا حرج فيه، وأما إذا صاحبه الانتساب إلى الطرق والالتزام ببدع عملية أو اعتقادية فهو بدعة، وقد يتسمى بهذا الاسم أيضا المشعوذون والمرتزقة البطالون والحلوليون والمتحللون من الشرائع وهؤلاء أضل وأبعد عن الإسلام.

[17]/ مقدمة تحفة الإخوان (41).

[18]/ المعجم المختص (432).

[19]/ شجرة النور الزكية (1/330).

[20]/ انظر شجرة النور الزكية (1/346).

[21]/ انظر شجرة النور الزكية (1/348).

[22]/ انظر تعريف الخلف برجال السلف (176).

[23]/ انظر تعريف الخلف (488) معجم أعلام الجزائر (204).

[24]/ انظر الأعلام للزركلي (7/70).

[25]/ تاريخ الجزائر الثقافي تأليف أبو القاسم سعد الله (2/47).

[26]/ تعريف الخلف برجال السلف (229) وسماها في معجم أعلام الجزائر (146) برسالة في وزن الأعمال، وقد أخطأ بروكلمان إذ ذكر هذا الكتاب في باب الطب والعلوم الطبيعية ، وكذا الدكتور سعد الله إذ ذكره ضمن المؤلفات في علم الفلك، انظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (القسم التاسع ص542) تاريخ الجزائر الثقافي (2/428) ط الجزائر ، أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر (3/190) مقدمة تحفة الإخوان (35).

[27] تعريف الخلف برجال السلف (228) معجم أعلام الجزائر (146) مقدمة تحفة الإخوان (35).

[28] تعريف الخلف برجال السلف (229) مقدمة تحفة الإخوان (36).

[29] مقدمة تحفة الإخوان (37).

[30] مقدمة تحفة الإخوان (37).

[31] مقدمة تحفة الإخوان (37).

[32] تعريف الخلف برجال السلف (228) مقدمة تحفة الإخوان (35).

[33] تعريف الخلف برجال السلف (228-229).

[34] مقدمة تحفة الإخوان (37).

[35] تعريف الخلف برجال السلف (229).

[36] تعريف الخلف برجال السلف (228) مقدمة تحفة الإخوان (35).

[37] مقدمة تحفة الإخوان (37) وقد وهم الدكتور عبد الله حمادي حيث قال بأنها قصيدة تصف قدوم الفرنسيين، لأن الثابت تاريخيا أنه لم تكن أي محاولة غزو فرنسية في تلك المرحلة وإنما الذي ثبت هو المحاولة الإسبانية لغزو الجزائر العاصمة في جويلية 1770م الموافق لـ 1184هـ أيام كان داي الجزائر محمد عثمان باشا وقد وردت تسميته في مطلع القصيدة انظر تاريخ الجزائر لمحمد بن المبارك الميلي (3/232).

[38] تعريف الخلف برجال السلف (228) .

[39] مقدمة تحفة الإخوان (37).

[40] المعجم المختص لمرتضى الزبيدي (432).

[41] محمد بن محمد بن عمر بن قاسم مخلوف، تعلم بجامع الزيتونة، ودرس فيه ثم بالمنستير. وولي الافتاء بقابس (سنة 1313) فالقضاء بالمنستير (1319) وعين في منصب المفتي الاكبر (سنة 1355)، من مؤلفاته شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ورسالة في فضل الطب والأطباء وشرح أربعين حديثا من ثنائيات الموطأ توفى عام 1360 هـ بالمنستير الأعلام للزركلي (7/82).

[42] مقدمة تحفة الإخوان (35).

[43] لم أجد من اسمه أحمد زروق وينسب إلى هذه النسبة ولكن ربما كان هو أبو العباس أحمد زروق السنوسي الكافي التونسي قاضي الجماعة فيها المتوفى عام (1246هـ) انظر شجرة النور الزكية (1/370).

[44] هو أبو عبد الله محمد بن جوجك علي من فقهاء الحنفية عينه صالح باي وزيرا له (منصب يعادل وزارة الداخلية في العصر الحالي ) أيام حكمه في قسنطينة توفي في حدود (1246هـ) انظر تحفة الإخوان (189) تعليق عبد الله حمادي .

[45] انظر هذه التقاريظ في آخر تحفة الإخوان في تحريم الدخان (184-189).

[46] تاريخ الجزائر الثقافي تأليف أبو القاسم سعد الله (2/47).

[47] تعريف الخلف برجال السلف (228).

[48] تاريخ الجزائر في القديم والحديث (711).

[49] معجم المؤلفين (2/188).

[50] قد ذكرني ما أصاب الشيخ الراشدي بكلمة صدر بها ابن حزم كتابه في خصائص الأندلس بين فيها حالة غير مرضية رآها من خصائص الأندلسيين، ولعلهم قد ورثوها عن أهل المغرب قال رحمه الله:» فإنها خصت من حسد أهلها للعالم الظاهر فيهم الماهر منهم، واستقلالهم كثير ما يأتي به واستهجانهم حسناته، وتتبعهم سقطاته وعثراته، وأكثر ذلك مدة حياته بأضعاف ما في سائر البلاد، إن أجاد قالوا سارق مغير ومنتحل مدع، وإن توسط قالوا غث بارد وضعيف ساقط، وإن باكر الحيازة لقصب السبق، قالوا متى كان هذا؟ ومتى تعلم؟ وفي أي زمان قرأ؟ ولأمه الهبل! وبعد ذلك إن ولجت به الأقدار أحد طريقين، إما شفوفا بائنا يعليه على نظرائه ، أو سلوكه في غير السبيل التي عهدوها، فهنالك حمي الوطيس على البائس، وصار غرضا للأقوال وهدفا للمطالب ونصبا للتسبب إليه، ونهبا للألسنة وعرضة للتطرق إلى عرضه، وربما نحل ما لم يقل وطوِّق ما لم يتقلد، وألحق به ما لم يفه به ولا اعتقده قلبه، وبالحرى وهو السابق المبرز إن لم يتعلق من السلطان بحظ أن يسلم من المتآلف وينجو من المخالف، فإن تعرض لتأليف غمز ولمز وتعرض وهمز واشتط عليه، وعظم يسير خطبه واستشنع هين سقطه ، وذهبت محاسنه وسترت فضائله، وهتف ونودي بما أغفل، فتنكسر لذلك همته وتكل نفسه وتبرد حميته«. انظر نفح الطيب للمقري (3/181) دار صادر.

تم قراءة المقال 6515 مرة