الاثنين 25 ربيع الثاني 1438

الطريق إلى التحقيق في العلوم والتجديد فيها

كتبه 
قيم الموضوع
(3 أصوات)

 للشاطبي رحمه الله قواعد منهجية في البحث العلمي وتأصيلات تربوية مهمة؛ جاد بها علينا في مصنفاته العزيز مثلها. ومن تلك القواعد قاعدة الاستفادة من كتب العلماء الموضوعة في مختلف الفنون، حيث جعل ذلك نافعا للباحث بشرطين اثنين لابد من اجتماعهما، [كما في الموافقات (1/ 148-154)] الأول:" فَهْم مَقَاصِدِ ذَلِكَ الْعِلْمِ الْمَطْلُوبِ، وَمَعْرِفَةِ اصْطِلَاحَاتِ أَهْلِهِ"، وجعل هذا بمثابة تحصيل المفاتيح ونص أن الطريق إليها هو مشافهة العلماء أو ما هو راجع إليه؛ لأن ضبط مقاصد العلم يتم بقراءة مختصرات المتأخرين وبشرحها، وهي كتب مدرسية شرحت فيها مصطلحات العلم ونظمت فيها مباحثه تنظيما يسهل الفهم.
الشرط الثاني : "تَحَري كُتُب الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُرَادِ؛ فَإِنَّهُمْ أَقْعَدُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ"، ودلل ذلك بالتجربة المشاهدة، وكذا بدلائل الأخبار الدالة على نقصان الخير وقبض العلم، ولا شك أن الشاطبي إنما يوجه الباحثين مبتغي التحقيق دون غيرهم، لأن العامي والمقتصد في العلم يكفيه ما يحصله من حلقات الشيوخ ومن كتب مدرسية. ويلاحظ أنه لم يخصص علما دون غيره؛ فكلامه يعم الفقه وأصوله والتوحيد والسلوك وعلوم العربية وغيرها حيث قال :" فَهُوَ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ فِي أَيِّ عِلْمٍ كَانَ" وقال:" وَحَسْبُكَ مِنْ ذَلِكَ أَهْلُ كُلِّ عِلْمٍ عَمَلِيٍّ أَوْ نَظَرِيٍّ".
بل إنه حين دلل بالتجربة على تفوق المتقدمين على المتأخرين ذهب إلى ما هو أبعد من عصر التأليف، وهو عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم، فقال :"فَأَعْمَالُ الْمُتَقَدِّمِينَ ... عَلَى خِلَافِ أَعْمَالِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَعُلُومُهُمْ فِي التَّحْقِيقِ أَقْعَدُ، فَتَحَقُّقُ الصَّحَابَةِ بِعُلُومِ الشَّرِيعَةِ لَيْسَ كَتَحَقُّقِ التَّابِعِينَ، وَالتَّابِعُونَ لَيْسُوا كَتَابِعِيهِمْ، وَهَكَذَا إِلَى الْآنِ". وهذه النقطة بعنصريها يلتقي فيها مع ابن تيمية إذ يقول كما في المجموع (20/401):"فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ... أَمْرٌ مَعْرُوفٌ مِنْ زَمَنِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ؛ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ كَانُوا أَقْعَدَ بِهَذَا الْفَنِّ وَغَيْرِهِ مِنْ فُنُونِ الْعِلْمِ الدِّينِيَّةِ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ"، ففي كلامه هذا شمول مفهوم المتقدمين لعصر ما قبل التدوين ، وكذا التعميم لجميع الفنون وسياق كلامه في علم نظري لا عملي.
ونحن في هذا الزمن ما زلنا نعاني من الاخلال بهذا الأمر المنهجي المهم :
-فنجد باحثين (مجازا) لا يحسنون إلا اجترار ما كتبه المتأخرون مع إعادة الترتيب والتقديم والتأخير وأحيانا لا يتجاوزون المعاصرين.
-ونجد آخرين تخطوا مراحل التعليم، فنسبوا أنفسهم إلى التحقيق قبل التحصيل، وقفزوا على كل تراث العلماء، فتراهم يأخذون نصوصا للسلف والعلماء المتقدمين، ويفسرونها على غير مرادهم ويضعونها في غير موضعها، فيفسدون لا يصلحون.

تم قراءة المقال 1753 مرة